أسابيع بل شهور مرت منذ انتخابات السابع من أكتوبر ولازال الصراع يحتد ولازال الأفق مسدودا في إمكانية خروج حكومة يترأسها بنكيران إلى الوجود. إذن وبعد خصام هذا الأخير قبل أيام مع أخنوش وباقي الأحزاب الأخرى، فإن الخيارات المتاحة للسيد بنكيران رئيس الحكومة المعين، تبقى ضيقة جدا. حيث يستحيل معها تشكيل حكومة بالشروط التي يريدها هو، وهذا ما سيؤدي في الأخير، إذا أخذنا بعين الاعتبار استحالة دعوة بنكيران إلى انتخابات جديدة، إلى استسلام زعيم “البيجيدي” إلى شروط الأطراف الأخرى الممثلة للمخزن.

فيما يلي بعض الخيارات التي لا تزال بين يدي بنكيران تبعا للمتغيرات الجديدة.

الخيار أو الفرضية الأولى: وهو التحالف مع التجمعيين، يبقى صعبا نظرا للشنآن الذي وقع خلال اليومين السابقين، لكن ليس مستحيلا ولازال من الفرضيات الواردة  رغم أنه مشروط بجر الأحزاب الأخرى الثلاثة، أي “الاتحاد الدستوري” و”الحركة الشعبية” و”الاتحاد الاشتراكي” إلى الحكومة، وهو الأمر الذي رفضه السيد بنكيران. ورغم ذلك يبقى هذا الخيار هو الأرجح نظرا لقدرة بنكيران على التأقلم (التأقلم هنا ليس بالضرورة في معناه الإيجابي) مع التغيرات في الأوضاع، وأبرز مثال على ذلك هو تخليه عن حزب “الاستقلال” بأعذار واهية.

أضف إلى ذلك، التفويض الذي يحظى به بنكيران لاتخاذ كافة التدابير بِاسْم الحزب”. ما سبق ذكره إذن يمكن تفسيره بمنطق الواقعية وخيار التعايش مع المخزن/النظام السلطوي، من أجل الوصول إلى جزء يسير من السلطة، وهذا التوجه الواقعي يعتبر “أقل تكلفة” بالنسبة “للعدالة والتنمية” على المستوى القريب وربما المتوسط. إذ يحمل هذا التعايش بالنسبة للحزب مجموعة من المنافع المادية من خلال الاستفادة من غنيمة المناصب داخل مختلف مؤسسات الدولة.

لكن حتى لو افترضنا استسلام بنكيران، وهو أمر وارد إلى حد بعيد إلى “شانطاج” الأحزاب الأربعة، فسيكون لمثل هذه الخطوة على المستوى البعيد أثرا سلبيا ويمثل خطرا حقيقيا على صورة الحزب لدى قواعده وباقي المتعاطفين الغير المنتمين، الذين بفضل أصواتهم حصل حزب “العدالة والتنمية” على المرتبة الأولى في انتخابات سابع أكتوبر.

 التحدي الذي سيواجهه “البيجيدي” هنا، هو أن خيار الواقعية والتعايش مع السلطوية قد تنتج عنه مخاطر الاستسلام التام لرغبات النظام السلطوي وعدم القدرة على مواجهة سياسة الإنهاك التي ينهجها النظام، مما سيؤدي بالحزب إلى الاندحار من خلال المغامرة برصيد الحزب لدى ناخبيه كما أشرت سابقا. النتيجة ستكون إذن ما يمكن تسميته بالتعرية أو تآكل مناعة الحزب على الصمود ضد المؤثرات القادمة من داخل النظام السلطوي، ليصبح بذلك الحزب مجرد شبح، وأفضل مثال في سياقنا المغربي هو مصير حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” الذي تآكل تدريجيا بعد تخليه عن النضال من أجل الديمقراطية.

الخيار الثاني لتشكيل الحكومة: هو العودة إلى حزب “الاستقلال” (46 مقعدا)، إلى جانب حزب “التقدم والاشتراكية (12 مقعدا)”، هذا التحالف لا يكفي عدديا (183 مقعدا في المجموع بإضافة 125 لحزب العدالة والتنمية) للحصول على أغلبية تستطيع إدارة شؤون المغاربة للخمس سنوات المقبلة. هذا الثلاثي إذن يحتاج إلى حزب رابع يمكن معه الحصول على أغلبية برلمانية ولو ضيقة، وهذا الأخير هو الخيار (ربما كانت فرصة إضافة حزب الاتحاد الاشتراكي 20 مقعدا ليكون المجموع 203 مقاعد)، الذي كان يتجنبه السيد بنكيران منذ تكليفه بتشكيل الحكومة. وهو ما يفسر أيضا ولو نسبيا، سعي رئيس حزب “العدالة والتنمية” منذ البداية كسب ود التجمعيين للقبول بالمشاركة في الحكومة بحجة الرغبة في الحصول على أغلبية “مريحة” وقد يفسر أيضا وهو الأقرب للمنطق بهاجس بنكيران عدم القطع مع شعرة المخزن من خلال الإبقاء على أخنوش.

أما الطريق الآخر والصحيح، فيبقى هو السعي إلى دمقرطة النظام السلطوي، وهذا في نظري حلم يبقى بعيد التحقق، لأن خيار النضال من أجل الدمقرطة يعني القطع مع الممارسات الحالية داخل النظام السياسي المغربي، أي عدم التحكم في القرار الحزبي و إعادة الاعتبار للانتخابات كوسيلة أساسية للوصول إلى مراكز القرار الأعلى داخل الدولة وكذلك عدم وجود مجالات محفوظة خارجة عن سلطة المؤسسات المنتخبة..

كل هذا لن يتأتى إلا عن طريق ملكية برلمانية، فمن غير المنطقي الادعاء بوجود نظام ديمقراطي يكون فيه الملك هو الحاكم الفعلي. هذا النضال إذن يستوجب الدخول في صراع مباشر مع النظام وهو ما لا يستطيع حزب “العدالة والتنمية” المغامرة به، وكلنا يعرف موقف “البيجيدي” من كل هذا “نحن نريد الإصلاح لكننا نعارض مطلب ملكية برلمانية وعافاكم إننا نتجنب/نخاف المواجهة مع الملك”.