فى يوم الجمعة الفارط 21 من شهر يوليو الجاري 2017 مرّت الذكرى السادسة والتسعون لمعركة  “أنوال” التي شهدتها أراضي الريف الوريف فى مثل هذا التاريخ من عام 1921، حيث أبلى المجاهدون الأبرار، والشّهداء الأخيار البلاءَ الحَسَن، تغمّدهم الله تعالى بواسع رحمته ، وأنزل عليهم شآبيب مغفرته ورضوانه، وأسكنهم فسيح فراديسه وجنانه، وسجّلوا بحروف سرمدية واحدةً من أعظم المعارك الباسلة التي ما إنفكّ يتذكّرها ويتغنّى بها أحرار العالم فى مختلف أنحاء، وأرجاء، وأصقاع، وبقاع المعمور إلى اليوم  كملحمة من أبهر وأكبر الملاحم  الحربية التحرّرية الخالدة التي عرفها تاريخ المغرب المعاصر ضدّ المُستعمِر الغاشم ، والتي أذاقت إسبانيا وجيوشَها النظاميّة العرمرمة ، والآلافَ من جنودِها الذين تخرّجوا من أرقىَ المعاهد العسكرية والحربية الإسبانية العليا المُتخصّصة هزائمَ مُنكرة ،لم تعرفها إسبانيا فى تاريخها العسكري الطويل منذ ضياعها لكوبا فى الكرايب، حتى أصبحت  تُنعت هذه الملحمة فى سجلاّتهم التاريخية ، ويوميّاتهم العسكرية، وتقاريرهم الحربية الرّسمية، وكذا فى حديثهم اليومي المتواتر  ب: ” كارثة أنوال” !.

الكاتب المغربي الصّديق الإعلاميّ محمد بوندي( المتخصّص فى العلاقات الإسبانية المغربية) سبق له أن نشر مؤخّراً بهذه المناسبة بجريدة “بيريوديستاس” الإسبانية مقالاً  ضافياً رصيناً وموثّقاً عن  هذه المعركة  التاريخية ،حيث إستهلّ مقاله  بالإشارة بالحرف الواحد إلى : ” أنّ إسبانيا خلال هذه المعركة التي دارت رحاها فى 21 و22 يوليو من عام 1921 مُنيت بأكبر هزيمة عسكرية فى القرن العشرين ، والتي ظلّت مسجّلة فى الذاكرة الجماعية للإسبان  بإسم   (كارثة حرب الريف ) فى منطقة الحماية الإسبانية بشمال المغرب “. ويشير الكاتب فى نفس السياق :” أنّ الوجه الأكثر قساوةً، وضراوةً لهذا النزاع  يعود لعام 1919 عندما فقد الجيش الإسباني المبادرة فى ساحة الوغىَ، و تضعضعت أركانه فى ميدان الهيجىَ . وتوصف هذه الحرب فى كتب التاريخ، وفى اليوميّات، والتقارير الصحافيّة الإسبانية بأنّها الإختبار الأكثر جديّة ، والأكثر إيلاماً ، والأكثر فتكاً ،وبطشاً الذي تحمّله الإسبانُ على مَضَض منذ ضياع كوبا “.

فى مثل هذا اليوم الموعود، وفى مثل هذا التاريخ المشهود ،سُطِّرت  صفحةٌ نضالية رائعة تُضاف إلى الصّفحات البطولية الأخرى الماجدة التي عرفتها مختلف رُبُوع وأصْقاع الوطن الغالي فى تاريخه المعاصر وعلى إمتداد ماضيه المجيد الحافل

 إستذكاراً ، وإستحضاراً وتخليداً لهذه المعركة الخالدة التي أعطى  فيها وخلالها المجاهدون الصّناديد، والشّهداء الأبطال رحمهم الله تعالى جميعاً النّفسَ والنّفيسَ، من أجل صَوْن كرامة المغرب ، وشهامته، وشرفه، ونخوته ببسالة، وشهامة، وشجاعة منقطعة النّظير ضدّ المستعمِر الدخيل ، والتي سَمَتْ بأهل الرّيف، وبالمغاربة الأحرار قاطبةً إلى أعلىَ مراتب العزّة ، وأنزلتهم أسمىَ منازل المجد، وبوّأتهم أرقىَ مقامات السّؤدد والخلود، وعلى الرّغم من النأي عن  الوطن  الغالي، والبُعد عن المَزار، والتغرّب عن الأهل والأحبّة والدّيار، فاضت القريحة ، وجاد العقلُ، والقلبُ، والرّوحُ، والوجدُ، والوجدانُ، والِلسانُ ، والجَنانُ، بهذه الإفصاحات التلقائية، والإجهاشات الإستكناهية، والإستبطانات الجوّانية ،أو بهذا الدّفق العفوي ، أو التداعي التلقائي المتنامي ، فقلت :

