
في الحاجة الى تدبير مغاير في التعاطي مع الازمة لإنتاج تعاقدات مجتمعية جديدة

فيما سبق من الحياة السياسية المغربية كان يحدثنا القيمون على التنشئة السياسية داخل الأحزاب الوطنية الديمقراطية عن معاناة المغرب و أزماته و يسهبون في تشخصيها و تحليل مقوماتها و أثارها و ما يتوقعون من انعكاسات لها على الصعيد المستقبلي للأفراد و الجماعات و المجتمع. و يجتهدون و يحفزوننا على الاجتهاد على درب البحث العلمي و الارتقاء المعرفي لنسهم جميعا في الجهود الصادقة المتطلعة إلى تحرير البلاد من أزماتها على قاعدة التفكير بالواجب نحو أجيال المستقبل.
آراء أخرى
لكن هناك تيار كان و ما يزال سائدا يعتمد التمويه و يمارس التسلط، يوظف الأزمات بل و ينتجها و يدير بها الحياة العامة بشكل يجعله الأقوى و الأبقى و لا بديل له، و أنه هو الاختيار الذي لا بديل له مهما اشتدت صعوبات الناس سواءتعلق الأمر بخنق حرياتهم و قتل ملكاتهم الفكرية و الإبداعية و اتصل باحتياجاتهم السوسيواقتصادية. فكل هذه الأمور تحكم فيها و ترك بعض الهوامش كمتنفسات ماتعة و غير مجدية وبعض لهايات التسلية المستثمرة لقنوات التواصل الاجتماعي، و التي يتم توظيفها عبر بعض المراكز التي تحول نفسها إلى فعاليات ثقافية عبر القذف و السب و التضييق على المكافحين الجادين الدين تتميزعطاءاتهم بالعلمية والدقة الموضوعية في الطرح و التحليل و دحض مزاعم دعاة التدبير بالأزمات الذين يراهنون على أن الأمر إذا توفر فكل شيء على ما يرام. و هوآلية دفاعية تنكر الأزمة كانت سائدة منذ ستينيات القرن العشرين و مازالت لأن القضية ليست في أشخاص و لكن في النسق الذي يتحكم في البلاد من خارج الآليات الدستورية و القانونية الموكول لها القيام على الشأن العام بكل أبعاده المركزية و الترابية و القطاعية و المدنية.
فالأزمة ليست في بلورة الحكومات وفق ما يتطلع إليه من أفرزتهم الآلية الانتخابية، و لا في التضامن بين أعضاء الحكومة و لا في تصنيع أغلبيات متناقضة في مكوناتها، و لكن الأزمة الأعمق التي لا تسمح بنمو البلاد و تطورها على المستوى الإنساني. فإذا كان المغرب منذ فترة خروج الفرنسيين و الإسبان من أراضيه يتطلع بكل إمكانه الإنساني إلى التغيير الجدري للأوضاع بشكل ينسجم مع أحواله و يسمح بنمو و تطور تطلعاته الحضارية، فإن أسلوب التدبير بالأزمات أرغمه و يرغمه على الركون إلى حياة الماضي الغابر في التفكير و الحكم و التسيير عير آليات تدمير الطاقات الفكرية و الإبداعية و تحويل التفوق و المواهب عن الاتجاهات الجيدة و إرغامها على الإقتداء بالسطحيين والسطحيات عبر برامج الإعلام و ما يدرس في التكوين المحسوب على الرياضة ليبقى الإنسان المغربي أصغر من الجلباب الذي يفصل بين الفينة و الأخرى و أخره دستور 2011 ، الذي يعاني العديد من الالتفافات المتربصة بزعزعته لأنه يخالف توجهاتها رغم العديد من العلل التي تنتابه.
و إذا كانت الأزمات التي نعاني منها في المغرب قد أصبحت تتخذ أساليب غير مقصودة في شكل مسيرات احتجاجية و حراكات منها الأصيل و منها المفتعل، منها المتوفر على السند المجتمعي و منها المدعم من قبل صانعيه، وهي كلها تعبيرات لا نجد للعمل السياسي الحزبي أو المنظماتي وجودا لا على مستوى التأطير و لا الحضور، بل هناك من قفز بسرعة و اتخذ توجها مضادا لذلك الحراك أو للاحتجاج الذي يسانده أو للاحتجاج المضاد له.
