يعلق كثير من ذوي النيات الطيبة  آمالا عريضة على احتمال فوز المترشحة “كلينتون”، ويتماهى لدى هؤلاء جنس المترشح بالمنصب  الرئاسي الأكبر على وجه الأرض،  فيعتقدون أن هذه المرأة ـ حال فوزها ـ ستملأ العالم وردا و عطرا و بنفسجا، و هو هذيان نفسي أقرب إلى الرومانسية الحالمة ، منه إلى التحليل السياسي الموزون، و الأمر في حقيقته مرٌّ، بل إن الأمرين مرّان و لا حلاوة لأحدهما بتاتا، فالاحتمالان لا يختلفان عن بعضها البعض في شيء ، على الأقل في علاقة أحدهما بنا نحن، نحن العاجزون والمتفرجون و غير المشاركين فيما يأتيه العتاة و الأقوياء على كثير من بقاع الأرض الملتهبة.

لا هذه المرأة العريضة الابتسامة ، ولا ذلك الرجل المخيف ( شكلا و مضمونا) ، “ترامب” ذو شعر الكاوبوي ( رفض أن يُغير تسريحة شعره مطلقا، فقد تكون بالنسبة له علامة قوة و تميز!) و القادم من عالم المال و الثراء و الكازينوهات و الفنادق ، والذي يغمس قدميه في ثروة تبلغ مقدار أربعة مليار دولار ( نشرة فوربس2015)، هذا الرجل يعشق المال ويهيم بالمال ، وسيُحضر المال  لأمريكا ( كما يعد بذلك الأمريكيين) ولو خبّأه العرب ( وغيرهم)  تحت وسائدهم الخفية، و إلى جانب المال فالرجل مغرم بالعقار والمنتجعات الترفيهية، التي تقارب مساحتها مساحات بلداننا الصغيرة المجتزأة، وربما سيضم الرجل مستعمرات أخرى إلى أمريكا ، وصاية أو احتلالا أو إغراقا.

هيلاري المرتدّة ( كانت في بداياتها جمهورية الهوى، لمّا كانت تضع النظارات السميكة، قبل أن تنضم إلى الديمقراطيين) تعِد بالارتماء الكامل في الحضن الإسرائيلي، و إعلان القدس عاصمة أبدية للكيان، ستولي ظهرها للعرب ، كما فعل و يفعل سابقوها ( أوباما يصالح إيران ويطلق يدهم في العراق والمنطقة ، وبالمقابل يخنق السعودية بقانون جاستا ).

 ثم ما أقصى ما يتمناه العرب من هذه السيدة وقتدئذ: أن تترك المغاربة يبنون حلمهم، حكمهم الذاتي،  في الصحراء المغربية ( وستظل مغربية رغم كيد الكائدين، الذين عليهم أن يقرؤوا التاريخ جيدا، وأن يدعوا الأفاعيل القديمة للاستعمار جانبا )، دونما تشويش أو عرقلة ( ملف حقوق الإنسان والمنتجات القادمة من الصحراء المغربية كما وقع مؤخرا…)، أن تدع إسرائيل الفلسطينيين يحوّلون السلطة إلى دولة ينخرها الاستيطان و تقتلها المعابر، أن تعيد للعراقيين عراقهم الذي سلبتهم إياه المليشيات الشيعية، أن تمنع تقسيم سوريا ،وأن تكف يد الزعيم العلوي وتمنع عنهم براميله المتفجرة…

عندما قاد المصري بطرس غالي دفة “الأمم المتحدة”، اعتقد السذج أن الرجل منا وهو ابن بلد ، لن يتنكر لقطعة “العِيش” التي مضغها بين دروب القاهرة، حتى الشّجب لم يستطعه الرجل، وولّى راحلا و الإملاءات و اللوبيات تنزل بقراراتها على مجلس الأمن، سواء رأسه بطرس أو “الجيلالي” ، ومثل ذلك كثير .( البرادعي المصري ، قلب أرض العراق تفتيشا وتنقيبا، وفعل ما لم يفعله غيره من الأجناس الأخرى…)

