كشفت احتجاجات مدينة الحسيمة المنطلقة منذ أزيد من أسبوع، على خلفية مقتل الشاب محسن فكري بائع الاسماك داخل شاحنة لنقل النفايات، ومن قبلها بحوالي عام احتجاجات مدينة طنجة ونواحيها، كتعبير عن سخط المحتجين على ارتفاع فواتير استهلاك الماء والكهرباء، ورفضاً لسياسة تدبير المرافق العمومية بواسطة شركات أجنبية، بروزاً وتنامياً لشكل جديد من الحركات الاحتجاجية والاجتماعية، الهادفة الى كسب الحرية وتحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية، والتي شكلت امتداداً لحركات ما سمي “بالربيع العربي”.

صرخة المحتجين الممتدة والمتسعة من مدينة لأخرى ومن قرية الى قرية، هي في عمقها صرخة ضد الاهانة والقهر، وهي صرخة جماعية تعكس المطالبة بالحق في الاعتراف بالوجود الاجتماعي، ذلك أنه من المفيد لتفسير طبيعة ودينامية الحركات الاحتجاجية هاته، التوقف عند مصطلح “الاعتراف” لإيمانويل رينولت Emmanuel Renault،وهو ما يعكسه عدم الاعتراف وما معناه في ثقافة الشعوب المغاربية ” الحكرة”.

مصطلح أو مفهوم الاعتراف الاجتماعي، أصبح يعتمد من طرف عدد من علماء النفس والاجتماع، بوصفه مدخلاً يمكن الدارس من استيعاب وفهم بعض المشاكل الاجتماعية والسياسية ذات الصلة بإشكاليتي الإقصاء والتهميش الاجتماعيين، وتتجلى أهميته في تجاوز النظرة الضيقة والسببية لمختلف أفعال الاحتجاج والتمرد، بوصفها مطالب حيوية بحقوق الشغل والسكن وتحسين دخل الفرد أوغيرها من المطالب الاجتماعية والاقتصادية، نحو اعتبارها اشكالاً من المقاومة الاجتماعية، التي تطالب ضمنها الفئات الاجتماعية المقصية والمعزولة والمهمشة بحق الاعتراف بالوجود الاجتماعي والأهمية في سياسة تنمية وبناء الوطن، والمطالبة بالكف عن الاستبعاد والاستخفاف بالأفراد والجماعات ومصالحه.

الحركات الاحتجاجية الجديدة هي الرد على استمرار الأنساق التسلطية، فعندما يكون من المتعذر حدوث التغير الاجتماعي والديمقراطي أو احداثه عبر الهياكل السياسية القائمة، فطبيعي أن يتم البحث على قنوات وأساليب غير تقليدية في العمل السياسي

ولعل ما يثير الانتباه ونحن نحاول تحليل الفعل الاحتجاجي بالمغرب، والذي دخل مرحلة جديدة تشكلت مع انطلاقة حركة 20 فبراير 2011،والذينعتقد أن احتجاجات ” محسن فكري”، هي الامتداد الابرز لها على مستوى زخمها الجماهيري وكذا على مستوى مطالبها وشعارتها، أنما تعبر عن جملة من الخصائص المميزة لهذا النوع الجديد من الحركات الاحتجاجية:

– الحركات الاحتجاجية الجديدة تعكس تحولات الشارع، كفضاء عمومي في تفاعلاته مع الدولة وأهم الظواهر التي نتجت عن تغيرات هذا الشارع، على مستوى تطور تأثيراته و ظهور قوى اجتماعية جديدة ونخب بديلة أصبحت تتنامى، تبحث عن التعبير عن نفسها عبر الاحتجاج والتظاهر.

– الحركات الاحتجاجية الجديدة أظهرت أن المشاركة والحياة السياسية لم تعد تقتصر على النشاط الذي يقوم به الافراد والجماعات المنتمية للنخب التقليدانية والمنضوية في اطار التنظيمات السياسية والحزبية، أو من خلال التمثيل في الهيئات التشريعية والحكومية، فكثيراً ما يكتشف افراد وجماعات المجتمع المحتج، والذين يقدمون انفسهم كقادة ونخب سياسية بديلة، أن هذا الاطار لا يستطيع الاسهام في تحقيق أهدافهم وطموحاتهم، بل انه قد يعيق سلوكهم السياسي ويناقض مواقفهم.

– الحركات الاحتجاجية الجديدة هي الرد على استمرار الأنساق التسلطية، فعندما يكون من المتعذر حدوث التغير الاجتماعي والديمقراطي أو احداثه عبر الهياكل السياسية القائمة، فطبيعي أن يتم البحث على قنوات وأساليب غير تقليدية في العمل السياسي، ومن البديهي ان تكون الثورات والحركات الاجتماعية الاحتجاجية في طليعة الاساليب غير التقليدية. 

– الحركة الاحتجاجية هي الظاهرة المجتمعية الحاضنة لكل فعل وسلوك تمردي وانتفاضي أو ثوري، فغالباً ما يبدأ الاحتجاج برفع مطالب بسيطة وبجموع صغيرة ومتناثرة، وبمعزل عن التنظيمات السياسية والاجتماعية القائمة، لكنه سرعان ما تنعرج الحركة الاحتجاجية اتجاه منحى تصاعدي، قد تصل إلى انتفاضات وثورات.

في الختام نقول أن احتجاجات الحسيمة قد تخمد وتنتهي، كما خمدت وانتهت احتجاجات 20 فبراير، غير أنه وجب التذكير بأن تاريخ وتجارب المجتمعات في الانتقال نحو الديمقراطية،والأطر المعرفية النظرية للحركة الاحتجاجية والاجتماعية، يفيدان بأن التراجعات والانكماشات الكامنة داخل المجتمع الاحتجاجي، سرعان ما تعود وبقوة على شاكلة العواصف التي تهب فجأة وتدمر وتكنس كل الأبنية الهشة والمغشوشة، خاصة إذا كانت العملية السياسية مبنية على أرضية قوامها التحايل والخداع السياسي، بعيداً عن الاقتناع الحقيقي بالإصلاح وإرساء دعائمه المتينة.