قد يقول قائل ما علاقة الشاعر المتنبي بالريف وحراك الريف؟

العلاقة في نظر كاتب هذه السطور هي بيت شعري كله حكمة قاله الشاعر منذ أكثر من ألف عام:

لا يَسلَمُ الشّرَفُ الرّفيعُ منَ الأذى  :  حتى يُرَاقَ عَلى جَوَانِبِهِ الدّمُ

ومضمون البيت  أن الكرامة  الإنسانية سلعة نفيسة جدا ولها ثمن غالي هو دم الشهداء.

وها هي هذه النبوءة تتحقق في الريف بعد أن استشهد صباح اليوم الشاب عماد العتابي رحمه الله متأثرا بجراحه بعد أن انهالت على رأسه هراوات  القمع البوليسي يوم 20 يوليوز الماضي في مدينة الحسيمة ليلتحق بالشهيد الأول محسن فكري رحمه الله ، والذي أشعل موته بطريقة وحشية شرارة انتفاضة الريف المستمرة إلى الآن.

بماذا يطالب المواطنون الذين يحتجون في الريف و في كل أرياف المغرب وحواضره ؟ إنهم يطالبون أولا وقبل كل شيئ باحترام كرامتهم البشرية وبإسقاط منظومة الفساد … علما أن كل تجليات الفساد فيها  انتهاك لكرامة الناس.

أما المقاربة الأمنية فما هي إلا سلاح من لا سلاح له لأنه لا يؤمن بثقافة الحوار والإنصات، بل لا يعرف معنى الثقافة أصلا  ولا يفتح كتابا أبدا ولا يعرف من هو المتنبي وما هي مكانة شعر المتنبي في التراث الثقافي الإنساني ، بل لا يعرف ولا  يؤمن  إلا بالهراوة والعنف واحتقار كرامة الإنسان وإنسانيته ويعتقد أنه بإمكانه إخضاع الناس جميعا لسلطته لأنه ابتعد عن كل المشاعر النبيلة ولم تبق له مثقال ذرة من أخلاق، ما عدا أخلاق الأوغاد..

وهنا أحيل القارئ على مقال نشره بعد عيد الفطر الماضي الأستاذ حسن أوريد وعنونه  ببيت شعري للمتنبي أيضا:”عيد بأية حال عدت يا عيد”  للتعبير عن استنكاره الشديد  لتعنيف المواطنين في الحسيمة يوم العيد، فوصف من هم اليوم في بلادنا مؤتمنون على الشأن العام بقوله: “… ومن هو مؤتمن على الشأن العام وغدٌ (أو دين الكلب)..”.

توفي إذن الشاب عماد رحمه الله برحمته الواسعة ، ومن يدرى فقد يلتحق به شهداء آخرون وشهيدات أخريات في مقبل الأيام والأسابيع بعد أن كشرت السلطة عن أنيابها وأخبرتنا بلا تردد أن منهجها المقدس في التعامل مع المواطنين هو المقاربة الأمنية فقط  بل أخبرتنا أن من ينتقد المقاربة الأمنية  يروِّج لأطروحة متجاوَزة يستغلها كرصيد للاسترزاق، وكلامه ليست له أي مصداقية.

ولكن مهما كان الثمن الذي سيدفعه الشعب المغربي من أجل كرامته فإن حبل الكذب قصير بل قصير جدا ولا يصح إلا الصحيح ودروس التاريخ تعلمنا أنه لا بد أن تنتصر إرادة الصمود والكرامة على إرادة الفساد وعلى منهج الأوغاد والفاشلين.

لقد سُميَت العشر سنين الممتدة بين عام 2000 و عام 2010 عُشرية  التعليم  بقرار من أعلى سلطة في البلاد. ولذلك ربما يجب أن نسمي العشرية الموالية من 2011 الى 2020 التي قاربت نهايتها عُشرية الفساد و الفشل.. الفساد والفشل في كل المجالات..التعليم والثقافة والرياضة والصحة والسياسة والأمن والتنمية البشرية وفي ملف الصحراء وفي الدبلوماسية وفي صياغة الدستور وفي مجال الحريات وإرساء الديمقراطية.  

وما انتفاضة الريف إلا تعبير عن رفض تراكم الفشل في كل المجالات … وحده الفشل لم يفشل ووحده الفساد بقي صامدا واقفا متوهما أنه لا يُقهر ولكن هبهات هيهات فسنن التاريخ لا تستثني أحدا  و هي ماضية على هدى منطقها ولن تتوقف.

 ورحم الله كل شهداء الكرامة و أسكنهم الفردوس الأعلى.

اللهم أمين.