تحية المواطنة

لقد آلمني ـ كالكثير من المواطنين المغاربة ـ أن أرى حياتكم الخاصة وهي تُنتهك عن طريق التلصص وأن تُستغل خارج كل الأعراف والقوانين التي تحترم خصوصية الفرد، وهو أمر لا يمكن للمرء سوى أن يُدينه. إلا أنه، وبعد تفكير عميق، تبادرت إلى ذهني، وبعيدا عن كل تشفي، المثل المغربي المأثور “بَاشْ قتلتِي باش تْمُوت”، والموتُ هنا بالمعنى الرّمزي طبعاً.

فإذا ما اقتصرتُ على حالتي الشخصية فقط (دون الحديث عن مثيلاتها كحالة كل من نادية ياسين، وفؤاد عبد المومني، وكريم التازي، وعلي أنوزلا، وخديجة الرياضي، وهشام منصوري، والكثير من أعضاء جماعة “العدل والإحسان”، وغيرهم كثير …) أستطيع أن أدعي بأني أشعر بما يحس به المرء عندما يكون ضحية لمثل هذه الأساليب الشائنة، وقد عشت مثل حالتكم هذه مرات عديدة على مدى ثلاث سنوات، وتعرضت حياتي الخاصة وحياة أسرتي الصغيرة لوابل من الانتهاكات والافتراءات التي كانت  كلها مبنية على أكاذيب وادعاءات مفبركة كانت تقوم بنشرها وتداولها على نطاق واسع وسائل إعلام تشتغل بصفة “قانونية” في المملكة التي تمثلون أحد أهم مدبري سياساتها العمومية، حتى وإن كان ذلك من خلف الكواليس.

والأخطر أن مُعظم “المنابر الإعلامية”، التي تنشر مثل تلك الأكاذيب عن حياتي الخاصة والعامة، يتم تمويلها وأحيانا إدارتها من طرف أجهزتكم. أُعطيكم أمثلًة حتى تفهموا جيداً عما أتحدث عنه. بتاريخ 31 مارس 2015  كتب موقع “أكورا بريس”، المقرب من جهات تعلمونها، أن لدى المعطي منجب عشيقة يضرب لها المواعد في الرباط والدار البيضاء. ومنذ ذلك التاريخ، والمغاربة بمن فيهم عائلتي يقرؤون هذه “المعلومة” الخاطئة والمفبركة كل يوم.

وبتاريخ 3 يونيو 2015، كتبت “لاروليف” (La Relève)، وهو موقع آخر في خِدمة جهات لا تخفى عن علمكم “الواسع” بما يجري في البلد الذي تحتلون فيه موقعا يجعلكم على إطلاع على كل صغيرة وكبيرة تحدث فيه، أن منجب “خمسينيٌ يعاني من العجز الجنسي المُبكِّر” وأنه في خِدمة حسن أوريد والأمير مولاي هشام وأنه يعمل يدا في يد مع “الجهاديين” (كذا!). هذا أمر خطير! أليس كذلك السيد مستشار الملك؟ وفي وقت لاحق اتهمني موقع cawalisse.com “كواليس”، وهو جزء من منظومة المواقع التي تعرفون بالتأكيد من يزودها بأخبارها “الخاصة جدا”، كوني “مدافع شرس عن الشذوذ الجنسي”.

أكثر من هذا، وصفني موقعLe360  ، وغير خاف عليكم من يزود هذا الموقع بـ “أخباره” التي تتهجم على كل صاحب رأي حر ومستقل، بـ”المؤرخ المعادي للسامية” (Historien négationniste)، وهي جريمة، كما تعلمون، يعاقب عليها القانون في الدول الديمقراطية بعقوبات سالبة للحرية، متهماً إياي باختلاس أكثر من مائتي مليون  نقلا عن يومية “الأحداث المغربية”، إحدى الصحف الصفراء التي تتغذى على “أخبار”، تعرفون من يزودها بها. هذا الرقمٌ رفعته يومية “الأخبار”، وهي الأخرى من الصحف التي تعلمون، بدون شك، من يحركها، بضربة مزايدة، إلى مليارين، تدعي إنني تلقيتها في سنة واحدة من الخارج (أنظر عدد 16 يونيه 2016 وما تلاه). 

وبالمناسبة، فاتهامات الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، عندما استدعتني للتحقيق معي، ذهب في نفس اتجاه اتهامات هذه “الصحف” و”المواقع”، التي تستقي منها تقاريرها. لقد استعملت الشرطة القضائية نفس الكلمات وأحيانا نفس الجمل وبنفس التركيب. وهنا أشير إلى أنه إذا كانت الصحف الناطقة بالفرنسية، كموقع ” 360Le “، تتهمني بمعاداة اليهود/السامية، فإن الصحف والمواقع الناطقة بالعربية تتهمني بالتعامل مع المنظمات الصهيونية، والهدف هنا واضح وهو الإساءة إلي مع الديمقراطيين في الغرب الذين يقرؤون الفرنسية وضرب مصداقيتي لدى المغاربة الذين يساندون مثلي القضية الفلسطينية.

لم أذكر هنا سوى بعض الأمثلة من الهجمات التي تستهدفني أنا وعائلتي. ألا تخجل الدولة، أقصد دولتكم، من وجود مثل هذا النوع من الصحافة التي تحظى بالدعم من المال العام وبالرعاية والحماية ممن تعلمون؟

بعد نشر ما بات يٌعرف بـ “فيديو الدوحة”، وهو مجدداً عمل لا قانوني ومدان ـ آمل؛ وأملي ضعيف؛ أن تأخذ سماعة الهاتف وتقول  للسيد عبد اللطيف الحموشي، أن يعمل تحرياته لمعرفة من يزود هذه “الجرائد” و”المواقع”، بـ “أخبارها” الزائفة التي تنهش في أعراض الناس، ومن يحميها ضد سلطة القانون، لأن الكثير من المتضررين من “أخبارها” عندما يلجئون إلى القضاء، غالبا ما ترفض شكاياتهم بطرق تلتف على القانون.

 إن ما شجع من التقط “فيديو الدوحة”، في خرق سافر لحياتكم الخاصة، هو أسلوب هذه “الصحف” والمواقع التي تنهش ليل نهار في أعراض المعارضين وكل أصحاب الأصوات الحرة والآراء المستقلة تحت مرآى ومسمع أجهزتكم التي تعرف أن “أخبارها” كاذبة وملفقة وأكثر من ذلك “لا أخلاقية”، لأنها تنتهك ما هو مقدس في حياة الإنسان أي حياته الخاصة.

لقد تجاوزت هذه الصحف والمواقع في مذبحتها في حق الديمقراطيين والشرفاء المغاربة كل الحدود والأعراف. مذبحةٌ تضر كثيراً بصورة المغرب وتسيء إلى مصداقية صحافته خاصة أن الجميع يعلم أن من يرتكب هذه الجرائم اليومية ليسوا صحافيين عاديين بل إن وراءها “ديوان أسود”  (Cabinet noir) يُشرف بانتظام على هذا العمل القذر والحقير والدنيء والذي أصبحتم اليوم، بعدما اخترقت حياتكم الخاصة، تعلمون كم هو مؤذي ومدمر لحياة الآخرين.

والسلام علىكم.

المعطي منجب