في ظل هذه المعاينة البسيطة، يتبين على أن المغرب الجديد أمام أزمة تتطلب تدبيرا، و لا يمكن تدبيرها بافتعال أزمات هامشية توظف لها وسائل الدعاية المحسوبة على الإعلام داخليا و خارجيا و يستدعى لتحليلها أناس مغلوبون على أحوالهم و لا تأطرهم سوى انفعالاهم و ما يشحنون به من لدن مروديهم. فإما أن تتم المواجهة بجدية نحو إيجاد العلاجات المناسبة لقضايا المجتمع بكل جهاته بأسلوب تواصلي فعال يشخص الأمورعلى حقيقتها مع تبيان الأسباب و الظروف و الملابسات و المعطيات بعمق إنساني ينشد تقدم المغرب و استقراره و نمائه ، و هذا واجب مقدس يتحمله الجميع كل حسب قدراته و بدون شروط أو إقصاء أو ريع أو محسوبية لأن الأمر يهم الإنسان و الوطن الذين لا هوادة و لا تسويف و لا سياسوية و لا حزبوية في التضحية بإخلاص من أجل صيانتها و ارتقائها الحضاري.
أما القول بأن الأمر مجرد سحابة انفعالية يمكن تجاوزها و أنه غضب شبابي لا عمق له من الزاوية الفكرية و لا أهمية له بل يمكن امتصاصه عبر لعبة العصى و الجزرة، فهنا نكون أمام المغامرة بالإنسان و الوطن التي ليست في مصلحة أي طرف بما فيهم المؤسسات الاقتصادية و المالية التي أغرقتنا بقروضها و لا حتى أولائك الذين يهربون أموال المغرب التي تحولت إلى ذمتهم المالية الخاصة، لأن الأمر قد يؤدي إلى تجميدها و منعهم من التصرف فيها فيعيشون على اللجوء و الكفاف و هذه الأمور لا يبحث فيها الجديون المؤمنون بالإنسان و الوطن.
و عليه، نقول بالدعوة إلى الاختيار الأول الذي يتطلب الإسراع بتحرير كل المعتقلين بسبب أرائهم و العمل على تمكين الإنسان عبر حكامة سياسية و سوسيواقتصادية و إدارية و جمعوية من مقومات إضطلاعه برسالته الإنسانية نحو حاضر العالم و مستقبله، و ذلك عبر إعادة النظر في التقسيم الجهوي الذي يجب أن ينبني على معايير الجغرافية الاقتصادية ليسهم في بناء اقتصاديات جهوية قوية على الارتقاء بالمغرب من خلال إدارات جهوية و منتخبة و مدعمة بمجالس منتخبة على المستويات الترابية و القطاعات القوية على التفكير و البحث العلمي المتخصص و الكفيل بتأمين التنمية الفعالة.
و من أهم الأمور التي يجب إعادة النظر فيها توسيع نطاق الحريات و تحرير الأحزاب و النقابات و فصلها عن بعضها و تحرير الجمعيات من تبعية السلطات، و كذلك عدم التدخل في شأن اختيار قادة حزب أو نقابة أو جمعية رياضية أو التعيين في مناصب عليا بناءا على وازع الولاء و الزبونية، و ليس وفق معايير الكفاءة النضالية داخل الحزب أو النقابة أو الجمعية أو الكفاءة العلمية و المهنية داخل ولاية أو عمالة أو مديرية مركزية أو جهوية أو قطاعية. هي أمور من شأنها أن تعمق دنو الإنسان و الوطن و تقتل كل طموحاته و تفقده الثقة في أن العمل السياسي في المغرب يفتح أفاقا للنهوض بالبلاد و العباد و يمكن لكل مكلف الانخراط في صياغة سبل إنجازها.
