حراك الريف: ردود الأحزاب على الخطاب الملكي
تنبيه: الحقل السياسي و تفاعلاته العميقة، لا يجب أن يكون بمثابة الشجرة التي تغطي الغابة، غابة حراك الريف.
آراء أخرى
تباينت ردود الأحزاب السياسية تجاه خطاب العرش لـ29 يوليوز 2017 شكلا ومضمونا، و ذلك باختلاف موقع هذه الأحزاب داخل الحقل السياسي و بحسب درجة استقلاليتها. فمن حيث الشكل، اتخذت هذه المواقف صيغة بيانات أو خطب أو تصريحات صحفية، بل حتى شكل مقالة رأي أو تدوينة على الفيسبوك. أما من حيث المضمون، فقد تراوحت هذه الردود بين جرأة النقد و بين التمجيد و نقد التمجيد.
2-جرأة نقد
هذه الخاصية انفردت بها ردود القوى السياسية الممانعة ممثلة في حزب النهج الديمقراطي و أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي و جماعة العدل و الإحسان. ومن بين هذه المواقف النقدية تجاه خطاب 29 يوليوز، يعتبر موقف النهج الديمقراطي، غير المسبوق في الحياة السياسية المغربية، أكثرها جرأة على الإطلاق.
ففي دورتها العادية ليوم 30 يوليوز 2017 تدارست الكتابة الوطنية لهذا الحزب أبرز المستجدات الوطنية و استخلصت منها أهم توجهات الدولة السياسية والاقتصادية و الاجتماعية. فسياسيا يلاحَظ “التوجه نحو المزيد من الاستبداد بالسلطة والحكم الفردي المطلق وإلقاء المسؤولية في ما آلت إليه أوضاع البلاد على الأحزاب السياسية، مع أن المخزن هو من أشرف على تفريخ العديد من الأحزاب المرتبطة به […]”. كما يذهب البيان إلى أنه يُسجَّل”الإمعان في المقاربة القمعية لاحتجاجات الجماهير الشعبية، و إقامة ما يمكن تسميته بالدولة البوليسية[…]”. و هذا الاستنتاج هو بمثابة رد على الخطاب الملكي الذي ينفي أي وجود للمقاربة الأمنية.
أما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فيلاحَظ ” التوغل في الليبرالية المتوحشة من خلال تمجيد القطاع الخاص وفضائله مقابل تبخيس دور وأهمية القطاع العمومي والعاملين به، خاصة الموظفين/ت”. هذه الفقرة من البيان تنتقد الخطاب الملكي الذي يشيد بالقطاع الخاص و يُقرِّع القطاع العام و العاملين فيه من أطر و موظفين. بعد نقده لهذه التوجهات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية الرسمية، يخلص البيان إلى القول “إن ما سبق يؤشر على انهيار ديمقراطية الواجهة، وأن المخزن يوجد في مأزق كبير وما من حل لديه سوى التقشف والقمع”. و بناء على هذه المعطيات و الاستنتاجات، فان النهج الديمقراطي ” يعتبر أن المؤسسة الملكية هي المسؤول الأساسي، بحكم موقعها الهيمني في النظام السياسي القائم، عما آلت إليه الأوضاع ببلادنا، ويجب أن تخضع بدورها لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة […]”. جرأة النقد هذه تحمل المسؤولية، ليس فقط للحكومة و الأحزاب و الإدارة، بل و بقدر أكبر، للمؤسسة الملكية لكونها الفاعل الرئيسي في الحقل السياسي.
