
ظاهرة النخب اليسارية "الديمقراطية" "المسلقلة" دوخة السياسة أم انتهازية سياسية؟

من المشاكل الكبرى التي يعانيها الواقع السياسي هو أنه يفرز باستمرار ظواهر تعبر عن لا عقلانية بعض النخب السياسية و المدنية التي يفرزها واقعنا السياسي المتخلف.
آراء أخرى
ويفرز هذا الواقع مرة أخرى، و في ظرفية حساسية الانتخابات البرلمانية، اهتزاز القناعات لدى بعض “الديمقراطيين” المستقلين و لدى بعض ما يسمى “اليساريين المستقلين” و الذين يتحركون داخل الوسط اليساري و نخبه و بين شباب انتسب سهوا و عرضيا (fortuitement) في لـ”حركة 20 فبراير” في فترة نهوضها بقناعات يسارية مُتَحوِّلة ليبرالية إن لم نقل مزاجية، ليتبنوا اليوم و في ظرفية حساسة هي ظرفية الانتخابات، الدفاع عن “حزب العدالة التنمية” و التعايش معه أو مساندة ضد سلطوية المخزن و تحكمه كأن ”حزب العدالة و التنمية” لم يساهم عمليا في هذا التحكم؛ و الامثلة عديدة في هذا الصدد، كما أن هذا البعض من شباب حركة 20 فبراير، لدواعي انتهازية متسترة، دعوا بوضوح للتصويت لحزب العدالة و التنمية، مغييرين قناعتهم بمبادئ ”حركة 20 فبراير” و أرضيتها الديمقراطية.
ونعبر منذ البداية أننا لا نطرح و ليس همنا و مهمتنا أو محاربته “حزب العدالة والتنمية”، ننتقد تصوراته و مواقفه و ممارسته المعلنة و الغير معلنة و خدمته للمخزن و لطبقة البرجوازية الريعية و سياسة التعايش مع الفساد الكبير وفق سياسة “عفى الله عما سلف”. لأن السياسة مصالح سياسية و اقتصادية و اجتماعية و ثقافية و تناقض هذه المصالح.
والديمقراطية هي صراع هذه مصالح. مصالح ديمقراطية الشعب و المصالح الديمقراطية للطبقات الشعبية المُسْتَغَلة و المهدورة و المقهورة و من يدافع عنها من القوى السياسية الديمقراطية و الاجتماعية و المدنية.. أو مصالح البرجوازية الريعية و المخزن و أحزابه و نخبه و البيجيدي يدافع بوضوح عن مصالح البرجوازية الريعية و المخزن..
أما فؤاد عبد المومني، اليساري المستقل، فإنه يرى مستقبل الديمقراطية في “جبهة واسعة” تشمل“ العدالة والتنمية مرورا بجماعة “العدل والإحسان”، إلى النهج الديمقراطي، وكل القوى المستقلة، كأن مشروع “العدالة و التنمية” و مشروع “جماعة العدل و الإحسان” مشروعين ديمقراطيين.
سبب طرحنا لهذا المشكل ما يطرحه “يساريون” “مستقلون” من مواقف و تصورات توحي بطرحهم و بفهمهم، مرة أخرى، الخاطئ لـ”الكتلة التاريخية”.. رغم أنهم لا يشيرون إليها مباشرة.
*
لنحاول تقديم و لو بتركيز شديد تصور غرامشي “للكتلة التاريخية” التي بلورها أساسا في أطروحات “دفاتر السجن”.
بلور غرامشي مفهوم “الكتلة التاريخية” كـ”مـُجَمَّع اجتماعي” له خصوصيته (اهتم غرامشي بالخصوصية برؤية ماركسية مجددة و مطورة للمادية الجدلية) في مرحلة تاريخية محددة و شروط محددة. و بالتالي يعتبر عرامشي أن الحقيقة مرتبطة بسياق إنتاجها وتطورها.
