
قادة العدل والإحسان يستنقذون المخزن من ورطته!

تصميم الورقة.
آراء أخرى
* حِراك وحَركات.
1- إنتكاس في الخطاب والممارسة.
2- تخبط في الأداء وضبابية في الموقف.
3- عزلة سياسية وانتظارية “صوفية”.
4- حراك الريف وحالة الترقب.
5- رسائل «قبل فوات الأوان».
6- في تركيب الموقف.
7- اللعبة انتهت!
* حِراك وحَركات.
إذا كانت حركة التوحيد والاصلاح، الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية بالمغرب، قد أعلنت صراحة عن موقفها من انتفاضة الريف الحالية، حين دعت أنصارها إلى عدم الخروج في المسيرات الداعمة للحراك، وهي في ذلك منسجمة مع ذاتها، على اعتبار أنها تعترف بشرعية النظام الحاكم وبمبدأ “إمارة المؤمنين”، وتشتغل من داخل اللعبة السياسية، وترى في الحراك حدثا يهدد أمن البلد. فإن موقف قيادة جماعة العدل والإحسان من الحراك ذاته بدا ملتبسا واكتنفه الكثير من الغموض، وهي التي تأسست على أرضية “الإسلام أو الطوفان”، الرسالة التاريخية التي بعث بها سنة 1974، مؤسسها عبد السلام ياسين إلى الحسن الثاني، ملك المغرب الراحل، والتي سيُقعِّد لها بمفهوم «القومة»/الثورة أداة للتغيير، كما هو وارد في كتاب “المنهاج النبوي، تربية وتنظيما وزحفا”، الذي يعد واسطة عقد مشروعهالتغييري.
– فما حصيلة الأداء السياسي للجماعة في السنوات الخمس الماضية؟
– وما الشواهد على غموض مواقفها خطابا وأداء؟
– وكيف تتفاعل مع انتفاضة الريف نهجا وسياسة؟
1- إنتكاس في الخطاب والممارسة.
منذ رحيل مؤسسها عبد السلام ياسين رحمه الله نهاية 2012، أبدت جماعة العدل والإحسان مرونة شديدة اتجاه مخزن “العهد الجديد”، فقبل رحيله مرشدها العام بأشهر قليلة، أي في لحظة مرضه، سارع قادتها إلى تنزيل هيكلتها التنظيمية الجديدة المسماة “البناء الجديد”،والتي تنازلت فيها عن منصب “المرشد العام”،بما يحمله من دلالة سياسية ودينية، وعوضته بمنصب “الأمين العام”، فيما فُهم أنه إشارة إلى رغبتها في التحول إلى حزب سياسي، يقطع مع “عهد ياسين” وإرثه الفكري والأيديولوجي، وما صاحب ذلك من تحييدالآراء المعارضة لهذا التوجه، وفي مقدمتها ندية ياسين، كريمة مؤسس الجماعة والمسؤولة السابقة عن قطاعها النسائي، وكذا العديد من الكوادر التي عارضت هذه اللّفة السريعة في مسار الجماعة الدعوي والسياسي، وهو ما أفضى إلى موجة استقالات فردية وجماعية بعد تنزيل تلك الهيكلة. أما على مستوى الخطاب، فقد حبلت تصريحات بعض قادتها بمفردات مستقاة من حقل اللعبة السياسية، من قبيل “التحول الديموقراطي” و”المشاركة السياسية”، مفردات توحي بتقديم تنازلات سياسية مقابل تحسين ظروف المشاركة في اللعبة.
2- تخبط في الأداء وضبابية في الموقف.
ساد التخبط توجهات قيادة الجماعة في السنوات الخمس الأخيرة، فتارة تصعد من لهجة خطابها اتجاه المخزن، وتارة تستجديه الحوار، وتارة تهدد بتحريك الشارع، وتارة تغيب عن المشهد، غياب بدا واضحا في الانتفاضة الشعبية التي تلت منح العفو الملكي للبيدوفيل الإسباني الذي أدين باغتصاب أحد عشر طفلا مغربيا صيف 2013، وفي أختها التي أعقبت وفاة «ميفتيحة»، المرأة البسيطة التي قضت احتراقا ربيع 2016، وحتى إن حضرت في احتجاج ما،فإنها تسارع إلى “تلطيف الأجواء”، ببيانات باهتة تقدم من خلالها النصح إلى “من يهمهم الأمر”، كما حدث عقب مظاهراتمدن الشمال وبالأخص طنجة،ضدشركة أمانديس الإسبانية في خريف 2015، وبشكل واضح بعد مقتلبائعالسمكمحسنفكريداخلشاحنةأزبال في مدينة الحسيمة نهاية أكتوبر الماضي، الشرارة الأولى لحراك الريف المتنامي حاليا.
