
الريف أقرب من فنزويلا أو حقيقة ما يجري في فنزويلا

خلفية بلاغ وزارة خارجية ضد فنزويلا
آراء أخرى
1
انتقدت السلطة السياسية عبر وزارتها في الخارجية يوم الخميس 20 أبريل الحكم في فنزويلا و تعامله مع مظاهرات سلمية التي خلفت العديد من الضحايا حسب السلطة السياسية. و اعتبرت أن المظاهرات الشعبية الواسعة في فنزويلا هي نتيجة للتدهور العميق للوضعية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية في البلاد رغم الموارد المهمة من المحروقات التي يزخر بها البلد التي توجد تحت سيطرة أقلية أوليغارشية في السلطة حين يبقة المواطنون محرومون من أبسط حقوقهم الانسانية مثل التطبيب و التغذية و الولوج إلى الماء الشروب و الخدمات الاجتماعية الاساسية. و نددت السلطة المغربية بانتهاك الحقوق السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية في هذا البلد.
ويظهر من بلاغ وزارة الخارجية أن النظام المغربي لا تهمه الديمقراطية و مصالح الطبقات الشعبية الفنزويلية بقدر ما تحركه خلفية موقف الدولة الفنزويلية من قضية الصحراء.
ونعرف أن الأزمة الاقتصادية في فنزويلا، التي يرتكز اقتصادها على إنتاج البترول و تصدير، عمقها انهيار أثمان النفط عالميا. و كان الرئيس الراحل هوكو شافيز قد حرر وأمم إنتاج البترول وأنهى سيطرة الشركات الأمريكية. و بالتالي ليست سيطرة أويغارشية حاكمة على الثروة البيترولية، كما يدعي بلاغ وزارة الخارجية المغربية، هي التي سبب الأزمة،بل اليمين البرجوازي الفنزويلي و اليمين المتطرف المدعوم من طرف الإدارة الأمريكية اليمينة المتطرفة يريدان الانقلاب على حكم و رئيس شرعي وإنهاء حكم اليسار ليس في فنزويلا فقط بل كذلك في أمريكا الجنوبية بكاملها التي تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية “حديقتها الخلفية”. و ليس صدفة أن تكثل اليمين و الوسط الفنزويلي و لجوئه الآن لمظاهرات عنيفة يأتي بعد صعود اليمين الرأسمالي النيوليبرالي مع دونالد ترامب للحكم في الولايات المتحدة الأمريكية.
ولا نستغرب لوسائل الإعلام الرسمية السمعية البصرية التي تتابع ما يجري من حراك اجتماعي و مواجهات سياسية في فنزويلا، في حين تتجاهل ما تشهده منطقة الريف الحسيمة، بني بوعياش، إمزورن، بني بوفراح و بني جميل و غيرها من مناطق الريف مظاهرات و وقفات احتجاجية كبيرة منذ أكتوبر 2016 و طيلة أسابيع و لم تخبر بها أو تواكبها.. وحين تحدثت عنها عكست فقط وجهة نظر وزارة الداخلية.
2
حقيقة ما يجري في فنزويلا.
من وراء خطة إسقاط الرئيس مادورو والحزب البوليفاري؟
الرئيس نيكولا أليخاندرو مادورو، أصبح رئيسا بالنيابة في 5 مارس 2013 بعد وفاة الرئيس هوكو شافيز. و أصبح رئيسا في 14 أبريل 2013 بعد إجراء انتخابات رئاسية حصل فيها بنسبة 50.6 %.
اليوم التعتيم الإعلامي الرأسمالي، جرائد التايمز الأمريكي و لوموند الفرنسي و إل باييس الإسباني و غيره، يهجم مند مدة على حكم مادورو و الحزب البوليفاري في فنزويلا وتروج صورة مغلوطة على كون نظام فنزيلا غير ديمقراطي!! و أن النظام يمنع المظاهرات!! و يعتبرون أن المظاهرات سلمية كما جاء كذلك في بلاغ الحكم في المغرب التابع لأمريكا وفرنسا.
لقد بدأ الهجوم على فنزويلا بضرب حصار مالي على اقتصادها، و قامت منظمات “مائدة الوحدة الديمقراطية”، و هي تجمع قوى اليمين المتطرف و اليمين و اليسار الليبرالي، بتحريض كارتيل التجار و المنتجين الخواص بمقاطعة توزيع المواد الغذائية و الأدوية و تشجيع تجارة التهريب عبر كولومبيا.. و هي حملة مدبرة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية و السكرتير العام لمنظمة الدول الامريكية. و تم دعم و تحريض اليمين المتطرف للهجوم بمظاهرات ضد فنزويلا و نظام نيكولا مادورو.
ورغم ذلك، مع بداية المظاهرات المخدومة بن طرف اليمين المتطرف المدعوم من طرف أمريكا و رئيسها ترامب، قرر النظام السياسي الفنزويلي فتح حوار مع المعارضة اليمينية التي تقود و تتحكم في المظاهرات. لكن هذه رفضت لأنها لا تريد أن تُجْرَى الانتخابات ديمقراطية، بل تخطط للوصول إلى السلطة بطرق غير ديمقراطية.
