
كل هذا سيعجل حتما بالخراب

إلى روح عماد العتابي و بنعيسى آيت الجيد و كل شهداء الوطن.
آراء أخرى
ما وقع من فعل مشين، بحافلة من حافلات الدارالبيضاء، على يد شباب غفل، وقع مثله أو أكثر قبل عامين، في مكان مغربي عمومي، حيث تم اغتصاب شابة بشكل جماعي و تم تصويرها أيضا و تعميم فيديو الاغتصاب إمعانا في إذلالها، وقتها صرخ من صرخ و كتب من كتب و أدان من يعرف الخروج في الوقت الميت والركوب على الأمواج العاتية للبحار و المستنقعات العفنة، بعد ذلك، غابت عنا التفاصيل و المعطيات و ما كان من أمر الجناة حيث تم إقبار الملف نهائيا… نفس الشيء، وربما أكثر، سيقع مستقبلا و سيتكرر التنديد من جهابذة الفضاءات الزرقاء و الحمراء والصفراء وكل الألوان النضالية، و ستمر الأمور بآلف سلام كأن شيئا لم يقع ..
المصيبة التي وقعت بالحافلة، نتحمل مسؤوليتها جميعا، نعم جميعا، أفراد و مجتمع، الكل يدين، لكن لا أحد رفع عقيرته بنقد الذات، قبل إدانة منحرفين صبيان، ومجتمع هلامي فقد مقوماته الإنسانية و الحضارية، نعم، نقد الذات و التأمل في المسارات الشخصية لكل واحد منا كفيل بأن نكتشف كم نحن مساهمون في ما وقع و سيقع..
ها أنذا اليوم أتابع و اقرأ بحسرة لكتاب و فنانين و رجالات السياسة و القانون و الناس العاديين..، الجميع و بصوت واحد موحد، يتحدث عن التردي المجتمعي و يتنبأ بالأسوأ، لكن لا أحد تقريبا، يتحدث عن دوره في هذا التردي و مساهماته من موقعه كمواطن سلبي غير فاعل، بمعنى: إلى أي حد يساهم من موقعه، في تطوير قيم مجتمعه، و يقوم بما يمكن أن يطور البلد و يرفع رايته عاليا؟؟؟.
المواطن الذي يخلص لعمله و وطنه و دينه (إن كان له دين)، و يواجه الانحرافات المجتمعية بوعي بناء، وعي يعطي الأولوية لمصلحة الوطن، قبل البحث عن مصلحة الذات و الأسرة و القبيلة و العشيرة
أعرف، و يعرف الكل، أننا شعب متخلف، ودلالات ذلك كثيرة، يكفي أن أشير هنا لواحدة منها لها في اعتقادي دلالات كبيرة، و هي مسألة ارتياد المراحيض العمومية، حيث يندر أن تجد أحدا من مواطنينا الكرام، اللهم قلة قليلة، من يحرص على صب الماء بعد قضاء حاجته..
كيف يمكن لمواطن لا يمسح آثار زبالته و نتون رائحته، أن يلتفت لزبالات المجتمع و يساهم في تنظيفه، من خلال اعتبار ما يقع في الشارع العام، يعنيه بشكل مباشر، لأن الشارع بيته الكبير، قبل أن يعود لبيته الصغير، ويحرص على تغييره بشكل حضاري و متحضر.. ثم كيف لموظف يدعي انه خارج للصلاة و يترك حوائج الناس دون قضاء، ثم كيف لمبدع يحصل على مال لصناعة عمل إبداعي فيبذره في ماهو شخصي ، و مسؤول صوت عليه الناس لتسيير أمورهم فيتركهم، و يترك كرسيه في البرلمان فارغا و صوته عند الحاجة أخرسا ..
