
قراءة متأنية في نتائج انتخابات 7 أكتوبر

إن ما أفرزته صناديق الاقتراع لانتخابات 7أكتوبر يحتاج الى قراءة متأنية لمحاولة تفسير ما حدث، والبحث في اسباب ذلك، من السهل القاء الكلام على عواهنه، لكن التحليل يستوجب من صاحبه قليلا من الموضوعية وقليلا من التجرد من مواقفه الذاتية الشخصية، وهو ما يغيب للاسف عند أغلب التحاليل والقراءات التي واكبت فوز حزب العدالة والتنمية بهذه الانتخابات ب 125 مقعدا، هذه النتيجة في الحقيقة تطرح بعض التساؤلات التي تروم البحث عن فهم ظاهرة غريبة تتمثل في فوز الحزب الذي ترأس الحكومة لخمس سنوات سابقة، وهي ولاية كانت مليئة بقرارات لاشعبية اجهزت على القوت اليومي للمغاربة، وعملت على توسيع الهوة بين الفقراء والاغنياء، كما عملت هذه الحكومة على تنزيل توصيات مراكز المال العالمي باجتهاد قل نظيره، ومع ذلك عاد هذا الحزب واضاف الى رصيده الانتخابي 18 مقعدا اضافيا، اذا استحضرنا فرق العتبة بين انتخابات 2011 التي كانت في حدود 6 بالمائة، والتي نزلت الى 3 بالمائة في هذه الانتخابات، فسنكون امام نتيجة افدح، ولو ظلت العتبة كما كانت لكان الان البيجيدي على مرمى حجر للوصول الى الاغلبية المطلقة وتشكيل الحكومة لوحده، مما يعني أنه لو بقيت العتبة في حدود 6 بالمائة لكانت حصيلة البيجيدي من المقاعد يتجاوز 170 مقعدا. وهو امر محير ويمكن وصفه بالظاهرة، فكيف حدث ذلك يا ترى؟
آراء أخرى
في المقابل استطاع حزب الاصالة والمعاصرة مضاعفة مقاعده الانتخابية، لكن هل نجح في تحقيق الهدف الذي من أجل تأسس الحزب؟
من جهة أخرى لماذا انهار حزب الاتحاد الاشتراكي بشكل دراماتيكي وتبعه في ذلك حزب الاستقلال رغم انهما لا يجران وراءهما حصيلة حكومية مثقلة باكراهات التدبير الحكومي، فكيف لاحزاب في المعارضة ومع ذلك تفقد مقاعد انتخابية؟ واخيرا لماذا فشلت الفيدرالية في تحقيق رهانها المتمثل في تشكيل فريق برلماني، بل فشلت حتى في ضمان مقعد لنبيلة منيب داخل البرلمان ولو عبر اللائحة الوطنية؟
المظلومية نقطة قوة البيجيدي
في الحقيقة حزب العدالة والتنمية كان حاذقا في توظيف تحرشات المخزن في دعايته الانتخابية، لا احد يمكن له أن ينكر أن البيجيدي صار يتعرض لمضايقات المخزن منذ ظهور نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية 2015، من حينها والحزب يتعرض لمناوشات وتحرشات مضطردة وصلت ذروتها في الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش، وأيضا تسريب الغضبة الملكية الى مجلة “جون افريك” التي يحب القصر الملكي بعث رسائله من خلالها، وكذلك بلاغ الديوان الملكي ضد نبيل بنعبد الله الذي قُرأ على أنه موجه اساسا الى بنكيران وحزبه، موجه اليه من أجل الكف عن الحديث عن التحكم وعن تدخل فؤاد عالي الهمة في الحياة الحزبية، هنا كان حزب العدالة والتنمية ذكيا في تعامله مع هذه التحرشات، اختار أن يحني رأسه لكن دون أن يكف نهائيا من الحديث عن التحكم، بل اختار لغة اللمز والاشارة، والايحاء انه ممنوع من الحديث عن التحكم.
امام هذا الوضع الذي اتقن فيه حزب العدالة والتنمية لعب دور الضحية، دور المغضوب عليه من طرف دوائر القصر الملكي، خاصة فؤاد عالي الهمة الاب الروحي للبام المنافس الاساس لحزب البيجيدي. لذلك فالتصويت المكثف على البيجيدي هو تصويت ضد التدخل في الحياة الحزبية، تصويت ضد فؤاد عالي الهمة، تصويت من أجل استقلالية القرار الحزبي. وهؤلاء الذين صوتوا للبيجيدي صوتوا عليه لأنهم يرون فيه حزبا مظلوما من طرف المخزن، وحزبا يحوز بعض مؤشرات الاستقلال الحزبي. كما أن هؤلاء المصوتين هم في الغالب من الطبقة الوسطى التي ملّت وسئمت من تميع الحياة السياسية، فوجدت نفسها اخيرا مستعدة للتضحية بحقوقها المباشرة، و بمكاسبها الاجتماعية والاقتصادية من أجل تحصين الحياة السياسية ضد تدخلات المخزن.
