1- المسيحون المغاربة

يلاحظ المراقب للخروج العلني لعدد من “الأقليات الدينية” في الفترة الأخيرة – خاصة المغاربة المعتنقين للديانة المسيحية أو الذين تشيعوا أو البهائيين، وتغاضي الدولةعن أنشطتهم، مؤشر على توجه رسمي لبداية الاعتراف بهذه الأقليات، والسماح لها بالعمل القانوني، لكن الدولة لا تريد الاستعجال في السماح لهذه الأقليات بالنشاط العلني، قبل أن تتأكد من حصول قابلية في المجتمع بخروجهم، وكما قال الاستاذ مصطفى السحيمي فإن توالي إشارات الدولة ترمي إلى إنضاج الموضوع تدريجيا، وهي وإن كانت تلتزم موقفا غامضا، لأنها تسمح لهم بالعمل في السر، ولا تعترف لهم بالنشاط العلني، فمتى ستفصح الدولة عن موقفها الواضح إزاء هذه الأقليات؟ وهل ستكون مجبرة على تعديل الدستور الذي ينص على إسلامية الدولة من أجل الإقرار بالحريات الدينية؟

إلى زمن قريب، ظل موضوع التنصير وتخلي مغاربة عن دينهم الإسلامي، والدخول إلى دين النصارى من المواضيع التي لا تطرح للنقاش، وعندما يثار الموضوع، يكون في مناسبات قليلة تتعلق بحملات التنصير(التبشير)، مثل ما وقع في عين اللوح عام 2010 عندما ضبطت السلطات أزيد من 20 مسيحيا أجنبيا يستغلون مؤسسة خيرية تسمى “قرية الأمل” (ملجأ للأيتام)، لاستقطاب أطفال ساكنة المنطقة إلى المسيحية، وكانت الدولة تتعامل بصرامة مع كل نشاط تنصيري بالمغرب يقوم به مسيحيون أجانب.

أما اليوم، فقد وقع تغيير جذري في تعامل الدولة مع التنصير، وأصبحت أكثر انفتاحا وتسامحا مع النشاط التنصيري المحلي، متخلية عن المقاربة الأمنية، لتستعيض عنها بالمقاربة الحقوقية، وذلك بفعل الضغوط التي تمارسها الدول والمنظمات المحلية والأجنبية من أجل الاعتراف بحقوق الأقلية المسيحية بالمغرب.

فبعد سماحها بعقد مؤتمر لحماية الأقليات الذي احتضنته مدينة مراكش العام الماضي، شكل يوم 3 ماي 2017 تاريخا فاصلا في تعامل الدولة مع قضية “الأقلية المسيحية”، وذلك إثر قيام المجلس الوطني لحقوق الإنسان باستقبال رسمي لممثلين عن مغاربة،اعتنقوا النصرانية بعد تخليهم عن الإسلام،وينشطونفي إطار ما يسمى “التنسيقية الوطنية للمغاربة المسيحيين”، وتم الاستماع إلى مطالبهم الخاصة، ثم بعد تعيين رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، قامت التنسيقية المذكورة بمراسلته، من أجل التعبير كما قالوا عن تمسكهم بمغربيتهم، ومتمسكين بتصريح ملكي اعتبر إمارة المؤمنين تشمل جميع المغاربةالمؤمنين على اختلاف ديانتهم.

وقع تغيير جذري في تعامل الدولة مع التنصير، وأصبحت أكثر انفتاحا وتسامحا مع النشاط التنصيري المحلي، متخلية عن المقاربة الأمنية، لتستعيض عنها بالمقاربة الحقوقية، وذلك بفعل الضغوط التي تمارسها الدول والمنظمات المحلية والأجنبية من أجل الاعتراف بحقوق الأقلية المسيحية بالمغرب.

وفي سياق التطورات التي يعرفها موقف الدولة من حرية الاعتقاد، أصدر المجلس العلمي الأعلى فتوى تنسخ الفتوى السابقة المتعلقة بحد الردة،ضمنها في وثيقة سماها “سبيل العلماء”، وأعطت معنىجديدا لمفهوم الردة، يرادفمعنى”الخيانة العظمى”في القوانين الوضعية، وتوجت هذه التحولاتبتنظيم يوم دراسيمؤخرا بعنوان “مؤمنون ومواطنون في عالم متغير” جمع بين المجلس البابوي لحوار الأديان التابع للفاتيكان، وأكاديمية المملكة انعقد بمقر هذه الأخيرة.

ولا ريب في أن هذا التحول الرسمي في التعاطي مع قضية الحرية الدينية عموما، فرضته عدة عوامل داخلية وخارجية، أما عن العوامل الداخلية،فإنها تتمثل في المطالبات المستمرةللمنظمات الحقوقية وبعض مؤسسات المجتمع المدني المحلية من أجل الاعتراف الرسمي بحرية المعتقد، إضافة إلى اتساع مجال الحريات الفردية في السنوات الأخيرة، وتزايد أعداد المغاربة المعتنقين للدين المسيحي،والذي تقدرهبعض المصادر بين 2000 و6000 مسيحي موزعين على مجموع التراب الوطني.