المواطن البسيط لا أحمله وحده مسؤولية ما يجري و يدور من غرائب الأمور، بل أحملها بشكل مباشر و واضح لبعض أو جل جهابذتنا الكبار، لأنهم مرجع الشر و البلاء، و سبب ما يسري في أوصال المجتمع من نفور و فساد، فساد يجد طريقه سالكة في تدني الأخلاق، و يمر عبر الشعبوية القاتلة الكاسحة، شعبوية تم التكريس لها و جعلها شعارا للمرحلة، منذ أن تم تنصيب حكومة و وزير أول، جاء حاملا في يد قرارات لم تستطع الحكومات السابقة تمريرها، ويد ثانية حاملة المصباح ( اللامبة )، مصباح أنار له و لشلته طرق الفلاح و السداد و النجاح، بينما لم ينر لنا نحن المواطنون البسطاء، مسافة أو مساحة شبر من هذا الوطن، حكومة بوزير شعبوي حتى النخاع، ساهم رفقة أتباعه و من موقعه السياسي، في جعل كل أطياف المجتمع تصفق لما لا يصفق له، و تؤمن بإنجازات عجلت بانهيار مكاسب اقتصادية و مجتمعية و أخلاقية، ناضل من أجلها الشعب لسنوات طويلة، وزير أول يصرخ أكثر مما يشتغل، و يقدم أمثالا شعبية فجة، تحت قبة البرلمان أو في الحوارات الصحفية المضحكة، يتحدث عن الثريات و ثمن الفاكهة و العفاريت و التماسيح و القوى المسلطة عليه، دون إيراد معطيات عقلانية أو تقديم حلول عملية. هذا الوزير ما هو إلا نسخة صادقة/ مطابقة لكل وزير تحمل المسؤولية في حكومته، مثلما هو صورة لأغلب مثقفي و سياسيي هذا البلد، و إلا كيف نجد فنانين و كتابا ، و على غرار بنكيران، يغرقون مواقعنا الاجتماعية بخلبطات و خربشات يومية، تكرس صورة وقحة عن مستوى فنانينا و أدبائنا و رجالات أعمالنا.. سياسيون و مناضلون يأخذون صورا تؤرخ لما يقومون بتقديمه من أفعال ” خيرية ” و يوزعون الأموال على عينيك ابن عدي، تحت شعار: شوفوني كاندير الخير ، و مثقفون و فنانون يصرحون و يصرخون و يخرجون للتظاهر و كاميرات مخدومة مدفوعة الأجر تتبعهم، تسييرا لشعار: شوفوني، أنا مثقف فنان و مناضل ..
السياسي الحق هو من يقوم ما يقوم به كواجب و ليس كفعل خير، و المناضل هو من يناضل دون أن نعرف أنه كان في هذه التظاهرة أو تلك الوقفة أو خرج أو دخل..
الغريب في الأمر، أننا أصبنا وأبتلينا بكائنات سياسية و نضالية و نقابية و ثقافية مشوهة المبدأ و التفكير، كائنات لا تعرف رسم الحدود بين الذاتي و الموضوعي. بعضها لا يضع الحدود بين الجهوي و الوطني و الأممي، بل منهم ركب و يركب على ما يقع في بعض الجهات المغربية ( الريف مثلا) من تحركات و هبات و مواقف نضالية، لتصريف حقده أو البحث عن مسرب نحو مجد التفوق و الوهم، و في كثير من الأحيان تبرز جهله الفاقع بظروف المرحلة و المنطقة التي لا تختلف عن باقي جهات و مناطق الوطن في الحكرة و انعدام فرص الشغل و التعليم و العدالة و التمريض، بل منهم من يمارس دون حياء، سياسة الابتزاز و لي الذراع بالاختباء وراء منظمات و لوبيات عالمية، بعضها استعماري معروف بخططه وتوجهاته الإمبريالية و خدمتها لجهات معادية لوحدة المغرب… الأكثر من كل ذلك، أغلب هؤلاء ” المناضلون المكافحون ” على الواجهات الزرقاء و في الأقبية المشبوهة الكحلاء، يتوفرون على جنسيات بلدان أوروبية و غربية أخرى، بمعنى أنهم مناضلون بالوكالة و من داخل غرف الفنادق المكيفة، مناضلون يعلمون جيدا أنهم في منأى عن الخطر و لن ينالهم ما يمكن أن ينال مناضلو الداخل من اعتقال أو ترهيب و انتقام.. مناضلون نطالبهم، إن كانوا صادقين، بالتخلي عن جنسياتهم الأجنبية، و العودة للوطن كي يتساووا مع الجميع في القهر والمعاناة و تحمل عناء البشر القبيح المسلط علينا، و إلا فالصمت حكمة و منه تفرقت كل الحكم ..
