في الكلمة المنشورة التي وجهتُها من قبل إلى شيوخ الانتخابات، حول ما سموه زورا وكذبا وتدليسا على العامة والبسطاء وغير ذوي الاختصاص الفقهي زواجا عرفيا، فوجئت ببعض الشباب المغربي يكاتبونني مشكورين على الفيسبوك بأسئلة في الموضوع، طلبا للتفصيل في الشرح والتوضيح، وكان تركيزهم على معنى” العرف” ومدى مطابقته للزواج الشرعي عند المسلم، لذلك آثرت أن أعود للموضوع تلبية لرغبتهم بالتفصيل البسيط الموجز غير الممل.

وبما أنني قدمت في الكلمة المنشورة تعريفا فقهيا للعرف الشرعي فإنني أضيف إلى ذلك أن العرف مطلقا يجري به العمل لدى جميع المجتمعات البشرية في بعض المعاملات العامة، فيتحول بالتكرار والمعاودة إلى قانون ملزم غير مكتوب، أو شبه قانون ملزم غير مكتوب، كمن يلزمون أسرة الزوجة بنفقات العرس مثلا في بعض الدول الأروبية، وكما هو معروف عند المغاربة من أن الزوجة هي التي تجهز فراش الزوجية، وكما استقر عليه القضاء في حال الطلاق بأن يكون فراش الزوجية للمطلقة، وغيره مما في البيت يقتسم بين الزوجين، ما هو معهود للمرأة فللمرأة وما هو معهود للرجل فللرجل، وكما هو لدى مؤجري البيوت من وجوب تقديم إيجار شهر أو شهرين، وعند تأجير الدكاكين من (شراء المفتاح أو ما يعبر عنه بالساروت)، وغير ذلك من المعاملات التي سكت عنها الشرع وترك أمر تنظيمها وضبطها للناس، والناس فيها بين تنظيمها عفويا إلى أن تتحول العفوية إلى عرف، وبين تنظيمها شورويا أو إداريا أو بقانون وضعي يتفقون عليه.

والعرف بذلك تنظيم لبعض المعاملات التي سكت عنها الشرع وترك أمرها للناس، نشأ عفويا بينهم وشاع فيهم وأصبح معروفا بينهم مَرْضِيا فيهم لا ينكره أحد منهم، إلا أن الفقه الإسلامي اشترط لقبوله في المنازعات والقضاء ومختلف المعاملات بين المسلمين ألا يتعارض مع نص شرعي ثابت في الكتاب والسنة، ومن هذا المعنى نميز بين العرف المنضبط بالكتاب والسنة لا يتعارض معهما كما في إلزام الزوج مثلا بتجهيز فراش الزوجية عند بعض المجتمعات أو إلزام الزوجة بذلك لدى مجتمعات أخرى. وبين العرف غير المنضبط أو السائب كمن يسمح للرجل الأجنبي بالدخول إلى بيت الزوجية في غياب الزوج، أو من يسمح بالاختلاط في بيته بين الأجانب من النساء والرجال، أو من يقدم الخمر على المائدة كما هو العُرْفُ عند بعض غير المسلمين مثلا.

ما حاول التدليس به بعض شيوخ الانتخابات من خلط بين المخادنة المحرمة وبين زواج الفاتحة  الشرعي المعروف من قديم في المجتمعات المسلمة، فهو طامة أخرى سقط فيها شيوخ الانتخابات

أما ما حاول التدليس به بعض شيوخ الانتخابات من خلط بين المخادنة المحرمة وبين زواج الفاتحة  الشرعي المعروف من قديم في المجتمعات المسلمة، فهو طامة أخرى سقط فيها شيوخ الانتخابات وسقطت على رؤوسهم، لأن زواج الفاتحة عند جميع المسلمين في العالم زواج شرعي تحققت فيه جميع شروط الزواج الإسلامي، وليا وإيجابا وقبولا وصداقا وإشهادا، ولا ينقصه إلا التوثيق الإداري الذي فرضه القانون الوضعي ضمانا لحقوق الزوجين والأبناء والورثة عند الوفاة إو في حال الطلاق، وقد ناب عنه معرفة الناس به وإشهاره بالوليمة في المجتمع، كما في الحديث المتفق عليه:” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ فَقَالَ: (مَا هَذَا؟) قَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ: (بَارَكَ اللَّهُ لَكَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ)، وكما في حديث أنس بن مالك قال:(أوْلَمَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِتَمْرٍ وَسَوِيقٍ)، ووليمته صلى الله عليه وسلم هذه ببساطتها إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى الحض على تخفيف تكاليف الزواج وتيسيره للناس.

وأما ما شاع عند بعضهم من قول:”زوجتك نفسي” فلا يتم به زواج شرعي ولا يصح به، لانعدام أركان الزواج الشرعي الثابتة في الكتاب والسنة، ولعدم استناده إلى نص ثابت صحيح وإنما ارتكاب للفاحشة بتلبيس من الشيطان وتلفيق فاسد بغلبة الشهوة والهوى. 

من هنا نعود إلى ما سماه بعض شيوخ الانتخابات زواجا عرفيا، لنسألهم: هل في الإسلام زواج واحد منضبط بالكتاب والسنة له أركانه المعروفة للفقهاء والعامة هو الزواج الشرعي؟ أم فيه زواج آخر اسمه الزواج العرفي؟ إن كان في الإسلام زواج شرعي واحد فهل لنا أن نسمي مباشرة الرجل للمرأة خارج الزواج الشرعي مخادنة أو دعارة أو فاحشة أو مقتا؟    

ونسألهم: هل ما وقع في (الحادثة المشؤومة) قد شاع فعله وانتشر ورضيه الناس جميعا حتى صار عرفا مَرْضِيا في المجتمع المغربي؟ إن كان قد صار عرفا مرضيا لديهم فهل يرضون أن يسمى مجتمعهم حينئذ بمجتمع الدعارة والفاحشة والمخادنة والفساد؟. أم أن الحكمة والرشد أن يعملوا على التقويم والإصلاح بالرجوع إلى الكتاب والسنة الصحيحة بدل أن يبرروا المعصية والفاحشة استجلابا لأصوات الناخبين وطلبا للمناصب واستجماعا للثروة.