
نقد فضيحة جنسية بين قيّاديّين إسلاميين

إبراهيم: «… سبق أن قلتُها لك… إذا أردتَ أن تعرف درجة نضج شعب ما، أنظر إلى مدى تحرر المرأة فيه، وإلى مستوى تحرر الجنس داخله. وهما مرتبطان. والفضيحة الجنسية الأخيرة، بين قياديّين إسلاميين، تذّكر بأن شعب المغرب لم ينضج بعد بما فيه الكفاية. بل توجد حركات إسلامية تصرّ على فرض هيمنة الدّين على المجتمع، ولو عبر إبقاء الشعب في انحطاط مجتمعي شامل».
آراء أخرى
آدم: «وعن أية فضيحة جنسية تتكلّم»؟
إبراهيم: تلك التي حدثت مؤخّرًا، في يوم 20 غشت 2016. حيث تورّط فيها مسؤولان قياديان إسلاميان، هما مولاي عمر بن احماد، وفاطمة النجار. حيث ضبطتهما الشرطة يمارسان الجنس، على الساعة السادسة صباحا، داخل سيارة ”مرسيديس”، كُتب على زجاجها الأمامي «لا تنس ذكر الله»، وعلى زجاجها الخلفي «هذا من فضل ربّي». وقع ذلك في شاطئ ”المنصورية”، بين مدينتي الرباط والدار البيضاء. وعمر بن احماد، ليس مواطن عادي، وإنما هو دكتور في الشؤون الإسلامية، وأستاذ جامعي. وفاطمة النجار، ليست مواطنة عادية، وإنما هي أيضا أستاذة. وهما معًا، مارسا ”الدّعوة الإسلامية“ خلال عدّة عقود. وهما معًا، نائبي رئيس ”حركة التوحيد والإصلاح“، الذّراع الدّعوي لِحزب إسلامي أصولي، هو ”حزب العدالة والتنمية“. وهذا الحزب هو قائد الحكومة الحالية.
آدم: هل هذه الفضيحة هي مجرّد إشاعة مُختلقة، أم أنها حدث ثابت؟
إبراهيم: ألاَ تعلم أن «المديرية العامة للأمن الوطني» أصدرت بيانًا ردّت فيه على أحمد الريسوني، قالت فيه: أن «عملية ضبط عمر بن احماد وفاطمة النجار حدثت بشكل عَرضي [وليس نتيجةً لِرَصْد مُسبق]، عندما اكتشفت الشرطة سيارة مركونة بشاطئ البحر، عند السابعة صباحًا، وبداخلها الموقوفان، وهما في وضعية مخلّة، تشكل عناصر تأسيسية لفعل مُجرّم قانونًا… وتم إنجاز محضر بالأفعال المرتكبة، ورفع المحجوزات، والآثار المادية التي تؤكّد الفعل الإجرامي()».
آدم: ولكن، حسب ما تسرّب من محضر البوليس على الأنترنيت، قالت فاطمة النجار أنها لم تمارس الجنس مع عمر بن احماد، وإنما ساعدته فقط على القذف.
إبراهيم: إذا قالت ذلك فعلاً، فسيكون تحايلا لغويا.
آدم: ولماذا ؟
إبراهيم: لأن «ممارسة الجنس» لا تنحصر في عملية ”الإيلاج“. ولأن كلّ مساعدة على القذف، هي ممارسة للجنس. كما أن كلّ ممارسة للجنس، يمكن أن تتخلّلها مساعدة على القذف، باليد، أو بأي جزء آخر من الجسم. وكون هذه المساعدة على القذف ناجحة، أو فاشلة، لا ينفي ثبوت وجود ممارسة الجنس.
آدم: ولماذا انشغلتَ بهذه القضية ؟ هذا ليس من عادتك. هل فضائح الجنس هي القضايا الأهم لدى شعبنا اليوم ؟ ألا توجد مشاكل سياسية أخرى تستحقّ الاهتمام أكثر من هذه الفضيحة؟
إبراهيم: بعدما انفضحت هذه القضية الجنسية، تكلّم التنظيمان اللذان ينتمي إليهما عمر بن احماد وفاطمة النجار، (وهما ”حزب العدالة والتنمية“، و ”حركة التوحيد والإصلاح“)، تكلاّما إلى الرّأي العام، كأن المُخطئ الوحيد في هذه الفضيحة هو فقط الدّاعيتين المذكورتين عمر بن احماد وفاطمة النجار. وانتهى المشكل. وهذا زعم مُضَلِّل، بل ظالم، ومرفوض. ومن الواجب نقد هذا الزّعم.
آدم: وأين هو المشكل؟ هذه أمور عادية !
إبراهيم: لاَ، هذه أمور غير عادية ! في الحقيقة، وبعد تحليل أصل الأشياء وترابطها، يتبيّن أن المُخطئ الأكبر، ليس هو عمر وفاطمة، وإنما هو ”حزب العدالة والتنمية“، و ”حركة التوحيد والإصلاح“.
آدم: أُوْوْوْهْ … هذا اتّهام خطير ! وهل لديك حجج؟ لا يحق لك أن تتّهم الإسلاميين الأصوليين إذا لم تتوفّر على براهين ملموسة ؟
إبراهيم: الحجج دامغة ! لأن الدّاعيتين، مولاي عمر بن احماد، وفاطمة النجار، وعلى خلاف الإدّعاءات، لم يفعلا سوى تطبيق الأفكار، والتصوّرات، والمعتقدات الأيديولوجية، التي يحملها، ويؤمن بها، مجمل أعضاء ”حزب العدالة والتنمية“، وكذلك ”حركة التوحيد والإصلاح“. وعليه، فالمُخْطِئ ليس هو الفرع (أي عمر وفاطمة)، وإنما المُخطئ هو الأصل (أي ”حزب العدالة والتنمية“، و ”حركة التوحيد والإصلاح“).
آدم: أُوُوْوْوْفْ ! أنت تميل إلى النّبش في التفاصيل. ولم تُعط إلى حدّ الآن أية حجّة كافية.
إبراهيم: إذا فَتَحْتَ صدرك، وَوَسّعْت صبرك، يمكن أن أقدّم لك بعض الحجج على ذلك.
آدم: هيّا، عدّد حُججك. أنا أصغي إليك.
إبراهيم: طيّب ! الحجة الأوّلى، أنه عندما اعتقل عمر وفاطمة، في 20 غشت 2016، قال عمر بن احماد للبوليس أنه «متزوّج عُرْفِيَّا»، منذ عدة شهور، مع فاطمة النجار. لكن عمر بن احماد لم يُثبت توفّر شروط ذلك «الزواج العرفي». لأن شروط «الزواج العرفي» (حسب أخيه الشيخ أحمد الريسوني هو نفسه) هي التالية: موافقة الزوجة والزوج، ووجود شاهدين، وإعطاء صَدَاق مُرْض.
