كلما حلت مواعيد الامتحانات المدرسية والجامعية، إلا ويثار النقاش حول موضوع الغش، والذي أصبح يشكل ظاهرة مرضية تخترق الجسم التعليمي بشكل كبير، وتطرح تحديات وصعوبات جدية أمام وزارة التربية الوطنية، وتدفعها كل عام إلى البحث عن وسائلكفيلة بالحد منها، وآخرها تشديد العقوبات في حق التلاميذ المتورطين في الغش.

ويطرح تناول هذا الموضوع، عدة أسئلة من قبيل: ما هي أسباب انتشار الغش وسط المؤسسات التعليمية؟ وما علاقة الغش في الامتحانات بالغش داخل المجتمع؟ وماهي الوسائل الناجعة التي من شأنها التقليص منه؟

تقترن ظاهرة الغش في الامتحانات والاختبارات، بشكل أساسي بالجوانب التربوية والتعليمية والثقافية، بحيث يعكس خللا في التربية وضعفا في التعليم وعطبا في الثقافة، وبذلك فإن التلاميذ الذين يلجؤون للغش في الامتحان، يعانون من نقص في التربية الأسرية، ما يجعل لديهم قابلية نفسية لاقتراف الغش،لفقدانهم الثقة في النفس، كما أن مستواهم التعليمي ضعيف، لأنهم لم يتلقوا تعليما جيدا، ما يدفعهم إلى تعويض النقض بالغش، بالإضافة إلى أنهم تأثروا بثقافة هجينة، تصور الغش كأسهل طريق لتحقيق نتائج إيجابية.

هذه أسباب عامة، وهناك أسباب خاصة تختلف من شخص لآخر، فهناك التلميذ الذي يلجأ للغش،عن سبق إصرار وعزم، لأنه لا يرى فرقا بين بذل مجهود في الإعداد والتحضيرللامتحان واللجوء للغش، وهناك التلميذ الذي يندفع للغش، إذا وجد الظروف مواتية، وهناك تشجيع من المراقبين والأساتذة، أو إذا وجد أسئلة الامتحان صعبة ولا يبق أمامه إلا الغش.. ولا ينبغي أن يُفهم من ذلك، أننا نقدم تبريراللغش، وإنما نحاول رصد تجلياته وأسبابه..

الغش مرتبط بشكل وثيق بالقيم السائدة في المجتمع، وكلما وُجد مجتمع تسود فيه قيم تنبذ الغش، وتحاربه بقوانين صارمة، فإنهيكون محدودالانتشار، وبالمقابل كلما كانت تسود في المجتمع قيم سلبية

وغالبا ما يكون الأشخاص الذين يعتمدون على الغش في اجتياز الامتحانات والاختبارات، فاقدين للثقة في إمكانياتهم الذاتية، وهذا الأمرله أبعاد نفسية، لها صلة بالتنشئة الأسرية والاجتماعية، وهو لا يعني أنهم كسالى أو أغبياء، بل إن كثير منهميتوفرعلى ذكاء استثنائي، لكنه للأسف يسخره في الاتجاه الخطأ، في البحث عن طرق مبتكرة للتمويه والتحايل على المراقبين، وهذا ما يعني أن الظاهرة مرتبطة بثقافة سلبية، تكونت لدى هذه الفئة، يساهم في ترسيخها المحيط الأسري، عندما يمارس على التلميذ ضغوطامن أجل الحصول على نتائج جيدة، دون توجيهتربوي للوسيلة المعتمدة في تحقيقها، وهو ما يدفعه إلى التفكير السلبي، والاعتقادبأن الغش هو أسهل طريقة وأقلها مجهودا لتحقيق الهدف..

من جهة أخرى، فإن الغش مرتبط بشكل وثيق بالقيم السائدة في المجتمع، وكلما وُجد مجتمع تسود فيه قيم تنبذ الغش، وتحاربه بقوانين صارمة، فإنهيكون محدودالانتشار، وبالمقابل كلما كانت تسود في المجتمع قيم سلبية، فإن نسب الغش تكون مرتفعة، وهكذا نجد في المجتمعاتالتي تسود فيهاالقيم والأخلاق الرفيعة، تقل فيها معدلات الغش، والعكس صحيح.. 

