* تقديم: 

اعتادت الدول الحديثة منح الأوسمة في المناسبات الوطنية الكبرى، لشخصيات مدنية وعسكرية تكريما لها على ما قدمت من خدمات لفائدة أوطانها، وغالبا ما يتم اختيار تلك الشخصيات المحتفى بها بالدول الديموقراطية من قبل منظمات المجتمع المدني أو استجابة لضغط شعبي، في حين لا زالت الكثير من الدول المستبدة تمنح الأوسمة إرضاء لهوى الحاكم فقط. ففيم تختلف أوسمة ماضي المغرب عن حاضره؟     

1. أوسمة ليوطي: 

أ- وسام صليب جوقة الشرف.

تكرست عادة منح الأوسمة بالمغرب بعد خضوعه للاحتلال الفرنسي، وكان أهم وسام تمنحه سلطة الحماية هو “وسام صليب جوقة الشرف”، جريا على عادة الجيش الاستعماري الفرنسي. وكان أول من تقلده في ذلك العهد هما الأخوان المدني والتهامي الكلاوي من يد المقيم العام الجنرال ليوطي بمراكش يوم 9 أكتوبر 1912، احتفالا بكسر ثورة أحمد الهيبة واحتلال مراكش عاصمة الجنوب. وكان التهامي قد لعب دورا هاما في كسر شوكة تلك المقاومة حين غدر هو والقائد العيادي بالجيش المقاوم أثناء زحفه لقتال المحتل في سيدي بوعثمان، قبل أن يسلم مفاتيح مراكش للجنرال مونجان، فيكافأ بتعيينه في منصب باشا المدينة وقائدا للعساكر السلطانية.

ومن بعد الكلاوي تقلده أيضا القائد عبد المالك المتوكي في مراكش مطلع 1914، نظير جهوده في استسلام أنفلوس أحد زعماء المقاومة بحاحة، وناله أيضا في منتصف السنة ذاتها؛ موريس دوري، أكبر الجواسيس الفرنسيين خبرة بشؤون سوس والجنوب المغربي، من قبل حاكم جهة مراكش العقيد دو لاموط؛ احتفاء بنهاية احتلال سهل سوس ومدنه الثلاث تارودانت- أكادير- تزنيت. 

وناله أيضا القائد حيدة بن ميس من يد ذات العقيد في فاتح يناير 1915، جزاء استعادته الأمن بالسهل الذي كانت المقاومة قد استعادت أطرافا منه أثناء الحرب العالمية الأولى.

كما قلده الجنرال هيري حاكم مراكش؛ للحسن بن إبراهيم التامري باشا أكادير نظير مساهمته في إخضاع قبائل إداوتنان المجاورة للمدينة صيف 1928، التي كانت تهدد الطريق الساحلي بينها والصويرة.

ب- وسام صليب الحرب:

كانت الإقامة العامة تمنحه لبعض الجنود المغاربة الذين جندوا أثناء الحربين العالميتين للقتال من أجل شرف فرنسا.

ج- الوسام العلوي:

كان هذا الوسام يمنح من قبل المقيم العام باسم السلطان، ومن بين من ناله على سبيل المثال كازابو فالديس؛ الحاكم العسكري والمدني لمنطقة سيدي إفني، تثمينا للتعاون الإسباني الفرنسي الذي أنهى آخر معاقل المقاومة المسلحة بالأطلس الصغير وواد نون، وقد قلده إياه المقيم العام بونصو خلال الاحتفال الذي أقيم بتلك المناسبة في بويزكارن يوم 18 مارس 1934.

يمكن القول إذا؛ أن أوسمة ليوطي كانت تمنح للمتعاونين مع سلطة الاحتلال، الذين وضعوا أنفسهم تحت تصرفها لإخضاع القبائل الثائرة وكسر شوكة المقاومات المسلحة بالبلد.