هذا عن رد النهج الديمقراطي، أما جماعة العدل و الإحسان، فإنها لم تصدر أي بيان لأن الخطاب لم يأت بأي جديد حسب تصريح صحفي لحسن بناجح. يقول عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية و مدير مكتب الناطق الرسمي باسم الجماعة إن “الخطاب لم يأت بجديد، وأكد ما كنا نقوله ويقوله آخرون من أن المغرب يمر بأزمة عميقة جدا. كنا نقولها وكانوا يصفوننا بالعدميين […]. الآن الملك نفسه يعترف بأن المغرب يمر بأزمة حادة على كافة المستويات”. و تابع القيادي تشخيصه للحقل السياسي المغربي مؤكدا أن “في المغرب هناك سلطة واحدة و وحيدة هي سلطة الملك، في حين أن المؤسسات الأخرى لا دور لها. وهو ما يطرح السؤال عن جدوى الانتخابات و المؤسسات.”. كما يضيف أن الملك في خطابه حاول “التبرؤ من هذا الوضع، في حين أن الواقع يقول إن الواجهة فيها القصر وحده، والمؤسسات الأخرى سواء المدنية أو السياسية منعدمة […]. و هذا خيار سياسي رسمي، ]يجعل[ السلطات كلها مركزة في يد الملك”. وأضاف بناجح أن الملك “تحدث عن ربط المسؤولية بالمحاسبة وتحدث فقط عن الآخرين، في حين أن […]أول من ينبغي أن يتحمل المسؤولية و أن يساءل هو من يجمع السلط في يده وهو الملك”. وهنا يلتقي موقف جماعة العدل و الإحسان في جرأته بالموقف النقدي للنهج الديمقراطي. و فيما يخص حراك الريف، يرى قيادي الجماعة أن الخطاب “هو إعلان لتأجيج الأزمة وليس لحلها[…]”. و خلص ذات المسؤول إلى أنه “عوض أن يكون هناك إرادة لحل الأزمة، الواضح أن هناك رغبة في تعميق الأزمة خصوصا بتبني رسمي للسياسة الأمنية المغرقة في القمع […] “. من البين هنا أن مدير مكتب الناطق الرسمي باسم الجماعة يحمل مؤسسات الدولة مسؤولية أزمة الريف و تأجيجها اعتمادا على مقاربة أمنية ممنهجة.
فيدرالية اليسار الديمقراطي هي الأخرى، لم تصدر أي بيان تعبر فيه عن موقفها تجاه الخطاب الملكي. فقد ذهب منسقها عبد السلام العزيز في تصريح صحفي له إلى القول: “نحن غير معنيين بكلام الملك حول الأحزاب السياسية، فنحن لا ندبر الشأن العام وغير ممثلين في الحكومة، ولنا نائبان فقط في البرلمان[…]”. و هذا ما يفسر اختلاف الأحزاب المكونة للفيدرالية في تصريف مواقفها. فإذا كان حزب الطليعة الاشتراكي الديمقراطي قد أصدر بيانا في الموضوع، فإن حزب المؤتمر الوطني الاتحادي قد اكتفى بتصريحات صحفية لأمينه العام. أما الحزب الاشتراكي الموحد فقد مرِر موقفه عبر قناة شبيبته، حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية(حشدت).
فقد أصدرت هذه المنظمة بيانا قالت في خاتمته:”نعلن اصطفافنا إلى جانب اليسار الديمقراطي المناضل، حاملين حلم الشعب في الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية على أكتافنا “. و قد رأت فئة من المراقبين في هذا الكلام إشارة إلى اصطفاف “حشدت” إلى جانب النهج الديمقراطي. فقد ذهبت هذه الأخيرة إلى أنه “على ضوء ما جد في الساحة السياسية، وما آلت إليه أوضاع المعتقلين السياسيين على خلفية حراك الريف الصامد، وبعد إصرار الدولة العميقة على تبرئة ذمتها من مآلات سياساتها اللاشعبية عبر مختلف الوسائل، وأمام إغراق خطاب العرش الأخير بالنفس الشعبوي التبسيطي، بخلفية تحكمية استبدادية ترمي بالمسؤولية في جميع الاتجاهات، فإننا […] نعتبر هذا وغيره، إشارة أخرى، ضمن سلسلة من الإشارات التي تؤكد على فشل النموذج السياسي الذي يطرحه النظام […] . و ارتباطا بما سبق فإننا […] نؤكد على […] تبنينا لنموذج الملكية البرلمانية، حيث يسود الملك ولا يحكم، كمدخل لأي تغيير سياسي، اقتصادي أو اجتماعي حقيقي. كما ]نؤكد[ تحميلنا المسؤولية لجميع مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة الملكية لما آلت أو ستؤول إليه الأوضاع […] و ندعو الشعب المغربي إلى التعبير عن مطالبه في الولوج إلى الخدمات العمومية بكرامة عبر كل الوسائل المتاحة، و على رأسها الاحتجاج السلمي[…] “. و الخلاصة أن “حشدت” بموقفها النقدي هذا من الخطاب الملكي، تكون قد تبوأت موقعا أقرب إلى النهج الديمقراطي منه إلى أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي.
