في أقل من شهر و نصف تم تأجيل مسيرتين وطنيتين للتضامن مع حراك الريف. الأولى كان من المقرر أن تنظم بالدار البيضاء يوم 09 يوليوز 2017، و قد دعت إليها “اللجنة الوطنية للتضامن مع حراك الريف و مطالبه العادلة”. أما الثانية فكانت مبرمجة ليوم 27 غشت 2017 بالرباط، و قد نادت بها شبيبات فيدرالية اليسار الديمقراطي(الشبيبة الطليعية، حركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية ومنظمة الشباب الاتحادي). فما هي مبررات التأجيل ؟ و إلى أي حد يمكن اعتبارها مقنعة ؟ و هل يوجد قاسم مشترك بين الحدثين ؟ وما علاقة كل ذلك بالمسيرة الوطنية الناجحة التي نظمت بالرباط يوم 11 يونيو 2017 ؟

1 – تأجيل مسيرة 09 يوليوز 2017

أُجِّلت هذه المسيرة بدون أي إعلان، و بالتالي بدون معرفة مبررات التأجيل. و كما سبقت الإشارة، فإن الدعوة إلى هذه المسيرة التضامنية قد تمت من قِبَل “اللجنة الوطنية لدعم حراك الريف و مطالبه العادلة”. و إذا كانت هذه اللجنة تضم إلى جانب حزب النهج الديمقراطي و أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي مجموعة من الهيآت المدنية و الحقوقية و النقابية، فإن الغائب الأكبر فيها هو جماعة العدل و الإحسان.

وإذا كانت الجهة الداعية للمسيرة لم تقل أي شيء عن التأجيل، فإن إحدى الصفحات “الفيسبوكية” القريبة منها نشرت خبر التأجيل يوم 08 يوليوز 2017. فبعد تأكيد صاحب الصفحة لخبر التأجيل(إلى أجل غير مسمى)، دعا إلى “عدم الخوض في مبرراته”، لأن المهم بحسبه هو “استمرار الحراك موحدا و سلميا من أجل إطلاق سراح المعتقلين و وقف حملات القمع و التخويف”. 

وإذ يذهب معظم المراقبين إلى أن المهم فعلا هو استمرار الحراك موحدا و سلميا، فإنهم يتساءلون: أليس المهم كذلك أن يستمر التضامن مع الحراك موحدا ؟ أليس إقصاء مكون من المكونات الداعمة و المتضامنة عامل تشتيت و تفرقة ؟ ألا يؤثر ذلك سلبا على وحدة الحراك؟ و بالتالي ألا يرجع سبب تأجيل مسيرة 09 يوليوز إلى الخوف من فشل هذه المبادرة ؟

2 – تأجيل مسيرة 27 غشت 2017

من المعلوم كذلك أن هذه المسيرة التضامنية قد دعت إليها شبيبات فيدرالية اليسار الديمقراطي منذ 09غشت 2017 ، أي بعد يوم واحد من استشهاد عماد العتابي أحد نشطاء حراك الريف. و لكن سيتم التراجع عن هذا القرار بعد مضي ثلاثة عشر يوما على اتخاذه، وسيتم الإعلان عن تأجيل المسيرة إلى أجل لم يحدد بعد. ففي بلاغ أصدرته هذه المنظمات الشبابية تمت الإشارة إلى أن اجتماعا موسعا انعقد يوم الثلاثاء 22 غشت 2017 من أجل التحضير لـ”مسيرة الوفاء لدماء الشهداء” بحضور مجموعة من الهيآت الديمقراطية السياسية و النقابية و الجمعوية. و أشار البلاغ إلى مبررات التأجيل كما يلي:” […] ومن أجل ضمان إنجاح هذه المسيرة، وأمام ارتباط التاريخ المعلن سابقا بأيام العيد، والدخول المدرسي، ومن أجل فتح الباب لانخراط أكبر عدد من الهيآت الديمقراطية لتنظيم مسيرة وحدوية. […] فقد تقرر تأجيل تاريخ المسيرة إلى ما بعد العيد والدخول المدرسي. كما تقرر تشكيل لجنة موسعة للإعداد للمسيرة تضم ممثلين عن مجموعة من الهيآت الديمقراطية. بالإضافة إلى تفويض تحديد تاريخ المسيرة للجنة المشكلة في أقرب الآجال”.

من الصعب على المرء أن يقتنع بهكذا مبررات، لأن المنظمات الشبابية التي أطلقت الدعوة بتاريخ 09 غشت 2017، كانت على علم مسبق بأيام عيد الأضحى(10،11، 12 و13 ذي الحجة 1438 هـ، الموافقة لـ31 غشت، 01، 02 و 03 شتنبر 2017) و كذا بأيام الدخول المدرسي (التحاق الأطر الإدراية و التربوية يوم 6 شتنبر، و الانطلاق الفعلي للدراسة يوم7 شتنبر 2017). و بالتالي فإن مبررات التأجيل المعلنة ضعيفة و غير مقنعة.

وعلى الرغم من هذه المؤاخذات، يبقى المبرر الثالث الوارد في بلاغ التأجيل جد مقنع و أقرب إلى الصواب: ” ومن أجل ضمان إنجاح هذه المسيرة، […] ومن أجل فتح الباب لانخراط أكبر عدد من الهيآت الديمقراطية لتنظيم مسيرة وحدوية. […] فقد تقرر تأجيل تاريخ المسيرة […] “. لهذا يرى جل المتتبعين أن هناك أسبابا أخرى خفية وراء التأجيل، مثل الحَرَج الذي عبرت عنه عائلات معتقلي حراك الريف أمام الدعوة إلى مسيرة تضامنية لم تحض بإجماع كل الهيآت الداعمة. و يرتبط بذلك سبب آخر، هو الخوف من عدم نجاح المسيرة الوطنية التضامنية في ظل غياب المشاركة الوازنة لجماعة العدل و الإحسان.

حاصل القول أن الجماعة، كقوة مؤمنة بالعمل المشترك، تعتبر وفق تقديرات جل المراقبين رقما صعب في المعادلة السياسية المغربية، لا يمكن التغاضي عنه بمبررات إيديولوجية واهية لا تراعي خصوصية السياق المغربي. فالجماعة، كما يعلم الجميع، تتمتع بقدرة هائلة على التعبئة، و مشاركتها في أي مبادرة وطنية وحدوية تضفي عليها طابع التعددية و التنوع اللذين يسمان المجتمع المغربي. و لعل خير دليل على كل ما قيل، المسيرة الوطنية التضامنية الناجحة التي نُظمت بالرباط يوم 11 يونيو 2017.