وجه إلياس العماري الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، اعتذارا مكتوبا وتضامنا إلى محمد يتيم، القيادي بحزب العدالة والتنمية، على إثر التشهير والافتراء والمساس بالشرف الذي ارتكبه في حق هذا الأخير، أحد المنتمين إلى البام.

ورغم أن الحزبين يتواجدان في مواقع متباعدة وعلى طرفي نقيض، ورغم أنهما وبين الفينة والأخرى تغشاهما معا موجات من النقد الحاد ومن المواجهة السياسية القاسية، فإن إلياس العماري ومن موقعه كمسؤول أول في الحزب، انتفض بسرعة وبشدة، ضد هذا التهجم الجارح للأعراض والمستهتر بالحرمات والمروج للأكاذيب، بالموقف الذي لا يمكن وصفه فقط بالتصرف السياسي القيادي المسؤول، بقدر ما إنه يرقى إلى ما يتطلبه التقييم المناسب، الذي يستدعي وقفة إجلال للمبادرة الكريمة للسيد إلياس العماري.

فالمبادرة التي هي أكبر من رشد سياسي، تنضح بالنبل المغربي، وتفيض بالشهامة المغربية التي لا تقبل بأن تداس الأعراض بمداس التهور والاستخفاف والصفاقة والنزق.

ففي ثقافة المغاربة وفي أعرافهم وأخلاقهم وفي ضميرهم الجمعي، لا قيمة تعلو في حساسيتها وقداستها على قيم العرض والشرف، وقد أبان السيد إلياس عن وفاء فعال في التمثل لهذه الثقافة المشتركة الأصيلة، بشهامة من يقتد معدنه وأصله من منجم الريف، حيث السلالة الأشد غيرة على قيمة العرض.

أما السيد يتيم، الذي قد يختلف معه المختلفون، وقد يناوئه  المناوئون، في مسرح العمل السياسي، وفي مجال الرأي السياسي، فلن تشهد الأرض ولا السماء إلا على طهارة سيرته و نقاوة عرضه، طهارة أصفى من الماء الزلال.

قد يرى الناس الآن، في محمد يتيم أنه ذلك الرجل المشتعل رأسه شيبا، والملتهب قلمه ولسانه، منافحا عن خياره السياسي، في أجواء المناكفة السياسية التى يتبارز فيها حزب العدالة والتنمية، مع الفرقاء السياسيين والخصماء الأيديولوجيين، لكن كثيرا من الناس قد لايعرفون أن ذلك الرأس قد ابيض شيبا في طريق لاحب طويل، هو طريق الحركة الإسلامية، وأطوارها المتتالية، في هذه البلاد، منذ أن كانت في نشأتها الأولى، نبتا طريا هينا ضعيفا، وكان يتيم حينما ضمته في أحضانها، صبيا ناشئا، غض العود والعقل والإرادة.

إذ هو واحد من عشرات الأطفال الذين احتضنتهم الدعوة الإحيائية للدين والأخلاق، فأسبلت عليهم جناحها ورداءها ورعايتها، وتعهدتهم تربية وتوجيها وتعليما، وصيرتهم رجالا وهم في عمر الزهور، يرنون إلى الآفاق بعيدا، آفاق المجد للبلاد، والسمو والإستعلاء بالإيمان  للأمة وبني البلاد، بينما أترابهم يحلمون أحلام الأطفال، وفي وداعة الأطفال.

لم يكن يتيم حينما انتسب لجمعية الشبيبة الإسلامية، في بداية نشأتها، مستهل السبعينيات، من قبيل من ينتظمون الانتظام العادي بالارتباط والعضوية، بل كان ممن اصطفتهم الشبيبة الإسلامية عناية وتكفلا وإشرافا على أوضاعهم، فاتخذوا منها أسرة ثانية لهم، منقطعين لها ومذعنين إليها.

أبان السيد إلياس عن وفاء فعال في التمثل لهذه الثقافة المشتركة الأصيلة، بشهامة من يقتد معدنه وأصله من منجم الريف، حيث السلالة الأشد غيرة على قيمة العرض.

