قراءة قانونية وسوسيولوجية في التصريح الحكومي
لعل ما لفت انتباه المتتبعين بعد تشكيل حكومة سعد الدين العثماني هو تصريحه حول الاٍستمرار في الاٍصلاحات التي بدأتها حكومة سلفه عبد الاله بنكيران ، مما يطرح اشكالات متعددة ، منها أن رئيس الحكومة يبعث برسائل الى من يهمهم الأمر على أن ” نهج بنكيران ” في الاٍصلاح لايزال قائما ، خاصة من أجل طمأنة أولئك الذين لايزالون غير راضين عن حكومته داخل حزب العدالة والتنمية ، والذين يعتبرون على أنها تشكلت ضدا على اٍرادة الحزب ومنطقه التشاوري باعتباره الحزب الحائز على المرتبة الأولى في الاٍنتخابات التشريعية من خلال حصوله على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان ، وانحرافا عن النهج التشاوري الذي انتهجه بنكيران مع الأحزاب المشكلة للحكومة خلال مراحل المشاورات معها حول قبولها من عدمه المشاركة في الحكومة و توزيع القطاعات والحقائب الوزارية ، وأن سعد الدين العثماني قدم تنازلات مست في العمق مبادئ الحزب ومصداقيته الاٍنتخابية ، وأضرت كثيرا الثقة التي منحها الناخبون للحزب [1] ، كما يمكن اعتبار تصريح رئيس الحكومة كذلك على أنه موجه الى الذين يعتقدون أن هذه الحكومة يمكن أن تتراجع عن بعض القرارات التي اتخذتها سابقتها في مجالات يعتبر أغلب الفاعلين أنها مست مصالحهم الاٍقتصادية ومراكزهم القانونية والاٍجتماعية [2].
آراء أخرى
اٍن تصريح رئيس الحكومة بمواصلة الاٍصلاح يطرح أيضا اٍشكال تجانس مكونات التحالف الحكومي ومدى قدرتها على صياغة برنامج حكمومي منسجم مع مرجعية و مرتكزات ومبادئ حزب العدالة والتنمية كحزب يقود الائتلاف الحكومي ، ومع مرجعيات ومرتكزات الأحزاب والجهات الاخرى المكونة للتحالف الحكومي ، وكما هو معلوم ، فالحكومة الحالية تتكون من أحزاب ذات مرجعية محافظة ( حزب العدالة والتنمية ) وأخرى ذات مرجعية يسارية ( حزبي التقدم والاٍشتراكية والاٍتحاد الاٍشتراكي ) ومرجعية ليبرالية ( حزبي التجمع الوطني للأحرار والاٍتحاد الدستوري ) مرجعية تقنواقراطية ( الوزراء وكتاب الدولة التقنقراط ) ، ومع انتظارات المواطنين ، بحيث يجب أن تكون قادرة على بلورة سياسات عمومية تستجيب لتطلعاتهم وتلبي مطالب الفئات الشعبية والنقابات و المجتمع المدني وتستجيب لانتظاراتهم في مجالات متعددة تعرف عدة مشاكل واكراهات كثيرة ومعقدة مثل التعليم والصحة وفك العزلة عن العالم القروي والمناطق المعزولة ، ومشاكل التنمية والهشاشة على المستويين القروي والحضري ، ومعضلة التشغيل ، واٍصلاح القضاء والاٍدارة ومحاربة الفساد وترسيخ الحكامة الاٍقتصادية والاٍجتماعية ، كما أن من شأن شكل التحالف الحكومي الواسع جدا ( خمسة أحزاب بالاٍضافة اٍلى التقنوقراط ) أن يطرح اشكال الحصيلة الحكومية كما حدث في الحكومة التي سبقتها بحيث لم تقدم حصيلة حكومية بينما اكتفى كل حزب بتقديم انجازاته على حدى ، ما فوت على المواطن ومكونات المعارضة داخل البرلمان فرصة معرفة ما اذا كانت الحكومة قد التزمت فعلا بالبرنامج الحكومي أم لا ، و تم اٍفراغ المبدأ الدستوري الذي ينص على ربط المسؤولية بالمحاسبة وعلى مبادئ الحكامة الجيدة من محتواه وتجريده من فحواه ( الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور وكذلك الفصل 159 منه ) سواء المحاسبة الزجرية من طرف القضاء أو المحاسبة السياسية من طرف البرلمان أو المعنوية من طرف المواطنين بمعاقبة الحزب الذي أخل بالتزاماته بعدم التصويت عليه مرة أخرى ، والغريب في الأمر أن الذين صوتوا لحزب العادلة والتنمية لم يقوموا بذلك بالنظر الى حصيلته في الحكومة ، ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول الفئة التي صوتت بالفعل لهذا الحزب وعلى أي أساس صوتت له ؟ ، وعدم تقديم أية حصيلة حكومية أخل بمبدأ مراقبة البرلمان للحكومة سواء من خلال الجلسة السنوية التي يخصصها البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها ( الفصل 101 من الدستور ) أو من خلال اللجان المعنية في كلا المجلسين ( الفصل 102 ) بحيث لم يتسنى لا للبرلمان ولا للمواطن أن يحاسب المسؤولين الذين التزموا بتقلد المسؤولية بالنيابة عنه من أجل النهوض بأوضاعه الاٍقتصادية والاٍجتماعية ، وقضى على ما تبقى من مصداقية الديمقراطية التمثيلية التي التبس على المواطن مفهومها بين الممارسات اليومية للبيروقراطية الاٍدارية العقيمة والقوانين الاٍنتخابية التي كرست البلقنة السياسية والاٍنتخابية [3] ، فهل يمكن اعتبار شكل التحالف الحكومي ، أخذا بعين الاٍعتبار التنازلات التي قدمها رئيس الحكومة المعين سعد الدين العثماني أثناء سير المشاورات مع الأحزاب المشكلة للحكومة [4]، وكذلك حصول حزب العدالة والتنمية في الاٍنتخابات التشريعية الأخيرة على 125 مقعدا والأصالة والمعاصرة على 102 مقاعد ، مقارنة بباقي الأحزاب الأخرى ، على أن الدوائر العليا والفاعلين الأساسيين في هندسة الشأن الحكومي في البلاد يريدون صنع قطبين كبيرين داخل الساحة السياسية وداخل البرلمان ، قطب يقود الحكومة وقطب معارض لها ، من أجل خدمة أجندة سياسية مستقبلية ؟
يعتبر العديد من المتتبعين أن طرح موضوع الاٍستمرارية في ” الاٍصلاح ” يثير القلق أكثر مما يمكن اعتباره مؤشرا على صدقية الحكومة الجديدة ، خاصة عندما يتم النظر الى ما يعتبره البعض ” اٍصلاحا ” ، بمنظور اقتصادي واجتماعي وباستخدام المؤشرات التنموية والاقتصادية التي قدمتها المؤسسات الوطنية المختصة في الحكامة الاٍقتصادية طبقا لمقتضيات الفصول 147 -148-149 – 151 – 167 من الدستور : ( المندوبية السامية للتخطيط – بنك المغرب – المجلس الأعلى للحسابات – وزارة المالية – المجلس الاٍقتصادي والاٍجتماعي والبيئي – الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها ) [5] ، والتي تعتبر أن حكومة عبد الاٍله بنكيران حملت المواطن تبعات الاٍصلاحات الهيكلية العميقة والتي كان الهدف منها هو الحفاظ على التوازنات الماكرو- اقتصادية من خلال التخلص من الخدمات الاٍجتماعية والتي تكلف الدولة نفقات مهمة بواسطة الدعم المقدم من صندوق المقاصة للمواد الأساسية ، وكذلك في التعليم والصحة ،كما يلاحظ أن تلك الاٍصلاحات ذات خلفية مرتبطة بالاٍطار المرجعي المعولم ( النيوليبرالية ) [6] ، باعتبارها املاءات خارجية متأتية من صندوق النقد الدولي عقب منح المغرب خط ائتمان بمبلغ 6 مليار دولار من أجل الاٍستجابة لبعض مطالب الحراك الشعبي لسنة 2011 ، قامت الحكومة السابقة الى نهاية شهر يوليوز من السنة الفارطة باستدانة مايقارب 32 مليار دولار الشئ الذي اعتبره البعض اٍجراء ستكون له تداعيات على الاٍقتصاد الوطني وعلى مستوى عيش المواطن حاضرا ومستقبلا [7] ، بينما لم تقم هذه الحكومة بأية خطوة جدية وفعالة من أجل تحصين المالية العمومية من الفساد من خلال اٍصلاح الاٍدارة والقضاء وكذلك من أجل العمل على ترسيخ حكامة اقتصادية واجتماعية مركزية ومحلية بهدف ترشيد النفقات والأجور الضخمة لكبار موظفي الدولة ومدراء الشركات و المؤسسات العمومية وشبه العمومية وتقليصها اٍن اقتضى الحال ، وعلى العكس من ذلك يلاحظ المتتبعون