منذ انطلاق الشرارة الآولى لملحمة الحراك الريفي الأصيل، حاول النظام المخزني وبكل الوسائل جاهدا العمل على شيطنة الحراك  من أجل نزع الشرعية والمشروعية لاحقا عنه وتخوينه وكأنه حراك معادي للوطن وانفصالي يهدف إلى زرع الفتنة بين جميع مكونات الشعب المراكشي ، بل واتهامه بتلقي التمويل من التجارة الدولية للمخدرات. مرورا بالتخويف منه ومن العواقب الوخيمة التي يمكن أن يفضي إليها. بحيث كان يوحي أن الحراك سيؤدي بالمغرب إلى مصير مجهول قد يكون على شاكلة ما رأيناه من الفوضى في مصر والحرب الأهلية في ليبيا والإقتتال في اليمن والإرهاب في سوريا.

هذه الفزاعة موجهة للاستهلاك الداخلي وللمواطن المغربي من أجل تخويفه والتلويح له في الأفق بالمشاهد التي تبثها شبكة الجزيرة المتاجرة بماسي الشعوب والبشر، حيث نرى الخراب ومآسي الأطفال والنساء والعجزة وهم يرتحلون بدون مأوى قار لهم في بلدانهم أو بلدان الغير. أما بالنسبة للإستهلاك الخارجي فنلاحظ أن النظام المخزني محترس بعض الشيء في تسويق هذه الفزاعة . فهو لا يستطيع وبل لا يجرؤ على لعب ورقة الفوضى والحرب الأهلية والإرهاب. إنه يكتفي بالترويج للإنفصال والدعم الخارجي من أجل إقناع الشركاء الغربيين بأن الحراك شأن داخلي يتعلق بالمس بالأمن الداخلي للدولة والمؤسسة الملكية.

إن جماعة “الصدر الأعظم” الأمنية تخوف الشعب المراكشي من الفوضى وتقوم بالتهويل وكأن الحراك الريفي الشعبي سيؤدي إلى كارثة جهنمية بالنسبة لكل فئات ومكونات الشعب وبالتالي ضرورة استئصالها بالقمع والمقاربة الأمنية الحديدية،  مقابله  ترغب في نفس الوقت  الى طمأنة الشركاء الغربيين وتقدم الحراك وكأنه تمرد انفصالي يهدد المغرب كبلد مستقر وكدولة ذات مصداقية في المحافل الدولية يمكن أن يعول عليه الشركاء في محاربة الإرهاب، لانها تريد أن يشعروا بالارتياح لأن الوضع تحت السيطرة ولم يفلت بعد من قبضتها الأمنية . فلماذا ازدواجية الخطاب والكذب تجاه كل فئات الشعب المراكشي والغربيين إذن؟

كما يعرف الجميع،  حارب النظام المخزني الحراك الريفي  الشعبي منذ البداية ونعته بمختلف النعوت من انفصالي وفوضوي وإجرامي وهو لا يختلف في هذا المجال عما تقوم به الأنظمة الديكتاتورية في مواجهتها لتظاهرات المواطنين والحركات الحقوقية  ومن عادة الأنظمة الديكتاتورية أن تنعت معارضيها وكل المطالبين بالحريات والحقوق بالإرهابيين . لكن النظام المخزني وجماعى الصدر الأعضم الأمنية بوجه أخص، وهي المتحكمة في هرمية الدولة في المغرب ، لم توجه بعد وبصفة مباشرة تهمة الإرهاب للحراك الريفي الشعبي. فهل كان ذلك بسبب غياب وسائل الإثبات أم بسبب سلمية الحراك ؟. لا ، ليس هذا ولا ذاك .

إن جماعة “با حماد” تمتنع عن وسم الحراك بالإرهاب ليس لأن لها عقلية قانونية ولا تريد أن تتهم إلا بناء على وجود السند القانوني للتهمة. ذلك أن تهم الانفصال والتمويل الخارجي والمس بعلاقة المواطنين بالمؤسسات ليست ثابتة ولا تقوم على سند قانوني ومع ذلك تجرأت الجماعة ألأمنية على وضعها في صك الاتهام لمحاكمة نشطاء الحراك. أما فيما يخص سلمية الحراك ولاعنفيته المبدئية فليست هي الأخرى مبررا لتلك الجماعة لكي لا تتهمه بالإرهاب. ذلك أن سلمية الإحتجاج لا تمنعهم من وسمه بالإرهاب ولو اقتضى الحال أن تنسب لقادة الحراك أو طرف من المشاركين في الحراك أنهم يتحركون بناء على أفكار إرهابية. ولهذا فإن هذه الجماعة الأمنية واعية كامل الوعي أن إلصاق تهمة الإرهاب بالحراك الريفي الشعبي ستكون كذبا قصير الحبل، ليس لأسباب قانونية أو سياسية بل لأسباب استراتيجية.

إن الجماعة الأمنية لو أخرجت تهمة الإرهاب لتخشى أن تفقد مصداقيتها الدولية لاسيما وأنها هي التي عودت الشركاء الغربيين على إسماعهم كل أسبوع تقريبا سمفونية إلقاء القبض على شبكة إرهابية دولية في قرية صغيرة أو خلية إرهابية محلية في مدينة كبيرة في المغرب. وقد عودتنا هاته الجماعة في السنوات الأخيرة على خرجات إعلامية حول اعتقال إرهابيين في منطقة الريف الكبير قرب مليلية وسبتة وطنجة من أجل طمأنة إسبانيا وأوروبا أن المغرب ما زال يقوم بدوره وواجبه كدركي على الحدود الجنوبية لأوروبا . ولهذا فإن إلصاق تهمة الإرهاب بالحراك أو مجرد التلويح بها سيفقد المصداقية للجماعة  وأجهزتها كسد منيع ضد الإرهاب.