آدم: وَاخَّا … ربّما… أنا لا أدري… وما هي حجّتك الثانية ؟
إبراهيم: جاء في نشرة«التّجديد»، التي يُصدرها”حزب العدالة والتنمية“، أن قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ كانت، منذ شهر مارس 2016( )، على علم بوجود علاقة غرامية، أو ”زواج عُرفي“، بين عمر بن احماد وفاطمة النجار. لأن عمر بن احماد استشار في هذا الموضوع كلّا من عبد الرحيم شيخي، رئيس ”حركة التوحيد والإصلاح“، وكذلك محمد الحمداوي، وأحمد الرّيسوني. وهما عضوان في المكتب التنفيذي لنفس ”الحركة“. وهم كلّهم دهاقنة الدّعوة الإسلامية الأصولية في المغرب. وأكّدوا كلّهم وجود تلك الاستشارة. وكانت ”حركة التوحيد والإصلاح“ تعرف جيّدًا أن عمر بن احماد متزوّج، وله سبعة أولاد، وأن فاطمة النجار أرملة منذ قرابة سنة، ولها ستة أبناء. وكانت ”حركة التوحيد والإصلاح“تعتبر هذه العلاقة عادية، ولو أنها كانت خارجة عن الزواج القانوي. وتناست قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ أن القانون الجنائي بالمغرب يُجرّم مثل هذه العلاقة، ويعاقب عليها في الفصل 490 بشهرين من الحبس، وغرامة 20 ألف درهم.
آدم: وحسب رأيك، لماذا نسيتْ قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ أن هذه العلاقة، الخارجة عن الزواج، هي مجرّمة من طرف القانون؟
إبراهيم: قد يأتي هذا النّسيان من كون نسبة هامة من أفراد الحركات الإسلامية الأصولية تُغلّب دائما مرجعية «الشريعة الإسلامية»، على مرجعية القانون الوضعي. وفي ذهنها، المهم هو «الشريعة الإسلامية»، وليس هو القانون الوضعي. الشيء الذي يضرب في الصّميم ”دولة الحقّ والقانون“. وقد دام هذا الموقف لدى قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ على الأقل خلال قرابة 5 أو 6 أشهر، إلى حين اعتقال الدّاعيتين مولاي عمر بن احماد وفاطمة النجار، وهما «في حالة تلبّس زِنَى»، في يوم 20 غشت 2016. آنذاك، تذكّرت قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ أن حزبها ”العدالة والتنمية“، هو الحزب الأول في الحكومة، وأن الرأي العام لن يقبل من هذا الحزب الإسلامي عدم احترام القوانين القائمة (في مجال الأحوال الشخصية). ولم تعبّر قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ عن موقف رافض ”للزّواج العُرفي“ إلا في بلاغها المؤرّخ بِ 21 غشت 2016، أي بعد مرور قرابة 5 أو 6 أشهر على عِلمها بوجود هذه العلاقة غير الشرعية، بين الدّاعيّتين عمر بن احماد وفاطمة النجار. بمعنى أن قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ كانت تتعامل مع هذه العلاقة، بين عمر بن احماد وفاطمة النجار، كشيء عادي، شرعي، ومقبول، إلى حين أن تدخّل البوليس، فقالت هذه القيادة فجأةً أن هذه العلاقة «مرفوضة». حيث كتبت في بلاغها: «يؤكّد المكتب ويُجدّد رفضه التام لما يُسمّى بالزّواج العرفي، وتمسّكه بتطبيق المسطرة القانونية كاملة في أيّ زواج».
آدم: طيّب ! هذه حجّتك الثانية. وما هي حجّتك الثالثة؟
إبراهيم: قبل اعتقال الدّاعيتين، كانت قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ تعرف جيّدًا، أن عمر بن احماد دخل في علاقة «زواج عُرْفِي» مع فاطمة النجار. وعلى عكس بلاغ الحركة في 21 غشت 2016، كانت قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ تعتبر ذلك «الزواج العرفي» أمرا عاديا. والدّليل على ذلك هو أنه، خلال الشهور الأولى، لم تعبّر قيادة ”الحركة“ للدّاعيّتين عن رفضِ، أو منعِ، هذا «الزواج العرفي». وإنما كان موقفها هو فقط : «ضرورة التريّث … [نظرًا] لما يمكن أن يخلّفه من أثر على الأسر، وعلى العمل داخل الحركة»( )، ونظرًا لأن «رغبتهما يصعب تنفيذها في هذه الظروف» الحالية (حسب ما نُشِر في جريدة ”التجديد”)( ). فطلبت قيادة ”الحركة“ من عمر بن احماد أن «يتريّثا» خلال بعض الوقت قبل تحويل هذا «الزواج العرفي» إلى «زواج قانوني»( ) (مثلما سبق أن فعل الوزير الإسلامي الحبيب الشّوباني مع سميّة بن خلدون). وبعدما نُشر خبر اعتقال الدّاعيتين من طرف الشرطة (في 21 غشت 2016)، وهما في حالة تَلَبّس في ممارسة الجنس على شاطئ ”المنصورية”، أرادت قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ أن تُنْـقِذ نفسها من أيّ تَوَرُّط في هذه الفضيحة الجنسية، وفكّرت في نفسها قبل غيرها. فأصدرت على الفور بلاغا تعلن فيه : أوّلاً «تعليق عضوية الدّاعيّتين عمر بن احماد وفاطمة النجار» من ”الحركة“ (وليس طردهما)، وثانيا قرّرت «الرّفض التّام لما يُسمّى بالزواج العرفي». كأنها كانت من قبل تجهل كلّ شيء عن وجود هذا «الزواج العُرفِي» بين عمر وفاطمة. وكأن عمر بن احماد لم يخبرها بأيّ شيء منذ شهر مارس 2016. بينما أثناء اعتقاله في حالة تلبّس، صرّح عمر بن احماد إلى الشرطة (حسب مقتطفات من محضر الاعتقال المسرّب على الأنترنيت، وحسب ما قاله عمر هو نفسه إلى زوجته عبر الهاتف من داخل مخفر الشرطة) أنه «كان منذ مدّة متزوّجا عرفيا بفاطمة النجار». (وهذا ما أكّده الشيخ أحمد الريسوني، هو كذلك، في المقال الذي نشره، والذي دافع فيه عن الدّاعيتين عمر وفاطمة).
آدم: ما طرحته لا يُثبت شيئًا. أنا لا يُعجبني التهجّم على الحركات الإسلامية. وأفترض أنك تتحامل ضدّ قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“.
إبراهيم: طيّب !إن كان تحليلي لا يُثبت شيئًا، قُل لي في هذه الحالة، لماذا لم تأمر قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ عمر بن احماد وفاطمة النجار، منذ أن علمت بوجود علاقتهما في شهر مارس 2016، بأن يُنْهِيَا فورًا «زواجهما العرفي» ؟ لماذا انتظرت قيادة ”الحركة“ خلال قرابة 5 أو 6 أشهر، إلى حين أن تمّ اعتقالهما في يوم 20 غشت 2016 ؟ ألا يشكّل هذا السلوك قصورا خطيرا في تدبير، أو في قيادة، ”حركة التوحيد والإصلاح“ ؟ لماذا تـقول قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ ما لا تفعل ؟ ورغم كلّ تلك المخالفات، لم تعترف قيادة ”الحركة“ في بلاغها (الصادر في 21 غشت 2016) بأية مسؤولية في هذه الفضيحة، لا صغيرة ولا كبيرة، لا مباشرة ولا غير مباشرة، لا عقائدية ولا عملية. وحمّلت كلّ المسؤولية إلى عمر بن احماد، وإلى فاطمة النجار، وحديهما. بل لم تقدّم أيّ نقد ذاتي. وهذا سلوك غير عادل، وغير نزيه.
