على إثر ارتفاع وثيرة الاحتجاجات التي تشهدها منطقة الريف وبعد الاعتقالات التعسفية الواسعة واتساع رقعة الاستنكار والاستياء لمناطق أخرى من المغرب ، وجراء الخنوع السياسي التي أبدتها الحكومة وتعاملها مع هذا الحراك بمقاربات أمنية صرفة وصلت حد شيطنة المحتجين وتسفيه حراكهم . تمخض عن كل هذا بعض المبادرات اعتبرتها بمثابة الحلول الناجعة لإيجاد حل لهذا الاحتقان الذي تعرفه منطقة الريف ، وتجلت هذه المبادرات في مناشدة الملك بالتدخل  ومنها من طالب بوساطة أسماء لها وزنها السياسي والحقوقي لإيجاد حلول لما يرونه خطرا محدقا بالبلاد ، وهناك من تعامل مع الحراك الريفي بخلفية مفادها أن الفرص قد خُلقت لتُغتنم على الفور ليُسارع الزمن لعل ذلك قد يساهم في صنع أمجاده وإظهاره بمظهر الوسيط السابر لأغوار المشكل. 

ماقد يتبادر للذهن في بداية الأمر وهو أن هذه المبادرات قد تم اتخاذها نتيجة إقرار بوضعية الإفلاس السياسي الذي وصلت إليه البلاد، و فشل الحكومة في تدبير هذه الأزمة واعتمادها على المقاربة الأمنية ومحاولات التسفيه والتي ساهمت بشكل كبير في تعميق الأزمة ، والشعور بمزيد من الظلم الاجتماعي والحكرة لدى ساكنة الريف ، كما أن حملات الاعتقال الواسعة والتهم الموجهة  لقيادات الحراك أعطت الانطباع بان هناك عودة إلى سنوات الجمر التي كانت فيها المحاضر تُدبّج بشتى أنواع التهم .

في نظري أن مثل هذه المبادرات ، ورغم أنني لست مرتابا ولا قائل إفْك في نواياها وخلفياتها ، فأظن أنها تفتقد لنوع من التبصر، و قد تجني في مسعاها  نتائج عكسية وتجهض ما يطمح إليه مجتمعنا في إرساء فصل حقيقي للسلطات ، ولكونها أيضا  إقرار ضمني بالاستئثار بالرأي والقرار في يد جهة واحدة ووحيدة وهو ما يشكل مساسا بتوازن السلط  ووأد للمؤسسات رغم كل المؤاخدات والمساوئ التي راكمتها في تعاطيها مع حراك الريف ، ذلك لأن التحكيم الملكي أضحى مقرونا بالمقتضيات الدستورية ولا يمكن اللجوء إليه أو طلبه في كل النزعات السياسية والحزبية والاجتماعية، والذي لا يمكن إلا أن يكرس هيمنة المؤسسة الملكية على الشأن السياسي . وبما أن هده المبادرات والرسائل الموجهة للملك لم ترى النور إلا بعد الاعتقالات الواسعة التي طالت ناشطي وناشطات الريف  فقد يبدو وكأنها قد اختزلت المسالة كلها في إطلاق سراح المعتقلين مع العلم على أن هذه المسالة  قد انضافت إلى قائمة المطالب لساكنة الريف ولكل المتضامنين والمتعاطفين مع الحراك.