مسألة حمل جنسية ثانية والركوب عليها للظهور بمظهر البطل المنافح عن قضايانا الوطنية، لا تختلف، في اعتقادي المتواضع، عمن يحمل جنسية أخرى و هو يمارس السياسة من داخل مؤسسات حزبية مغربية مفبركة و يتظاهر أنه من محبي هذا البلد و العرش، حيث نجد أن اغلب سياسيينا أصحاب ” المواقف ” الصلبة الخادمة ” للوطن، وزراء و مدراء مؤسسات اقتصادية و قانونية و سياسية مهمة، لا يربطهم بوطنهم الأم إلا ما يربحونه و يجنونه من مكاسب لهم و لعائلاتهم، أما إذا زلزلت الأرض زلزالها، فحتما سيهربون نحو أوطانهم المستقبلة / المانحة لهم جنسيات ” محترمة ” يختبؤون وراءها وقت الشدة، إنهم مغاربة نص نص، و لن يكونوا مغاربة حقيقيين، حتى يتخلوا عن جوازات سفرهم الأوروبية و الأمريكية و الكندية، و يحملوا و إيانا الجواز الأخضر الذي نهان بسببه في المطارات و الموانئ و الحدود الدولية ..
تحميل المسؤولية للسياسي و المثقف و مناضل الداخل و الخارج و كل أفراد و أطياف المجتمع، لا تعني أن الدولة المغربية و أعلى سلطة بها، و كما يريد بعض دهاقنة ” لحيس الكابة ” تمريره و إقناعنا به، في خطاباتهم الممجوجة و خرجاتهم المدفوعة على قنوات تلفزية مشبوهة، بل نقول أن الدولة ( المخزن) كانت و لازالت هي المسؤول الأول، عما وقع و سيقع، لأن سياسة تخريب المجتمع و تحويله مواطنيه إلى مجرد قطيع بكل هذه الأشكال المذكورة أعلاه، بدأت و تواصلت على يده، منذ منتصف سنوات الستينات من القرن الماضي، و ربما منذ توقيع معاهدة إيكس ليبان الناقصة (المعاهدة التي اسماها شهيد الوطن المهدي بنبركة بالخطأ القاتل )، و ما تلاها من قرارات سياسية كسيحة، قرارات كانت تصب كلها في ضرورة حماية كرسي و عرش و عائلة محاطة بعائلات ريعية رخوة، و لو على حساب حقائق التاريخ و كسر أنفة مجتمع و مصالحه المشروعة.. مجتمع تعرض للتزييف و الترييف و الترهيب و ضرب قواه الحية بيد من حديد، ضرب و سلطة مطلقة خربت البلاد و العباد، أشياء ما كانت لتقع لولا السياسة الداخلية القاهرة الكاتمة للأنفاس، و السياسة الخارجية التي أنزلت السروال المغربي و منحت المؤخرة للغرب، و سمحت له بالدخول و الخروج و التطاول في كثير من الأحيان على شؤوننا الداخلية و مصالحنا و سيادة وطننا، السيادة الواقعية منها و الرمزية..