آدم: ربّما … ربّما … قد يكون معك الحق. هذه حجّتك الثالثة. وما هي حجّتك الرابعة ؟
إبراهيم: بعدما اعتـقل البوليس عمر بن احماد مع فاطمة النجار (في صباح 20 غشت 2016)، طلب عمر من الشرطة الاتصال بالهاتف مع زوجته الأولى، من داخل مخفر الشرطة. وأخبر عمر زوجته بأنه معتقل الآن في مخفر الشرطة، وقال لها أنه «كان منذ مدة في زواج عرفي مع فاطمة النجار». إلى آخره. بمعنى أن عمر بن احماد، وخلال قرابة 5 أو 6 شهور، لم يسبق له أن أخبر زوجته الأولى بِإبرام ”زواج عرفي“ مع فاطمة النجار، إلاّ بعدما ضبطته الشرطة في حالة تَلَبُّس. وطلب عمر من زوجته الأولى «أن تتنازل له عن المتابعة القضائية» (ضدّ الخيانة الزوجية). ما معنى ذلك ؟ معناه أن الزوجة الأولى لِعُمر لم تكن على علم برغبة زوجها في الزواج ثانيةً. ومعناه أن علاقة عمر مع فاطمة، والتي ابتدأت قبل شهر مارس 2016، كانت تشكّل «خيانة زوجية»، مخفيّة، وسرّية. ومعناه أن قيادة ”حركة التوحيد الإصلاح“، التي كانت على علم تام بوجود هذه العلاقة (=الخيانة الزوجية)، أو بهذا «الزواج العرفي»، كانت متواطئة مع عمر بن احماد، ومع فاطمة النجار، في ممارسة هذه «الخيانة الزوجية» وإخفائها، ضدّ الزوجة الأولى لعمر بن احماد ! فلماذا سكتت قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ عن هذه «الخيانة الزوجية» ؟ لماذا شارك كلّ من عبد الرحيم شيخي، رئيس ”حركة التوحيد والإصلاح“، ومحمد الحمداوي، وأحمد الرّيسوني، عضوي المكتب التنفيذي لنفس الحركة، في إخفاء هذه «الخيانة الزوجية»؟ لماذا لم يغيّروا «المنكر»، لا بأيديهم، ولا بلسانهم، ولا بقلبهم؟ ولماذا لم تُخبر قيادة ”الحركة“، لا الزوجة الأولى لِعمر بن احماد، ولا أبنائهما، ولا الشرطة، ولا أي طرف آخر؟ ألا يشكّل السكوت عن هذه «الخيانة الزوجية» وإخفاؤها نوعا من التواطؤ ؟ ولماذا انشغلت قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ فقط بإنقاذ نفسها من أي تورّط في هذه الفضيحة الجنسية، ولو عبر الكذب؟ (ومعني الكذب هنا، هو أن قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ أخفت، أو أنكرت، أنها كانت على علم بوجود «زواج عرفي» بين عمر وفاطمة، خلال 5 أشهر على أقلّ تقدير). ولماذا لم تتجرّأ قيادة ”الحركة“ على نشر أيّ نقد ذاتي تعترف فيه بأخطائها الخاصة ؟ ألا يتنافى هذا السلوك مع الأخلاق التي تزعم ”حركة التوحيد والإصلاح“ الدّفاع عنها ؟ هل يُعقل أن تبني حركة إسلامية أصولية حزبا سياسيا (هو «حزب العدالة والتنمية»)، وأن تدّعي أن هذا الحزب هو مبني على أساس الدّين الإسلامي، وأن تروّج خطابًا دينيا وأخلاقيا متشدّدًا، ولو أن أعضاء هذا الحزب يعجزون هم أنفسهم على الالتزام بتلك المبادئ والأخلاق الدّينية ؟
آدم: هَمْمْمْمْ ! … إِوَا … ماذا أقول لك؟ … هذه تفاصيل … وهل يلزم أن نفحص كلّ التفاصيل؟ هل تستحق هذه التفاصيل أن نُضَيّع الوقت في تحليلها ؟
إبراهيم: ولماذا لاَ ؟ اِعْتَبِر حواري معك مثل رواية أدبية تستمتع بها أثناء وقتك الفارغ. أليست التفاصيل مفيدة جدّا ؟ حيث توجد فعلاً في هذه الفضيحة تفاصيل كثيرة، تكفي لتحرير كتاب ضخم. وهذه التفاصيل هي التي تفضح جوانب ذات بُعْد مجتمعي، وأساسي، وتكتسي أهمية فكرية وسياسية، وتستحق أن ندرسها، وأن نحلّلها. أمّا إذا تجاهلنا التفاصيل، فسيصبح كلامنا سطحيا ! … ومن بين التفاصيل الأخرى المهمة، مسألة «وصاية الأبناء على الأم الرّاشدة»!
آدم: ربّما… هذه هي حجّتك الخامسة…لكن، مَا علاقة موضوع الدّاعيتين عمر وفاطمة بموضوع «وصاية الأبناء على الأم الراشدة» التي ذكرتها سابقا ؟
إبراهيم: ألم تلاحظ أن أبناء فاطمة النجار، وكذلك قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“، تعاملوا مع الأستاذة فاطمة النجار كما لو كانت كائنا قاصرًا ؟ فهذا الصّنف من التعامل مع المرأة (من قبل الحركات الإسلامية الأصولية) لا يفاجئ أحدًا. فَبِمُجَرّد أن علم أبناء فاطمة النجار (في مارس أو أبريل 2016) بخبر وجود علاقة غرامية، أو «زواج عرفي»، بين أمهم وعمر بن احماد، اتصلوا فورًا بقيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“، وعبّروا عن «رفضهم المطلق» لهذه العلاقة، ولمشروع «زواج» أمهم( ). والغريب هو أن أبناء فاطمة النجار نصّبوا أنفسهم ”أولياء“ على أمّهم، رغم أنها راشدة، أستاذة، وعقلها سليم، وداعية قيادية في ”الحركة“، وتدرك كيف تدبّر حياتها الشخصية. واتخذوا مواقف محافظة أكثر من مواقف أمّهم. وحتّى أمّهم فاطمة النجار، تعاملت مع ”وصاية“ أبنائها، المتطفّلة على حياتها الشخصية، كشيء عادي، مشروع، ومقبول. ولو كانت امرأة أخرى حَدَاثِيّة، أو ديمقراطية، في مكان فاطمة، لما قبلت هذا التدخّل في شؤونها الشخصية.
آدم: وأين هو المشكل ؟ أنا لا أرى أيّ مشكل في وصاية الأبناء على أمّهم، عندما تريد أن تتزوج مرةً إضافية.
