إن الحراك الريفي الشعبي ، حراك سلمي اجتماعي وليس له مشروع غير معلن مزعوم يقصي فئة من الفئات داخل المجتمع وليس بمشروع ثوري وهمي هدفه اغراء وبيع الأوهام للجماهيرالشعبية. كما أنه لا يحارب أعداء وهميين في الداخل أوالخارج . وكما قلنا في الحلقة السابقة إنه حراك ينبني على مبادئ كونية وقيم إنسانية تتأطر ضمن وثيقة واضحة وعلنية تسمى ” الملف الحقوقي” ذاك الملف الذي يريده ريفييوا الداخل وريفييوا الشتات أن تتحقق لا اقل ولا أكثر. إن الحراك الشعبي يتحرك في إطار الممكن واقعيا ودستوريا وليس في إطار يوطوبيا إديولوجية ماركسية أو إسلاموية أو جمهورية عسكرية أو لها علاقة بجرائم المهن الهامشية.

إنها حركة اجتماعية المطالب تسعى إلى الكرامة والعدالة والنزاهة وتقف في وجه الفساد. ولما كان النظام السياسي لجماعة الصدر الأعظم قائما على الفساد والاستبداد فمن البديهي أن يحاولوا خلخلة أركانه واعتبارالحراك “ثوريا” و”جذريا” و”خطيرا” على استقرار النظام التحكمي الذي أرسته جماعة العهد الجديد . وبقدر ما يدوم الحراك ستزيد خطورته على النظام المذكور ولن تتردد جماعة “با حماد” في أن تحوله إلى “حركة إرهابية”.

إن الحراك الشعبي في الريف والذي يتفاعل معه إيجابيا كل ريفيي الداخل والشتات بشكل خاص والشعب المراكشي بشكل عام، لا يشبه في أي وجه من الوجوه ما يسمى بالربيع العربي من حيث أهدافه ومحيطه ناهيك عن نتائجه. فالحراك الريفي الشعبي ببلاد الريف لا  يتفوه بالشعارات الفارغة حول “الرحيل” ولا يدعو إلى ” تطبيق الشريعة” أو” إقامة الدولة الإسلامية”  أو “إسقاط الطغاة” لأنه لا تتحكم فيه ” العلماء ورثة الأنبياء” مثل أبو شيماء وأمثاله من عدنان العرعور ويوسف القرضاوي الذين يدعون إلى “النفير للجهاد ضد الطغاة”  وأشعلوا شرارة العنف التي لن تنطفئ . كما أنه ليس مرتبطا بالقضايا القديمة من قومجية عربية ولا يمت بصلة إلى ما يسميه التيار الإسلاموي بـ “القضايا الكبرى والمصيرية للأمة الإسلامية”. إنه حراك شعبي اجتماعي حقوقي المطالب لا يحارب عدوا وهميا إسمه “الغرب الإمبريالي” أو “الصهيونية العالمية”  من أجل حاكمية أو خلافة إسلامية.

ولما كان الأمر كذلك، فمثلما أوصد الحراك الريفي الشعبي الباب على الدكاكين السياسية لكي لا تركبه بدعوى الديموقراطية، فإنه أوصد الباب أيضا على الحركات الإسلاموية وحال دون ركوبها إياه بدعوى تطبيق الشريعة ومحاربة الطغاة والكفار. وللتذكير فإن الاحتجاجات التي هزت مصر وسوريا واليمن وليبيا، والتي كانت أصلا ذات مطالب اجتماعية وديموقراطية سرعان ما انزلقت إلى العنف بسبب  الدعوات إلى النفير من أجل الجهاد المقدس، تلك الجماعات التي نعرف جيدا كيف سوقتها وحركتها المملكة العربية السعودية الامارات التي ساندت الحركات السلفية وقطر التي ساندت الإخوان المسلمين ليس لحبها في تحرر الشعوب بل لحساباتها الانتقامية القديمة من رموز أنظمة عسكر القومية العربية والرغبة في الإطاحة بأنظمتهم من أجل تعويضها بمشاريع إسلاموية وهمية.

فهل ستنجرف جماعة الصدر الأعظم مع حلفاءها الاستراتيجيين وأشقاءها في الشرق الأوسط إلى أسلمة الحراك الشعبي في الريف وأموراكوش وتحريك “علماء الأمة من أجل النفير إلى الجهاد”؟ وهل ستنجرف المملكة العربية السعودية ودول الخليج وقطر إلى تسليح الجماعت الإسلامية في المغرب؟ وضد من؟ ضد النظام المخزني المستبد؟ أم ضد الحراك الريفي الشعبي؟ وما بالك أنهم منشغلون بفتنهم والتنابز بالألقاب حول الجهاد والإرهاب الذي نظروا له اديولوجيا وساندوه ماليا منذ ما يزيد عن خمس وثلاثين سنة  وأصبح يقض مضاجعهم الآن!

عندما كان الزعيم الصنديد حرا طليقا فقد وجه رسالة إنذارية إلى السلفية وإلى داعميها من المملكة العربية السعودية ودول الخليج وقطر، قائلا: ” إن نساءنا وحرائرنا خط أحمر” متوجها بالإنذار إلى الشويخ الجاهل الجويهل المدعو أبو شيماء عندما كفر المتظاهرات المشاركات في الحراك الشعبي في الريف ووصفهن بالمتبرجات. وكان ذلك عندما فوجئت جماعة “با حماد” بالمشاركة الواسعة للفتيات والنساء في كل تظاهرات الحراك، بل بقيادتهن للتظاهرات. لقد نبّه ناصر الزفزافي الجماعة الفاسدة في الرباط وكذلك ألأظمة الفاسدة والمفسدة من السعودية ودول الخليج وقطر لكي يبتعدوا عن الريف باستثماراتهم المشبوهة لأننا في المغرب نعرف جيدا الوجه الآخر للإديولوجية السلفية والإسلاموية  والتطبيق الفعلي لأركان “التوحيد والحكم بما أنزل الله والإيمان والولاء والبراء وتطبيق الشريعة والحاكمية” وما يرتبط بكل ذلك من الجهاد الجنسي الذي تحج من أجله ساكنة السعودية ودول الخليج وقطر.!