من ذلك أيضا؛ أن معارضتها لحكومة عبد الإله بن كيران (2011-2016)، لم تنبني على موقف واضح من نظام الحكم ومن جدوائية المشاركة السياسية، كما عرف عنها طيلة العقود الماضية، على اعتبار أنها “تزكيةللباطل”، على حد تعبير فتح الله أرسلان، نائبأمينهاالعاموناطقهاالرسمي، والمهندس الفعلي لتوجهاتها الحالية، وإنما ركزت على الجوانب الشكلية للتدبيرالحكومي، كالقضايا المتعلقة بالسياسات الاجتماعية والاقتصادية من قبيل إصلاح صندوق المقاصة؛ التقاعد؛ الأسعار؛ الأجور… وقد قُرأت مناكفاتها تلك على أنهاإشارة من قادة الجماعة على استعدادها لعب دور “البديل المنتظر” لحزب للعدالة والتنمية بعد انتخابات 7 أكتوبر 2016، وفي سبيل ذلك دفعت إلى الواجهة أخصائيين في الشأن الانتخابي، هما عمر إحرشان ومحمد باسك.
3- عزلة سياسية وانتظارية”صوفية”.
تعيش العدل والإحسان اليوم عزلة سياسية على المستويين الداخلي والخارجي، أعقبت فشل “دبلوماسيةالمؤتمراتواللقاءاتالمفتوحة”، التي نهجتها بغية الانفتاح على الأطياف السياسية المختلفة من خلال أبواب مفتوحة للحوار، وهو تقليد سنوي يصادف ذكرى رحيل مؤسسها في دجنبر من كل سنة، وجدت ملتقياته الأربع الماضيةمقاطعة من الجميع، باستثناء حزب النهج الديموقراطي، المحسوب على اليسار الجذري، وبعض الشخصيات التي عبرت عن مواقف شخصية، وقد أظهرت نسخته الأخيرة في دجنبر الماضي، مدى الهوة الكبيرة بين الجماعة وقوى اليسار خاصة، جسدتها الأسئلة الحارقة التي نقلهاإليها في إحدى جلساته،الدكتور معطي منجب، المؤرخ والحقوقي رئيس جمعية “الحرية الآن”.
خارجيا؛ بدأت العزلة السياسية للجماعة بعد منع تنظيم المؤتمرالدولي حول ”التغييرفينظريةالمنهاجالنبويعندالإمامعبدالسلامياسين: مفهومهوإشكالاتهوقضاياه“، الذي كان مقررا عقده يوم 16 يناير 2016، في استنبول بتركيا، حيث لم يقتصر الأمر على توقيف أشغال المؤتمر، بل جاوزه إلى منع فتحاللهأرسلان،من دخول الأراضي التركية، وكانت تركيايومها؛ النافذة الرئيسية التي تطل منها الجماعة على الخارج قبل التقارب التركي السعودي، والتركي المغربي، اللذين سبقا انقلاب يوليوز الماضي.ومن معالم تلك العزلة أيضا، ما كان من حدث انسحاب منصفالمرزوقي،الرئيسالتونسيالسابق، من الندوة الدولية حول ”الربيعالعربي: تحدياتوأمل“، التي انعقدت بباريس في 23 من نفس الشهر، انسحاب أشيع أنه جاء بضغط من جهات عليا بالمغرب،بسبب مشاركة محمدحمداوي، عضو مجلس إرشاد الجماعة، ومسؤول العلاقات الخارجية فيها في فعالياتها، كما ظهرت جليا في رفض سلطاتمطاراسطنبولالترخيص لبعض قياداتها بدخولالأراضيالتركية ثلاث مرات،كان آخرها منع عمر أمكاسو، عضومجلسإرشادها في فبراير الماضي من العبور.
ميدانيا؛ إذا ما استثنينا دعم ملف «الأساتذة المتدربين»، فإن نشاط الجماعة اقتصر على إحياء بعض المناسبات السنوية كذكرى وفاة بعض مؤسسيها، أو إعادة التذكير ببعض ملفاتها الحقوقية (“البيوت المشمعة”؛ “الشهيد كمال العماري”؛ “المعتقل عمر محب”).
4- حراك الريف وحالة الترقب.