إبراهيم: يمكن إبراز عدّة إشكالات. ومنها مثلا: هل «وصاية الأبناء على الأم» معقولة ومقبولة ؟ هل «وصاية الأبناء على الأم» ناتجة عن تربيتهم الإسلامية الأصولية، أم عن ماذا ؟ ألا تُشكّل «وصاية الأبناء على الأم» مجرّد مظهر من مظاهر ”الفكر الذُّكُوري“؟ ولماذا قبلت قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“«وصاية» أبناء فاطمة النجار على أمهم، ولماذا لم تعبّر عن رفضها أو شجبها ؟ وهل يُعقل تَدَخّل الأبناء في الشؤون الشخصية لأمهم، رغم أنها راشدة ؟ ومن يضمن لنا أن الأبناء «الأوصياء على أمهم» سيغلّبون مصلحة أمهم على مصالهم الشخصية الخاصة ؟ ألاَ يشكّل موقف الأبناء من زواج أمهم مجرّد موقف ذاتي؟ ألا تجسد «وصاية الأبناء» على أمّهم الرّاشدة احتقارًا سافرًا لها ؟ هل يكفي أن يكون شيء ما (مثل الوصاية على المرأة الراشدة) مذكورًا في «الشريعة الإسلامية» لكي نـقبل به دون تفكير، ولا تساءل، ولا نـقد، ولا تقويم ؟ وهل يعقل حرمان النساء الراشدات من التحكّم في شخصياتهن، وفي أجسادهن، وفي حياتهن ؟ فإذا كان الإسلاميون الأصوليون يظنّون أن عقل المرأة هو منعدم، أو هزيل، بالمقارنة مع عقل الرجل، إلى درجة وجوب فرض ”الوصاية“ على كلّ أنثى، فليتجرؤوا على التصريح بذلك بشكل علنيّ وواضح. عليهم أن لا يختبئوا وراء نصوص دينية قديمة. ويلزمهم في هذه الحالة، أن يفسّروا لنا مثلاً: لماذا تتفوّق الفتيات على الفِتًيَان في الدّراسات الجامعية العلمية.
آدم: … أمْ مْ مْ … أرى ماذا تقصد… أنا لا أعرف جيّدًا … قد يكون معك الحق … طيّب! هذه حجّتك الخامسة. وما هي السادسة ؟
إبراهيم: بعدما أصدرت قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ بلاغها الأول، ثم الثاني، اللذين تبرّأت فيهما من عمر بن احماد، وفاطمة النجار، قام أشخاص آخرون، من داخل أعضاء ”حركة التوحيد والإصلاح“، أو من المتعاطفين معها، أو من تيارات أخرى إسلامية أصولية، قاموا بِرُدُود أفعال مخالفة ومنتـقدة لقيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“. ودافعوا بشدّة عن الدّاعيتين عمر بن احماد وفاطمة النجار، وعبّروا على أن «زواجهما العرفي هو شرعي، ومقبول، ويتطلب الدّعم والمؤازرة أمام المجتمع»! ورغم أن قيادة ”حركة الإصلاح والتوحيد“ عبّرت عن موقف رافض، ومتأخّر، لِ «الزواج العرفي»، فالحقيقة العنيدة هي أن فئات واسعة من أعضاء وأنصار الحركات الإسلامية الأصولية كانت، ولا زالت، وستبقى، تؤمن بِ «الزواج العرفي»، وتُدافع عنه. وإذا كانت قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ قد قرّرت «تعليق عضوية الأخوين عمر وفاطمة»، بسبب ممارسة هذا «الزواج العرفي»، فإن هذا القرار لا يُنهي المشكل. حيث لم تـقل لنا قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ ماذا ستفعل مع أعضاء وأنصار الحركات الإسلامية الأصولية الذين لا زالوا يدافعون بحماس عن فكرة «الزواج العرفي» ؟ هل ستنتظر قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ إلى أن يمارسوا هم أيضا هذا ”الزواج العرفي“، وإلى أن يحصلوا في فضيحة جنسية، لكي تطردهم، هم بدورهم؟ ألا تُحسّ قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ أن هذه المعتقدات تشكل خطرا على المجتمع ؟ ألا ترى قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“ أن الضحية الأولى لِمُخلّفات «الزواج العرفي» هي أولاً النساء، وثانيا الأبناء، وليس الرجال؟ ولماذا ظلّت ”حركة التوحيد والإصلاح“، وكذلك من شابهها من الحركات الإسلامية الأصولية، وخلال عقود متوالية، لا تُبالي بمطالب الجمعيات النّسوية التي تدافع عن حقوق النساء، والتي ظلّت تُنبّه إلى ما تعانيه النساء من معاناة، وعذاب، وشقاء، من جراء «الزواج العرفي»، ومن جرّاء مجمل السلوكيات الذّكورية الأخرى الجائرة، التي تمسّ المرأة في سلامتها، أو في كرامتها ؟ المهم إذن، هو أن فضيحة «الزواج العرفي»، لا يعني فقط عمر بن احماد وفاطمة النجار (مثلما زعمت قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“)، وإنما يهمّ مجمل الحركات الإسلامية الأصولية، ويهمّ مجمل الشعب.
آدم: … إِيِّيييهْ… نعم… لم يسبق لِي أن فكّرتُ في هذا الموضوع من هذه الزاوية. أنتم العقلانيون الجدليّون تفتّشون عن القَمْلَة في تَلّ من التّبن.
إبراهيم: هَا، هَا، هَا، … هذه ليست قَمْلَة، بل هي فِيلَة، يراها كلّ عاقل.
آدم: هِي، هِي، هِي، … لا يهم… ما هي الآن حجّتك السابعة ؟ والأحسن هو أن تلخّص كلامك، وأن تقول لي ما هو الجوهر في فضيحة عمر بن احماد وفاطمة النجار ؟
إبراهيم: الجوهر في فضيحةعمر بن احماد وفاطمة النجار، ليس هو لجوء شخصين محدّدين (الدّاعيّتين) إلى ممارسة الجنس خارج إطار الزواج القانوني، وليس هو العمل بِ «الزواج العرفي»، مثلما ادّعت قيادتي ”حزب العدالة والتنمية“، و”حركة التوحيد والإصلاح“، في بلاغيهما المذكورين. وإنما الجوهر في هذه الفضيحة هو التالي: تعيش الحركات الإسلامية الأصولية باستمرار في حالة تذبذب بين شيئين متناقضين، وهما مرجعية «الشريعة الإسلامية»، ومرجعية «القانون الوضعي».تارةً تقتصر على مرجعية الدّين، وتارةً أخرى تستعمل مرجعية العقل. فهذه الحركات الإسلامية الأصولية تَحْتَـكِم في بعض القضايا إلى «الشريعة الإسلامية» وحدها، حين تكون في صالحها. وفي قضايا أخرى تَحْتَكِم إلى القانون الوضعي وحده، حينما يكون في صالحها. ومن فترة لأخرى، يبرز تناقض صارخ بين ما هو موجود في «الشريعة الإسلامية»، وما هو موجود في القانون الوضعي. ومن بين هذه الحالات، نجد بالضّبط مثال «الزواج العرفي». فهو مشروع تمامًا في «الشريعة الإسلامية» (حسب كثير من الفقهاء)، لكنه مُصنّـف في القانون الجنائي الحالي كَ «جريمة زِنَى». وما ينطبق على «الزواج العرفي»، ينطبق أيضًا على «زواج الفاتحة»، و«زواج المتعة»، و«نكاح ما ملكت أيمانكم»، إلى آخره. والغريب هو أن بعض الفئات من الحركات الإسلامية الأصولية يريدون، في نفس الوقت، الاستفادة من «الشريعة الإسلامية» حينما تكون في صالحهم (مثلا الزواج العرفي)، ويريدون الاستفادة من القانون الوضعي حينما يكون في صالحهم (مثلا الوصول إلى الحكومة عبر الحصول على أغلبية الأصوات في الانتخابات العامة). والخطير هو أن معظم الحركات الإسلامية الأصولية يريد فرض «أَسْلَمَة الدولة»، وفرض«أسلمة القانون الوضعي»، و «أسْلَمَة المجتمع»، وفرض «الشريعة الإسلامية»، على كل المواطنين، سواء بواسطة الحيلة، أم بواسطة القانون، أم بالعنف، أم بالحرب الأهلية( ) (مثلما حدث، مِرارًا وتكرارًا، في العديد من البلدان، كأفغانستان، وإيران، وباكستان، والعراق، وسورية، واليمن، والصومال، والجزائر، ومصر، والسودان، وليبيا، إلى آخره)! ويتظاهرون بكونهم لا يُدركون أن هذه الطموحات الإسلامية الأصولية تتنافى مع دولة الحق والقانون، وتتناقض مع الديمقراطية( )، ومع حقوق الإنسان، ومع روح القانون الوضعي.