غياب الحكامة على المستوى المركزي والترابي [8] ، سواء باعتبار التبذير الملاحظ على مستوى بعض القطاعات الحكومية والوزارية والتي تعقد صفقات توريد وسائل لوجستية ( سيارات فارهة لفائدة الوزراء وكتاب الدولة ورؤساء دوواوين الوزراء ) أو الفساد الملاحظ على مستوى انجاز المشاريع أو الخدمات أو الدراسات أو منح الاٍمتيازات بمبالغ مالية طائلة بدون محاسبة ، كما لم تقم بأية اٍجراءات موازية من أجل تخفيض النفقات المتضخمة لبعض القطاعات الوزارية والبرلمانية ، ومحاربة الريع على المستوى المؤسساتي ، خاصة تقاعد البرلمانيين والوزراء والذي أثار جدلا واسعا في صفوف المواطنين ووسائل الاٍعلام [9] ، أو من خلال التبذير الذي يمارسه رؤساء المجالس المنتخبة الجماعية والجهوية و الدعم السخي الذي يقدمه بعضهم للجمعيات الموالية له ، أو من خلال اقتناء سيارات فارهة أواكتراء فضاءات باهضة التكلفة من أجل عقد اللقاءات والدورات أو من أجل الترفيه ، الشئ الذي يجعل الحديث عن الاٍستمرار في ” الاٍصلاح ” بمنطق الحكومة السابقة ، نوعا من الخداع المقنع أو شكلا من أشكال الاٍصلاح الاٍنتقائي الذي يستهدف جيوب المواطنين باعتباره الحل الأسهل والسريع وتجنب الحلول الجذرية والعميقة ذات التكلفة السياسية الباهضة [10] ، بحيث يتوجب أن يتحمل الجميع تكاليف الاٍصلاح انطلاقا من واجب التضامن الوطني كما هو منصوص عليه في الفصل 40 الدستور ، أما أن يتحمل جزء أو فئة من المواطنين تبعات الاٍصلاح بدون الفئات الأخرى فهذا هو ما يتعبر اخلالا بالمبدأ الدستوري وكذلك بالاٍلتزام السياسي والأخلاقي للحكومة اٍزاء المواطنين .
اٍن الحديث عن مواصلة الاٍصلاح يضع الحكومة الحالية أمام رهانات صعبة ومعقدة اٍن كانت بالفعل عازمة على الاٍصلاح ، ليس بالمنطق الذي يضع مزيدا من الضغط على الحلقة الأضعف التي هي المواطن أو باللجوء الى الاٍستدانة من الخارج
اٍن قراءة تصريح رئيس الحكومة بمواصلة الاٍصلاح ، يثير عدة اٍشكالات ، منها ماهو مرتبط بالشأن الداخلي لحزب العدالة والتنمية ، والذي أبان عن هشاشة البنية السياسية والأيديلولوجية للحزب والتي بالرغم من كونها تستند الى الخلفية المحافظة التي ترتكز على البعد الأخلاقي الطهراني ، كما يبدوذلك ظاهريا ، اٍلا أنها أبانت على أنها ترتكز على جوهر براغماتي واضح المعالم [11] ، يدل عليه التهافت الملفت لأعضاء الحزب على الاٍستوزار وعلى اٍسناد المسؤوليات و المناصب على المستوى المحلي والمركزي لذويهم وعائلاتهم ، كما أن طريقة تدبير التزكيات أثناء الاٍنتخابات الجماعية والتشريعية الأخيرة أبانت عن اختلالات واسعة شابت عملية منح التزكيات بحيث اخترق البعد الريعي المرتكز على الولاء الأسري والعائلي والمنافعي المجال الأخلاقي و الطهراني للحزب ، وأبان عن حقيقة ذلك الاٍدعاء المزيف [12] ، كما أن تنصيب حكومة سعد الدين العثماني من طرف الملك بالقائمة الوزارية المعتمدة خاصة من الحزب ، أثارت سخط بعض القيادات التي لم تنل حظها من الاٍستوزار ، فبدأت تتحدث عن معارضة داخلية لهذه الحكومة [13] ، غير أن البعض يطرح هذا الأمر من منظور قانوني ودستوري ويقترح على هؤلاء – اٍن كانوا فعلا صادقين في طرحهم – الذهاب الى الخيار الذي يتيحه لهم الدستور بعدم التصويت على البرنامج الحكومي مايفضي الى سحب الثقة من الحكومة وبالتالي اسقاطها في النهاية اٍن كانوا فعلا غير راضين عنها ( الفصل 88 من الدستور الفقرة الثالثة منه ) ، ما يمكن أن يفسح المجال للفاعل الملكي من أجل تفعيل الاٍختيارات الدستورية الأخرى المتاحة .