كل ذلك كي لا يدين هذا الغرب و جمعياته الحقوقية و السياسية، التجاوزات الفاقعة، في حق المختطفين و المعتقلين و المنفيين من أبناء المغرب الشرفاء، مثلما تم تخريب التعليم و تحويل المدرسة العمومية إلى حظائر حيوانية تخرج سنويا آلاف الأميين و الجهلة، من خلال تجاهل البنيات التحتية و التلاعب في المقررات المدرسية و تشويه صورة المدرس بإبداع عشرات النكت التي تحط من قيمته و هيبته، مع التضييق عليه و على دوره التنويري الفاعل في تكريس قيم الجودة و نشر نور المعرفة الحقة، هذا دون نسيان محاربة الفنون و تحريم تدريس الفلسفة في مقابل تفريخ شعب إسلاموية فجة، أنجبت عتاة الجهلة و الإرهابيين و مناصري كتب ” عذاب القبر ” و ” الحبة السوداء داء لكل دواء”.
تخريب التعليم كان المدخل الأساس لكي ينهار كل شيء، فتتراجع قيم العلم و المعرفة ( بلد ب 34 مليون نسمة لا يتوفر إلا على 37 قاعة سينمائية و بضعة مسارح موزعة بالأساس على المدن الكبرى، و قلة قليلة من المكتبات العمومية.. تصوروا معي مجتمعا لا يقرأ افراده أكثر من دقيقتين في السنة كيف سيكون مستواه الثقافي و الفني،..)، و هجمة ” أطر ” فكرية و فنية و نقابية مزيفة على العمل الثقافي و الفني و النقابي، و تفريخ مئات الجمعيات و المنظمات و المؤسسات، بدءا من جمعيات السهول و الوديان لسنوات الثمانينات، وصولا للمرحلة الحالية، حيث تشتيت ما تبقى من الجمعيات الفكرية الجادة و المنظمات التنويرية المقاومة، و ذلك من خلال التضييق بشكل ممنهج على كل روح متمردة ساعية للخروج عن المألوف و الإبداع و الخلق في الاتجاه المخالف و بناء رؤى وطنية فاعلة..، كل ذلك تم مع فتح الباب لقوى الظلام القادمة من ممالك و مدن الملح، التي نجحت بمباركة الدولة في خونجة المجتمع و جعله مجتمعا يفكر فيما بعد الموت، متناسيا بشكل نهائي معاني الفرح و الحياة و يحارب كل نسمة هواء نقية ..
لقد دخلنا النفق المظلم مع هذه القوى، و ازداد النفق ظلاما بتغيير يساريي بلدنا لملابسهم الداخلية و اصطفافهم جانب الكومبرادور و أصحاب المال، و هروب مثقفينا و فنانينا، و ترك الساحة خالية، اللهم لمن يعرف كيف يجلس مع السادة و يطبل لسياساتهم الفاسدة الفارغة، و عندما يحرم أو تقلب موازين القوة حسب كل مرحلة، يغير الجلباب و يصعد للجبل حاملا بندقية السب و الشتم و تخوين الشرفاء و التظاهر بمظهر الوفاء لقيم الشعب و الفن و الأدب .
واقع هلامي أصبحنا نحياه، مع ضحالة قوانا السياسية و الثقافية، و استقالة كل قوانا الحية الوطنية، و سوء تقدير سلطاتنا العليا لما يتهدد بلدنا من مصائب و مخاطر..، كل هذا سيعجل حتما بالخراب، إذا لم نتدارك الأمر، قبل فوات الأوان ..
واقف أنا….
لا علاقة لي غير أني طفحت من الحزن
صارت عيوني ترى من قفاها
وقد جئت أمسح وجه الشواطئ من عرق الطلق
فالأمهات يعانين طلقا عظيما بميتة أبنائهن
وتصبح روحي ساعة أمن
وينزل فيها الفراغ البطيء
أنا خائف في شبابيك هذا الخراب
عواء لطفل يشجعني أن أرى أي وجه لنا في الحضارة
أعوي أنا
فالعواء يوازن هذا الخراب. ( مظفر نواب- قصيدة من بيروت )
وكل عام و المغرب بألف خير إذا ما رفع عنه الأوباش أياديهم المتصلبة الممسوخة و عم نور العلم و المحبة.