آدم: ولكننا شعب مسلم !
إبراهيم: حتّى ولو كان الشعب مسلمًا، فهذا لا يبرّر إجبار كل المواطنين على التديّن، وعلى التعبّد. على عكس ذلك، الجوهر في الديمقراطية، هو فصل الدّين عن الدولة، والعمل بِحُرّية العقيدة، وحرّية العبادة، وكذلك حرّية عدم العبادة.
آدم: غريب ٍ!ألاحظ أنك لا تنتـقد الدّاعيتين المذنبتين، عمر بن احماد وفاطمة النجار، وإنما تنتقد الحركات الإسلامية في مجملها. على كلّ حال، من حقّك أن تنتقد من تشاء. لكن هل لديك الآن حجّة ثامنة ؟
إبراهيم: بالضّبط ! الحجّة الثامنة هي أن عمر وفاطمة هما مجرد ضحايا فكر ديني محدّد. وكلّ محاسبة لعمر وفاطمة لا تمتدّ إلى مستوى نقد ذلك الفكر، ستكون محاسبة ناقصة، أو سطحية. فمن المؤسف أن نلاحظ أن قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“، وكذلك مجمل الأحزاب والحركات الإسلامية الأصولية، ليست في مستوى المسؤولية. فهل يصحّ أن «الزواج العرفي» هو العنصر الوحيد غير المعقول الموجود في «الشريعة الإسلامية» ؟ وهل يُعقل أن تنتظر الحركات الإسلامية الأصولية، في كلّ مرّة، حدوث فضيحة مجتمعية مدوّية، لكي تكتشف أن شيئا ما لا يمكن قبوله في «الشريعة الإسلامية» ؟ وإلى متى ستستمر الحركات الإسلامية الأصولية في تناول مساوئ «الشريعة الإسلامية» عبر عزل كلّ قطعة صغيرة، الواحدة تلو الأخرى، بدلاً من تناول كل القطع كاملة، ودفعة واحدة ؟ لماذا لا تُقْدم الأحزاب والحركات الإسلامية الأصولية على دراسة منهجية وشمولية، تهدف إلى اكتشاف ونقد كل العناصر غير المعقولة الموجودة في «الشريعة الإسلامية» ؟ متى ستـتـجرّأ الحركات الإسلامية الأصولية على الاعتراف أن تاريخ صلاحية «الشريعة الإسلامية» قد انتهى منذ أكثر من ألف عام ؟ متى ستدرك أن «الشريعة الإسلامية» تتناقض كلّيا مع الديمقراطية، ومع حقوق الإنسان، ومع دولة الحق والقانون ؟
آدم: أُوْوْوْهْ… ذهبتَ بعيدًا… رُبّمَا… ولماذا لا ؟ … هذا تساؤل مشروع. إنه تفكير منطقي. لكنني لا أرى إلى أين تريد أن تصل. قُل لي إذن: كيف تفهم أنت بنفسك الحجج أو العناصر السابقة التي حلّلتها ؟ هل لديك استنتاجات محدّدة ؟ وما هي خلاصتك مِمَّا طرحته ؟
إبراهيم: خلاصة التحليل المقدّم أعلاه، هو أن المخطئ في هذه الفضيحة، ليس هو عمر بن احماد وفاطمة النجار، وحدهما فقط، مثلما زعمت قيادة ”حركة التوحيد والإصلاح“. وإنما المخطئ هو مجمل أعضاء وأنصار الحركات الإسلامية الأصولية، بفكرهم، ومعتقداتهم، حول الدّين، وحول المرأة، وحول الجنس. حيث لا يمكن أن يؤمن اليوم بِ «الزواج العرفي»، أو بِ «تعدّد الزوجات»، أو بِ «وصاية الأبناء على الأم الراشدة»، أو بِ «قُصور عقل المرأة»، أوما شابه ذلك، سوى من يرفض بتعمّد مبادئ الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والمساواة بين المرأة والرجل! وإذا كان أعضاء وأنصار الحركات الإسلامية يعجزون هم أنفسهم على الإلتزام بمبادئ وقواعد خطابهم الإسلامي الدّعوي، مثلما اِتّضَح في هذه الفضيحة، فجب عليهم أن يكُفّوا عن مغالطة أنفسهم، وعن مغالطة الشعب. عليهم أن يَرَوْا، وأن يعترفوا، أن «الشريعة الإسلامية» لا تصلح لعصرنا، وتتناقض مع الديمقراطية، ومع حقوق الإنسان. فهم يزعمون أنهم يقدرون على معالجة كل مشاكل المجتمع بأيديولوجيتهم الدّينية. لكنهم لا يستطيعون في الواقع لا فهم، ولا معالجة أي مشكل مجتمعي.
آدم: إِوَا … ماذا أقول لك ؟ … لا أعرف ماذا أقول لك.
إبراهيم: لا، إذا حرّرتَ نفسك من بعض المعتقدات المُسْبَقَة، يمكن أن تقول أشياء كثيرة ومهمة. وفي ختام حوارنا هذا، قُل لي مثلاً، وبصراحة: هل في قرَارَة نفسك، أو هل في عُمق عقلك، هل تعتبر أن عمر بن احماد وفاطمة النجار هما مُذنبين، أم بريئين ؟
آدم: ءُ ءْ … إِوًا … ماذا أقول لك؟ … بصراحة، هما مذنبان. والدليل على ذلك هو محضر الشرطة.
