عندما امتنع مولاي هشام عن تقبيل يد الملك خلال التوقيع على عقد الولاء وهمس في أذنه قائلا له “إن الاختيار صعب فعليك بالصبر”، كان يعرف جيدا ما يقصده، بأن مهمة المُلكْ صعبة وعسيرة، وخصوصا مع ما يعيشه المغاربة من ظروف اجتماعية مزرية ومن تفاوت طبقي صارخ، وكذا ما نعيش من تطورات خطيرة سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي.

والآن بعد كل هذه السنوات التي حكم فيها الملك وأبان فيها عن نوع من المرونة واللطف في تعامله مع الشعب في العديد من الحالات الحرجة التي عبر فيها الشعب عن رفضه لها بقوة، وعبر عن مواجهتها بكل الأشكال السلمية، والأمثلة كثيرة منها “العفو عن البيدوفيل الإسباني كالفان”، “مي فتيحة” بائعة البغرير، وإحراق حافلة الأطفال بطنطان، وقضية “عشق في الوزارة” للشوباني ورفيقته، وقضيتي “ما يعرف بوزيري الكراطة والشكولاطة” واللائحة طويلة .. 

واستجابة الملك والتماهي مع هذه الاحتجاجات هي نوع  من النقد الذاتي على تجاوزات ورعونة أجهزة الدولة من أمن وداخلية وقضاء وغيرها من الشطط البين في استعمال السلطة.

لكن السؤال : هل دائماً سنبقى ننتظر التدخلات والتوجيهات الملكية لمتابعة أو توقيف، أو فصل أو عزل الجناة عند ارتكابهم إحدى الأفعال المخالفة للقانون، التي تمس من قريب أو من بعيد صورة وسمعة المغرب؟ ماهو دور المؤسسات التي لها صلاحية التدخل والقيام بما هو منصوص عليه في القانون ؟ ولماذا هذه الأجهزة لا تتحرك إلا إذا خرجت الجماهير تصرخ في الشارع ؟ ولماذا في كل مرة يتم فتح تحقيق ولا يسفر عن أية نتائج؟ ولماذا في الأخير يتم دفنه في واضحة النهار؟

جل الأحداث المؤلمة التي عاشها المغاربة في السنوات الأخيرة تعطينا صورة واضحة أن هناك من المسؤولين غير الأكفاء والذين ليست لهم أية تجربة ومعرفة  “بالأمن الاجتماعي” يقامرون باستقرار المغرب دون أن يشعروا بذلك، وبعملهم غير المحسوب والفاقد للحس والمسؤولية 

مناسبة هذه الأسئلة ما وقع نهاية الأسبوع من عملية طحن لشاب مغربي يبيع السمك، داخل شاحنة أزبال بدون حياء ولا رحمة ولا إنسانية، والصورة التراجيدية التي نقلتها كل وسائل الإعلام المحلية والدولية تعكس بوضوح تحول جديد لآلة الإدارة في الهجوم على الشعب وقوته، وقتل أي أمل بالإحساس بحياته واستقراره.

وبالوقوف على محطات هذا الفيلم التراجيدي، نجد نفس السيناريو يتكرر” طحن المغاربة”  ونفس الممثلين يعيثون فسادا في البر والبحر والمخرج ذاته، أي المخزن يحاول تطويق الوضع بعبارات تعزية والوعد والوعيد، إنه فيلم رديء يدفع إلى التقيؤ وفقدان الوعي.

وها هو حارس المملكة يتدخل في الوقت المناسب، من خارج الحدود، محاولا إعادة الأمور إلى نصابها، بإعطاء تعليماته وتوجيهاته بالتوجه إلى بيت الضحية ومواساة عائلته المنكوبة وفتح تحقيق عميق وتطبيق القانون على كل من تبت في حقه الشطط. بعد أن تحول الشاب محسن إلى قطع غيار مفرومة، واشتعلت مدينة الحسيمة وباقي مدن المملكة بلهيب الاحتجاجات. والسؤال، هل هذا يكفي؟ وماذا عن تفسخ المنظومة التي تشتغل بمنطق الرفض والقمع واللامبالاة ؟

 وهنا نعيد نفس السؤال: ماذا كان سيحدث لا قدر الله لولم يتدخل الملك “كرجل الإطفاء” كالمرات السابقة، وينزع فتيل النار التي كانت ستأتي على الأخضر واليابس بسبب رعونة الإدارة وجنون مسؤوليها، والتي تحدث عن فسادها  في خطابه الأخير بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية  لهذه السنة؟ وهل سيظل المغاربة دائما ينتظرون التدخل الملكي لتصحيح الوضع؟ وماذا لو نفذ صبرهم يوما ما؟ إن الغضب الشديد والإحساس” بالحكرة” كافيين لتحويل البلاد إلى جحيم لا يطاق.

في الحقيقة، إن جل الأحداث المؤلمة التي عاشها المغاربة في السنوات الأخيرة، تعطينا صورة واضحة، أن هناك من المسؤولين غير الأكفاء والذين ليست لهم أية تجربة ومعرفة “بالأمن الاجتماعي” يقامرون باستقرار المغرب دون أن يشعروا بذلك، وبعملهم غير المحسوب والفاقد للحس والمسؤولية سوف يدخلون المملكة وحارسها وشعبها إلى المجهول.

والمغرب اليوم، كما يعرف الجميع، مقبل على الاشتعال والاحتقان الاجتماعي في أية لحظة نتيجة ماعاشه المغاربة خلال هذه السنوات الخمس السابقة من اتخاذ قرارات لا شعبية خطيرة من طرف الحكومة الإسلامية التي ضربت القدرة الشرائية للمواطنين في العمق وزادت في ارتفاع عدد المعطلين والفقراء والمهمشين، وغضت الطرف عن الفاسدين وساهمت في نمو اقتصاد الريع .

إن جل المغاربة اليوم، بكل مدن المملكة يشعرون بحزن كبير، بألم في القلب، وفاجعة الشاب محسن ما هي إلا إنذار أخير، جاءت في وقتها لتدق ناقوس الخطر، وتظهر بما لايدع مجالا للشك أن القادم من الأيام سيكون صعبا وعصيبا، وهي رسالة بليغة لمن يهمهم الأمر، أن المغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، وأن سلوك الاستهتار وعدم الجدية لم يعد لهما مكان بين المغاربة، وأن المسؤولين لم يعد لهم أي اختيار آخر، سوى الالتزام بأخلاق ومبادئ دولة القانون وكرامة المواطن وكل التفاف أو تأخير ستكون عواقبه وخيمة وجد مكلفة على الجميع.