اٍن قراءة هذه التطورات التي تمس البناء الداخلي لحزب العدالة والتنمية في الآونة الأخيرة بقدر ماهو مؤشر على الارتباك والاٍرتجاج الذي يشهده حزب العدالة والتنمية – على اعتبار أنه حزب أضحى متجذرا في الطبقات الشعبية أكثر، من منظور خطابه الشعبوي وأسلوب بعض أعضائه الديماغوجي ، كما يعتقد البعض، في حين لم يستطع بعد أن يخترق حصون الاٍنتلجسيا والفئات المثقفة التواقة الى الديمقراطية الحقيقية ،باعتبار أنها لاتزال متوجسة من مشروع الحزب الأيديولوجي القائم على المرجعية الدينية – بقدر ما يمكن اعتبارها ظاهرة صحية سوف تمكن الحزب من التخلي عن الأيديولوجية الأخلاقية ويتحول بالتالي الى حزب مدني ذي مرجعية ديمقراطية [14] ، كما أن لهذا الأمر وجها سلبيا يتمثل في تعدد القيادات والتصريحات ، ما يمكن اعتباره مؤشرا على التحول البنيوي الذي أصبح يعرفه الحزب بعد أن قطع مراحل مهمة في تاريخه السياسي ترواح بين المنطق الدعوي ( مرحلة جماعة الاٍصلاح والتجديد ثم مرحلة التوحيد والاٍصلاح بعد اندماجها مع رابطة المستقبل الاٍسلامي سنة 1996 ) والمنطق السياسي – الاٍنتخابي بعد حوالي 20 سنة من العمل الدعوي ( حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية سنة 1996 برئاسة عبد الكريم الخطيب ) ( تحول الحزب الى العدالة والتنمية في المؤتمر الاٍستثنائي للحزب سنة 1999 – مرحلة تغطية نسبية للدوائر الاٍنتخابية – احتلاله المرتبة الرابعة في الانتخابات التشريعية لسنة 2002 – أحداث 2003 وأزمة الحزب – مرحلة تغطية كل الدوائر الاٍنتخابية 2007 واحتلاله المرتبة الثانية – مرحلة احراز المرتبة الأولى لفترتين تشريعتين متتاليتين 2011-2016 ).
لعل من الأمور التي لا تحتاج من أجل الاٍستدلال عليها الى بذل مجهود أكبر ، مسألة التدبير الجماعي للحكومة ، والذي يعتبر فيه حزب العدالة والتنمية شريكا يقود التحالف الحكومي ولكنه ليس فاعلا وحيدا فيها ، بحيث يؤدي ذلك الى تقاسم المسؤولية عن التدبير ، سواء بالاٍيجاب أو السلب بين مختلف مكونات التحالف الحكومي ، غير أن اعتبار قيادة التحالف مسنودة اليه باعتباره الحزب الحاصل على المرتبة الأولى، يرتب عليه مسؤولية اٍضافية مقارنة مع باقي الأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي ، هذا الأمر سيدفعنا للتساؤل عن القاعدة السياسية الأساسية التي يرتكز عليها التصريح الحكومي ، هل هي عبارة عن مخرجات التوجهات والمقترحات المتأتية من مكونات التحالف وصياغتها في تصريح واحد أم هي عبارة عن مخرجات عامة ترتكز الى توجه مبني على المرجعية السياسية للحزب القائد تتضمن، بالاٍضافة الى ذلك ، اقتراحات باقي المكونات أم هي عبارة عن توجيهات متأتية من دوائرالقرار العليا ( الفاعل الملكي ) باعتبار المجلس الوزاري هو من يضع التوجهات الاٍستراتيجية لسياسة الدولة ( الفصل 49 من الدستور ) ؟