أما العوامل الخارجية،فتكمن في الضغوط التي تمارسها المنظمات والدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي تصدر خارجيتها تقارير سنوية عن الحريات الدينية في العالم، ومن ضمنها تقرير خاص عن المغرب،وهي في كل عام تنتقد طريقة تعامل الدولة مع المسيحيين المغاربة، وتدعي أنها تقوم بالتمييز بينهم وبين المغاربة المسلمين واليهود، وأنهم يتعرضون للتضييق من قبل السلطات، لأنها لا تسمح لهم بممارسة شعائرهم بشكل علني، وحسب تقرير صادر في 2013، يعترفبأن السلطات تحترم حق غالبية المواطنين في ممارسة شعائرهم الدينية، ” لكنها تمنعهممن الخروج عن الإسلام..”

ويلاحظ على هذه التقارير، أنها وإن كانت تتضن بعض المعطيات الصحيحة، إلا أنها تحتوي على كثير من المغالطات، وخاصة عندما تدعي أن هناك تضييق على ممارسة المسيحيين المغاربة لشعائرهم الدينية، والحقيقةأن الدولة تراقب أنشطتهم، دون أن تتدخل لمنعها أو اعتقال أصحابها، مع العلم أن ذلك يقع تحت طائلة القانون، لأن تلك الأنشطة في معظمها تدخل ضمن أعمال التنصير التي يعاقب عليها القانون الجنائي في مادته 220، كل من يستخدم وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم..والدليل على ذلك أنأشهر مسيحي مغربي تخلى عن إسلامهويسمى رشيد حمامي، ويعتبر نفسه الناطق باسم المسيحيين المغاربة في الخارج، ويقود حملات شرسة من أجل نشر المسيحية بالمغرب، دخل النصرانية وهو في سن صغيرة، بعد متابعته لبرامج لإحدى الإذاعات التنصيرية حسب ما صرح به في أحد البرامج التلفزية، واستطاع التأثير في اثنين من أخوته، فأخرجهم عن دين الإسلام إلى النصرانية، وهذا ما يؤكد أن الحملات “التبشيرية” في المغرب لا زالت مستمرة، من خلال استغلال صغر السن والفقر والهشاشة، لاستقطاب المغاربة المسلمين.

والمنظمات التنصيرية لا زالت تعمل بشكل سري بالمغرب، وخاصة في المناطق النائية وبالتحديد منطقة جبال الأطلس المتوسط،ويعود تاريخ نشاطها إلى الفترة الاستعمارية، ثم استمرت في عملها بعد الاستقلال تحت غطاء العمل الإنساني والخيري، من خلال إنشاء ملاجئ لإيواء أطفال المغاربة الفقراء، كما هو الشأن مع “قرية الأمل” بعين اللوح، والتي كانت تحتضن نشاطا تنصيريا لأكثر من 10 سنوات، يستهدف تلقين أطفال مغاربة معوزين الدين المسيحي، قبل أن يتم اكتشاف حقيقة نشاطهم وترحيلهم من قبل السلطات.

ولايجب الفصل والتمييز بين النشاط التنصيريالأجنبي والمحلي، بل إن كلاهما يشتغل بشكل منسق من أجل نشر النصرانية بين المغاربة المسلمين، ولا أدل على ذلك من أن كثير من المغاربة الذين ارتدوا عن الإسلام، كان بتأثير من نظرائهم المسيحيين، نظرا لسهولة التواصل معهم واستقطابهم، ومن المؤكد أن الانفتاح الذي أبدته الدولة أخيرا على الأقلية المسيحية المغربية، سيمنح المنظمات والجمعيات التنصيرية، المحلية والأجنبية، مجالا لتكثيف نشاطها بالبلاد، ليس فقط من أجل السماح للمسيحيين المغاربة بممارسة طقوسهم علانية، وتحقيق مطالبهم المتمثلة في ممارسة شعائرهم في الكنائس والزواج والتسمية والتعليم والدفن وفق تعاليم النصارى، وإنما من أجل الاعتراف الرسمي بقانونية نشاطها التنصيري في مرحلة لاحقة، وهذا ما سيكون النهاية الفعلية لوحدة العقيدة والمذهبداخل المجتمع، والتي كانت تعتبر تاريخيا أهم عوامل تماسكه.

فهل سيكونهذا التحول الجذري في تعامل الدولة مع الأقلية المسيحية المغربية، بداية الاعتراف الرسمي بشرعية نشاطها الشعائري والتنصيري؟ وهل سيشمل هذا الاعتراف كذلك المغاربة الشيعة والبهائيون؟