التناوب الثاني..وقفة للتأمل
هل شكل التناوب الثاني لحظة نوعية تم ضمنها استيعاب و تجاوز المعيقات و العقبات التي انتصبت أمام التناوب الأول، أم لا يعدو أن يكون مجرد نسخة مكررة له بالنظر للحصيلة التي تحققت إلى حدود اللحظة الراهنة على الأقل؟.
آراء أخرى
للجواب على هذا التساؤل كان لزاما علينا انتظار خمس سنوات على خروج حركة 20 فبراير2011 في جل المدن المغربية مطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية و التي كانت وراء بروز دستور جديد تلته انتخابات سابقة لأوانها بعد إسقاط الحكومة و حل البرلمان، وما ترتب على ذلك من تأسيس للتجربة الحالية التي لم يبق من ولايتها إلا أياما معدودات لتدخل في عداد التاريخ و لتشكل مادة و موضوعا للدراسة و التحليل و التقييم بما لها و ما عليها ، و هو ما يقتضي طرح التساؤلات التالية:
هل تأسس التناوب الثاني على قاعدة صلبة بناء على سيرورة وتطور داخلي من خلال عملية تفاعلية بين الذاتي والموضوعي، وبالتالي ولد ولادة طبيعية بعد اكتمال عوامل نموه الطبيعي في رحم المجتمع ، أم تأسس هذا التناوب في سياق تدخل استعجالي للحيلولة دون استكمال نموه الطبيعي، وبالتالي تمت ولادته بعملية قيصرية تروم الحصول على مولود بمواصفات محددة ووفق معايير خاصة ذات صلة بشعار صالح للاستعمال والتوظيف من قبل الجميع وهو مصلحة البلد؟
هل كانت ولادة التناوب الثاني طبيعية وبكامل العناية التي ينشغل ضمنها الطاقم الطبي بالحفاظ على حياة ومستقبل الوليد وبالشكل الذي يضمن له حياة آمنة يتمتع ضمنها بكامل مناعته ولياقته البدنية والروحية والعقلية،أم كانت الولادة عن طريق طاقم الطبي حرص ضرورة الإسراع بعملية قيصرية لإخراج الوليد كرها إذ اقتضت مجموعة إكراهات وحسابات أطراف مختلفة، ضرورة هذا الإسراع إذ من شأن كل تأخير أن يحدث أضرارا وخيمة بمصالح جهات متعددة أفرادا كانوا أو جماعات وهيئات؟.
وهل الشروط والمقدمات والأسس التي بني عليها التناوب الثاني تشجع على الاعتقاد في قدرة هذا البناء على الصمود والتبات في مواجهة كل التحديات الداخلية والخارجية، أم هو بناء تم تشييده تحت ضغط الحاجة الاستعجالية لتقديم إجابات لا تستجيب للمطالب والانتظارات؟
هل استوعب التناوب الثاني درس التناوب الأول، أم يشكل الخوف مما يمكن أن يفضي إليه هذا الدرس من خلاصات مزعجة حاجزا نفسيا يحول دون التورط في أية قراءة متأنية لواقع الحال؟
هل يملك التناوب الثاني هوية مقبولة من طرف كل المكونات من خلال حرصه على الدفع في اتجاه تيسير سبل الحوار وتأسيس ثقافة قيم المواطنة والسلوك المدني وتنمية الإحساس بمفاهيم الحق والواجب والتسامح ونبذ العنف والتطرف في القول والفعل والقبول بالاختلاف ومقارعة الحجة بالحجة على أساس أن الحوار هو الضامن للحقيقة، أم لا تتجاوز هويته الحرص على إذكاء النزعات والنعرات الحزبية الضيقة مع ما يمكن ن يترتب على ذلك من احتقان وتوتر ومجابهة وصراع؟
هل تميز التناوب الثاني وخلال خمس سنوات من عمره بتقديم أجوبة مطمئنة بخصوص وضع خارطة طريق للشروع في التصدي للمعضلات الكبرى التي تم الالتزام بضرورة مواجهتها من صحة وتعليم وسكن وتشغيل ، وذلك بفتح نقاش عمومي لاقتراح البدائل الممكنة أم لازال هذا التناوب وهو في نهاية ولايته لا يتجاوز حدود إعادة استهلاك الحلول المبتذلة التي تستهدف الفئة المأجورة المسماة طبقة متوسطة والتي يتم تكديحها يوما بعد يوم؟
هل مثل التناوب الثاني روح مرحلته التاريخية، وكان في مستوى التطلعات والانتظارات التي عبر عنها الحراك الاجتماعي في كل ربوع الوطن، أم وقف عند حدود الاستجابة لتطلعات حزبية ضيقة من قبيل السعي الحثيث من أجل الوصول إلى مفاصل الدولة مع بذل كل الجهود لتقديم كل الأدلة من قبل الأغلبية أو المعارضة على أن هذا الحزب أو ذاك هو الأصلح والأقدر والأقرب للدولة العميقة التي يشتكي منها الجميع ويروم كل حزب بهذه الطريقة أو تلك غاية التصالح أو التماهي معها بتمجيد الذات و تخوين الآخرين؟
هل ما أفضى إليه التناوب الثاني من حديث حول ثنائية أو قطبية حزبية بين متنافسين على السلطة، هي ثنائية حقيقية وليدة سيرورة تاريخية طبيعية تستمد مشروعيتها من تجدر الحزبين في بنية المجتمع، و لكل منهما مشروعه المجتمعي الذي يعبر عن آمال و تطلعات الفئات أو الطبقات التي يمثلها كل حزب من الحزبين المتنافسين، أم هي ثنائية مصطنعة أملتها شرط و إكراهات استعجالية يسرت وصول وافدين جديدين إلى السلطة و إلى السياسة بشرعية انتخابية دون شرعية أخلاقية بدونها يتعذر تحقيق أي اندماج في عالم السلطة المليء بالألغام، و عالم السياسة الذي لا يرحم؟.
وإذا كان الناس يصنعون تاريخهم ضمن شروط خارجة عن إرادتهم ، فهل رسم لنا التناوب الثاني معالم سيرنا بشكل دائري حلزوني صاعد، نراكم ضمنه المكاسب ونتخلص من العوائق والإحباطات في أفق الوصول إلى مجتمع الكرامة والعدالة والإنصاف، أم نرى التناوب اليوم يرسم طريقنا على شكل دائري كروي، في هدر فظيع للزمن السياسي ،بشراكة بين الدولة والأحزاب ، موالاة ومعارضة؟
هل استوعب التناوب الثاني درس التناوب الأول، أم يشكل الخوف مما يمكن أن يفضي إليه هذا الدرس من خلاصات مزعجة حاجزا نفسيا يحول دون التورط في أية قراءة متأنية لواقع الحال؟
وبناء عليه فهل يمكن القول أن ولادة التناوب الثاني كانت ولادة شرعية وإضافة نوعية أستفادت من أخطاء السابقين وأسست لميلاد مغرب جديد ينعم فيه الجميع بقيمة الانتصار على الفقر والجهل والمرض ، أم هي مجرد شكل من أشكال الخطايا المقترفة من طرف السياسيين طيلة ستة عقود من الزمان على الأقل؟.