أشرنا إلى أن الشرارة التي فجرت حراك الريف الحالي، هو حدث مقتل الشهيد محسن فكري بالحسيمة نهاية أكتوبر الماضي، الحادث الذي لقي تجاوبا شعبيا هائلا، وردة فعل غاضبة قوية ومؤثرة، تجلت في مسيرات غضب حاشدة في العديد من المدن المغربية، كان لأنصار الجماعة فيها حماسة وحضور مؤثرين، لكن تلك الحماسة وذلك الحضور سرعان ما خفتا أياما بعد ذلك، وخرجت أولى التعليقات على رد الفعل الشعبي، علىلسان الناطق الرسمي من خلال يافطة نشرت بموقع الجماعة الرسمي، يقول فيها: «نخافأنتأتيعبارة (فهمتكم) منالحاكمبعدفواتالأوان،فلامبادرةحقيقيةحتىالآنتوقفالنزيف»، جملة أظهرت أن خيار الجماعة يتجه نحو التهدئة، ومنح الفرصة للمخزن كي يصلح ما يمكن إصلاحه، حينها كان “البلوكاج الحكومي” الذي أعقب «إنقلاب 8 أكتوبر» كما وصفته بعض المنابر، لا زال هو لازمة المشهد السياسي، وظهر أن قيادة الجماعة كانت في حالة ترقب لما سيسفر عنه الوضع، في ظل فراغسياسي طال أمده.
في مطلع السنة الجارية،وفي رد فعل مفاجئ؛ شن المخزن على الجماعة حملة انتقامية على خلفية دعمها لملف الأساتذة المتدربين، عمد خلالها إلى ترسيب 150 أستاذا منتظما في صفوفها، وإلى عزل عشرات من أطرها من مناصبهم الإدارية. وعلى الرغم من شراسة الهجمة، فقد اكتفى قادتها بالتنديد بالعدوان المخزني، والتحرك فيالواجهتين الإعلامية والحقوقية، بل ولأول مرة قامت بنقل شكواها إلى مجلس المستشارين، وهي خطوة ذات دلالة سياسية هامة، بررتها بالرغبة في إحراج الحكومة واتباع المسلك القانوني.
5- رسائل «قبل فوات الأوان».
في منتصف ماي، عاد حراك الريف للتوهج من جديد، بفضل نضال أبناء المنطقة، حاولت وزارة الداخلية شيطنته بدعوتها أحزاب الأغلبية الحكومية إلى اتهامهمبالدعوة إلى الانفصال،كانت تهمة ثقيلة ولها تبعاتها الأمنية والسياسية، جرا بعدها عسكرة الريف. ذات الوزارة؛ كانت قد لمحت إلى مسؤولية الجماعة في تأجيج الحراك، رغم أن كل الدلائل تشير إلى أنه انتفاضة شعبية تجاوز إيقاعها كل الهيئات السياسية بما فيها الجماعة، فقدسمّت الأمور بمسمياتهاوجعلت القصر أمام مسؤوليتهالدستوريةوالسياسيةوالقانونية،علىاعتبارأنالملكهوالجهةالوحيدةالقادرةعلىنسخ “ظهيرالعسكرة”،والمسؤولالأولعنأيتحركعسكري،باعتبارهالقائدالأعلىللقواتالمسلحةوالآمربتحركها.
اكتفت الجماعة في ردها على تهمة الانفصال التي ألصقت بالحراك، على بيان صادر عن فرعها بالحسيمة، دافع عن مطالبه المشروعة، ذات الفرع؛ أصدر بيانا استنكاريا آخرانهاية الشهر، حول استعمالالمساجد في قمع الحراك، على خلفية حملةالاعتقالات التي طالت شباب الحراك وخاصة رائده ناصر الزفزافي. وباستثناء ذانيك البيانين المحليين، لم يصدر عن القيادة المركزية أي بيان رسمي، بخصوص الحراك الذي وصفه بيان فرع الحسيمة بـ”الحراكالريفيالمبارك”، وهو ما يفسر حرص القيادة على أن يظل الحراك شأنا محليا، خاصة وأنها صرفت الأنظار إلى معركة “الأمعاءالفارغة”للأساتذةالمرسبين، وواكبتها سياسيا وإعلاميا وحقوقيا بداية من 23 ماي، خطوة شوّشت لا محالة على حراك الريف، وكذلك فعل حزب العدالة والتنمية حين أثار ملف معتقليه في نفس اللحظة.