في المقابل ضحايا سياسة الحكومة في جزء كبير منهم لا يصوتون في الانتخابات، اما لكونهم يقاطعونها او لكونهم غير مباليين بالمشاركة السياسية وشغلهم الشاغل هو الجري وراء لقمة العيش. هكذا تجنب البيجيدي التصويت العقابي ضد سياساته، وبل استفاد من التصويت العقابي ضدا في المخزن ومحاولاته التحكم في المشهد الحزبي.
تبقى الاشارة إلى أن المخزن لا يناوش البيجيدي لانه يرى فيه خطرا ما، بالعكس البيجيدي مطلوب من دوائر المال العالمي، وليس هناك من الاحزاب السياسية في المغرب من هو قادر على خدمة هذه الدوائر من غير البجيدي، كما أن الملكية نفسها لن تجد في الساحة الحزبية من يخدمها أكثر من البيجيدي، لكن عقدة المخزن هو أنه يريد أن لا يمدد لحكومة بنكيران من أجل فسح المجال لوليده (البام) حتى يدخل الى الحكومة، وينقذ نفسه من الورطة التي جعلت حزبه يُرغم على المكوث في المعارضة رغم أنه خُلق منذ البدء ليحكم. القصر ليس انه لا يريد البيجيدي، بل يريد مكانا تحت شمس الحكومة لوليده الذي صرف 8 سنوات وهو خارج الحكومة. اذن لا يتعلق الامر بصراع مع البيجيدي، بقدر ما هو رغبة القصر في ايصال وليده الى الحكومة، وايضا رغبة منه في عدم ترك البيجيدي يتوغل اكثر فأكثر داخل دواليب الدولة، فرغم أن البيجيدي اكثر الاحزاب السياسية الحالية قدرة على خدمة القصر الملكي، غير ان هذا الاخير لا يثق في مسكنة بنكيران التي يخاف ان تتحول الى “مسكنة من أجل التمكن”.
القصر يفشل حزبيا
أن يفشل القصر للمرة الثالثة في ايصال وليده الى الحكومة هو في الحقيقة مؤشر خطير، فلم يسبق للقصر الملكي أن خلق حزبا وظل في المعارضة، من عادة القصر انه كان يخلق حزبه اليوم وغدا يكون في الحكومة، الا في حالة حزب الاصالة والمعاصرة الذي انشأه مستشار الملك وفشل في ايصاله الى الحكومة، في الاول كان للحراك الشعبي لحركة 20 فبراير 2011 دورا كبيرا في فرض سحب حزب القصر، والتراجع قليلا الى الوراء الى أن تهدأ العاصفة، بعد خفوت حركة 20 فبراير وجد البام نفسه امام نيران حزب العدالة والتنمية الذي لم ينس لمؤسسه حماسه ورغبته في حل الحزب بعد احداث 16 ماي 2003، كما أن مؤسس الحزب أكد أكثر من مرة أنه جاء لمحاربة الاسلاميين وخاصة حزب العدالة والتنمية، هذا الوضع خلق صراعا عنيفا بين البام والبيجيدي، هو صراع وجود، فكل واحد منهما يرى أن وجوده يأتي على انقاض وجود الاخر، لذلك حاول المخزن خلال هذه الانتخابات بكل قوة لاستدراك فشله، لكنه رغم كل المحاولات والتحرشات والمناوشات فشل في رفع وليده ليتصدر الانتخابات، وهو ما يؤشر على أن القصر لم تعد له تلك القدرة الخارقة على عجن الاحزاب وتشكيلها كما تشاء غرائزه مثلما تتشكل العجينة بين ايدي الخباز.
المخزن حاول بكل الوسائل المفضوحة والمستترة، لكن محاولاه باءت بالفشل، وساهم في هذا الفشل تطور الحياة السياسة مقارنة مع ذي قبل، وتطور منسوب الوعي السياسي لدى المواطنين خاصة بعد حراك 2011، وكذا تطور وسائل التواصل وامكانات الرصد والتحرك والفضح، كل هذه الامور حتمت على المخزن أن يمنى بهزيمة نكراء ويفشل في تثبيت خياره.