إن المغرب في حاجة إلى جرأة وطنية تضع معاناته بحزم و صدقية و صراحة على بساط الدرس و البحث في جذور الظروف و العوامل التي أنتجتها على قيم المصالحة و الإنصاف، و لكن في الأمور السوسيوثقافية و الاقتصادية أي على قاعدة الإنصاف الانتقالي الذي من شأنه إعطاء التنمية الإنسانية الانطلاقة الفعلية وفق أهداف حضارية يمكن تقييمها و محاسبة القيمين على إنجازها. الجرأة الوطنية التي نحتاج إليها يجب أن تكون متحررة من لغة التعليمات و الأوامر لأنها في الأول و الأخير هي فضاء تفكير و فق أسس علمية تشخص و تحلل و تستنتج و تنشأ و تقترح جرأة لا رئيس فيها و لا مرؤوس، لأن العلم لا يقول بالتحكم و لا بالمنتصر و لا بالمنهزم، و لكن يتطلع إلى فعالية الحلول القوية على معالجة معاناتها.
داخل هذا الحوار الذي يجب أن لا يكون نخبويا و لا حزبويا و لكنه حوار من أجل إنتاج تعاقدات مجتمعية جديدة منها ما يتصل بالدستور كتعاقد مجتمعي يتطلب حوارا دستوريا مجتمعيا محليا و جهويا ووطنيا و قطاعيا واقتصاديا و ثقافيا و بيئيا. ينشأ المؤسسات التي يأتمنها المجتمع للقيام على شئونه العامة و يحدد اختصاصاتها. تعاقد يحرم العنف بكل خلفياته و أبعاده و أساليبه و يحرم اللجوء إلى القوة التي لا يمكن استعمالها ضد أبناء المجتمع إلا بقرار ثلثي أعضاء المؤسسة التي خولها المجتمع مسؤولية التشريع و تكون قراراتها خاضعة للطعن أمام المحكمة الدستورية كهيئة قضائية تنتمي إلى المؤسسة القضائية و يتم تعيينها من قبل الهيئة الوطنية للإنصاف القضائي التي ينتخبها المجتمع.
إن الحل البديل لكل الأزمات التي تواجه الإنسانية في العديد من الأقطار و منها المغرب هو الديمقراطية التي تمكن الناس من مزاولة وظائفهم و أداء رسائلهم التي خلقوا من أجلها. و كل عرقلة أو تشويه للديمقراطية الكفيلة بصيانة الإنصاف الإنساني في كل مجالات الحياة و مرافقها إلا و من شأنه أن يكرس خصومة المرء مع ذاته و اغترابه وتحويله إلى مجرد وقود يمكن استعماله بشكل لين من قبل دعاة الفوضى الخلاقة. و إذا كانت الديمقراطية ليست بغاية و إنما تعاقد إنساني يؤمن للأفراد و الجماعات شروط التمكين و في مقدمته الحرية الفكرية و السياسية ولإنصاف السوسيواقتصادي يجرد الجماعة الإنسانية المتعاقد على الكلمة السواء من عبودية الفساد بكل صنوفه والظلم بكل مظاهره و يقوي تماسك المجتمع بكل ثقافاته و إثنياته، و يصون الأرض ضد جميع ألوان النهب و الاستحواذ و التكالبات الداخلية و الخارجية. إنه تعاقد لتيسير التدبير الجيد وفق قيم التشارك و الإنصاف و التقييم العلمي المستقل و المحاسبة الصارمة سواءتعلق الأمر بسن القوانين أو وضع المشاريع أو تدبير الحياة اليومية العادية في التربية و التكوين و التمكين الإنساني و الاقتصاد و الإدارة والأمن و القضاء. و قد يرد البعض بأن هناك مؤامرة تحاك ضد هذا البلد من لدن الغير و المس باستقراره، و هذا قد يكون صحيحا لكن مواجهة هذا التأمر لا يمكن أن تكون ناجعة و منتصرة على المدة القريب و المتوسط و البعيد إلا من خلال دولة التمكين الإنساني و ليس دولة الرعاية الاجتماعية أو ما يسمى بالإدماج الاجتماعي. فهل نستطيع الانتقال بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية من طابع مساعدة الفرد على عمل مدر للدخل اليومي إلى تمكينه من إدراك رسالته نحو الحاضر الإنساني و مستقبله؟هل نستطيع إقناع القطاعات المالية و الاقتصادية الخاصة المحلية و الأجنبية و الدولية بأن ازدهار مشاريعها و تأمين مصالحها يرتبط بدولة التمكين و ليس بالدولة الحارسة بعد طرد دولة الرعاية من كل المرافق العمومية و تحويل هذه الأخيرة إلى استثمارات خاصة؟