تدعي الامبريالية الأمريكية و الفرنسية والإسبانية، والسلطة المغربية تتبعها في ادعائها، أن المظاهرات سلمية. و الواقع غير ذلك:
– يوم 7 أبريل تم هجوم المتظاهرين واليمين على ثانوية كوستافو هيريرا تم إتلافها و تدميرها.
– يوم 8 أبريل المتظاهرين هجموا على مقر المحكمة العليا للعدالةـ لأنها رفضت أن تفوت
– يوم 14 أبريل تم هجوم المتظاهرين على المحلات التجارية.
– يوم 15 أبريل مجموعة من المتظاهرين أضرموا النار في مركز توزيع المواد الغذائية مارسيل بحي لوس تيكيس. و كذلك الهجوم على خزانة عمومية و على وحدة استشفائية متنقلة، و على وحدات النقل العمومي بما فيها الميترو و شاحنات نظافة المدينة و على صحافيين في القناة التلفزية العمومية.
قيادات المعارضة اليمينية تلجأ اليوم إلى العنف لأنها لم تستطع النجاح في الانتخابات، إذ رغم تكتل 30 تنظيم من اليمين المتشدد إلى اليسار المعتدل (مائدة الوحدة الديمقراطية) ضد الرئيس مادورو و حزب الوحدة اليسارية. و لما تمكنت في دجنبر 2015 هذه المعارضة من الحصول على الأغلبية البرلمانية قررت إسقاط الرئيس مادورو ضدا عن قوانين ومؤسسات الدولة و دعت للتظاهر.
رغم الأخطاء التي وقعت فيها بعض قوى اليسار الديمقراطي التي نجحت في الوصول إلى السلطة في أمريكا الجنوبية إلا أن ما يجري اليوم من هجوم على هذه الانظمة التقدمية الجنوب أمريكية من طرف قوى اليمين المتحالف مع أنظمة الامبريالية الأمريكية والأروبية ليس سوى جزء من خطة هجومية لهذه الأنظمة الرأسمالية الامبريالية لتأبيد تحكمها في مصير وثروات شعوب العالم ولاستمرار سيطرتها على الاقتصاد العالمي.
إن التحدى الذى تواجهه الحركات اليسارية التقدمية الشعبية في فنزويلا وأمريكا الجنوبية و إفريقيا و آسيا يكمن في تأهيلها و إرادتها ثقافيا و سياسيا و اجتماعيا للتحول إلى قوة اجتماعية شعبية و إنجاز الوحدة الوطنية واحترام التعددية التقدمية في المرحلة الراهنة وفق مشروع اجتماعي ديمقراطي مناهض للبرجوازية التبعية المحلي فنزويلا تعيش صيرورة ثورية تتناقض بشكل واضح النظام السياسي الذي ساد قبل وصول تشافيز إلى السلطة بعد الانتصار الانتخابي الذي حققه سنة 1998 رغم أن انتصاره لم يشكل ثورة اجتماعية. وانتصار تشافيز و الحركة البوليفارية غير النظام الذي كان سائدا يشكل جذري متجاوزا مزاعم الديمقراطية الليبرالية مما دفع اليمين المتطرف و اليسار المعتدل و الحكم الفئوي السابق، الأوليغارشية، عندما رأت مصالحها الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و الفساد الذي كانت تستفيد منه تنهار مع تشافيز. لذلك ستحاول الإطاحة به بالقوة عبر الانقلاب الرجعي في أبريل 2002.
لكن الانقلاب فشل. و مع ذلك لم يستمر الحكم الثوري لشافيز و للحركة البوليفارية في تطبيق و إنجاز مهام الثورة الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية ببناء المجتمع الاشتراكي. و بالتالي تمكنت القوى الرجعية من التقاط أنفاسها و محاولة إعادة بناء قوتها السياسية و شنت “إضراب” دجنبر 2002 ويناير 2003 الذي لم يكن سوى إضراب نظمته البرجوازية الكبيرة بإغلاق المعامل و زجت باقتصاد البلاد في أزمة جديدة رغم ان العمال أفشلوا هذه المحاولة الجديدة و سيطروا على المصانع و شغلوها و شغلوا مؤسسات الصناعة البترولية.
وبالتالي فالوضع اليوم في فنزويلا يشهد صراعا شاملا و قويا بين اليمين و اليسار، بين الأغنياء و الفقراء، بين الثوريين والمعادين للثورة و للتغيير ولديمقراطية الشعب.