لكن الأيام الثلاثة الأخيرة من ذات الشهر، جاءت حبلى بالإشارات السياسية الواضحة من قبل بعض أعضاء مجلس إرشاد الجماعة، نوجزها فيما يلي:
أ- تدوينة عبد الله الشيباني، صهر عبد السلام ياسين، على حائطه الفيسبوكي، صبيحة29 ماي،تزامنا مع الإعلان عن اعتقال الزفزافي، والتي رحب فيها بالحراك قبل أن يهاجم “منكر المخزن”، ويعترفبمشاركةأبناءالجماعةفيالاحتجاجات “دونتميزبلافتةولاشعار”.
ب- تدوينةمحمدحمداوي، يوم 30 ماي، حملت عنوان «رسالةعاجلةلمنيهمهالأمر!»، نددت هي الأخرى بـ«اعتقالوإهانةمواطنينمسالمينيطالبونبحقوقهمالمشروعة»، في إشارة إلى طريقة التعامل المخزية مع الزفزافي ورفاقه بعرض صور وصولهم إلى الدار البيضاء، وأكدت أن: «هذهالرسالةهيدفعهؤلاءالملايينمنالشبابإلىأقصىأركانالتطرفواحتمالالارتماءفيأحضاندعاةالغلووالإقصاءالذينلايبالونأنيحترقالأخضرواليابسفيهذاالبلد… هذهالصورستحدثالعكستماما: مزيدامنالكرهوالبغضللنظام،ومزيدامنالترميزللنشطاء … أفيقوايرحمكمالله… قبلأنتغرقالسفينةبالجميع»
ج- حوار عبدالواحدالمتوكل،مع موقع “الأول” يوم 31 ماي، الذي تمحور حول غيابالتنظيماتعنتأطير الحراك، حيث اعتبر أن مرد ذلك هو سياسة “القمعوالإفسادوالتدجينوالاحتواء” التي اتبعها المخزن مع الاحزاب منذ سنين، قبل أن يستدرك قائلا: «لسنابحمداللهممننالتمنهمتلكالسياسة… فلناحضوريعرفهالناسويقدرونه،لاتهمناالصدارة،وهذايتناغممعاستراتيجيتنافيتدبيرالمرحلة… وتجاوبالناسمعمبادراتنا… تدلعلىأنهميعرفونجيداأينيضعونثقتهمومنيعبرعنهمومهم».
6- في تركيب الموقف.
إذا ما حاولنا تركيب ما ورد في الإشارات السابقة الذكر، وأضفنا إليه مأدبةالإفطارالتي جمعت يوم 30 ماي،قيادات من الجماعة وأخرى من حركة التوحيد والإصلاح، بمقرالإدارةالمركزيةللحركةبالرباط، وهي التي دعت مؤخرا أنصارها إلى تجنب المشاركة في الحراك، وأضفنا إليها أيضا مقالة لأحد شباب الجماعة منشورة في موقعها الرسمي يوم 31 ماي، بعنوان:«أغلقوا “الأمير” .. وافتحوا “المقدمة”» سنخلص إلى الموقف غير المعلن لقادة العدل والإحسان اتجاه حراك الريف، يتلخص في الآتي:
– نحن موجودون بقوة في الحراك وكافة الأشكال الاحتجاجية بدون يافطات أو شعارات (الشيباني)
– إنك أيها المخزن؛إذ تدفع بالشباب نحو العنف إنما تُرمِّز قادة الحراك من حيث لا تدريعلى حساب السياسيين والكل سيغرق (الحمداوي)
– إنك بإضعاف الأحزاب تخسر، ونحن من يثق فيهم الناس والأقدر على ضبط الشارع… علينا تُعول (المتوكل)
– إبحث عن مخرج تكون لنا فيه مكانة، وإننا والحركة إصلاحيون على خلاف ما نبديه نحن من ثوريّة (أرسلان)
7- اللعبةانتهت!
بناء على ما تحصل يمكن القول، أن قادة الجماعة في كل تحركاتهم، إنما يقدمون طوق نجاة للمخزن في ورطته الكبيرة التي يتخبط فيها منذ انتفاضة الريف المجيدة، وفي انتظار الجواب، يضعأولائك القادة رجلا في الحراك وأخرى على أعتاب وزارة الداخلية.
نختم قراءتنا هذه بأسئلة ثلاث، نترك الإجابة عليها للتاريخ: كيف تحولت العدل والإحسان من جماعة تتبنى خيار “الإسلام أو الطوفان” إلى تنظيم يفتل في خيار “المقدمة”؟ أين الخلل في مسارها التاريخي؟ ألم تكن هي الأخرى مخترقة على مستوى الصف الأول؟!