وفي اتجاه أقل نقدا مما سبق، أصدرت الكتابة الوطنية لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي بيانا ” تسجل ]فيه]الإقرار الرسمي بتفاقم الأزمة الاجتماعية وبفشل سياسة التنمية البشرية في تحسين ظروف عيش المواطنين والمواطنات رغم الأموال العمومية الطائلة التي رصدت لها على مدى أكثر عقد من الزمن”. وغير خفي على المتتبع أن سهام النقد في هذه الفقرة توجه للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تعتبر رسميا من أوراش السيادة التي تشرف عليها المؤسسة الملكية. و يرجع البيان الأسباب الحقيقية للأزمة إلى “طبيعة الاختيارات اللاديمقراطية و اللاشعبية المفروضة على بلادنا وشعبنا بإصرار من الطبقة الحاكمة والخلط بين الثروة والسلطة وتفشي مختلف أشكال الريع والفساد”. أما فساد الحياة السياسية بالبلاد فيعود حسب نفس البيان إلى “تدخل الدولة المستمر في الخريطة السياسية عبر خلق الأحزاب الإدارية ومدها بمختلف أشكال الدعم[…]”. و يخلص البيان بنبرة تحذيرية إلى “أن الإصرار على رفض الملكية البرلمانية كحل واقعي وتاريخي للتناقض بين طبيعة النظام السياسي وحاجة المجتمع المغربي للديمقراطية الحقيقية، يعرقل التطور السياسي الطبيعي للبلاد ويزج بها في نفق مسدود لا يمكن التنبؤ بمآله”. و يجدر التذكير بهذا الصدد إلى أن مطلب الملكية البرلمانية هو أحد القواسم الثلاثة المشتركة بين أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي.
2 – التمجيد ونقد التمجيد
يُلاحظ على العموم أن السواد الأعظم من الأحزاب لم تعقد اجتماعات لأجهزتها المركزية من أجل مدارسة مضامين الخطاب الملكي و مناقشة وجهات نظرها حول تدبير مرحلة ما بعد الخطاب. لهذا جاءت أغلب ردودها على شكل تصريحات صحفية أو مقالات رأي أو تدوينات “فيسبوكية”. و إنه لمن المثير للشفقة أن يجد المرء معظم السياسيين يشيدون بالخطاب الملكي الذي ينتقدهم و كأنه موجه لأحزاب غيرها. نحن هنا أمام ما يشبه جوقة من المداحين التي تعزف نفس اللحن.
فهذا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يجتمع مكتبه السياسي ليصدر بلاغا يسجل فيه ” التجاوب مع التشخيص الذي ورد في الخطاب الملكي، للوضعية العامة في البلاد، سواء بالنسبة للأوضاع المختلة، الاجتماعية و الاقتصادية والنموذج التنموي، أو بالنسبة للمشاكل المزمنة التي تعرفها الإدارة المغربية، بصفة عامة، أو فيما يتعلق بالمؤاخذات التي عبر عنها تجاه الإدارة الترابية، بصفة خاصة، والنقد الذي وجهه للنخبة السياسية وللأحزاب. […] و أن تجاوبه مع هذا التشخيص القوي والصريح، نابع من ثقته في الإرادة الصادقة لجلالة الملك[…]”. و نفس الأمر بالنسبة لحزب الحركة الشعبية الذي عقد مكتبه السياسي اجتماعا وأصدر بلاغا يصف فيه خطاب العرش بكونه “خطابا تميز بتشخيصه الصريح والدقيق للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لبلادنا، ورسم جلالته من خلاله خريطة طريق واضحة المعالم لتفعيل عمل مختلف المؤسسات والوسائط الحزبية والنقابية والإدارية في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة”.
أما الأمين العام لحزب التقدم و الاشتراكية فقد لجأ إلى مواقع التواصل الاجتماعي للإشادة بخطاب العرش، حيث كتب على صفحته بالفيسبوك :” خطاب العرش الأخير لصاحب الجلالة خطاب بأبعاد سياسية كبيرة، يسائل مجموع الفاعلين المؤسسيين في مسلسل دمقرطة الدولة والمجتمع وتشييد دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية في بلادنا”. و في تصريح صحفي له نأى الأمين العام لحزب الاستقلال بنفسه عن الخوض في الانتقادات الشديدة التي وجهها الخطاب الملكي للنخب السياسية التي فقد جلها ثقة الملك والشعب. كما أنه لم يجرؤ على التعليق على مؤاخذات الملك الموجهة لأصحاب النزعة الشعبوية التي يعد واحدا من أبرز ممثليها حسب كثير من المراقبين.