ومن واقع هذا الاصطفاء، تكفلت الشبيبة الإسلامية بنقله إلى مدينة فاس، وبإيوائه بها لإتمام دراسته الثانوية فيها، وليكون لبنة من لبنات بناء العمل الإسلامي بها، في إطار الخطة التي كانت تنهجها قيادة الشبيبة بنشر أبنائها في كثير من المدن المغربية لاستنبات مشاتل العمل الإسلامي.

وعلى شاكلة ما أمضى عليه طفولته بالدار البيضاء، كان يتيم يقضي يفاعته ومراهقته بفاس مرابطا في المساجد وفي المدارس، جنديا مجندا لنشر كلمة الإسلام وبث خلق الإيمان، يفرح أترابه بمتعة لهو، وتزجية فراغ، بينما هو يستمتع سعادة بتكثير عدد المرتبطين بالحركة الإسلامية، وبإنشاء خلايا الشبيبة الإسلامية، فهو لم يأت لفاس لشخصه، وإنما قدم جنديا لمهام الدعوة.

في سنة 1981، وعندما عين يتيم أستاذا لمادة الفلسفة في إحدى ثانويات  مدينة بني ملال، حصلت النكبة الكبرى في مسيرة الشبيبة الإسلامية، فالرجل الذي قاد الشبيبة الإسلامية جمعية وحركة وتنظيما، وهو عبد الكريم مطيع، أصبح مطلوبا للإبعاد عن القيادة، للظروف القاهرة التي حتمت هذا المسار.

وكشاهد على ذلك العصر، عشت أطوار تلك المرحلة، من موقع الفعل، فقد كان القرار بالقطيعة مع مطيع، الذي صدر عن الاجتماع القيادي الوطني، والذي كنت جزءا منه، كان مؤلما، وقد رأيت كيف كان هذا القرار أشد إيلاما  في وقعه على نفسية يتيم، إذ أنه بالنسبة لنا كان فقدانا لقائد، ولكن يتيم فقد من كان له أبا روحيا وبمثابة الوالد له.

كانت مكانة مطيع القيادية عصية عن التعويض والاستبدال، وكان الرجل الوحيد الذي يضارعه قريبا من  مكانته هو المرحوم علال العمراني، وفي سبيل الإعداد لقيادة بديلة، اقترح المرحوم العمراني، محمد يتيم للقيام بمهمة المنسق الوطني، حتى لا ينفرط العقد بين جناحي التنظيم، جناح الدار البيضاء وجناح الرباط/فاس.

وما كان له أن يقترحه وما كان لنا أن نقبله ونزكيه لولا أنه كان  يتصف في ذلك الوقت بصفات تميز بها عن صنوانه في القيادة: الحياء والصمت، وهما ما رجح كفته أمام من كانوا يفوقونه ثقافة وحركية وفاعلية، ولكنها الصفات التي خلعت عليه دماثة الخلق والتؤدة والمرونة، وهي التي أبقته طويلا في صف القيادة.

 فهلا علم ذلك الذي أساء إلى شرف يتيم بأراجيفه، التي لن ينجو من عواقبها وآثامها، لا في الدنيا ولا في الآخرة، هلا علم أنه يسيء إلى شرف الآلاف من أبناء الحركة الإسلامية الذين ارتضوا يتيم منسقا وطنيا لتنظيمهم في ذلك الوقت من الثمانينيات، وأنه بذلك يسيء الآن إلى شرف مئات الآلاف من المواطنين والمواطنات من الأعضاء والمتعاطفين مع حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، وأنه بفعلته الشنيعة تلك، هو ومن شايعه على ذلك، ينغص على ملايين المغاربة حلاوة الاختلاف في الرأي والاختيار السياسي، الذي وإن كان يتصارع  به أصحابه في سماء التدافع، فإنهم لا ينزلون ولا يسفون به إلى حضيض السفاهة والوقاحة والنذالة ؟.