منذ زمن بعيد، والمغاربة المسلمون يعظمون ويحتفلون بعيد الأضحى المبارك، وهم بذلك ينوون إحياء سنة نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام، وترسخ هذا الاحتفاء بالمناسبة، حتى أصبح من العادات المتأصلة في المجتمع، لدرجة أن كثير من الذين يحرصون على شراء أضحية العيد، قد تجد من بينهم من لا يؤدي فريضة الصلاة، ويمكن أن يعتبر البعض، أنهذا ليس بسلوك رشيد، بحيث يقدمون السنة على الفرض، لكن هذا ليس موضوعنا الآن للوقوف عليه، وإنما القصد هو أن شعيرة إحياء سنة عيد الأضحى، من الشعائر المقدسة عند المغاربة ولا يفرطون فيها، لدرجة يسمونه ” العيد الكبير”، بصرف النظر عن كونه اطغى عليها الجانب الاجتماعي على الجانب الشرعي..

عيد الأضحى لم يعد في ثقافة المجتمع، مجرد مناسبة دينية، إنما أصبح حاجة اجتماعية ونفسية، بحيث معظم الفئات الاجتماعية تحتفل به، وتحرص على إحياء طقوسه، بما في ذلك الفئات الفقيرة والمحدودة الدخل، والتي إما تتكلف بشراء أضحية العيد بما يتناسب مع قدراتها المادية، وإما تتكفل جهات إحسانية، أفرادا أو جمعيات باقتناء الأضحية، وهناك عدد قليل جدا من المغاربة الفقراء، الذين لا يتيسر لهم الحصول على أضحية العيد، لكن روح التضامن الاجتماعي التي لا زالت تسري في المجتمع المغربي، تدفع الأسر المضحّية لإهداء جزء من لحم الأضحية للجيران غير المضحين..

ولذلك، من المظاهر الاجتماعيةالإيجابية، التي يحملها عيد الأضحى، قيام عدد من المغاربة الأغنياء بشراء أضحيات العيد، وإهداؤها للفقراء، ولا يخفى ما يحدثه هذا الفعل التضامني من أثر إيجابي في المجتمع، حيث إنه يقوي التماسك الاجتماعي، وينشر الفرح في أوساط الفقراء، ويقلص من حدة التحامل النفسيعلى الأغنياء، ويحد من الشعور بالفوارق الطبقية.

ومن المعلوم أن وسط الفئات الفقيرة، هناك منلا يستطيع تناول اللحوم طيلة العام، وفي هذا المناسبة العظيمة، تدخل الفرحة معظم بيوتات الفقراء، وتنال حظها من لحوم أضحية العيد، ولو عن طريق الصدقات والهبات، من الجيران والعائلة، لأن هذا واجب شرعي على المضحّين، لذلك ليس صحيحا ما روّج له أحدالعلمانيين المتحاملين، حينما زعم أن عيدالأضحىهو” التحالفالتجاريالموضوعيبينتجارالدينوكبارالملاكالزراعيين،ضدفقراءالوطنباسمخرافةكبشنزلمنالسماء”.

عيد الأضحى عند المغاربة، تجاوز جانب الاعتقاد الديني، ليصبح عرفا اجتماعيا راسخا، يغتنمها الفقراء للتعبير عن فرحتهم، وهو فرصة ثمينة أمام الأغنياء للتعبير عن تضامنهم وتآزرهم مع فقراء الوطن، وبالتالي يكون العيد مناسبة لتوطيد بعض القيم الدينية والاجتماعية التي أخذت في الاندثار، مثل التآلف والتراحم والتضامن والتعاون…

قد يقول قائل: إن أضحية العيد تكلف الأسر المغربية عموما، مصاريف إضافية مرهقة، وهذا القول صحيح إلى حدّ ما، لكن كما ذكرنا إن هذه الشعيرة، سميت بعيد الأضحى، لما تحمله من معنى التضحية، والتي تقتضي تحمل بعض المشقة على قدر المستطاع طبعا، وإلا فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، ومن لم يستطع شراء الأضحية بالطرق الشرعية، فإنه ليس مجبرا على الاستدانة أو بيع بعض ممتلكاته لفعل ذلك، لأن الله كما أكد ذلك في كتابه العزيز، يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر.. ومع ذلك، ذهب بعض أهل العلم إلى استحباب أن يقترض غير الواجد لشراءأضحيته،إذاعلم من نفسه القدرة على الوفاء.