إبراهيم: لا يا مواطن، هذا خطأَ ! هذا كلام غير دقيق ! عمر وفاطمة ليسا مذنبين بشكل مطلق. البراءة، أو الذّنب، أو الجريمة، لا معنى لها، ولا مشروعية لها، إلاّ طبقًا لمرجعية محدّدة. فما يُعتبر جريمة في نظام قِيمِي محدّد، هو براءة في نظام آخر. فأعرض عليك المرجعيات القِيمِية (systèmes de valeurs) الثلاثة التالية:
أ)- من وجهة نظر فهم إسلامي أصولي لِ «الشريعة الإسلامية» (مثلما يُروّج لها بعض فقهاء الدّين)، فإن عمر بن احماد وفاطمة النجار هما بريئين، لأن علاقتهما الجنسية تدخل ضمن «زواج عرفي»، شرعي، ومقبول (مثلما كتب أحمد الريسوني). لكننا، في هذا الإطار، نقول لهؤلاء الإسلاميين الأصوليين: إذا كان هذا «الزواج العرفي» حقّا صحيحًا، ومقبولا، فإننا نودّ أن يستمتع به كلّ المواطنين، رجالاً ونساءً، وبالتّساوي، وخاصة منهم الشبّان، والمراهقون، والعزّاب، الذين تجعلهم أوضاعهم المجتمعية عاجزين على توفير الشروط المادية الضرورية لِعقد زواج قانوني (ومنها توفير الشغل، والسكن، والمدخول الكافي). ولا نقبل بأن يكون هذا «الزواج العرفي» امتيازا خاصّا فقط بِزعماء الحركات الإسلامية الأصولية.
ب)- من وجهة نظر فهم إسلامي أصولي آخر لِ «الشريعة الإسلامية» (مثلما يدافع عنها فقهاء إسلاميون أصوليون آخرون)، فهذه العلاقة الجنسية بين عمر وفاطمة تُعتبر «زِنى»، وعقوبتها في هذا الفهم «للشريعة الإسلامية» هي «الرّجم حتّى الموت». لكننا، في هذا الإطار، نقول لهؤلاء الإسلاميين الأصوليين : رجم الزّاني والزّانية هو معاملة وحشية، وكل إنسان ذو عقل سليم، لن يقبل هذه المعاملة القاسية، حتّى ولو تعلّق الأمر بخصومه.
ت)- من وجهة نظر القانون الجنائي المغربي الحالي، تقول مادته رقم 490: «كل اتصال جنسي غير شرعي، بين رجل وامرأة، لا تربط بينهما علاقة زوجية، تُكَوِّن جريمة الفساد، ويُعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى ثلاثة أشهر، وغرامة من 000 2 إلى 000 20 در هم، أو إحدى هاتين العقوبتين».
ث)- من وجهة نظر دولة الحق والقانون، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، فقد سبق لِرحمان النوضة أن كتب : «معظم الدول الدّيمقراطية في العالم، تعتبر كلّ علاقة بين رجل وامرأة، إذا كانا رَاشِدَيْنِ، وغير مرتبطين بزواج قانوني، وإذا كانت علاقتهما سِلْمية، وبالتّراضي المُتبادل، وإذا لم تكن هذه العلاقة تشمل قاصرًا، ولا معوّقًا ذهنيا، وإذا لم يشتكِ منها أي طرف ثالث (مثلما يحدث في حالة الخيانة الزوجية المُشتكى منها)، فإن هذه العلاقة لا تُعتبر جريمةً، ولو تخلّلتها علاقة جنسية (خارج الزواج القانوني)، ولا يحقّ،لا للدولة، ولا لأي طرف آخر، أن يتدخّل فيها، ولا أن يعاقب عليها»( )! وعليه، فمن وجهة نظر دولة القانون، وحقوق الإنسان، فإن عمر بن احماد وفاطمة النجار هما بريئين. ولا يحق للدولة أن تعتـقلهما، كما لا يحق لأية هيئة دينية أن تتدخّل في شؤونهما الشخصية، ولو فُوجِئَا، أو ضُبِطَا، وهما يمارسان الجنس، خارج إطار الزواج القانوني. أمّا إذا اشتكت الزوجة الأولى لعمر بن احماد ضدّ ”خيانة زوجية“، فذاك موضوع آخر، يلزم معالجته بالتي هي أحسن.
آدم: فهمتُك ! لا توجد جريمة مطلقة. ولا تكون جريمة معيّنة ثابتة إلاّ طبقا للمرجع القيمي الذي نَحْتَكِم إليه. وما هو جريمة في مرجع قيمي محدّد، قد يُعتبر فعلا عاديّا أو مشروعا في مرجع قيمي مخالف.
إبراهيم: بالضبط !
آدم: وماذا سنفعل الآن ؟ المشكل محيّر. فإذا كان عمر وفاطمة بريئين من وجهة نظر نظام قيمي محدّد، فهل يحقّ أن نُخضع عمر وفاطمة لعقوبة معيّنة تَبَعًا لنظام قيمي آخر ؟ هل نُـفَعِّل القانون الوضعي، أم ”الشريعة الإسلامية“، أم حقوق الإنسان ؟ لأن عمر وفاطمة هما مجرمين من وجهة نظر القانون الجنائي القائم حاليا بالمغرب. وهما في نفس الوقت بريئين من وجهة نظر فهم محدّد لِ «الشريعة الإسلامية»، أو من وجهة نظر حقوق الإنسان. والحاصل في الواقع هو أنه يوجد خلاف غريب فيما بين الإسلاميين الأصوليين حول الفهم الصحيح لِ «الشريعة الإسلامية»: البعض يقول أن «الشريعة الإسلامية» تبيح ”الزواج العرفي“، أو ما شابه هذه العلاقة المعنية؛ والبعض الأخر يقول أن «الشريعة الإسلامية» تصنّف ”الزواج العرفي“ كَـزِنَى، أو كَدعارة محرّمة ! ما العمل إذن؟ هذا مُحيّر !
إبراهيم: هنا نسأل أعضاء وأنصار ”حزب العدالة والتنمية“، و”حركة التوحيد والإصلاح“، بما فيهم الشيوخ البارزين عبد الإله بنكيران، ومصطفى الرّميد، وأحمد الريسوني، وعبد الرحيم شيخي، وسعد الدّين العثماني، وعبد الله بوانو، إلى آخره : «قولوا لنا بصراحة ونزاهة: ما هي العقوبة التي تفضّلون تطبيقها على الشّيخين المتورّطين عمر بن احماد وفاطمة النجار ؟ هل تفضلون تطبيق المادة 490 من القانون الجنائي، وعقوبتها هي ثلاثة أشهر من الحبس، أم أنكم تفضّلون تطبيق حدّ «الشريعة الإسلامية»، التي تحكم بِ «الرّجم حتى الموت» ؟ لكن إن كنتم تفضلون خيّارًا ثالثًا هو التّسامح، والتفهّم، واللّطف، ودولة الحق والقانون، وحقوق الإنسان، فإننا نتّـفق معكم، ونساندكم، لكننا نطلب منكم، في هذه الحالة، أن تكونوا، على الأقل، منطقيين مع أنفسكم، وأن تقبلوا تعميم هذا التسامح على كل المواطنين، بلا استثناء، نساءً ورجالاً. وأن لاَ تعملوا بقانون ”الكيل بمكيالين“. وأن لا تتحدثوا لنا، من الآن فصاعدًا، لاَ عن «الدولة الإسلامية»، ولا عن هذه «الشريعة الإسلامية» المتطرّفة، وغير الإنسانية، التي تعجزون أنتم بأنفسكم عن الالتزام بأحكامها ! فاختاروا ما تريدون، وكونوا منطقيين مع أنفسكم ! أمّا أنا، فَلَا أقبل منكم أن تُضحّوا بِعُمر بن احماد وفاطمة النجار، كَ «كَبْشَيْ فِدَاء»، مثلما فعلتم، بلا شفقة، ولا رحمة. لأن الحقيقة الساطعة، هي أنكم كلّكم شركاء في مسؤولية هذه الفضيحة المؤلمة، وعن أمثالها الكثيرة بالمغرب، التي تعدّ في كلّ يوم بعشرات الآلاف !