الرئيس الأمريكي أيا كان لونه أو عشيرته ، ينبغي له ، بل من اللازم عليه ( ولذلك انتخبوه) أن يجلب الرفاه و الرخاء و البحبوحة للأمريكيين، يجلب لهم ذلك من خارج بلدهم ، يسرقونه من الشعوب الكادحة التي ترزأ تحت نير الاستغلال وسرقة الفائض

لاشيء مما هو مأمول سيقع، فالأمريكان أخطبوط ( مع الاعتذار لهذا الكائن البحري الرائع، جراء التشبيه )  يمد أذرعه الطويلة خارج القارة، وهو أخطبوط يأكل من فرائس غيره، ويعيش من أزماتهم، و بدون هذه الأزمات  يكون في خطر . 

الرئيس الأمريكي أيا كان لونه أو عشيرته ، ينبغي له ، بل من اللازم عليه ( ولذلك انتخبوه) أن يجلب الرفاه و الرخاء و البحبوحة للأمريكيين، يجلب لهم ذلك من خارج بلدهم ، يسرقونه من الشعوب الكادحة التي ترزأ تحت نير الاستغلال وسرقة الفائض ( وما الذي يفعله البنك الدولي وغيره ، غير ذلك …)يسرقون مالهم وعرقهم ومعادنهم وخضرواتهم، بعد أن سرقوا برلماناتهم وتعليمهم ، وألهوهم بمشاكل لا تنحل قبل الألف عام (مشاكل الحدود و الإغراق الإعلامي التافه…)،وبالمقابل يدفعون لهاته الشعوب السلاح على جرعات متحكم فيها، السلاح الذي تتسابق الأمم المغلوبة لامتلاكه ، تستقطع ثمنه من تعليم الأولاد وخبز الأحفاد، استعدادا للمعركة التي لم تحدث بعد ، المعركة التي سيُبيد فيها الجار جاره.

هذا هو لب السياسة الأمريكية كما تقولها الوقائع و كما يسردها التاريخ، السياسة التي لا يخجل ترامب من طرحها أمام أتباعه، السياسة التي تُكتب في مراكز الدراسات المخبوءة تحت الأرض ، إلى الجانب الترسانة النووية المرعبة.

ولأكثر المتفائلين ، وأشدهم تيمنا بهذه السيدة القديسة ( التي غفرت هفوات الزوج الأخلاقية، وسط ذهول الناس)، لِينظر إلى أوباما  المغادر، أوباما الذي فُرض عليه أن يتنكر لأصله الإفريقي الأسود، الأصل الغابر للعبودية و الرق و الاضطهاد ( في كل مرة تقتل الشرطة البيضاء رجلا أسود، يكتفي أوباما بالقول، إنه شديد الحزن… وكفى!  ) .

هل استطاع أن يغير في الأمور شيئا !،  هل استطاع أن يفك أغلال الناس بغوانتنامو كما وعد، هل استطاع أن يطفئ حرب العراق، التي أشعلها سابقاه ( الأب و الإبن) ، وهل يستطيع حقا أن يحد من غلواء الاقتصاد الأمريكي المتوحش، ويغطي المستضعفين (و الكسالى) بالتغطية الصحية الموعودة، وأن يطبعه بلمسة إنسانية تمحو عنه بعضا من طابع الافتراس الذي يغلب عليه.

أمريكا هي أمريكا،غول رأسمالي يأكل عرق الكادحين، وتنين مُهول يأكل النار و يقذف بالنار، ومراكز القرار الحقيقية موجودة في جوف هذا التنين، داخل مراكز القرار المملوكة للشركات العملاقة و العائلات التي تتوارث أمريكا كاملة، جيلا بعد جيل، العائلات صاحبات الأذرع الطويلة التي تجوب الأرض بحثا عن الكافيار و البترول و الذهب و الماس و اليخوت ،والتي تُدخل البيت البيضاوي من تشاء وقتما تشاء.