حسنا فعلت جمعيات حقوقية، عندما اهتمت وسلطت الأضواء على نوع محسوب “قسرا” على الإعلام، من خلال ندوة عقدت تحت عنوان “صحافة التشهير”، واستدعت لها خبراء ومهتمين وإعلاميين، ويمكن اعتبار هذه الخطوة كبداية لمحاصرة هذا النوع من الإعلام الذي يصول ويجول دون أن يجد من يحاسبه على أفعاله التي يبقى وصف “الشنيعة” قليل في حقه، والتي يرتكبها في حق جزء معتبر من الفاعلين خاصة المعارضين منهم، وبشكل “مقزز” ومثير، وسط صمت غريب من طرف السلطات المغربية التي يعتقد أنها تدعم شريحة واسعة من هؤلاء بـ”المال والرجال”، وهذا الصنف الذي يحسب وللأسف على الإعلام والصحافة، بعدما تأكد توظيفهم ضمن عملها وطريقة اشتغالها في العديد من القضايا والملفات، خاصة تلك الموجهة للمنتقدين والمعارضين للسياسة العامة للدولة.

ومما زاد من جدية الخطوة وأعطاها رونقا خاصا، هو التقرير الذي أعدته “لجنة التضامن مع منجب ومن معه”، وحددت أسماء 10 مواقع إلكترونية وجرائد ورقية، وذكرتها بالاسم، وحددت أوصافها وطبيعتها.. وإن كانت اللائحة تحتاج إلى بعض التعضيض لتكتمل الصورة، وتصبح معروفة لدى الرأي العام، خاصة وأن التقرير يحتاج إلى المزيد من التسويق الإعلامي والتواصلي والتوضيحي حتى يصل إلى أكبر قدر ممكن من المتتبعين.

من مساوئ تجربة مصطفى الخلفي وزير الاتصال المنتهية ولايته، أن التاريخ سيسجل أن “صحافة التشهير” أنشئت وازدهرت في عهده، بل إن جزءا من مبادراته وخططه صبت في مجملها في “إنعاش” هذا النوع من الصحافة، كما أن سلوك الخلفي بوأ هذا الشكل من الصحافة “التشهيرية” الصدارة في كثير من الأحيان والمناسبات، وهو ما يتناقض مع تصريحات الوزير الشاب السابق الذي كان يستثمر كل مناسبة ليصدع رؤوس المهتمين والفاعلين بالتأكيد على ضرورة وأهمية أخلاقيات الصحافة.

في عهد الوزير الخلفي حصلت “صحافة التشهير” الإلكترونية على بطاقة الوزارة التي ترفقها بـ”المهنية”، وهو ما يعني دعما مباشرا وواضحا لهذا النوع، بل إن الوزير الخلفي بهذا السلوك منح تلك المواقع “المشروعية المهنية”، و”التواجد القانوني والمشروع”

كلنا يتذكر كيف توج موقع إلكتروني متخصص في “التشهير والسب والشتم” في عهد الوزير الخلفي بجائزة من قيمة “الجائزة الوطنية للصحافةـ صنف الصحافة الإلكترونية”، وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول ما الذي أراد الخلفي أن يقوله بهذا التتويج؟ هل أراد أن يقول إن هذا هو “النموذج الذي نريد، وهذه هي المواقع التي تمثل لكم القدوة والزعامة”، أم أن الأمر كان خارج سيطرته، ظهر ذلك من خلال الانسحابات التي وقعت في حينه من عضوية لجنة التحكيم (للأسف كانت غير معلنة)، مما يجعلنا نضع المتوجين في هذه الجائزة بين قوسين، خاصة وأن شروط وظروف المسابقة يجب مراجعتها بشكل جدري للتتناسب مع مكانتها.

في عهد الوزير الخلفي حصلت “صحافة التشهير” الإلكترونية على بطاقة الوزارة التي ترفقها بـ”المهنية”، وهو ما يعني دعما مباشرا وواضحا لهذا النوع، بل إن الوزير الخلفي بهذا السلوك منح تلك المواقع “المشروعية المهنية”، و”التواجد القانوني والمشروع”، فكيف كان سيصدق المتتبع والمراقب تصريحات الخلفي الغارقة في التعميم والضحك على الذقون؟

الوزير تجاوز كل هذا وقربها أكثر، وجعلها على يمينه، من خلال استدعائها الدوري والمستمر للأنشطة واللقاءات التي كان يسميها الوزير الخلفي بـ”التشاورية” في سياق مناقشة آنذاك مشروع مدونة الصحافة والنشر، عبر بدعة استدعاء “20 موقعا” اعتبرتهم الوزارة الوصية من “الأوائل” كما يزعم موقع “أليكسا”، بحيث أنه خلال هذه اللقاءات لا تجد إلا رموز هذه المواقع، في حين تم تهميش وبشكل متعمد الصحف الإلكترونية الجادة، والإطارات الممثلة لجزء معتبر من المشتغلين في الإعلام الإلكتروني.. وكنت أجد غضاضة كبيرة وأنا أحضر لتلك اللقاءات (قبل الانسحاب) عندما كنت أجد أمامي من “يسب ويشتم” في صحيفته، ثم يأتي ليقدم رأيه في مستقبل الصحافة الرقمية بالمغرب.

ولتكتمل “الباهية” جاءت النقابة الوطنية للصحافة المغربية وبشكل مفاجئ وغير مفهوم لتحتضن تلك المواقع الإلكترونية الشهيرة بـ”صحافة التشهير”، وتمنحها العضوية بل والمسؤولية داخل أجهزة النقابة، في تجاوز فظيع لكل الأعراف والتقاليد المفروض توفرها في قبول العضوية داخل نقابة من حجم نقابة الصحفيين المغاربة، وهي على الأقل احترام أخلاقيات المهنة ولو في حدودها المقبولة.

تجدر الإشارة إلى أن النقابة الوطنية للصحافة المغربية وفيدرالية الناشرين المغاربة أبرز مكونات المجلس الوطني للصحافة القادم الذي أقرته المدونة الجديدة للصحافة والنشر، والذي عهد إليه تتبع احترام أخلاقيات المهنة في الصحافة الوطنية، فكيف ستتعامل مع هذا الأمر؟ خاصة وأنها تضم في صفوفها تلك المواقع المتخصصة في السب والشتم، وإن كان الجواب واضح ما دامت “صحافة التشهير” تتلقى كل الدعم من أجهزة يعتقد أنها تابعة للدولة، رغم أن الدولة من حقها إنشاء ما تشاء من الصحف، فقط نتمنى احتراما في حدوده الدنيا لأخلاقيات الصحافة وهذا هو المنشود.