آدم: أظنّ أن ”حركة التوحيد والإصلاح“، وكذلك ”حزب العدالة والتنمية“، يتمنّون بشغف قوي أن يجد القضاء حيلة معيّنة لكي لاَ يحكم على مولاي عمر بن احماد وفاطمة النجار بثلاثة أشهر من الحبس (طبقًا للفصل 490).
إبراهيم: في حالة حدوث مثل هذه ”التّمييز“، فسيكون نوعًا من النّفاق، أو من التّطبيق الانتقائي للقانون، أو من الإفلات من العقاب، أو من استغلال النفوذ.
آدم: واعْلاَشْ ؟
إبراهيم: اعْلاَشْ ؟!هُوهْ !ألاَ ترى لماذا ؟ إلى متى نُـطيق تركيز تَطبيق القانون الجنائي على أفراد الشعب المعزولين، والفقراء، والضّعفاء؟ لماذا لا يُطبق القانون الجنائي على الكبار مثلما يُطبّق على الصّغار؟ متى سَيُعامل كل المواطنين بالتّساوي أمام القانون؟ أعطيك مثالاً معبّرًا، هو قضية الصحافي الشاب المعارض هشام المنصوري (34 سنة)( ). وقد حدثت قضيته قُبَيْلَ قضية عمر بن احماد وفاطمة النجار.
آدم: تقريبا بشكل متزامن !
إبراهيم: نعم. وحسب الجمعية المغربية لصحافة الاستقصاء، تعتـقد أن البوليس كان يرصد تحركات هشام المنصوري، ربّما بهدف العثور على مبرّر لإدانته. ولما لاحظ البوليس دخول هشام مع امرأة تعرّف عليها إلى شقّته (في 17 مارس 2016)، هجم عليه داخل بيته، واتهم هشام بالزّنى (الفصل 491). وهنا أيضًا، شكّ بعض الملاحظين أن هشام المنصوري سقط في فخّ. وهذا الفصل 491 يعاقب ”الخيانة الزوجية“ بالحبس من سنة إلى سنتين، في حالة شكاية الزوجة أو الزوج. وقال هشام أن صديقته أخبرته أنها غير متزوجة (بينما هي متزوجة). ثم حكمت عليه المحكمة بِ 10 شهور حبسًا نافذًا. وآنذاك طبعًا، لم تتضامن مع هشام الأحزاب والحركات الإسلامية. والغريب أنه، حينما يتورّط مسؤول ”مخزني“ (من «خُدّام الدّولة»)، أو إسلامي، في فضيحة جنسية (مثل حالتي عمر بن احماد)، يوجد من يقنع فورًا الزوجة التي هي ضحية ”الخيانة الزوجية“، بأن تتنازل عن المتابعة القضائية لزوجها. فيفلتُ زوجها (مثل عمر بن احماد) من عقوبة سنتين سجنًا (الموجودة في الفصل 491). ولاحظنا أنه حينما انفضحت العلاقة بين الوزير الإسلامي الحبيب الشوباني، والكاتبة في الوزارة سميّة بن خلدون، لم يتكلّم أحد عن تطبيق الفصل 491 المتعلّق بِ ”الخيانة الزوجية“. بل قالوا لنا أن الزوجة الأولى للحبيب الشّوباني كانت «راضية تمامًا» إلى درجة أنها هي التي أسرعت لِكي «تَخْطُبَ» لزوجها الزوجة الثانية سميّة بن خلدون. ألا يدلّ تصرّف هذه الزوجة الأولى على قوّة حبّها لزوجها الحبيب الشّوباني؟ أما العازب المُعارض هشام المنصوري، فلم يكن له مثل هذا الحظ. بل على عكس ذلك، وُجد من يُسرع إلى إقامة الدّعوة القضائية ضدّ ”الخيانة الزوجية“ التي تورّط فيها هشام. فكان مصيره السريع هو 10 شهور سجنًا نافذا.
آدم: حسب رأيي، الأصل في فضيحة عمر وفاطمة هو تحامل البوليس ضدّ الحركات الإسلامية. وكثير من الناس، في هذا الظرف السياسي الحسّاس، الذي يسبق الانتخابات البرلمانية، يعتقدون أنه لو لم يدبّر البوليس مصيدة لِعُمَر بن احماد وفاطمة النجار، لما وُجِدت أصلاً هذه الفضيحة. والهدف هو الإساءة إلى حزب ”العدالة والتنمية”، وإلهاء الناس بقضايا كاذبة.
إبراهيم: لا يا مواطن. وحتّى إذا قبلنا جدلاً أطروحة أن وزارة الداخلية، أو النظام السياسي، هو الذي دبّر «فخّا» لشيخينا المذكورين سابقًا، بهدف الإساءة إلى حزب”العدالة والتنمية“ في الانتخابات البرلمانية القادمة، فإن العقل يقول لنا أن هذا «الفخّ» المزعوم، لم يكن ممكنا، لولا أن الشيخين كانا من قبل متورّطين في علاقة جنسية، متناقضة مع القانون، ومع «الشريعة الإسلامية». فليست الشرطة هي التي وضعت مولاي عمر بن احماد وفاطمة النجار داخل سيارة، في شاطئ ”المنصورية”، على السّابعة صباحا، وليست الشرطة هي التي أزالت بعض ثيابهما، وألصقتهما في علاقة جنسية. وإنما الشّيخين المذكورين هما اللذان كانا، منذ مدّة، في علاقة غرامية خارج الزواج، وسقطا بالصدفة، خلال لحظة حميمية محرجة، في شباك بوليس، كانوا يبحثون، في منطقة الشاطئ، عن مجرمين آخرين.
آدم: لو كانت الشرطة محايدة، لما وقعت هذه الفضيحة. إخواننا في الحركات الإسلامية هم الضحايا الرئيسيين لقساوة البوليس، ولمبالغته في البحوث، والتحقيقات، خاصّة حينما يتعلّق الأمر بفضائح جنسية.