هذا الأمر سيجعل من الحكومة مجرد حكومة تدبير اٍداري وليست حكومة سياسية بالمعنى الحقيقي للكلمة ، مع خضوعها دستوريا لمنطق المسؤولية المزدوجة أمام البرلمان وأمام الملك ، دون الحديث عن مسؤوليتها السياسية والأخلاقية أمام المواطنين كذلك ، مع ضرورة الاٍشارة الى أن المواطن أصبح يعي جيدا كل التفاصيل والحدود الفاصلة المرتبطة باٍسناد المسؤوليات في صنع السياسات العمومية بين الملك والبرلمان والحكومة ، غير أنه بالرجوع الى فحوى الفصل 92 من الدستور سوف نجد على أن مجلس الحكومة يتداول ، تحت رئاسة رئيس الحكومة في مجموعة من القضايا ، منها على وجه التحديد ؛ السياسات العامة للدولة قبل عرضها على المجلس الوزاري ، السياسات العمومية والسياسات القطاعية ، ما يدل على أن الحكومة تنطلق من اختيارات ذات مرجعيات سياسية أثناء صياغتها للبرنامج الحكومي ، الشئ الذي يرتب عليها مسؤولية التدبير الحكومي والحصيلة الحكومية أيضا بناء على البرنامج الحكومي المشترك بين مكوناتها ، والذي التزمت به أمام البرلمان ، ولا يعفيها من المسؤولية على اعتبار أن الوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به وفي اطار التضامن الحكومي ( الفصل 93 من الدستور ) وعلى اعتبار أن رئيس الحكومة يطلع الملك على خلاصات مداولات مجلس الحكومة ( الفصل من الدستور 92 الفقرة 6 ).
لقد أجمع جل المتتبعين على أن طريقة تدبير المشاورات الحكومية في صيغتيها الأولى والثانية ، كانت محاطة بسرية تامة و مرت في ظروف غامضة وغابت عنها الشفافية ، الشئ الذي يطرح مسألة الديمقراطية الداخلية للأحزاب بقوة [15] ، بما فيها حزب العدالة والتنمية والذي ظل متشبثا بالمقولة الديمقراطية و الاٍرادة الشعبية ، ومدى حضور المواطن والناخب في أجندة الأحزاب أثناء اٍدارتها للمشاورات ، وكذلك حضور هاجس المصلحة العامة ومصلحة المواطن في هذه المشاورات ، هذه السرية وهذا الغموض لم تمكن المواطن وحتى القواعد الحزبية من الاٍطلاع على التفاصيل الحقيقية لمجرياتها فسقط أسير الاٍشاعة والأخبار المزيفة والمتضاربة ، كما أن المشاورات لم تمر في أجواء سليمة مطبوعة بالهدوء والشفافية وتغليب المصلحة العليا للشعب والوطن ، بل لوحظ أن المصلحة الشخصية أو الفئوية كانت هي الغالبة وكانت هي المحرك الرئيسي لتلك المشاورات ، ولم يتسنى للمواطن أن يجد مسوغا لحرب البلاغات التي تواترت بشدة أثناء سير المشاورات ، وفي ظل ذلك الاٍنتظار المريع ، بدا للجميع على أن هذه المشاورات كما لو أنها تتم في ظل فراغ دستوري وقانوني [16] ، أو كأنها تمر في مرحلة أشبه بالمراحل الاٍنتقالية التي تمر منها بعض البلدان التي يقع فيها تغيير النظام والدستور ، نظرا لصعوبتها وطول مراحلها والوقت الذي استغرقته ، وغموض خلفياتها وتفاصيلها ، وساهمت بالتالي في هدر الزمن الحكومي وافقاد المواطن الثقة في العمل السياسي والفاعلين السياسيين وكذلك في المؤسسات الدستورية على حد سواء ، ما يجعل الحديث عن مواصلة الاٍصلاح نوعا من الأماني التي لايمكن الوثوق بها والاٍرتكان الى مصداقيتها السياسية ، خاصة في ظل غياب الديمقراطية الداخلية للأحزاب السياسية ، وفي ظل المستوى الذي وصلت اليه القوى الديمقراطية من الضعف والتشرذم [17] ، وفي ظل التخبط والمخاض الذي تعيشه بعض الأحزاب الكبرى ( حزب الاٍستقلال والاٍتحاد الاٍشتراكي ) ، وفي ظل استقواء القوى المحافظة وتمركزها حول الذات بالشكل الذي يحول الواقع الحزبي بالبلاد الى ما بشبه منطق الحزب الوحيد [18] .