وتتشكل “الكتلة التاريخية” كوحدة عضوية من بنية القاعدة الحقيقية الاجتماعية للمجتمع و تتضمن القوى المنتجة، البروليتاريا و غيرها من الفئات الاجتماعية المنتجة، و العلاقات الانتاج الاجتماعلية و البنية الفوقية المتمثلة في السيطرة الإيديولوجية-الثقافية المتشكلة من المؤسسات و مننظومات الأفكار و مذاهب و معتقدات المجتمع، في إطار صيرورة ثورة تتبلور ضمنها حركة ثقافية، اشتراكية، يمارسها مثقفون عضويون لإِكْسَاب القاعدة الاجتماعية الحقيقية المذكورة أفكارا جديدة و فكر نقدي للستالينية و سلميّة الممارسة و العمل الثوريين لتقويض الشروط الاجتماعية المادية الرأسمالية السائدة و تدميرها و بناء ثقافة و سياسة مجتمعية بديلة تحررية تمكنهم من الوصول إلى السلطة بتوافق جميع مكونات الكتلة التاريخية و إنجاز مشروع مجتمعي جديد تنتفي فيه أسباب الاستغلال الطبقي.. و الانتقال إلى المجتمع الاشتراكي، لأن كل ثورة من الضروري أن تبلور و تشكل واقعا ثقافيا تاريخيا جديدا.
وفي إطار تصوره لـ”لكتلة التاريخية” غرامشي يقارن الإيمان بالاشتراكية كالإيمان الديني الذي ينتقد استلابه للوعي.. و يطرح ضرورة الصراع الإيديولوجي لتحقيق أهداف الاشتراكية الماركسية كمنهج معرفي و ليس كإيديولوجا تزيف الواقع لذلك سيأخذ مسافة نقدية من الستالينية. و رغم العديدمن الأطروحات التي حاولت تأويل تصور غرامشي الإيديولوجي و السياسي لكن تصوره استمر واضحا
ورغم رؤيته للجوانب الإيجابية في الدين فإن نقده للمسيحية التاريخية و بارتباط مع الواقع الموضوعي، اعتبرها مؤسسة إيديولوجية سلطوية تعيق التطور الثقافي و السياسي التحرري للمجتمع، كما تعيق تطور قوى الإنتاج.
هل هذا هو واقع اليسار و المجتمع المغربي و قواه السياسية حتى ندعو إلى “كتلة تاريخية” تجمع اليسار و العدالة و التنمية و الإسلام السياسي؟
*
تصور فؤاد عبد المومني، و كدلك غيره “اليساريين المستقلين”، وفق تصريحاته التي نقلها موقع “اليوم24″ يوم السبت 10 شتنبر يعتبر ”أن التقارب الحاصل اليوم بين حزب العدالة والتنمية، وفعاليات يسارية وعلمانية لا تعني “أننا بصدد توافق ديمقراطي حول برنامج ومشروع سياسي مشترك”، بل كل المؤشرات التي بدأت منذ سنوات تؤكد “أننا بصدد توافق حول قواعد العيش المشترك”، وهو توافق يسمح بالتقارب والحوار المتبادل”.
وهذا التصور كذلك يعتبر أن التوافق حول قواعد “العيش المشترك” قد تمهد الطريق للخروج من الاصطفاف والتخندق الإيديولوجي نحو الاصطفاف الديمقراطي، خصوصا وأن قواعد العيش المشترك تقتضي “الاعتراف بالآخر”..
لنتساءل هل “حزب العدالة و التنمية” غير مصطف و متخندق إيديولوجيا؟ ما ذا يعني أنه يقر و ميارس بكونه حزب له مرجعية دينية؟
عبد الإله بن كيران زعيم “حزب العدالة و التنمية” لا يترك فرصة، في اجتماعات الحكومة و في تصريحاته التلفزية و خلال تجمعاته و تصريحاته الصحفية، دون تمرير خطاب إيديولوجي ديني.. و الطامة الكبرى أنه يستشهد بـابن تيمية في تجمع شبيبته في أكادير و يعتبره من علماء الأمة و لا يتنكر له حيث قال متوجها إلى شبيبته: “يا معشر القوم أنتم لا تفهمون مرجعيتنا، مرجعيتنا هي بن تيمية وهو الذي علمنا أن نقول أنا جنتي في صدري، أحملها معي أينما ذهبت، فسجني خلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة”، و أضاف : “حنا ما تَانَـتْـنـَكـْرُوشْ لابن تيمية رحمه الله”. و أحمد بن تيمية كما هومعروف هو منظر و مرجع السلفية الوهابية و الجهاد في الكفار و التطرف و المدافع عن إقامة الحدود.. إنه مرجعية تكفير من يعتبرهم في خلاف مع إسلام السلف.
وجميع خطاباته مليئة بصيغ و بحجج و بإديولوجية تستغل الدين في السياسة.
وبالتالي أستغرب للناشط عبدالمومني فؤاد و أساتذة التعليم العالي يطرحون أن “جماعة العدالة و التنمية” حزب سياسي ديمقراطي منظم بشكل حداثي و يمارس ديمقراطية داخلية و ممارسة ديمقراطية.. و يمكن أن نتعايش معه لأنه مستقل عن تحكم المخزن.