انهيار الاحزاب الكبرى
إن من النتائج التي تمخضت عن انتخابات 7 اكتوبر هي انهيار الاحزاب الكبرى، خاصة حزب الاستقلال الذي فشل امينه العام من الحصول على مقعد برلماني في معقله رغم استعانته بأحد رموز السلفية، كما فشل فشلا ذريعا في الانتخابات الجماعية و الجهوية، وجزء كبير من فشل شباط يتحمل مسؤوليته هو، الذي اختار أن يخوض حربا بالوكالة ضد حزب العدالة والتنمية نيابة عن البام وعن فؤاد عالي الهمة، هنا كان شباط يحفر قبره السياسي، وشباط اختار هذا السبيل مرغما اكثر مما هو خياره، فعل ذلك ليرد الجميل لمن اوصلوه الى قيادة حزب الاستقلال وهو الذي كان يحلم ان يكون مجرد قائد من قادة الحزب، لكن جشعه وطموحه السياسي الجامح جعله يركب كل الممكنات من أجل ارضاء نزواته، هذا الطموح غير المحدود الذي يسكنه استغله المتحكمون في الحياة الحزبية وأعدوه ليترأس حزب الاستقلال، لكن قبل ذلك عملوا على توثيق كل ما يسمح لهم بأن يجعلوه دمية في ايديهم يحركونه كما تشتهي غرائزهم السياسية، وحتى ان حاول يوما ان يتمرد عليهم سيجد نفسه هو وابناءه تحت نيران الملفات المعتقة، التي ترقد في رفوف المتدخلين في الحياة الحزبية. هذا الوضع كان وبالا على شباط، فجنى على نفسه وجنى على حزبه وهاهما الان يتجرعان مرارة الطموح الجامح لشباط.
نفس الشيء تقريبا ينطبق على حزب الاتحاد الاشتراكي الذي انقض على قيادته ادريس لشكر بمساعدة فؤاد عالي الهمة والياس العماري، ساعدوه على الوصول الى ترؤس الحزب مقابل توظيفه في اجندتهم السياسية، صعد لشكر الى قيادة الحزب وصار يتلقى التعليمات من طرف اسياده، هذا الوضع لم يقبله العديد من الاتحاديين، وهناك من اخذتهم عزّة النفس والانفة وهم يرون حزب المهدي وعمر يلعب به الهمة واصدقاؤه كما يشاؤون، فاختار بعض هؤلاء الانسحاب بصمت وبعضهم اختار الانسحاب مع بعض الضجيج والاستنكار والتعبير عن الاسف لما آل اليه حزب بوعبيد.
إن انصياع شباط ولشكر لارادة فؤاد عالي الهمة جعل حزبيهما ينالان التصويت العقابي نكاية بهم ونكاية بمن يوظفهم، خاصة ان المواطن المغربي المسيس صار ذا وعي سياسي مرتفع مقارنة بالانتخابات السابقة، وصار بمقدوره أن يعاقب وأن يجازي من يراه اهلا لذلك. كما أن شطحات لشكر وشباط جعلت حزب الاصالة والمعاصرة ينقضّ عليهما وصار يقتات على نزع مقاعد انتخابية منهما واضافتها الى رصيده، فقراءة بسيطة لنوعية مقاعد حزب الاصالة والمعاصرة لهذه الانتخابات، ستجد انها مقاعد كانت في السابق للحزبين او كانت لحزب الاحرار، اي ان البام رفع رصيده من المقاعد على ظهر الاحزاب التي يتحكم فيها كما يشاء، وفي المقابل لم يستطع ان يسحب البساط من تحت اقدام البيجيدي في اي من الدوائر الانتخابية، بل ان حتى استقطابه لبعض الشخصيات من البيجيدي التي تم النفخ فيها كثيرا في وسائل الاعلام لم تنجح من حرمان البيجيدي ولو من مقعد واحد. والخلاصة أن البام فشل في مواجهة البيجيدي، ونجح في مضاعفة مقاعده على ظهر حلفائه وخدامه الاوفياء: الاتحاد الاشتراكي والاستقلال والاحرار..