وفي نفس إطار التمجيد نعت رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار الخطاب الملكي في تصريح صحفي له بـ”القوي وذي الرسائل الواضحة والمباشرة، […] و ممهدا لمنعطف مهم لا بد أن تسير فيه المملكة المغربية “. و في إطار نوع من التفاخر الضمني بإنجازات حزبه الاقتصادية و التي نوه بها الملك في خطابه، يؤكد أنه “لا بد للمغرب وساكنته أن تستفيد من إقلاع اجتماعي حقيقي كما كان الشأن بالنسبة إلى عدة قطاعات اقتصادية أخرى”. كما أوضح أن “الحاجيات الاجتماعية التي تم التعبير عنها في الحسيمة تهم، أيضا، جهات أخرى في المغرب”. و في نفس الاتجاه التمجيدي، لم يجد الناطق الرسمي باسم الاتحاد الدستوري من وسيلة للتعبير عن موقف الحزب غير مقالة رأي يقول فيها لقد “جاء الخطاب الملكي […] بما كان يتوقعه المغاربة من جلالة الملك من حرص و وطنية عالية وغيرة على المصلحة العليا للبلاد. كما أنه لأول مرة يتضمن تشخيصا واقعيا وعمليا لجميع القضايا التي تهم تدبير الشأن العام الوطني والمحلي”.
هذه الفئة من السياسيين المداحين تعرضت لنقد ساخر من قِبَل عبد الإله ابن كيران زعيم حزب العدالة والتنمية. ففي كلمة ألقاها في افتتاح الملتقى الوطني 13 لشبيبة الحزب يوم 06 غشت 2017 بفاس يقول: “أنا ضد الابتهاج بالكلام القاسي، فالمؤاخذة مؤاخذة […] و لا يمكن لأحد أن يسمع التوبيخ والكلام القاسي و يفرح به، و إلا فإنه يحتاج طبيب نفساني”. و أضاف “واخا يغوت علينا الملك، خصنا نسمعوا لكلامه، ماشي نبتهجو بيه”.
ولم يكتف ابن كيران بانتقاد الأحزاب السياسية و دعوتها إلى أن “تحزم راسها” من الداخل، بل إنه يرد بدهاء على المؤسسة الملكية حين يرجع أزمة الأحزاب إلى تدخّل الشخصيات النافذة في القصر. لهذا طالب بوقف كل أشكال التدخل لأن الأحزاب في حاجة ماسة إلى الحرية والاستقلال. يقول: “الناس اللي مولفين كايتدخلوا باراكا، لأن الأحزاب خصها الحرية و الاستقلالية. بغينا نقولوا باراكا ! كفى من التخلويض !”. كما يشير إلى أنه لن يتحقق أي شيء مادام “الإنسان خائف من أن يقول رأيه، ومن أن يختار من يترأس حزبه”. و يذهب بعيدا في هذا الاتجاه حين يقول إنه مستعد للذهاب إلى السجن من أجل الدفاع عن استقلالية حزبه. و قال إنه يتقبّل نقد الملك، و لكن يحمّله في الوقت ذاته نصيبا من المسؤولية، ليس عن هشاشة الطبقة السياسية فحسب، بل عن تعطّل مجموعة من المشاريع التنموية بسبب “البلوكاج السياسي” الذي عطل البلاد طيلة خمسة أشهر. وقال: “إن ما وقع خلال فترة البلوكاج لا يمكن السكوت عنه، لأن هذا تاريخ، والتاريخ عنيد”.