ومضى قائلا : “عندما تصبح لدينا ساحة سياسية يتحرك الفاعليون فيها بناء على ليست المسألة مسألة “مشاريع سياسية ومجتمعية” فقط!!! بل ما هو المضمون الحقيقي و ليس التكتيكي لهذه امشاريع؟
ثم ما هو مشروع حزب العدالة و التنمية؟ أليس “حزب العدالة التنمية” يندرج ضمن أحزاب “الولاء لسلطة” المخزن و يركع في حفل البيعة؟ أليس هذه الممارسة لحزب العدالة و التنمية يتبنة ممارسة إيديولوجية؟ بل كان عبد الإله بنكيران قد صرح أن “ابن تيمية مرجعيته”.
يصدر فؤاد عبد المومني تعميما بكون “القوى السياسية الحالية تفتقد القوة والاستقلال الذاتي، وليس لديها برنامج سياسي ومجتمعي واضح، كما أنها تفتقر إلى الكفاءات والأطر الكافية لتحقيق ذلك” و هو تعميم غير علمي و يفتقد للمعرفة العلمية بالأحزاب التي لها برامج واضحة و لها استقلال قرارها السياسي، خصوصا الأحزاب اليسارية الراديكالية و “جماعة العدل و الإحسان”.
لقد نفذ بنكيران و حزبه “العدالة و التنمية” من موقع الحكومة قرارات ضد مصالح الشعب الديمقراطية. و اعتبر ترأسه للحكومة و إنقاذا للمغرب و صانع استقراره من فوضى ما يسمى بـ”الربيع العربي” و استطاع وقف الإضرابات بالاقتطاع من أجور المضربين.
*
ماذا قدم بنكيران وحزبه للشعب المغربي، من موقع ديمقراطي حقيقي، طيلة فترة ترأسه للحكومة؟ و هي حكومة جاءت بعد نضالات حركة 20 فبراير الجماهيرية الديمقراطية، و هيأت الشرط الموضوعي لإسقاط الاستبداد و الفساد و انتقال البلاد إلى ديمقراطية حقيقية و دولة الحق و القانون و الخروج من دائرة التخلف الاجتماعي؟ ما ذا قدم بن كيران و الدستور الجديد، الذي لم يناضل لا هو و لا حزبه من أجل تغييره، منحه صلاحيات لم يمتلك الشجاعة لممارستها؟
تقييم حصيلة خمس سنوات لحكومة يراسها بنكيران و حزب العدالة و التنمية بميزان الديمقراطية و نضال حركة 20 فبراير يؤكد أن المغرب تراجع خطوات إلى الوراء في جل المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية:
- عدم تطبيق مقتضيات الدستور و التنازل عن صلاحيات الوزير الأول و استمرار نفس العلاقات السياسة بين مؤسسات الدولة بسياسة قبل دستور 2011، و عدم تطبيق ربط المسئولية بالمحاسبة.
- الفشل في مواجهة الفساد و الانحاء له بسياسة “عفا الله عما سلف” و قال بن كيران قولته التي تبين استسلامه «لستُ من يحارب الفساد، بل الفساد هو الذي يحاربني».
- فشل في إصلاح القضاء، و التعايش مع سلطوية ووزارة الداخلية و و استسلام لإعلام العمومي متخلف و تافه أخبارا و ثقافة و توعية مدنية و ترفيها، إلا من بعض الاجتهادات القليلة جدا في مجال الثقافة و الفن و البرامج السياسية التي تبلورة قبل 2011. بل تم معاقبة ظالمة لقضاة و لمحامين بالنظر لجرأتهم في فضح الاختلالات و الفساد في واقع القضاء.
و بالتالي ماذا حقق رئيس الحكومة و حزب العدالة و التنمية للشعب المغربي؟
ماذا قدم بنكيران وحزبه للشعب المغربي، من موقع ديمقراطي حقيقي، طيلة فترة ترأسه للحكومة؟ و هي حكومة جاءت بعد نضالات حركة 20 فبراير الجماهيرية الديمقراطية، و هيأت الشرط الموضوعي لإسقاط الاستبداد و الفساد و انتقال البلاد إلى ديمقراطية حقيقية و دولة الحق و القانون و الخروج من دائرة التخلف الاجتماعي؟
- تراجع في مجال الديمقراطية و الحريات المسئولة العامة و الفردية و حقوق الإنسان؟ تراجع في هذا المجال و فوضي غير مسبوقة.