اٍن الحديث عن مواصلة الاٍصلاح يضع الحكومة الحالية أمام رهانات صعبة ومعقدة اٍن كانت بالفعل عازمة على الاٍصلاح ، ليس بالمنطق الذي يضع مزيدا من الضغط على الحلقة الأضعف التي هي المواطن أو باللجوء الى الاٍستدانة من الخارج ، بل اٍن الأمر يستدعي من الحكومة فتح الأوراش الكبرى في جميع المجالات والصعد ، وأن تكون قادرة وتتوفر لديها الشجاعة السياسية على أن تطرق المجالات التي ينتظر المواطن أن تفتتح فيها أوراش كبرى للاٍصلاح ، خاصة اٍصلاح الاٍدارة والقضاء انطلاقا من التوجيهات التي رسمها الخطاب الملكي في هذا الاٍتجاه [19] ، وبلورة سياسات عمومية تضع المواطن في قلب المعادلة التنموية ، قادرة على الاٍستجابة لتطلعات المواطنين وعلى تلبية حاجيات ومطالب الفئات الشعبية الهشة في العدالة الاٍجتماعية والاٍلتفات الى العالم القروي ، ومعالجة الاٍختلالات البنوية التي يشهدها على مستوى اٍنجاز البنيات التحتية ( مدارس – مستشفيات – طرق – كهرباء – مساعدة الفلاحين الصغار في القرى – مساعدة جمعيات الاٍقتصاد التضامني والاٍجتماعي في البوادي …. الخ ) ، النهوض بالتعليم والصحة ، وترسيخ الحكامة الاٍقتصادية والاٍجتماعية المركزية والترابية ، والقطع مع الخطاب الشعبوي ، ومخاطبة المواطن بلغة واضحة وشفافة بعيدة لغة عن الألغاز والأحاجي أو وتوجيه أصابع الاٍتهام الى المجهول ( التماسيح والعفاريت ) ، مع الأخذ بعين الاٍعتبار معطى من الأهمية بمكان، يتمثل في كون الدستور منح للحكومة ولرئيس الحكومة صلاحيات واسعة في تدبير الشان العام ، وأحاطها بضمانات قانونية ودستورية مهمة لم تكن متاحة للحكومات السابقة [20] .
الهوامش :
1- اسماعيل عزام – الرباط : غليان واسع داخل العدالة والتنمية بسبب تنازلات العثماني- [1]- في حكومة المغرب – س اٍن اٍن س اٍن اٍن بالعربية- الرباط -المغرب
https://arabic.cnn.com/world/2017/04/05/pjd-morocco-government.
[2] – فيديو يبين انجازات حكومة عبد الاٍله بن كيران على مستوى التوازنات الماكرو- اقتصادية.
http://www.pjd.ma-PJDTV-موقع تلفزيون حزب العدالة والتنمية – فيديو
[3] – أزمة تشكيل الحكومة بالمغرب.. الدلالات والأبعاد – طاهر أمين . http://www.huffpostarabi.com/taher amin/story_b_14422368.html
[4]- حزب العدالة والتنمية المغربي.. نجاحات وتحديات – سهيل الغنوشي – أكاديمي تونسي – http://blogs.aljazeera.net/blogs/2016/10/12-
[5]-عرض الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات أمام البرلمان بتاريخ 4 ماي 2016 -http://www.courdescomptes.ma/ar/Page-42/-/-/-/19-100/
-التقرير السنوي للمجلس الاٍقتصادي والاٍجتماعي والبيئي برسم سنة 2015 -http://www.cese.ma/Documents/PDF/Rapports%20annuels/2015/ra2015a.pdf-
– مذكرةاٍخبارية حول الوضعية الاٍقتصادية خلال الفصل الرابع من سنة 2016 – المندوبية السامية للتخطيط http://www.hcp.ma/La-situation-economique-au-quatrieme-trimestre-2016_a1897.html –
-عرض مولاي الحسن العلوي السليماني – المستشار الأول لدى رئاسة الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة – المساءلة واٍعطاء الحساب : ركيزة أساسية للحكامة الجيدة ومكافحة الفساد- الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها المحدثة بموجب الفصل 36 من الدستور .http://www.icpc.ma/wps/wcm/connect/947e3c0046b1bc95abecebae47b3c590/Presentation+MALAOUI.pdf?MOD=AJPERES&CACHEID=947e3c0046b1bc95abecebae47
[6]- قانون المالية برسم سنة 2016: تجسيد للخيارات النيو- ليبرالية لضمان أرباح الرأسماليين على حساب الأجراء والفئات الشعبية .