بهذه الخرجة القوية يعود عبد الإله ابن كيران إلى واجهة المشهد السياسي و الإعلامي بعد غياب دام أكثر من ستة أشهر، فيضيف قائلا في كلمته : “منذ تأسيس الحزب ونحن نواجه الكثير من العراقيل، لكن صبرنا في كل هذا المسار، وتشبث الشعب بنا في كل هذه المحطات، لأنه يرى فينا دوما الأمل، يرى فينا المعقول وأننا جئنا لخدمته ولم نأت لنسرق أمواله”. كما دعا نفس المسؤول الملك إلى حل حزب العدالة والتنمية إن وجد فيه “غرام” من الخيانة. وتابع “أدعوه أيضا لحل الحزب إن وجد أن له صلة بجهة داخلية أو خارجية تموله، وأيضا إذا وجد أن مسؤولا ما منا أخر المشاريع في الحسيمة لمعاقبة الساكنة”. هكذا يرد ابن كيران على بعض ما تضمنه الخطاب الملكي من مؤاخذات. و أضاف قائلا: “أطلب من جلالة الملك بالصلاحيات التي يملك، والإمكانيات التي لديه، أن يتدخل ليضع حدا لما يقع في الحسيمة وبإمكانه فعل ذلك”. “يمكنه فعل ذلك، هو الذي يعرف كيف يفعل ذلك. ما عندنا ما نديروا، ملي كاتحراف لينا كندوروا لجلالة الملك، مايمكنلوش يواخذ علينا هاد القضية، هادشي لاش دارو الله تم”. وتساءل: ماذا لو كان حزب العدالة والتنمية، هو الذي يترأس تلك المنطقة، ماذا كان سيقع له؟”. هنا إشارة ضمنية إلى مسؤولية حزب الأصالة والمعاصرة و ضرورة ربطها بالمحاسبة. و بهذا الصدد هناك من المراقبين من يربط استقالة الأمين العام لـ “البام”، من بين أمور أخرى، بهذا السؤال الاستنكاري لعبد الإله ابن كيران.
لهذا سرعان ما التُقِطت الرسالة من طرف إلياس العماري الذي قدم استقالته من مسؤوليته الحزبية أمام المكتب السياسي الذي أصدر بلاغا بعد يوم واحد من الكلمة القوية لابن كيران، و بعد تسعة أيام من الخطاب الملكي. و أهم ما جاء في هذا البيان: “بحكم مسؤوليته السياسية كأمين عام أشرف على مختلف المحطات خلال سنة ونيف، من بينها محطة الانتخابات، تقدم السيد إلياس العماري باستقالته من منصبه كأمين عام لحزب الأصالة والمعاصرة[…]”. كان بالإمكان الاكتفاء بما جاء في بلاغ الحزب من بيان لأسباب الاستقالة، و لكن الأمين العام ارتأى أن يعقد ندوة صحفية في اليوم الموالي (08 عشت). و قد حاول جاهدا أن يقدم مجموعة من التبريرات لقرار استقالته، كقوله إنه “قرار شخصي وليس ذو طبيعة ظرفية أو للمزايدة في المشهد السياسي”. كما يزعم ألا علاقة لهذا القرار بما يقع في الحسيمة. هذا فضلا عن نفي تلقيه لأي تعليمات بهذا الصدد.
ولكن كثرة التبريرات هذه كانت مدعاة للشك من طرف العديد من المراقبين الذين ذهبوا إلى أن من بين الأسباب الخفية للاستقالة، فشل الحزب في تبوء صدارة المشهد السياسي(المهمة الرئيسية التي من أجلها خُلِق)، و فشله في تسيير جهة طنجة تطوان الحسيمة وكذا أغلب الجماعات الترابية لإقليم الحسيمة الذي يعرف غليانا اجتماعيا غير مسبوق على خلفية حراك شعبي دام عشرة أشهر. هذا فضلا عن عواقب الخطاب الملكي، و التي ربما يكون من ضمنها تعليمات صدرت من فوق، خاصة وأن الحزب معروف بقربه من السلطة.
وكخلاصة يمكن القول إن ردود الأحزاب السياسية تجاه خطاب العرش لـ29 يوليوز 2017 لا تختلف فقط باختلاف موقع هذه الأحزاب داخل الحقل السياسي، بل أيضا بحسب درجة استقلالية قرارها الحزبي. فمن حيث الشكل، جاءت هذه الردود على صورة بيانات أو خطب أو تصريحات صحفية أو مقالة رأي أو تدوينة على الفيسبوك. أما من حيث المضمون، فقد كان أقواها تلك الردود التي اتسمت بجرأة غير مسبوقة في النقد. أما أضعفها فتلك التي لم تخرج عن الدائرة المألوفة للمدح و الإشادة. وبين هذين النقيضين، يوجد موقف ينتقد جوقة الممجدين، كما ينتقد الخطاب الملكي و لكن بحدة أقل.