- فشل في المجال الرياضي.
- فوضى في الإعلام العمومي و استمرار مضامين ذات ثقافة نكوصية
- إجهاز على حق الإضراب مما شجع أرباب العمل على و المسؤولين الإداريين في الوظيفة العمومية إلى مزيد من التحكم الاستبدادي
- فشل في التصنيع و الاقتصاد الصناعي بالنظر لغياب إرادة سياسية للحكومة في بلورة سياسة تصنيعية مستقلة للثروات و للمواد المنجمية و البحرية و الفلاحية، و غياب سياسة و خطة حكومية لتصنيع التكنولوجيات الحديثة.
- ارتفاع أسعار الواد المعيشية الأساسية.. و تجميد الأجور و عدم معالجة تفاوتاتها المهولة بين الأجور الدنيا و أجور الأطر العليا.
- فشل في إخراج التعليم من أزمته البنيوية و غياب إرادة سياسية لمحاربة الامية الأبجدية و المعرفية.
- تم ضرب عدة حقوق اجتماعية، أهمها حق الإضراب، و فشل في تخفيض البطالة، و استمرار الافلات من العقاب في قضايا التحرش الجنسي، و غياب سياسة الاقتصاد الاجتماعي، و استمرار السكن الغير اللائق و دور الصفيح، و غياب الولوج الفوري للعلاج و تعقيداته بالنسبة للفقراء أصحاب بطاقة “راميد” و خدمات صحية متخلفة و معقدة الولوج إليها تتطلب المحسوبة و الزبونبة مع بطاقة “راميد”.
- ضرب حق التوظيف مستقر في قطاع التعليم بالنسبة للأساتذة المتدربين رغم الخصاص المهول في أطر التعليم
- ضرب حق الأطباء و للطبيات في التوظيف بعد تخرجهم و بعد سنوات طويلة من الدراسة على نفقتهم رغم النقص الكبير للأطر الطبية في المستشفيات و المستوصفات المغربية.
- عدم محاسبة التدبير الفاسد للمسئولين في المكتب الوطني للماء والكهرباء الذي أدى إلى معضلة العجز تهدد المكتب و بدل ذلك ضخ أموال عمومية لسد هذا العجز.
- إصلاح صناديق التقاعد المهددة بالانهيار على حساب المنخرطين فيها دون اتحاص شفاف لهدر أموال صناديق التقاعد برفع سن التقاعد إلى 63 عاماً، و نقص في مبلغ المعاشات و رفع مساهمة الموظفين في صندوق التقاعد.
- تهميس المجال الثقافي بالنسبة للطبقات الشعبية
*
أليست العدالة و التنمية من بين القوى التي سوغت هيمنة مطلقة للمخزن على الحقل السياسي بمباركة خطاب 9 مارس، و فرض صيغة ”المغرب دولة إسلامية” في بند من دستور 2011، و مناهضة نضال حركة 20 فبراير و المشاركة في انتخابات نوفمبر 2011 في منعطف سياسي تاريخي بلورته نضالات جماهيرية لحركة 20 فبراير؟
ومع ذلك يرى فؤاد عبد المومني، اليساري المستقل، وفق تصريحاته التي نقلها موقع “اليوم24” يوم السبت 10 شتنبر “أن التقارب الحاصل اليوم بين حزب العدالة والتنمية، وفعاليات يسارية وعلمانية لا تعني “أننا بصدد توافق ديمقراطي حول برنامج ومشروع سياسي مشترك”، بل كل المؤشرات التي بدأت منذ سنوات تؤكد “أننا بصدد توافق حول قواعد العيش المشترك”، وهو توافق يسمح بالتقارب والحوار المتبادل”.
ويصيف عبد المومني، أن التوافق حول قواعد “العيش المشترك” قد تمهد الطريق للخروج من الاصطفاف والتخندق الإيديولوجي نحو الاصطفاف الديمقراطي، خصوصا وأن قواعد العيش المشترك تقتضي “الاعتراف بالآخر”..
في زمن الالتباس السياسي و الفكري في وعي من نعتبرهم ديمقراطيين و يساريين يسود الخلط السياسي و عدم فهم أن السياسة مصالح طبقية سياسية و اجتماعية و اقتصادية و ثقافية، مصالح راهنة تبني مصالح المستقبل.. لا نستغرب مثل هذه القفزات المزاجية عندما لا يحضر العقل النقدي و التحليل المادي الجدلي للولقع الملموس للديمقراطية المعطوبة في لحاضر بلادنا و شعبنا و إلى أين يسير وضعها و مستقبلها السياسي المنظور و البعيد المدى.