وهكذا سيضع اللعب على وتر أكذوبة اتهام الحراك الريفي  الشعبي بالإرهاب حدا لما يسمى ب ” الإستثناء المغربي في مجال محاربة الإرهاب”، جانب آخر في امتناع تلك  الأجهزة الأمنية ، والتي سينكشف كذبها في رمش عين، ألا وهو هوية الحراك وإطاره المرجعي، ولا نقول بكل إصرار وإلحاح إديولوجيته . ولنبدأ بتوضيح هذا الأمر. أولا وقبل كل شيء ليس الحراك الريفي  الشعبي حزبا سياسيا ولا حركة ثورية تتبنى إديولوجية معينة. إن حراك لا ينطلق من الناحية النظرية ومسبّقا من مفاهيم إديولوجية جاهزة مثل الماركسية والشيوعية والقومية العربية والإسلاموية كمرجعيته في العلم والعمل . أ

ما من ناحية الممارسة فليس الحراك  – كما حدده زعيمه الصنديد ناصر الزفزافي وهذا ما لم تفهمه جماعة الصدر الأعظم بعد بمفكريها الماركسيين سابقا وأجهزتها الأمنية – ليس من الحركات السياسية الجذرية والثورية التي شهدها القرن الماضي من ماركسية وإسلاموية وقومية ، والتي تريد استبدال نظام حكم بآخر من أجل إقرار “دكتاتورية البروليتاريا ” أو ” الحاكمية الإسلامية ” أو ” الدولة القومية”  أو ” دولة الجمهورية العسكرية”. فالحراك لا يمثل طبقة بالمعنى الماركسي  ولا أمة بالمعنى الإسلاموي ولا فئة إثنية أو عرقية بالمعنى الطائفي . كما أن ليس له مشروع جمهوري. 

إن الحراك لا ينطلق بتاتا من فكرة النزاع والصراع التقليدية بكل أبعاده الطبقية والدينية والإثنية والتي يكون فيه عنصران على طرفي نقيض  ينتصر فيها طرف واحد على الآخر ويقضي عليه . ان الحراك الريفي الشعبي صراع من أجل التضامن ومن أجل ضم الآخر ومن أجل التآلف. وبهذا المعنى فهو شعبي يضم كل الأطراف ولا يريد أن يلغي الدولة القائمة لكي يستبدلها بأخرى. 

الحراك إذن هو مجرد مبادئ وقيم يلتف حولها المدافعون عن الحرية والكرامة بالداخل والخارج وليس إديولوجية جاهزة .وهم يتحركون من أجلها في عالم لا يتقيد فيه الفاعلون بتوجيهات مكتب سياسي أو لجنة مركزية او هيئة تقريرية حزبية عليا مقرها الرباط كما هو الشأن بالنسبة للدكاكين السياسية . إن محرك الحراك أحرار وحرائر في الداخل والخارج مقتنعون بمبادئ الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان يدفعهم حقهم في الاحتجاج من أجل كسب حقوقهم الأخرى.

 الحراك حركة اجتماعية لريفيي الداخل والخارج بسيطة الفكرة والتركيب والتنظيم والهدف. إنهم ريفيي الداخل والشتات الذين سئموا من منتوجات صيدلية العهد الجديد التي تسوق نظريا العدالة والحرية والديموقراطية و الجهوية وغيرها من الشعارات وعمليا تبيع القهر والحكرة وكأنهما حرية وتقدم لنا السلطوية والتسلط وكأنهما ديموقراطية . إنه حراك لا يرفض المبادئ الكونية والقيم الإنسانية والحقوق الأساسية التي يتقاسمها الجميع والتي يتضمنها الدستور الرسمي نفسه..

ولهذا فالحراك ليس قصده الفوضى أو الإنقلاب أو الثورة أو القومية أو الجمهورية. إنه حراك من أجل إعادة ترتتيب العلاقات بين المواطن والدولة وإحقاق الحقوق ومن أجل إعادة تنظيم المؤسسات التي تسير البلاد. ولم يصل الحراك كما هو الآن ولن يصل قط إلى سقف المطالبة بسقوط النظام أو تغييره جذريا كما كانت شعارات السنوات الستين والسبعين والثمانين والتسعين من القرن الماضي.

إنه حراك لم يعد يلتف حول شعارات ” الثورة”. صحيح أن الحراك يخلخل بعض أسس النظام السياسي لكن لا يقدم نفسه للجماهير الشعبية وكأن له بديل ثوري آخر أو هو البديل بعين ذاته. إنه حراك يفكك الشعارات الفارغة ويزعزع المؤسسات القائمة على الزيف . إلا أنه لا يستغني عن المبادئ الحقيقية والمؤسسات الديمقراطية الأصيلة. إنه يرفض القشور غير أنه يتشبت بالكنه والجوهر. ولهذا فإن حركة اجتماعية من هذا النوع لن تنتج الإرهاب.

* انفصالي ريفي في نظر السلطات

لاهاي 2 يوليوز 2017