تَعَالىَ بناءُ المجدِ بالكوكب الدُّرّيّ 

وأنوارُ شمسِ اللّه أشعتّ مع الفَجْرِ

تَعَالىَ حِمَى الإيمانِ والبأس والهُدَى

وقوّةُ جأشٍ دونها قوّة الذَرِّ

أبطالٌ ب”أنوال” جاشتْ نفُوسُهُم

فأصبحُوا نورَ التّربِ والمِسكَ للقبرِ

فهامتْ عقولٌ كانتْ بالأمسِ رُشدَها

وزاغتْ عيونٌ دمعُها لجّةُ البَّحرِ

أشاوسُ طابتْ لكمُ الشّهادةُ والعُلَى

وإسمُكم على كلِّ لسانٍ بها يَسْرِى

لقد هبّ الرّيفيّون عن بكرة أبيهمُ

وحلّت على الأعداءِ قاصِمَةُ الظّهرِ

وَكَالطّيرِ مَقصُوصِ الجَناحْينِ فإرْتَمَى

على الصّخرِ منهوكاً تحطّم بالكسْرِ

كأنّ لدَى إستشهادكُمْ يا نخوةَ أَرْضِنَا

جُسُومٌ بِلاَ رأسٍ أيادٍ على البَّترِ

أبناءَ الأماجدِ والأفاضلِ والحِجَى

أحفادَ المَكَارِمِ والمَيامِين والفَخْرِ

كلُّ المداشرِ والعشائرِ اليوم تحتفى

ببسالتكم دَوْماً من نَصْرٍ إلى نصرِ

فخرَ الأمازيغ والصّناديدِ والنُّهَى

مجدَ المَعالي والنّدَى وغُرّة الدّهرِ

أساسُ نضالكمْ فرقانٌ وشهادةٌ

وذِكْرُكُمُ للّه فى السِرِّ وفى الجَّهْرِ

شجاعتكمْ فى القلوبِ لنا تميمةٌ

وحبّكم فَاضَ من حيث أدْرِى وَلاَ أدْرِىِ

هذا “أَجْديرُ” قد ألقىَ إليكمْ بسَمْعِهِ

وذِكْرُكُمُ فى كلِّ رياضٍ به يَجريِ

عَجَباً أنْ يُرَوَّعَ الرُّومِيُّ (**) ويَنْثني

تحت أَقْدَامِكُم وإِقْدَامِكُم سَاعَةَ الظّفرِ

طلائعُ البِّشْر تهفو إليكمْ بمُزنِها

وذكراكمُ فى كلِّ ركنٍ عاطرةِ الذّكرِ

“حُشْدٌ علىَ الحقِّ عيّافُو الخَنَا أنُفٌ ” 

مع كلِّ طلعةِ شمسٍ أو قمَرٍ أو بَدْرِ

أنوالُ يا مَعْقِلَ البطولات بأسرها

أدواحُكِ الفيحاءُ دائمةُ النّضْر .

ففى مثل هذا اليوم الموعود، وفى مثل هذا التاريخ المشهود ،سُطِّرت  صفحةٌ نضالية رائعة تُضاف إلى الصّفحات البطولية الأخرى الماجدة التي عرفتها مختلف رُبُوع وأصْقاع الوطن الغالي فى تاريخه المعاصر وعلى إمتداد ماضيه المجيد الحافل، ممثّلةً فى الحرب التحرّرية، أو الملحمة الرّيفيّة الخالدة التي لم تُطْوَ أصداؤها ، ولن تمّحي أبعادُها، ولن تُبلىَ أمجادُها إلى اليوم، وبهذه المناسبة نتضرّع إلى المولى جلّ وَعَلاَ ليشملَ كافةَ مجاهدينا الأشاوسَ الأبرار، وشهداءَنا الميامينَ الأخيار برحمته الواسعة، وأن يُسكنهم اللّهُ تعالى فسيحَ فراديسه، وجنانه، وأن يُمطر عليهم شآبيبَ رحمته ورضوانه، ومن بينهم أذكر فى هذا المقام ( جدَّنا الأبرّ من والدنا المُنعّم تغمّدهما اللهُ تعالى بواسع رحمته ) المجاهد “مُوحْ نَ سِّي أحمد الورياغلي الأجديري الرّيفي خطّابي” شهيد هذه المعركة الباسلة إلى جانب العديد من الشّهداء الميامين، والأبطال الصّناديد الآخرين – وما أكثرهم –  تغمّدهم المولى جلّ وعلا جميعاً بواسع رحمته ، وأمطر عليهم شآبيبَ رضوانه، وغفرانه ، وأنزلهم اللهمّ منازلَ الصدّيقين والشّهداء والصّالحين، وحسن أولئك رفيقاً . وكان ذلك فى يوم الأربعاء 21 من شهر يوليو1921، وهوتاريخ وقوع هذه المعركة الفاصلة أيّ منذ 96 سنة خلت.                                                   .                    

****************************************************************

   **- “الرُّوميّ” أو ذَارُوميِ ، هو الإسمُ أو النّعتُ الذي كان  يطلقه أهلُ الرّيف على الإسبان،أو على الأجنبيّ بشكل عام، وواضحٌ أنّ هذا الإسم يعود للرّوم منذ وجود الإمبراطورية الرومانية قبل الفتح الإسلامي بشمال إفريقيا، وجَمْعُه ”  إِيرُومِييّن”.