-http://attacmaroc.org/?p=3716
[7]- النشرة الخاصة للدين الخارجي العمومي برسم الفصل الثاني من سنة 2016 –وزارة الاٍقتصاد والمالية – مديرية الخزينة والمالية الخارجية . https://www.finances.gov.ma/Docs/dtfe/2016/BULLETIN%20DETTE%20PUBLIQUE-AR30092016.pdf-
[8]- ادريس الأزمي الاٍدريسي – حوار مع جريدة الأيام الاٍلكترونية : هذه هي الأجور الحقيقية لكبار موظفي الدولة-
http://www.pjd.ma
[9]-المغرب.. أحزاب في الأغلبية والمعارضة تنضم لحملة اعادة النظر في معاشات البرلمانيين- س اٍن اٍن
https://arabic.cnn.com/world/2016/01/06/parties-joining-campaign-reduce-pensions- -parliamentarians-morocco.
–
[10] –الاٍصلاح الاٍجتماعي في المغرب : التحدي الكبير- عبد العالي حامي الدين .
http://www.jadidpresse.com
Docteur Hassan Zouaoui – La place du pragmatisme dans la[11] – statégie politique du PJD – AL HUFFINGTON POST-Maghreb-Maroc -http://www.huffpostmaghreb.com/hassan-zouaoui/la-place-du-pragmatisme-dans-la-strategie-politique-du-pjd_b_13927010.html – consultation le 03/01/2017.
[12] حزب العدالة والتنمية المغربي – مخاضات التأسيس وتحديات الاٍندماج- سليم حميمنات – مجلة وجهة نظر – عدد مزدوج 36-37 سنة 2008
[13] -–حظوظ الاٍستوزار تفسر انقلاب قيادات البيجيدي على العثماني – عبد الاٍله شيبل–هيسبريس . http://www.hespress.com/politique/345539.html2017
[14] – العدالة والتنمية .. عقدة التحول من الحزب الديني الى الحزب المدني- رشيد لزرق –جريدة هيسبريس الاٍلكترونية –السبت 15 أبريل 2017 http://www.hespress.com/writers/346474.html
[15]– صناعة الحزب الأغلبي في المغرب – من الحزب السياسي الكلاسيكي الى التنظيم الجوكر – محمد الهاشمي – مجلة وجهة نظر – عدد مزدوج 36-37 سنة 2008.
[16]- المأزق السياسي بالمغرب..ماهي مآلات تعثرالمفاوضات في تشكيل الحكومة ؟ اسماعيل عزام – الرباط – المغرب – س اٍن اٍن بالعربية-الجمعة 18 نونبر2016 https://arabic.cnn.com/world/2016/11/18/morocco-government-impasse
[17]– صعود وأفول الاٍتحاد الاٍشتراكي للقوات الشعبية – -منتصر حمادة – مجلة وجهة نظر – عدد مزدوج 36-37 – سنة 2008.
[18]-– وظيفة الحزب في النظام السياسي المغربي –قراءة في أطروحة الأستاذ يونس برادة- أقنوش زكريا – مجلة زجهة نظر – عدد مزدوج 36-37 سنة 2008.
[19]- نص الخطاب الملكي بمناسة افتتاح الدورة التشريعية الأولى أمام البرلمان بتاريخ 14 أكتوبر 2014 حول اٍصلاح الاٍدارة .
http://www.chambredesrepresentants.ma/ar
[20]- -ينظم السلطة التنفيذية الباب الخامس من الدستور الفصول من 87 الى 94 ، وقد منح دستور 2011 لرئيس الحكومة وللحكومة اختصاصات مهمة مقارنة بالدساتير السابقة خاصة دستور 1996 ، بحث لم تحظى حكومة التناوب التوافقي سنة 1998 بنفس الاٍختصاصات التي صارت تحظى بها حكومة بنكيران في سنة 2012. منها :
يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها. ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها (الفصل 47 من الدستور). ويتقدم رئيس الحكومة، بعد تعيين الملك لأعضائها، أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه. يكون البرنامج موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين، يعقبها تصويت في مجلس النواب (الفصل 88 من الدستور). وتعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم لصالح البرنامج الحكومي (الفصل 88 من الدستور). وقد حمل الدستور الجديد للمملكة، الذي تم التصويت عليه في استفتاء فاتح يوليوز 2011 ، تحولا نوعيا في اختصاصات “رئيس الحكومة”، وهي التسمية التي حلت محل “الوزير الأول” بمقتضى هذا الدستور. ويمكن تلخيص أهم صلاحيات رئيس الحكومة في ما يلي:
يمارس رئيس الحكومة السلطة التنفيذية، ويمكن أن يفوض بعض سلطه إلى الوزراء (الفصل 90 من الدستور).
