عاش العالم مؤخرا هجمات إلكترونية مست أكثر من 120 بلدا منها المغرب حيت توقف إنتاج بعض الشركات المتعددة الجنسية، هجمات اعتبرت الأعنف انطلاقا  من عمليات الابتزاز مرورا بطلب الفدية لاسترجاع الملفات والبيانات بعد أن يتم تشفيرها انتهاء بمهاجمة قطاع الرعاية الصحية لبريطانيا حيت مس بيانات آلاف المرضى والمسنين.

فهل يملك المغرب سياسة تدبر هذا الملف للدفاع عن نفسه حالا والاستفادة منها مستقبلا في ضل التقارير التي تشير أن المستقبل سيشهد حروبا إلكترونية طاحنة يفوق تأثيرها الحروب التقليدية والنووية (لأن نطاقها أوسع جغرافيا ويمكن أن تطال أي قطاع تسييره مربوط بالانترنيت كالمطارات وشبكات الربط الكهربائي والأرصدة الموجودة في البنوك ومؤسسات الضمان الصحي و الاجتماعي…) وهو ما أكده رئيس الاستخبارات الهولندي في مؤتمر لاهاي المنعقد مؤخرا (16 ماي 2017 )  بالقول “التهديدات الرقمية ليست ضربا من الخيال، بل أنها جد منتشرة من حولنا”.

 الإشكال في هذا الوطن العزيز هو: هل هناك ترسانة قانونية تحمي وتنضم اشتغال الأطر الغيورة والمختصة في مجال الحماية وتقنيات المعلومات. لأن المعادلة بسيطة “للحماية يجب التعرف على أنواع الهجمات ومحاكاتها” الشيء الذي يدفع علماء كثر كما في اختصاصات أخرى للانسحاب وبالتالي الموت البطيء والتفرج من بعيد. بدل المساهمة في رقي البلد وتقدمه وحمايته.

المعضلة في جل دول العالم العربي، البعيدة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان أن الدولة الأمنية أصبحت تتحكم بكل شيء والأحزاب والمؤسسات مجرد رتوشا للزينة. دولا لا تتق في المواطن، ناهيك إن بدت عليه بعض مظاهر التدين أو اعتناق فكر يساري مثلا أو له رأي حر بعيد عن لغة الخشب. دولا جعلت من الجيش فقط من يحتكر نظم المعلومات والدرك من يحتكر الاستشعار الفضائي ودراسة انتشار الأوبئة والأمن يحتكر تقنيات التتبع الرقمي، أما الجامعات أصبحت خاوية على عروشها، منعدمة الصلة بالواقع، فقدت الدور المنوط بها، كمحرك للبحث العلمي. أن توقع الدول مع شركات معروفة لشراء برمجيات تتبع الإنترنت ومواقع التواصل  بملايين الدولارات، ففيه مخاطرة أن تصبح أجهزة الدولة مخترقة أما أن تقتني برمجيات “مجموعة هاكرز” فتلك هي الطامة الكبرى، فإنك لا تتوفر على الضمانات القانونية والأخلاقية، فضلا عن أنك لا تتوفر على كود تلك البرمجيات لدراستها، والتأكد أنها لا تقوم بأشياء أخرى وأن تصبح رهينا لها مستقبلا. 

إن الحماية الإلكترونية لنضم المعلومات هي مجرد برمجيات مكتوبة بلغات البرمجة لا تحتاج إلى رأس مال مادي بقدر ما تحتاج إلى إرادة سياسية وثقة بالمواطن ويمكن أن تصدر بالمقابل أو مجانا  لتصبح مصدرا للتنمية ورافعة اقتصادية مهمة.    

المعضلة في جل  دول العالم العربي ،البعيدة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان  أن الدولة الأمنية أصبحت تتحكم بكل شيء والأحزاب و المؤسسات مجرد رتوشا للزينة . دولا لا تتق  في المواطن

بكل بساطة يمكن تعريف الحروب الإلكترونية أو الهجوم المعلومياتي، تلك الهجمات التي تنفذ من طرف جيوش نظامية أو منضمات تابعة لحكومات أو قراصنة منفردين أو مجموعات تارة بغية أغراض مادية أو الدفاع عن معتقد أو وطن أو ثأر من تصرفات دول معينة. أما الوسائل فهي الأرخص مقارنة مع الحروب الأخرى، وهذا هو الأخطر، فيكفي امتلاك حاسوب شخصي موصول بشبكة الإنترنت وعقل قادر على البرمجة لشن هجمات. أما الأهداف فمتشعبة وكثيرة أهمها سرقة أو إتلاف أو تعطيل نضم المعلومات، التأثير على الرأي العام وتوجيهه ببت أخبار مغلوطة والتأثير على الديمقراطيات من خلال التشويش على الحملات الانتخابية وتسريب البريد الإلكتروني للمشرفين على الحملات  ومهاجمة  (السرفر) الخادم (حاسوب له كفاءة خاصة مقارنة بباقي مكونات الشبكة المعلوماتية من حيت البنية أو التطبيقات المثبتة) ومنها على وجه الخصوص خادم البريد الإلكتروني، وخادم قواعد البيانات وخادم الملفات وخادم مستضيف المواقع الإلكترونية، حيت يمكن تعطيله أو جعل خدمته بطيئة بإرسال كم كبير من الرسائل أو الملفات. 