إبراهيم: لا يا مواطن !على خلاف ظنون بعض الناس، لا يتحامل أحد على شيوخنا الإسلاميين الأصوليين، ولا يستغلّ أحد هذه الفضيحة الجنسية ضدّهم، وإنما نحاسبهم على مِقدار مَزَاعِمِهم. هل نسيتَ، أم أنك تناسيتَ، أن هذين الشّيخين، كانا من بين الإسلاميين الأصوليين الذين «ظلّوا يهاجمون، منذ زمان طويل، الحداثيّين المطالبين بالحرّيات الفردية، ويتهمونهم بالفسق، والفجور، ونشر الرذيلة… ويتّهمون العلمانيين بالفساد، والفحشاء، وارتكاب المعاصي، وعدم خشية الله… وأشرطتهما الكثيرة لا زالت موجودة على الأنترنيت، وعلى اليوتيوب… ولا يكُفّان عن إعطاء الدّروس للشبّان من الجنسين، ويحرّمون التصافح بين الجنسين…ويُجرّمون مجرّد النظرة بين الجنسين… ويمنعون الاختلاء بين الذكر والأنثى… وإلاّ وَعَدُوهُم بمصير في جهنّم»( )!فشيوخنا الفضلاء الإسلاميون الأصوليون، يتكلّمون باسم الله، وباسم الرسول، ويدّعون أنهم وحدهم يفهمون الدّين الفهم الصحيح، وأنهم وحدهم يحتكرون حقّ النيابة عن الإله، وأنهم يحتكرون تطبيق إرادة الله، ويمارسون التكفير، وأحيانا التقتيل، باسم الله، ويريدون فرض مجتمع متديّن بالقوّة، مجتمع يكون فيه الإيمان إجباريا، وتكون فيه العبادة إجبارية، ويكون فيه الخضوع المطلق لفقهاء الدّين إجباريا، وأن يكون هذا الخضوع للفقهاء في كل الميادين، الدّينية، والسياسية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والفكرية، والثقافية. لذا سنكون دائما صارمين في محاسبة شيوخنا الإسلاميين الأصوليين الذين يحملون هذه المزاعم. ونقول لهم: نتمنّى لكم الهداية، لأنكم كنتم، وستبقون دائما، دون مستوى مزاعمكم. وننصحكم بأن تثــقّـفوا أنفسكم قبل أن تزعموا إخضاع المجتمع لتصوّراتكم المتخلّفة. واستفيدوا من تجارب إخوانكم الإسلاميين الأصوليين الموجودين في بلدان أخرى. فكل بلد تسيطر فيه جماعات إسلامية أصولية، إلاّ وتشتـعل فيه حرب أهلية شاملة، ومدمّرة، مثلما حدث، مرارًا وتكرارًا، في كلّ من أفغانستان، ولبنان، والجزائر، وسوريا، والعراق، ومصر، والسودان، والصومال، واليمن، وليبيا، إلى آخره. وتاريخ مجمل الحركات الدّينية الأصولية في العالم، سواءً كانت هذه الحركات يهودية، أم مسيحية، أم إسلامية، كلها تعلّمنا أن مآلها هو حتما ارتكاب سلسلة لا منتهية من الأخطاء، والفضائح، والحماقات، وحتّى الجرائم في حقّ الإنسانية. وهذه السلسلة من الحماقات هي التي ستقنع جماهير الشعب، على مدى 15 أو 30 سنة، بأن الحل الوحيد، هو فصل الدّين عن الدولة، وعن السياسية، وسنّ حرية العقيدة، وحرّية العبادة، وحرّية عدم العبادة.
آدم: لكن ما الضّرر إن كانت الحركات الإسلامية تكافح الرّذيلة، وتدافع عن الأخلاق، وتشجع على حسن السلوك ؟
إبراهيم: ومن نصّب الحركات الإسلامية وصية على أخلاق المواطنين؟ وبأي حق يتصرّف أنصار الحركات الإسلامية كَ «شرطة أخلاق»؟ ألاَ تعلم السوابق المتعدّدة في المغرب التي تصرّف فيها أنصار الحركات الإسلامية كأنهم «أوصياء شرعيون على مراقبة أخلاق المواطنين»؟!
آدم: وهل هناك سوابق؟ وما هي هذه السّوابق ؟
إبراهيم: أذكّرك ببعض الحالات المشهورة منها فقط :
– سابقة فتاتين في مدينة إنزگان (أگادير)، اللّتين حاصرهما حشد من الإسلاميين الأصوليين، وهدّدوهما، بدعوى أن طول تنّورتيهما (juppes) غير كاف. ولما حضرت الشرطة، اعتقلت الفتاتين (بدلاً من اعتقال الأشخاص الذين تهجّموا عليهما)، ثم تابعت النيابة العامّة الفتاتين الضحيتين بتهمة «الإخلال بالحياء العام».
– سابقة اعتداء جماعة من الإسلاميين الأصوليين، في مدينة فاس، على شابّ اتّهموه بِ «المثلية (homosexuel)»، وانهالوا عليه بالضرب والرّكل حتى هلكوه.
– سابقة خوض أشخاص من الإسلاميين الأصوليين لحملة ضدّ النساء غير المحجّبات، وضدّ ”لباس السّباحة“ (bikini) على الشّواطئ، بهدف فرض نمط لباس «إسلامي»، يحجب المرأة كلّها، بل يشوّهها. كأن المرأة (وحدها، دون الرجل) هي كائن غير طبيعي، ويجب إخفاءها، أو سحبها من الفضاء العام.
آدم: أَمْ مْ مْ … المُهم … وعودةً للموضوع… كثيرون من الناس يعتقدون أنه، لو لم يدبّر البوليس مصيدة لِعُمَر بن احماد وفاطمة النجار، لما وُجِدت أصلاً هذه الفضيحة.
إبراهيم: لا يا مواطن ! كلامك غير دقيق. وماذا تريد أن يفعل البوليس ؟ هل تريد أن يعتقل البوليس كل المواطنين العاديين، إذا ضبطهم يمارسون الجنس خارج الزواج القانوني؛ أمّا إذا ضبط البوليس زعماء في الحركات الإسلامية يمارسون الجنس خارج الزواج القانوني، فإنك تريد أن يقول لهم البوليس: «اِسمحوا لنا على الإزعاج، يمكنكم أن تستمرّوا بلا حرج في عملكم، والله يعاونكم»! لا يا مواطن، هذا طرح غير معقول. كثيرون من الناس لا يعلمون أن بوليس المغرب يضبط في كل يوم، المئات، أو الآلاف، من حالات ممارسة الجنس خارج إطار الزواج القانوني. بينما مئات الآلاف من هذه الحالات تحدث يوميا، ولا يكتشفها أحد. ومعظم هذه الحالات (التي يضبطها البوليس) تُسوّى بدون متابعة قضائية. وأقلية من هذه الحالات هي فقط التي تُحسم بمحاكمة، أو بالسجن. وحينما تحدث هذه الحالات، فلا أحد من الشعب يعبأ بها (باستثناء الأفراد الضحايا وعائلاتهم). لكن حينما يتورّط زعماء من الحركات الإسلامية الأصولية، يصيحون: «نحن ضحايا متابعة بوليسية ! لقد سقطنا في كمين نصبه لنا البوليس»!وهذا كلام غير معقول.
آدم: كيف؟ ماذا تـقصد؟ قُلتَ أن حالات ممارسة الجنس خارج الزواج القانوني تعدّ في بلادنا، وفي كلّ يوم، بمئات الآلاف. هل توجد حقًّا هذه الحالات في مجتمعنا المُسلم بهذه الأعداد الكبيرة التي قُـلتها سابقًا ؟ كيف؟ نحن الذين ندّعِي أننا «خير أمّة أُخْرِجَت للناس»!
إبراهيم: بالضّبط ! حالات ممارسة الجنس خارج الزواج القانوني، التي تحدث في كلّ يوم بالمغرب، تُعَدّ بمئات الآلاف ! ولا تنفضح منها سوى نسبة ضئيلة جدًّا. ويمكن أن نقول أشياء مماثلة عن مجمل البلدان الأخرى المسلمة، مثل الجزائر، ومصر، والسعودية، والعراق، وتركيا، إلى آخره. ولا يستطيع أيّ دين في العالم، ولا أية دولة دينية، أن تقضي كلّيا ونه