إن هذا إفراز مثل هذا المواقف السطحية ليس سوى ممارسة انتهازية لأن مشروع بنكيران ليس خافيا رغم تغليفه بخطاب الديمقراطية و لا يختلف إلا في الزمن عن مشروع “ابن تيمية”، مرجع السلفية الجهادية و التطرف، الذي أعلن بنكيران في تجمع عام و علني أنه، أي ”شيخ الإسلام” كما تلقبه الحركة السلفية الجهادية و الإخوان المسلمون، يشكل مرجعيته. ونعرف أن السياسة و الديمقراطية مصالح.. و صراع ديمقراطي حول هذه المصالح السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية:
فإما مع مصالح ديمقراطية الشعب و المصالح الديمقراطية للطبقات الشعبية المُسْتَغَلة و المهدورة و المقهورة التي يمارس عليها المخزن و نخبه و مؤسساته الهدر لحقوقها الديمقراطية الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و الثقافية و القهر لحرياتها؛ و بالتالي مع القوى الديمقراطية السياسية و الاجتماعية و المدنية و الثقافية التي تدافع و تضحي من أجل هذه المصالح الديمقراطية للطبقات الشعبية المُسْتَغَلة و المهدورة و المقهورة،
وإما مع مصالح البرجوازية الريعية و المخزن و أحزابه و نخبه، و حزب العدالة و التنمية دافع من موقع الحكومة و يدافع بوضوح عن مصالح البرجوازية الريعية و المخزن رغم صراعه النخبوي الظرفي الشكلي مع الأصالة و المعاصرة الذي يمثل ما يدعيه الوجه ”الحداثي الديمقراطي” للمخزن.
والنقاش السياسي الموضوعي و العلمي هو نقاش المصالح السياسية، إما مع المصالح الديمقراطية للطبقات الشعبية الكادحة المستغلة و المحرومة، أو مع مصالح “ديمقراطية مزيفة” لسيطرة مصالح البرجوازية الريعية و المخزن و نخبه.
والتغيير يأتي بالنضال الديمقراطي المستمر و المبدئي و الصادق بعيدا عن الانتهازية السياسية.
*
منذ أن شكل الملك الحسن الثاني نظاما سياسيا مخزنيا تبعيا سلطويا مع هامش “ديمقراطية تعددية” مع دستور 1962، لإخضاع المعارضات اليسارية (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الحزب الشيوعي المغربي الذي تحول اليوم إلى حزب يساري ليبرالي، الحركة الاتحادية و مكوناتها، الحركة الماركسية اللينينية) بدأت خطة و صيرورة تحكم النظام السياسي السائد في هذه النخب السياسية اليسارية المعارضة.
وكان طرح قضية الصحراء في منتصف عقد السبعينات، بعد هزات الانقلابين العسكريين (يوليوز 1971 و غشت 1972) و “حركة 3 مارس 1973” المسلحة، بداية هذه خطة و الصيرورة جديدين التي أدمجت نخبا سياسية عارضت النظام السياسي السائد لمدة ما يقرب من أربعة عقود (1960 إلى 1998)، و أنتجت ما سمي حكومة “التناوب التوافقي” (مارس 1998- أكتوبر 2002) التي قادها الأذ. عبدالرحمان اليوسفي الكاتب الأول الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و رمز من رموز حركة التحرير الوطني و الحركة الاتحادية.
استمر نفس نهج و سياسة إضعاف و إدماج و احتواء النخب السياسية المعارضة مع الملك محمد السادس. و هذا ما جرى مع نخب يسارية من “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و “التقدم و الاشتراكية” و مع بعض اليساريين الذين انتسبوا سنوات السبعينات للحركة الماركسية و تأخر بهم المطاف في حزب الأصالة و المعاصرة و في مؤسسات النظام السياسي (الهيئة االعليا للاتصال السمعي البضري، المجلس الوطني لحقوق الانسان، سفراء…).
وتطبق اليوم نفس السياسة و الخطة مع تيارات الإسلام السياسي “العدالة و التنمية”، و “النهضة و الفضيلة” و “جماعة العدل و الإحسان” و بعض قادة و نخب السلفية الذين التحقوا ببعض الأحزاب (التحقوا بـ: حزب النهضة و الفضليلة، و حزب الاستقلال و حزب الديمقراطيون الجدد و حزب العدالة و التنمية…).