يرأس رئيس الحكومة مجلس الحكومة الذي يتداول في القضايا والنصوص التالية :
السياسة العامة للدولة قبل عرضها على المجلس الوزاري، السياسات العمومية، السياسات القطاعية، القضايا الراهنة المرتبطة بحقوق الإنسان وبالنظام العام، مشاريع القوانين، ومن بينها مشروع قانون المالية، قبل إيداعها بمكتب مجلس النواب دون إخلال بالأحكام الواردة في الفصل 49 من الدستور، مراسيم القوانين، مشاريع المراسيم التنظيمية، مشاريع المراسيم المشار إليها في الفصول 65 و66 و70 من الدستور، المعاهدات والاتفاقيات الدولية قبل عرضها على المجلس الوزاري، تعيين الكتاب العامين، ومديري الإدارات المركزية بالإدارات العمومية، ورؤساء الجامعات والعمداء، ومديري المدارس والمؤسسات العليا وكذا التعيين في باقي المناصب العليا المشار إليها في القانون التنظيمي رقم 02-12
ويطلع رئيس الحكومة الملك على خلاصات مداولات مجلس الحكومة.
لرئيس الحكومة أن يطلب عقد المجلس الوزاري (الفصل 48 من الدستور)، ويتداول في: التوجهات الإستراتيجية لسياسة الدولة ومشاريع مراجعة الدستور ومشاريع القوانين التنظيمية والتوجهات العامة لمشروع قانون المالية، ومشاريع القوانين-الاطار ومشروع قانون العفو، ومشاريع النصوص المتعلقة بالمجال العسكري، وإعلان حالة الحصار، وإشهار الحرب، ومشروع مرسوم حل مجلس النواب، والتعيين في بعض الوظائف المدنية وتعيين المسؤولون عن المؤسسات والمقاولات الإستراتيجية.
يمكن لرئيس الحكومة، بتفويض من الملك، أن يرأس مجلس الوزراء على أساس جدول أعمال محدد (الفصل 48 من الدستور) . يمكن لرئيس الحكومة، بتفويض من الملك، أن يرأس المجلس الأعلى للأمن على أساس جدول أعمال محدد (الفصل 54 من الدستور).
يعين رئيس الحكومة في الوظائف المدنية في الإدارات العمومية وفي الوظائف السامية في المؤسسات والمقاولات العمومية، دو ن إخلال بأحكام الفصل 49 من الدستور. ويمكن له تفويض هذه السلطة (الفصل 91 من الدستور).
يقترح رئيس الحكومة المرشحين للتعيين في المناصب المدنية المنصوص عليها في الفصل 49 من الدستور.
لرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة.
لرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم، الفردية أو الجماعية. ويترتب عن استقالة رئيس الحكومة إعفاء الحكومة بكاملها. وتواصل الحكومة المنتهية مهامها، تصريف الأمور الجارية إلى غاية تشكيل الحكومة الجديدة.
يقدم رئيس الحكومة الأجوبة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة أمام مجلس البرلمان الذي يعنيه الأمر، وتخصص لهذه الأسئلة جلسة كل شهر (الفصل 100 من الدستور).
يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين (الفصل 101 من الدستور).
يمكن لرئيس الحكومة التقدم بطلب منح الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة، أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه. ويؤدي سحب الثقة إلى الاستقالة الجماعية للحكومة ) الفصل 103 من الدستور).
يمكن لرئيس الحكومة حل مجلس النواب بعد استشارة الملك ورئيس المجلس ورئيس المحكمة الدستورية، بمرسوم يتخذ في مجلس وزاري (الفصل 104 من الدستور) . كما أن لرئيس الحكومة حق التقدم باقتراح القوانين (الفصل 78 من الدستور).