لم يعد هناك أي شك في أن تشكيل الحكومة قد تم حتى قبل أن يستأنف رئيس الحكومة المكلف سعد الدين العثماني مفاوضاته السياسية مع الأحزاب الممثلة في البرلمان، وذلك باستحضار الإشارة الملكية التي بعث بها الملك محمد السادس إلى الأطراف المعنية بها عندما استقبل العثماني وقال له “مازال باغي نخدم مع (العدالة والتنمية) كحزب وطني”.

من هذا الزعيم السياسي في المغرب الذي يستطيع السباحة ضد التيار بعد هذه الإشارة الملكية؟ هل بقي مجال للاشتراطات السياسية بعد أن عبر ملك البلاد عن رغبته في استمرار العمل مع حزب (العدالة والتنمية) الذي وصفه بالوطني؟

في تقديري الشخصي، فإن الحكومة التي تأخر ميلادها ستكون جاهزة في غضون عشرة أيام وسيتم تعيين أعضائها في غضون الخمسة أيام المتبقية من أجل الخمسة عشر يوما التي منحها الملك للعثماني لتشكيل الحكومة، وفي يوم الجمعة الثانية من شهر أبريل المقبل سيكون افتتاح الدورة الربيعية للبرلمان ومن غير المستبعد أن يكون التنصيب البرلماني للحكومة في الجمعة الثالثة على أبعد تقدير. 

وبخصوص تركيبة الحكومة المزمع الإعلان عنها قريبا، فإنها ستكون حابلة مما لاشك في ذلك بمفاجآت كبيرة أهمها إمكانية مشاركة حزب “الاستقلال” فيها، لاسيما، إذا أفلحت المساعي التي يقودها عدد من الاستقلاليبن وعلى رأسهم صهر الأمين العام السابق عباس الفاسي نزار بركة في إقناع شباط بالتنازل على الترشح للأمانة العامة للحزب للولاية الثانية بعد إعطائه الضمانات الكافية بأنه محصن رفقة المحيطين به في الحزب من أي استهداف خارجي..

لا يمكن فهم هذا التحول المهم في موقف قادة البيجيدي في جانبه البروتوكولي فقط بل يمكن استيعابه في عمقه وهدفه الإستراتيجي باستحضار التصريح الإيجابي من البام المدلى به من طرف حامي الدين الذي يصنف في خانة الأعداء الشرسين للمشروع البامجي. 

وفي هذا السياق، فإنه من غير المستبعد جدا على ضوء عدد من المؤشرات السياسية التي طفت مؤخرا على السطح أهمها تهنئة إلياس العماري لسعد الدين العثماني مباشرة بعد تعيينه رئيسا للحكومة أن يقع تحولا جدريا في موقف حزب “الأصالة والمعاصرة” من المشاركة في الحكومة، لاسيما، وأن العثماني قد أعاد مفاوضات تشكيل الحكومة إلى نقطة الصفر عندما صرح بأنه سيستأنف مفاوضات تشكيل الحكومة بناء على نتائج الانتخابات وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن هناك منهجية جديدة في التعامل مع الفرقاء السياسيين من طرف حزب “العدالة والتنمية”..

لا يمكن فهم هذا التحول المهم في موقف قادة “البيجيدي” في جانبه البروتوكولي فقط، بل يمكن استيعابه في عمقه وهدفه الاستراتيجي باستحضار التصريح الإيجابي من “البام” المدلى به من طرف حامي الدين الذي يصنف في خانة الأعداء الشرسين للمشروع البامجي. 

إذا لم يكن هناك ميل للعثماني في اتجاه تشكيل حكومة موسعة فتشكيل حكومة على أساس نتائج الانتخابات يبقى هو الأقرب إلى المنطق، وهذا ما يفرض ضرورة التخلي على أخنوش والعنصر وساجد حتى يفهم الرأي العام أن “بلوكاج” تشكيل حكومة بنكيران لم يكن مقصودا كهدف استراتيجي، وأن ما روج له حول وقوف جهات نافدة في الدولة وراء ذلك مجرد مزاعم لا أساس لها من الصحة. تشكيل الحكومة على أساس نتائج الانتخابات يظل هو الأقرب إلى المنطق مادام أن الاعتبارات الأيديولوجية في تشكيل الحكومات في المغرب لا تعدو أن تكون مجرد حرية سياسية لا تنطلي على الرأي العام الذي زاد منسوب اهتمامه بالسياسة وبدأ يعي جيدا قواعد اللعبة السياسية ومحدداتها. 

في المغرب تظل السياسة منفصلة عن الإيديولوجيا، ومفاوضات العثماني لتشكيل الحكومة فرصة مواتية للتخلص من “الصدأ السياسي” لأن تحالف “البام” و”البيجيدي” و”الاستقلال” يمنح أغلبية مريحة وفي نفس الوقت يتيح إمكانية تشكيل حكومة فعالة وقادرة على العمل بالنظر إلى الكفاءات التي تتوفر عليها هذه الأحزاب بغض النظر على اختلاف مرجعياتها الأيديولوجية،  مادام أن الحكومة لا تشتغل في معزل عن المؤسسة الملكية في ظل نظام سياسي يعطي صلاحيات واسعة للملك ويجعل منه الممثل الأسمى للدولة بنص الدستور ومادام أن الديمقراطية الناشئة في المغرب لازالت تبنى على أساس التوافقات المحكومة بالتوازنات.

 وماذا عن حزب “التقدم والاشتراكية”؟

المنطق السياسي السليم يفرض على حزب “التقدم والاشتراكية” أن يتموقع في المعارضة، إن كان قادة هذا الحزب يفهمون معنى اعتماد رئيس الحكومة المكلف سعد الدين العثماني لنتائج الانتخابات التشريعية ليوم 7 أكتوبر كأساس في بدء مشاوراته السياسية لتشكيل الحكومة..

على حزب “التقدم والاستراكية” أن يعي بأن مرحلة بنكيران قد طويت، وأن التعاقد السياسي الشفوي السابق لقيادة الحزبين بأن يكونا معا إما في المعارضة أو في الأغلبية كان تعاقدا محكوما بسياق سياسي مختلف عن السياق الحالي. النتائج الهزيلة التي حصل عليها هذا الحزب في استحقاق السابع من أكتوبر تلزمه بالتموقع في المعارضة وإعادة بناء أداته التنظيمية عوض البحث عن مواقع غير مستحقة في الحكومة التي استأنف السيد العثماني مشاورات تشكيلها على أساس نتائج الانتخابات، لأن منطق الترضيات السياسية في توزيع الحقائب الوزارية دون الأخذ بعين الاعتبار إرادة الناخبين لم يعد مقبولا.