فيدرالية اليسار والحلم المبالغ فيه
الحقيقة التي لا يمكن انكارها هو أن الفيدرالية قامت بحملة انتخابية جيدة، واستغلت الاعلام الجديد؛ الاعلام الالكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي احسن استغلال، لكن رغم ذلك لم تحصل على المقاعد المأمولة، فرهان الفيدرالية كان هو الحصول على فريق برلماني، من أجل شق طريق ثالث ينفلت من ثنائية البام والبيجيدي، لكن خطابها السياسي لم يقنع كثيرا الناخب المغربي، ولم يقتنع بجدية “الخط الثالث” كما ان مكر الياس العماري لعب دورا كبيرا في تكريس هذا اللبس وهذا التردد عند المواطنين، فقد دأب الياس في جل حواراته الصحفية على التأكيد انه من مؤسسي حزب اليسار الاشتراكي الموحد، وأنه يحتفظ بعلاقات ودية من رفاقه السابقين، بل انه في برنامج 90 دقيقة للاقناع قال انه حزبه والفيدرالية في الانتخابات الجماعية حققا نتائج قوية في دائرة اكدال حي الرياض وتفوقا على البيجيدي في هذه الدائرة في عاصمة المغرب حيث تقطن هيئة ناخبة جلها من الطبقة الوسطى وتحوز وعيا سياسيا متطورا مقارنة بباقي الدوائر الانتخابية، هذا التصريح من الياس اوحى للمواطن العادي أن الفيدرالية مهما حاولت ان تقول انها ضد البام وضد البيجيدي إلا أنها في الاصل هي اقرب الى البام، وربما هي منخرطة في اجندته السياسية، المواطن العادي لم يستوعب كيف أن الياس من مؤسسي حزب اليسار الاشتراكي الموحد، وانه يصر في كل مرة انه يحتفظ بعلاقات رفاقية مع رفاقه القدامى، لم يفهم كيف يمكن أن تكون الفيدرالية فعلا ضد البام.
والملاحظ أن المقعدين الذين حصلت عليهم الفيدرالية كانا في دائرتين انتخابيتين يفترض أن ناخبيها يملكون وعيا سياسيا متطورا، يسعفهم على فهم معنى الخط الثالث، ويتفهموا أن الياس كان من مؤسسي اليسار الاشتراكي الموحد لكنه الان صار في حزب اخر أسسه القصر.
الخطاب السياسي للفيدرالية رغم صدقيته إلاّ أنه فشل في اقناع المواطنين بجدية خيار “الخط الثالث” وانهم فعلا ضد المخزن، لذلك فلم تنل الفيدرالية إلا أصوات المتعاطفين معها، ولم تنجح في أن تخترق الكتلة الناخبة المتذمرة من تدخل المخزن في الحياة السياسية.
نسبة المشاركة
ما يجب التنبيه اليه هو أن نسبة المشاركة التي أعلنتها وزارة الداخلية قد تكون بلغة الارقام صحيحة، لكنها في العمق ليست كذلك، تم النفخ فيها كثيرا، ليس النفخ المباشر لكن بطرق ملتوية، فمثلا هناك العديد من الحالات التي صوت فيها بعض المواطنين اكثر من مرة، يعني مواطن واحد يصوت 3 او 4 مرات، وهو امر تكرر في اكثر من دائرة وفي اكثر من صندوق انتخابي، وتتوفر انوال بريس على معطيات عن وقوع العديد من مثل هذه الحالات، اضف الى ذلك ما حملته شكايات الاحزاب المشاركة في الانتخابات حول لجوء بعض رؤساء مكاتب التصويت الى دس مئات والاف الاصوات في بعض الصناديق، كما أن نسبة البطائق الملغاة يُطرح عليها اكثر من استفهام، اذ هل يصح أن يتم احتسابها في نسبة المشاركة، لكل هذه الاسباب وأخرى فإن رقم 43 بالمائة هو رقم مبالغ فيه كثيرا، والراجح أن نسبة المشاركة الحقيقية من بين المسجلين لم تتجاوز نسبة انتخايات 2007 اي 37 بالمائة.
خلاصة
لقد نجح حزب العدالة والتنمية في رفع عدد مقاعده مستفيدا من وضع المظلومية ومن عاطفية المغاربة واتجاههم الى دعم ومساندة المظلوم، كما انه استفاد من التصويت العقابي ضد المخزن، فالتصويت العقابي الذي نادى به البعض ضد الحكومة لم يكن له صدى كبير، بل كان الصدى للتصويت العقابي ضد المخزن وضد الاحزاب التي تبدو للمواطن انها خضعت للمخزن وصار يتحكم فيها كلية. في المقابل البام لم ينجح في مواجهة العدالة والتنمية كما كان رهان مؤسسيه، بل نجح في قضم مقاعد الاحزاب التي صارت ملحقة به، هذا الامر يؤشر بشكل مباشر أن حزب الاصالة المعاصرة رغم 102 مقعد التي حصل عليها، الا أنه فشل فشل ذريعا في تحقيق الهدف الذي من أجله خُلق؛ ايقاف تقدم البيجيدي، وبل ساهم الدعم الواضح والفاضح له من طرف المخزن في تقوية حزب العدالة والتنمية من خلال لجوء المواطنين الى التصويت العقابي ضد المخزن وضد الاحزاب التي رضخت لمشيئة الهمة، وهو ما يفسر اكتساحه لمدينتي فاس التي كانت معقلا لشباط ومدينة الدار البيضاء.