لقد شهد العالم سلسلة هجمات إلكترونية متعددة مست أهدافا مختلفة وشركات ودول بعينها، ففي سنة 1998 تم تعطيل جزء من أنظمة الدفاع الجوي الصربي وفي سنة 2007 تم تعطيل عدة مواقع رسمية لدولة أسطونيا، وفي سنة 2010 هوجمت مئات أجهزة الطرد المركزي للمفاعل النووي الإيراني، لهجوم يعتقد أنه أمريكي إسرائيلي، وفي 2012 ثم الهجوم على حواسيب شركة النفط السعودية، وفي سنة 2015 ثم هجوم يعتقد أنه روسي على شركة الكهرباء الأوكرانية.

إننا نعتقد أن المشرف والمستغل الحقيقي للحروب الإلكترونية، هي الولايات المتحدة الأمريكية، والكل مجرد بيادق، والدليل هو الاختراق الرقمي لحواسب الرئاسة الألمانية وكدالك الهاتف الشخصي “لميركل”، ونحن نتحدث عن ألمانيا رغم تقدمها الصناعي والتكنولوجي، فما بالك بالدول الأخرى وخصوصا دول العالم العربي والإسلامي .

  أما الإنترنت فمن صنع الجيش الأمريكي، وجل الحواسب ونضم استغلالها من صنع أمريكي من “ويندوز” مرورا بـ”الماكينطوش” وحتى “أينكس” المفتوح المصدر صمم في جامعة أمريكية، فجل الخبراء يؤكدون أنك بمجرد الارتباط بالإنترنت من حاسب نضام تشغيله مصمم من شركة، وغير مفتوح المصدر، تصبح كل ما تفعله وكل بياناتك مكشوفة للشركة المصنعة التي تضم آلاف المطورين والمهندسين في أمريكا وحتما جزء منهم مرتبطون بوكالة الأمن القومي الأمريكي. 

 إن اللافت في هجمات الفدية الأخيرة، أنها بشكل عام لم تمس الولايات المتحدة الأمريكية، وأنها كانت في علم وكالة الأمن القومي الأمريكي قبل شهر مارس، وأن الأخيرة احتفظت بها لاستغلالها للتجسس لصالحها، قبل أن تطرح شركة “مايكروسوفت” تحديث يعالج الأمر بناء على طلب الوكالة، بعد أن تسرب عنها الخلل بشكل يثير التساؤل، نظرا لقوة الحماية الرقمية لديها، والدليل تغريدة “إدوارد سنودن” المتعاقد السابق للوكالة:”قرار وكالة الأمن القومي الأمريكي، في صناعة وسائل الهجوم على البرمجيات، يهدد حاليا المرضى في المستشفيات”.

 أما شركات أمريكا العاملة في مجال تقنيات الإعلام والاتصال فأصبح لها تأثير مالي واقتصادي كبير (فالبرمجيات في أمريكا تساهم بحوالي 13 في المائة من الناتج الوطني الخام في أمريكا المقدر بـ17 ألف مليار دولا الذي يشكل ما يقارب 23 في المائة من المجموع العالمي)، فبواسطة بنوك المعلومات المتوفرة لديها، أصبحت لها القدرة على التأثير علي الرأي العام وخيارات الشعوب في أي بقعة على الأرض.     

 ربح رهان الحماية الإلكترونية في المغرب واستغلالها  لصالح الوطن، يستلزم الاهتمام  بتقنيات الإعلام و الاتصال بكل تفرعاتها من قواعد وبنوك المعلومات، البرمجة والذكاء الصناعي، تدبير الشبكات المعلوماتية وحمايتها وإنشاء التطبيقات الخاصة بالحاسوب والألواح الذكية وتقنيات الإنترنت. كل هذا يجعله ميدانا يستلزم إعطاءه أولوية قصوى. حيت تشكل الصادرات العالمية من منتجات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أزيد من 12٪ من التجارة السلعية العالمية و20٪ في البلدان النامية.أما الدول العربية والمغرب جزء منها، نجد أن صادراتها من منتجات التكنولوجيا لا تتجاوز 2% من إجمالي صادراتها من السلع الصناعية وهي تعتبر أقل نسبة مقارنة بالأقاليم الجغرافية الأخرى.