لذلك، لا يمكن فصل موضوع الغش في الامتحانات والاختبارات المدرسية والجامعية والمهنية، عن الغش المنتشر في المجتمعككل، حيث نجد أن المغرب أصبح يعاني من اتساع ظاهرة الغش بشكل خطير في جميع مناحي الحياة، وصار يشكل معضلة حقيقية عصية على الفهم والحل، في مجتمع محافظ له ثقافة وقيم ودين ينبذون الغش، بحيث لا يخل مجال من المجالات العامة أو الخاصة منه، وأصبحتجميع معاملاتنا التجارية والمدنية والإدارية مخترقة بهذا المرض الخبيث، مع العلم أن هناك نصوص دينية تحرم الغش، ومنها الحديث الشريف الذي يحفظه الجميع (مَن غشّنا فليس منّا) وفي رواية (مَن غشّ فليس منا)، والمقصود من الحديث هو أن المسلم الحقلا يغش مهما كانت الظروف، وإذا كان بين المسلمين من يغش، فهو ليس منهم وإن كان معهم، بمعنى يعتبر حالة شاذة ومعزولة،وذلك لحمل أفراد المجتمع على استشعار خطورة وشناعة جريمة الغش، ما يجعل صاحبها منبوذا ومرفوضا في المجتمع، ويدل على أنه في تلك الفترة من التاريخ الإسلامي كان الغش محدودا.

 أما في عصرنا الحالي، فقد تحول الغش إلىثقافة شائعة في المجتمع المغربي، وأصبح وسيلة للنجاح وللعمل وللكسب غير المشروع، وتُقدم له مبررات، وهناك من يدافع عن “شرعيته” ويعرض من الحجج والأعذار، ما أنزل الله بها من سلطان، أكثر من ذلك، أصبحنا نسمع عن أساتذة ومراقبين يتعرضون للتهديد وللعنف والسب والقذف، لأنهم منعوا التلاميذ من الغش، وهناك أسر وعائلات تشجع أبناءها عليه، حتى تحول لدينا الغش في المدارس هو القاعدة، والنزاهة هي الاستثناء.

وإذا كان الغش هو نتاج مجتمع، فإنه يزيد وينقص، بحسب ما يبذله المجتمع والدولة من جهود من أجل محاربته، وهذا ما يجرنا إلى الحديث عن وسائل الحد من تفاقمه في المجتمع، ويمكن أن نقسمهاإلى نوعين: وسائل وقائية ووسائل علاجية.

– الوسائل الوقائية: وتتمثل في التحسيس والتوعية في المؤسسات التعليمية وعبر وسائل الإعلام وداخل الأسرة، بخطورة الغش على الفرد والمجتمع، من حيث كونه يعطل القدرات والطاقات الفردية، في مجال التربية والتعليم، ويؤدي إلى نتائج كارثية على المجتمع، لأنه ينتج لنا نخبا وأطرا وشخصيات ضعيفة، تفتقد إلى الكفاءة والنزاهة،ويمكنها أن تلحق أضرارا بليغة بالمصلحة العامة، وقد يشكل خطورة على الصحة العامة عندما ينصبالغش على المعاملات التجارية الاستهلاكية..كما أنه لا بد من انخراط العلماء والخطباء والمرشدين في عملية التحسيس، من خلال الدعوة إلى نبذ الغش وبيانالحكم الشرعي منه.

– الوسائل العلاجية: تتجلى في سن القوانين الزاجرة للغش، وتفعيل القوانين الموجود منها بشكل حازم، لتحقيق الردع العام، من أجل الحد من استفحال الظاهرة، سواء في مجال التعليم أو في المعاملات التجارية والإدارية، وأنلا تقتصر حملات المراقبة والتفتيش على شهر رمضان، وإنما تستمر على طول العام.

وختاما، فإن من غشنا فهو منا، أي أنه يعكس ظاهرة موجودة في المجتمع، ومنتشرة في كل مجال، ولأننا نساهم بشكل أو بآخر في مساعدته على الغش، إما بالصمت أو غض الطرف أو التبرير أو التواطؤ أوبالتشجيع، عندما لا نتخذ التدابير الكافية، والإجراءات اللازمة لمنعه من الوقوع في الغش.