من بين النصائح التي ضمنّها الفيلسوف السياسي الايطالي”نيكولا مكيافيلي”(1469-1527) في كتيبه “الأمير”، النصيحة التالية: »إذا أردت (أيها الأمير) أن تقضي على منافسيك وتبرز قوتك للجميع، اصنع انقلاباً واقض عليه  «ولعل من بين فوائد هذه النصيحة المكيافيلية، أن بوسع الحاكم القضاء على الانقلاب المفبرك، و معه القضاء على الأعداء والخونة، مهما كانت منصبهم أو مكانتهم داخل المجتمع حتى لو كانوا جنرالات أو قضاة..

وعلى وزن هذه النصيحة القديمة نسبيا (القرن15)، يمكن صياغة نصيحة معاصرة -بلغة اليوم- تنتمي بالتحديد لسياق مابعد2001 كما يلي: إذا أردت يا عزيزي الحاكم المنتخب ديمقراطيا، أن تقضي على من يعرقل سياستك الداخلية والمصالح الإستراتيجية.. دون أن تعرقلك ترسانة القوانين وخاصة حقوق الإنسان.. فاصنع تفجيرا إرهابيا، يموت فيه أبرياء، واقض على منافسيك بفضل ما يجنيه لك من تعاطف وسخط على قتل الابرياء، بل من خلاله اقض على كل من تراه خائنا أو مزعجا، واقض ما أنت قاض.. وعندها من لن ينضمّ لصفك سيُعدّ بالضّرورة ضدّ الوطن والمصلحة العليا للدولة.

لكن السؤال المحير هو هل يمكن اللجوء لحيلة الانقلاب المفتعل بدل الإرهاب المفتعل، رغم ما يحمل الأول من خطر فعلي واحتمال عدم النجاح ؟

في يومنا هذا، هناك من يعتبر أنه ليس من الحكمة أن يقف الحاكم متفرجا أمام الانفلاتات الأمنية المتصاعدة وتهديدات الاستقرار التي يمكن أن تطال الدولة حكومة وشعبا، لدى يبرّر ضرورة اللجوء لهكذا حيل، كي لا تنهار هيبة الدولة وأمن المواطن أمام هيبة القوانين وضرورة الامتثال لها، لأن الأولوية حسب دعاة هذا الرأي لأمن الدولة وهيبة الحاكم وليست لهيبة القوانين وحقوق الانسان.. ولأن الاولى تؤدي إلى الثانية بالضرورة، بين الثانية قد لا تضمن الأولى، وقد وردت هذه الأفكار على لسان عدد من المؤلفين لعل من بينهم الفرنسي ميشيل سينيلار Michel SENELLARTمن خلال مؤلفيه “فنون الحكم”  Les arts de gouverner وكذلك داعي المصلحة العليا La Raison d’Etat .

من خلال ماتمّ عرضه، يطفو على السطح السؤال التالي: هل من المنطقي أن تتبنى حكومات الدول (الحكومات التي تسير بالفعل وليس الشكلية) هذا الطرح وتنفذ هجمات إرهابية مفتعلة فيقتل 20 مواطنا ليتم كسب أمن واستقرار ملايين المواطنين لأزيد من 20 سنة؟  من الأولى 20 مواطن أم الملايين ؟ هل في ذلك ظلم أم أنه هو عدل من زاوية أخرى؟ 

لكن السؤال المحير هو هل يمكن اللجوء لحيلة الانقلاب المفتعل بدل الإرهاب المفتعل، رغم ما يحمل الأول من خطر فعلي واحتمال عدم النجاح ؟

رجوعا إلى العنوان، وعلاقة مع أحداث تركيا اليوم، ما مدى إمكانية تدبير أردوغان لهذا الانقلاب كوسيلة، من أجل الظفر بما يتيحه له من امتيازات كغاية ؟ هل من مصلحته القيام بصنع انقلاب وهمي والانقضاض عليه لكي يبدو قويا؟ هل هو ضعيف للدرجة التي تدفعه للتفكير في ما يقويه كشخص وكرئيس ؟ أليس من المغامرة -المتهورة-أن يفكر رئيس دولة مستقرة وقوية بل وأصبحت من بين أقوى 20 دولة في الصناعة والتجارة والسياحة.. ؟ 

تعمدنا في هذا المقال عدم الإجابة عن الأسئلة، تاركين للقارئ الكريم حرية التفكير، وحرية إيجاد الجواب المناسب الأقرب إلى الصواب، فغاية المقال ليست الجواب، بل فتح بعض طرق التفكير الممكنة pistes de réflexion، لكن في نفس الوقت نساءل الذين يعتقدون-جازمين-أن الانقلاب مسرحية يخرج عقبها طيب أردوغان كالبطل المغوار المؤيد من السماء، هل لديهم دليل منطقي على صحة هذه الفرضية ؟ وما مقدار الربح والخسارة من هكذا مغامرة؟ وما مدى ضمان فشل الانقلاب؟ ثم لماذا لم تكن لأصحاب هذا القول نفس جرأة التفكير جهرا والتدوين الفايسبوكي إزاء بعض التفجيرات العالمية التي يمكن أن تكون هي أيضا مسرحية محكمة الإخراج ؟ أم إن الجرأة تكون موسمية وموجهة توجيها ينأى بصاحبه عن خطر السجن أو غيره؟