واليوم كذلك القوى اليمينية المتطرفة التي تقود تجمع قوى برجوازية و برجوازية صغيرة في إطار تحالف “مائدة الوحدة الديمقراطية” بدعم من البرجوازية التي تسيطر على قطاعات رئيسية للاقتصاد، مدعومة بالولايات المتحدة الامريكية و رئيسها ترامب، تهدف إلى إسقاط الرئيس نيكولا مادورو و الحركة البوليفارية من الحكم بطرق لا ديمقراطية لأنها تعرف مسبقا انها لن تنجح في هزم مادورو انتخابيا و ديمقراطيا.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي استقبل زوجة زعيم المعارضة اليمينية المتطرفة ليوبولدو لوبيز ( Leopoldo Lopez) الذي اعتقل و حوكم على إثر تحريضه خلال مظاهرة سنة 2014 على استعمال العنف ضد الحكومة و الرئيس مادورو. و هو العنف الذي نتج عنه مقتل 13 مواطن من أنصار الحكومة و من أنصار المعارضة. و عبر مؤخرا الناطق باسم الإدارة الأمريكية عن عدائه للحكم في فنزويلا و تحريض المعارضة ضده. هذا العداء الذي عبرعنه تعيين ريكس تيليرسون (Rex Tillerson) كاتبا للدولة في الخارجية، و هو رئيس شركة إيكسون موبيل (d’Exxon Mobil) التي انسحبت من فنزويلا لرفضها التعاقد الجديد الذي سنته حكومة الرئيس تشافيز لتحرير الثروة النفطية من سيطرة الشركات الرأسمالية الامبريالية.
3
إن ما يجري من هجوم يميني محلي و إمبريالي لإعادة رسم خرائط سياسية، باسم محاربة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط والبلدان المغاربية، و الهجوم ضد اليسار باسم “غياب الديمقراطية” في أمريكا الجنوبية يندرج في إطار تنفيذ خطة من خطط الاستراتيجية السياسية و العسكرية الجديدة للامبريالية الأمريكية، مع صعود ترامب و اليمين المتطرف للحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، و تواطئ القوى الرجعية في بلدان الجنوب الهدف منها القضاء على أي نظام سياسي تقدمي و تجفيف أي احتمال لتغيير ديمقراطي شعبي في بلدان الجنوب تقوده حركات تحررية شعبية مناهضة للسيطرة الرأسمالية الامبريالية.
ونعتقد أن قوى اليسار البوليفاري التي وصلت إلى السلطة في فنزويلا والبرازيل و بوليفيا عدد من دول أمريكا الجنوبية لم يكن لها تقدير سديد للطبيعة الرجعية للطبقات المتوسطة التي تنقلب على اليسار الحاكم بالنظر لأنها غير مهيأة للتضحية من أجل استفادة الطبقات الشعبية وطبقة العمال و فئات الفلاحين فقراء من التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
كما أن اليسار الحاكم رغم أنه حقق تقدما ملموسا في سيادته الوطنية السياسية و الاقتصادية فإنه لم يوسع مشاركة الطبقات الشعبية و البرجوازية الصغيرة في القرار السياسي والاقتصادي و الاجتماعي لتدبير شؤونها و دعم اقتصادي و اجتماعي و سياسي و ثقافي لمصالحها، و تعميق الثقافة السياسية الوطنية الديمقراطية التحررية وسط الطبقات الشعبية و ثقافة احترام الاختلاف و النقد.
إن التحدى الذى تواجهه الحركات اليسارية التقدمية الشعبية في فنزويلا وأمريكا الجنوبية و إفريقيا و آسيا يكمن في تأهيلها و إرادتها ثقافيا و سياسيا و اجتماعيا للتحول إلى قوة اجتماعية شعبية و إنجاز الوحدة الوطنية واحترام التعددية التقدمية في المرحلة الراهنة وفق مشروع اجتماعي ديمقراطي مناهض للبرجوازية التبعية المحلية ومناضل ضد السيطرة الرأسمالية الامبريالية و إنجاز سياسة اقتصادية وطنية و سياسة صناعية و فلاحية وطنية لتلبية الحاجات الحياتية للطبقات الشعبية لتحقيق الأمن الغذائية وتنمية ثقافية وعدالة اجتماعية وتوفير تعليم علمي متقدم و خدمات صحية متطورة وسكن لائق لتحقيق في الظرف الراهن ديمقراطية شامية سياسة مجتمعية اقتصادية وثقافية حقيقية.
ولن يتحقق المشروع الثوري لليسار في فنزويلا إلا إذا تحمل اليسار البوليفاري عبأ تطوير الحركة البوليفارية كي تتجاوز التصورات الإصلاحية و الاشتراكية الديمقراطية الليبرالية داخلها و بناء تحالف قوي و واضح في مشروعه الديمقراطي بأفق اشتراكي مع باقي التيارات الثورية المناهضة للبرجوازية التبعية و للامبريالية في الساحة الفنزويلية مع احترام القوى الثورية للاختلافات بينها و حلها بالحوار و بأساليب ديمقراطية و حق الدفاع عن الاختلاف داخل التحالف الثوري مع التشبث بوحدة الحركات الثورية و ديمقراطيتها و وحدة نضالها داخل الحركة الجماهيرية و توحيدها سياسيا حول المشروع الثوري و بناء منظمات عمالية مستقلة قوية لتتبوأ دورها الطليعي داخل النقابات لمواجهة مخططات الأوليغارشية والامبريالية و السعي لاستمرار الصيرورة الثورية نحو بناء المجتمع الاشتراكي.