إن الفتيات والنساء هن العمود الفقري للحراك الشعبي الريفي، ليس في سلميته فقط بل كذلك في مواجهة الاستبداد وكل أنواع الفساد الأخلاقي والإداري والسياسي. نعم، إن الفتيات والنساء والحرائر يخضن المعركة في الواجهة وهن ضمانة الحراك لكي لا ينزلق إلى التطرف والإقصاء والعنصرية وكراهية الغير والتمييز الجنسي. ولهذا فالحراك بقادته وقواعده لن ينزلق من ذاته إلى الإرهاب والتطرف.

إن ريفيوا الداخل والشتات والذين يشكلون القاعدة الشعبية للحراك لن ينجرفوا وراء خطابة أشباه المثقفين الثورية والخطب الدعوية الإسلاموية لأئمة الإرتزاق والتى تحث على الكراهية العرقية تجاه الشيعة واليهود والغرب الإمبريالي. فالمغاربة كلهم سنيون وليس لهم أية عداوة تجاه الشيعة . ناهيك عن أن الديانة الثانية في البلد هي اليهودية والتي ليست لمراكوشيي الداخل والخارج أية مشكلة معها ومع معتنقيها عبر المعمور أية مشكلة. أما الغرب “الإمبريالي” فهو الذين يعيش فيه ملايين من ريفيي الشتات والذي تتوقف معيشة الملايين على العلاقة به، وهو نفس الغرب الذي تمد شرائح كبيرة منه سواء على مستوى القيادة السياسية أو على مستوى منظمات المجتمع المدني اليد للحراك الشعبي في الريف لكي تسانده وتتضامن معه.

إن ” الغرب” هم أولئك المواطنون الأوروبيون أو الأمريكيون – غير المسلمين – الذين شاركوا في مظاهرات بروكسل وأمستردام ومدن إسبانية وفرنسية وإيطالية، وهم كذلك النواب البرلمانيون في الاتحاد الأروبي وبرلمانات الدول الأعضاء الذين شجبوا عنف جماعة “الصدر الأعظم”. إن مغاربة الخارج مواطنون أروبيون يعيشون في أحضان الغرب ومخلصون للأنظمة الديموقراطية والمبادئ الكونية للحرية والعدالة والكرامة ولن ينجرفوا وراء النفاق دول الفساد الأخلاقي والديني والسياسي في السعودية ودول الخليج وقطر وليسوا بحاجة إلى أئمة الجهاد ضد الكفار الغربيين وايقاظ الفتنة بين المسلمين. إن لريفيي الشتات وزن في الحراك يشكل قوة مضادة للتطرف والكراهية والإرهاب.

إن الحراك الشعبي في الريف بمبادئه وقواعده من الريفيين في الداخل والخارج استفادوا من الأوهام الوطنية والأحلام القومجية ومن الترهات الثورية الماركسية المحلية ومن السفسطة الإسلاموية والتي تعلن الحرب ضد أعداء طبقيين وقوميين وكافرين وهميين. إنهم واعون بمكاسبهم الضئيلة والنسبية من حريات فردية وجماعية وحقوق مدنية وديموقراطية في الاحتجاج السلمي وفي حرية التعبير ولن تفتنهم الاديولوجيات الغربية التقليدية والمرجعيات الإسلاموية الراهنة. هناك أرضية مطالب حقوقية يقبلها الجميع ويريد الحراك الشعبي في الريف وقواعده في الداخل والخارج أن تنتقل إلى التطبيق وأن يتم تحسين ما هو ناقص منها من أجل نظام ديموقراطي حقيقي وأصيل. ولهذا يجب على جماعة الصدر الأعظم أن تتوقف عن تجريم قادة الحراك الشعبي والمتظاهرين واللعب بورقة الفتنة والفوضى والإرهاب لأن الشركاء الغربيين سيدخلون قريبا على الخط إذا ما عجزت الجماعة على ضمان الاستقرار وحل نزاع سلمي بالسلمية.

إن ريفيوا الداخل والشتات وكذا من القوى الديموقراطية ( حكومات وشعوب) التي تنشد الحرية والكرامة يرون بأم أعينهم أن الجماعة الفاسدة هي التي تمارس إرهاب الدولة في حق مدنيين عزل يحتجون بطريق سلمية والتي مازالت لم تخرج حتى عن الإطار الدستوري الرسمي للبلاد. إن ما لا يستطيع العقل الأمني المخزني أن يستوعبه هو أن الحراك الشعبي لا يخرق القانون ولا يمس الدستور وليس انفصاليا ولا علاقة له بتمويلات مشبوهة من اي طرف ولا بإرهاب الجماعات الإسلاموية. وفي اللحظة التي ستبدأ هاته الجماعة في فهم الحراك ستفقد شرعيتها وتدرك أنها انتهت وحينذاك ستزيد من العنف وستكثفه وتوسع نطاقه لكي تنسبه على الحراك.

*انفصالي في نظر السلطات

لاهاي 5 يوليوز 2017