إن خطة و استراتيجية النظام السياسي كانت و لا زالت تتمثل في إدماج و احتواء القوى السياسي و الاجتماعية و التيارات و الأشخاص الذين ينازعونه الشرعية داخل نسقه السياسي. إن هذا الاحتواء و الإدماج يتم وفق خطة و صيرورة مدروسة و متحكم فيها.
وقد بدأت حكاية حزب العدالة و التنمية، منذ نهاية السبعينات و بداية الثمانينات خلال مرحلة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، نخبة إسلامية ستصبح هي قائدة “العدالة و التنمية” بعد انفصالها عن الشبيبة الإسلامية و تكوينهما للجماعة الإسلامية ثم “حركة الإصلاح والتجديد” و محاولة كسب الشرعية بتأسيس “حزب التجديد الوطني” الذي رفضت السلطة السياسية آنذاك الترخيص له، ليتم إدماجه، بتدبير من إدريس البصري وزير داخلية الملك الحسن الثاني، في حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية لعبد الكريم الخطيب أحد أقطاب المخزن، و الذي سيغير زعماء الإسلاميين القادمين من “الشبيبة الإسلامية” اسمه إلى “حزب العدالة و التنمية” في مجلس وطني للحزب عام 1998.
و بالتالي فإن استراتيجية نطام المخزن كانت دائما واضحة تتمثل في قمع و إضعاف القوى السياسية المعارضة، تليها خطة إدماجها في النسق السياسي السائد.
وواضح أن “إمارة المؤمنين” تعتبر أنها الممثل الشرعي الوحيد و الأسمى للإسلام و ترفض أن تنازعها أية قوة إسلامية هذه الشرعية..
لقد استوعب حزب إسلاميو ما أصبح “حزب العدالة و التنمية” خطة و استراتيجية النظام السياسي الهادفة لاحتواء النخب و استجاب لجميع شروطه، بداية من اندماجهم في حزب عبد الكريم الخطيب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية و تقليص حكم ترشحه في انتخابات الانتخابات البرلمانية 2002 و 2007، استجابة الحزب لطلب أن لا يترأس مصطفى الرميد فريقهم البرلماني.
وانحاز حزب ”العدالة و التنمية” إلى خطة الملك لتعديل الدستور في يوليوز 2011 و إجراء انتخابات سابقة لأوانها التي أعلنها في خطاب الملك في 9 مارس 2011. و ناهض نضال “حركة 20 فبراير” و الجماهير الشعبية التي تظاهرت طيلة شهور سنة 2011 مطالبة بإسقاط الاستبداد و الفساد. و هدد بنكيران و حزب العدالة و التنمية بعدم استمراره في آلية مواكبة عمل “لجنة إعادة صياغة الدستور” إذا لم ينص الدستور الجديد على صيغة “المغرب دولة إسلامية”.
إن انحياز فئة من انتسبت لـما يسمى “اليساريين المستقلين” للدفاع عن حزب العدالة والتنمية باسم الديمقراطية، ضد تحكم النواة المخزنية الصلبة للنظام السياسي و دراعها الحزبي “الأصالة و المعاصرة” لا يدعو إلى الاستغراب لأن فئة ما يسمى “اليساريين المستقلين” سبق أن انحازوا إلى المؤسسة المخزنية اختاروا، مقتنعين، القيام بدور مساعدة النظام السياسي السائد لتخليصه من النواة المخزنية الاستبدادية الصلبة، حسب توهمهم، ليتحول إلى “نظام سياسي ديمقراطي” و يعتبرون أن التجربة الحكومية لـ”حزب العدالة و التنمية” تندرج في هذه الصيرورة.
رغم أن هؤلاء “اليساريين المستقلين” لا يتفقون سياسيا و إيديولوجيا مع “حزب العدالة والتنمية”. إنه العبث السياسي الذي لا يفهم أن السياسة مصالح اقتصادية و اجتماعية و ثقافية فكرية و سياسية. و يظهر أن “اليساريين المستقلين” أصابهم اليأس من أوضاع اليسار و بهرهم توسع تيارات الإسلام السياسي و أخافهم تطرف التيارات الجهادية. و هذا حال نخبة “المثقفين” “اليساريين” “المستقلين” المفصولين عن الممارسة السياسية و الاجتماعية و الثقافية المرتبطة بالمصالح الديمقراطية للطبقات الشعبية الكادحة و المحرومة.