يبدو أن تصريحات السيد عبد الإلاه بنكيران حول قوى التحكم وتحكمها في المشهد السياسي وحول استحواد الملكية على أهم الصلاحيات أصبحت ظرفية بامتياز، إذ يحاول التظاهر بالسياسي المتمرد الذي لا يعترف بالقيود المرسومة سرعان ما يحس بأن القسط المهم من الكعكة الانتخابية لن تكون نصيبه في الانتخابات التشريعية المقبلة التي، حسب العديد من المتتبعين، ستكتسح من قبل حزب الأصالة والمعاصرة أو حزب “صديق الملك” كما يحب أن يسميه البعض. عندما تعطى ضمانات لحزب بنكيران، يتغير خطابه ويصبح المغرب فجأة نموذجا يحتدى به في المنطقة، والحقيقة أن المغرب ما تزال فيه كل الأسباب التي أدت إلى انتفاضات 2011 سواء بقي بنكيران أو جاء غيره لأن دستور 2011، رغم بعض النصوص التقدمية التي جاء بها، لم يحسم في مسألة فصل السلط إذ أن الملك ما يزال هو رئيس الدولة وهو الذي يتحكم في كل السلط وتوجيهاته لا يمكن لأي رئيس حكومة، بصرف النظر عن لونه السياسي، أن يناقشها. ثم إن الحكومة تشتغل في الهامش والانتخابات ما تزال غير مؤثرة بشكل فعلي في جوهر طبيعة النظام السياسي القائم وفي دواليب السلطة الفعلية وما يحيط بها.

 

كلام السيد عبد الإلاه بنكيران لم تعد له أي مصداقية إلا عند مريدين الحزب. في سنة 2011، خرج هذا الرجل “الثوري” بتصريحات قبيحة يندى لها الجبين ضد شباب حركة 20 فبراير، وهي حركة، رغم افتقادها لرؤية مجتمعية واضحة آنذاك، ساهمت بشكل كبير في كسر الطابوهات وخلق دينامكية جد مهمة داخل المجتمع المغربي. خرج السيد عبد الإلاه بنكيران وتهكم على شباب مغربي طموح كان حلمه البسيط هو ترسيخ الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية في دستور ديمقراطي يحسم بشكل جوهري في مبدأ فصل السلط… هذه الحركة الشبابية لم تتلقى أي دعم أو حتى تعاطف من قبل السيد عبد الإلاه بنكيران رغم أنها رفعت شعارات تطالب بوقف “المشروع التحكمي” لحزب الأصالة والمعاصرة، الحزب الذي يتصدى له اليوم حزب السيد عبد الإلاه بنكيران ويطالب بحله! إن السلطة التي قبل حزب بنكيران التحالف معها سنة 2011 ضد حركة 20 فبراير هي التي تهمشه اليوم ربما نظرا لحاجتها الظرفية في تجربة يقودها حزب الأصالة والمعاصرة. صدق من القال “باش قتلتي باش تموت”.

 

خرجات السيد عبد الإلاه بنكيران “الثورية” لم تعد لها أي مصداقية تذكر في الوقت الراهن، بل يمكن اعتبارها مغالطة للرأي العام، فليس من الحكمة أن يتكلم رئيس الحكومة عن ازدواجية الحكم/ السلطة في المغرب بينما الواقع هو أن الدستور المغربي، الذي صوت لصالحة حزب العدالة والتنمية ودعا الناس للتصويت عليه بل تصدى لكل من انتقد الورقة الدستورية التي قدمتها لجنة السيد المنوني للملك محمد السادس، ما زال يقوي السلطة الفعلية والوحيدة في البلاد، المتمثلة في المؤسسة الملكية. لا يعرف السيد عبد الإلاه بنكيران، أو ربما يتظاهر بأنه لا يعرف، بأن النسق السياسي المغربي لا يمكن عزل عناصره عن بعضها، فهي عناصر تشتغل في انسجام مع بعضها البعض، عكس تماما الحكومة المغربية المحكوم عليها سلفا بالهجانة والضعف والكثير من الكلام يقابله القليل من الإنجازات. إذا كان السيد رئيس الحكومة يعتبر أن خرجاته الموسمية تطفي الثورية على حزبه، فهو خاطئ لأنه لا يأتي بأي جديد يذكر، فالعالم الغربي المراقب يدرك جيدا أن الملكية هي السلطة الفعلية في البلاد وليست الحكومة والمغاربة، بكل مستوياتهم الفكرية والإجتماعية، يدركون أن الملك هو “كولشي” وأن رئيس الحكومة لا يملك من السلطة إلا الفتات.

 

خلاصة القول، يبدو أن السيد رئيس الحكومة قد أحس بأن حزبه لن يلعب أي دور في الحكومة المقبلة وأن مهمته ربما انتهت، إن لم تكن انتهت سياسيا، وأن عذرية حزبه قد استغلت لتجاوز مرحلة حرجة في التاريخ المغربي المعاصر، وهذه تحديدا هي أزمة الأحزاب السياسية بالمغرب التي ظلت تعارض السياسات العمومية التي اتبعتها الدولة في مراحل معينة لكن في مرحلة جد حاسمة تقبل بقواعد اللعبة وتختار الدخول للحكومة لا لشيء إلا من أجل الدخول، وهكذا يضيع التراكم النضالي ويضطر الحزب البداية من الصفر، لكن سرعان ما يجد الأمر عسيرا، إن لم يكن مستحيلا.