 2. أوسمة ما بعد الاستقلال: 

أ. وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة:

استحدثت هذه الوزارة في فجر الاستقلال بموجب ظهير 7 دجنبر 1955، وكانت إحدى ركائز القصر في تثبيت سلطته أثناء صراعه مع حزب الاستقلال، وهو ما جعلها تنعت بـ”وزارة صاحب الجلالة”، ذلك أنها كانت ولا تزال غير خاضعة للمساءلة، وخارج سلطة الحكومات المتعاقبة، وينظر إليها على أنها إحدى أجهزة “التحكم” التي بيد القصر. 

عبر الأوسمة أحيا القصر التقاليد والخطاب المخزني القديم، من قبيل الولاء؛ الخديم؛ الإنعام… وجرت العادة في فترتي حكم محمد الخامس والحسن الثاني على منح الأوسمة لشخصيات من داخل المغرب ومن خارجه، وخاصة من الوسطين الفني وبالأخص من المشرق (أم كلثوم، عبد الوهاب، الأطرش، عبد الحليم)؛ والرياضي (عويطة ونوال)، وصار تَطَلُّبُ نيل “وسام الاستحقاق الوطني”، إحدى وسائل البروز الاجتماعي لدى شريحة من موظفي الدولة.

ب. أوسمة الجوقات العشر:

تابعت وزارة القصور والتشريفات والأوسمة مهامها في مغرب “العهد الجديد” – كما كان يحلو له الدعاية لنفسه مطلع الألفية الحالية – على ما كان عليه الأمر من قبل، ونظم ظهير 5 يونيو 2000؛ كيفية منح أوسمة المملكة التي أصبحت تشتمل على عشر جوقات من ضمنها “الوسام المحمدي”، وأنيط بـ”مجلس الأوسمة” التابع للوزارة، مهمة إعداد لائحة “المنعم عليهم” سنويا بالأوسمة والاكتفاء بإبداء الرأي فيها، لأن الذي يحسم أمرها هو الملك وفق ما نصت عليه المادة الخامسة من الظهير أعلاه؛ والتي تقول: “يرجع الإنعام بالوسام المحمدي ووسام الاستقلال ووسام الولاء إلى  نظرنا السامي الرشيد واختيارنا الموفق السديد”.

إلا أن الجديد في السنوات الأخيرة أن منح الأوسمة بات يثير الكثير من الاستهجان، كون بعضها يمنح لأشخاص يصنفون ضمن أصحاب “الفن الهابط” ممن بدأوا مشاويرهم من سراديب العربدة، أو “أزلام الماسونية” ممن ينتقون مواضيع برامجهم أو كلمات أغانيهم من هرج ولغط الشوارع، بينما أقصي غالبية المثقفين الوطنيين صدقا من أي تشريف.

3. للوسام رمزية:

ندرك جيدا أن الوسام في نهاية المقام مجرد قلادة معدنية لا يساوي ثمنها ربما قيمة الأداء المترتب عنها، لكن ثمنها الحقيقي هو القيمة الرمزية التي تقلد من أجلها، لذلك وبالعودة إلى السؤال الذي صدرنا به هذا الحديث، نكتشف أن “أوسمة ليوطي” لا تختلف كثيرا عن “أوسمة الجوقات العشر” من حيث رمزيتها، فإذا كانت الأولى قد منحت لمن كسر شوكة المقاومة المسلحة ووفر على المحتل عناء سنوات من القتال، فإن الثانية تمنح – مع الاحترام الشديد لبعض الأشخاص – لمن كرسوا غناءهم وبرامجهم لقتل ما تبقى من قيم وطنية بالبلد، وكسر كبرياء هذا الشعب والدفع بأبنائه للكفر بأي إمكانية للنهوض.

لا عزاء للمستهجنين، فالطبيعة لا تقبل الفراغ كما يقول الطبيعيون، ولأن المثقف نزل منذ مدة من على الخشبة فقد صعدت الراقصة… إنتهت الجوقة.