هل نستطيع تحويل الأحزاب من مجرد وسطاء في العملية الانتخابوية إلى هيئات مقتدرة تتطلع إلى الحصول على ثقة المجتمع في مشروعها المجتمعي البديل على قاعدة الانتخابات الحرة النزيهة؟
إن التوافق على دستور 2011 كمخرج رئيسي لحماية البلاد من موجات العنف و الاضطرابات المجتمعية التي طالت العديد من البلدان، قد تم بأمل التزامن الكامل و الفعال مع المعالجات السوسيواقتصادية و الإدارية و تحرير المرء من براثين الخوف و حياة الهامش و الخنوع و حيف الريع و ظلم الإدارة و التحكم في المؤسسات الدستورية بأساليب تستمد روحها من قيم الماضي السلبية.لكن عندما يتم بناء الأمور وفق حسابات ضيقة و مرتجلة و يتدخل فيها الأخر من خارج البلاد، غالبا ما يتم الوقوع في الفشل و قد لا يقبل التواق إلى التطوير و التقدم بالفشل بالنسبة لواقع المغرب، و لكن يمكن تسمية ما يحصل بالتعثرات التي وسعت من دوائر التساؤل عن مآل الدستور التوافقي الجديد “2011” و دوره في قيادة المعالجات السياسية و السوسيوثقافية و المالية و الاقتصادية، و هو ما يسهم في توسيع نطاق عدم المشاركة السياسية سواء تعلق الأمر بالانخراط في الأحزاب أو المشاركة في الانتخابات أو الاعتناء بقضايا الشأن العام بكل أبعاده الجغرافية و القطاعية. لكن الذي يجب الانتباه إليه بأن هذا السلوك ليس بعزوف وليس بعدمية و ليس بيأس لأنها أمور لا مكانة لها لدى الإنسان الفاعل في السياسة، و خاصة عندما يكون الفعل السياسي ينشد رقي الإنسانية و صيانة مستقبلها و أمن البلاد و تحضرها. و هذا يتطلب جرأة تحسب لهذا الاتجاه حسابه و تأخذ باعتباره و تيسر الفرص أمامه للمشاركة في التخلص من التعثر، و ذلك على قاعدة الإرادة المشتركة في شأن الوصول إلى المقاربات العلاجية اللازمة للتعثرات السياسية و السوسواقتصادية يكون هدفها تمكين الإنسان المغربي من الإدراك العميق لإنسانيته و الاقتناع بهويته الخاصة و العامة و يعبر عنها في كل تصرفاته كإنسان مغربي مفكر و منجز و متفاعل مع محيطه الوطني بل مكوناته الثقافية و فضائه القاري و المتوسطي بغرض إنجاز البناء الحضاري المشترك. و ذلك بعيدا عن الاستعراضية أو التغطية على الأمور التي قد تكون من نتائج التعثرات السياسية، و التي قد لا تكون هي العامل الأساسي أو الوحيد.
أن تكون الغاية هي الوصول إلى تغييرات كاملة لكل أساليب الحكم التي لا تمت بصلة للديمقراطية كتعاقد من أجل التمكين الإنساني، سواء تعلق الأمر بفلسفة الحكم أو بهيكلته أو بطرقه أو إعماله أو إدارته. و التغيير هنا لا يمكن أن يكون شكليا يطال بعض المظاهر أو بعض الأشخاص أو بعض السلوكيات.
أن ينبني على حوار اجتماعي منتج للفكر و مبدع للمشاريع و متحرر من كل المزايدات، حوار محلي ، إقليمي و جهوي ووطني و قطاعي يتسم بالاستمرارية و الفعالية والمردودية الإيجابية. يتم تدبيره وفق تعاليم المنهج التدخلي الذي يوظف في الأبحاث الأمبريقية المعتنية بدراسة الظاهرة الإنسانية. بالإضافة إلى الانفتاح على كافة القناعات و التوجهات و الاعتقادات بتحرر كامل من منطق الإقصاء. في ضل تحرير كامل لكل تجمع بغض النظر عن طبيعته إلا إذا كان يكتسي طابعا مسلحا أو يحرض على العنف أو يدعوا إلى الكراهية و التمييز العنصري.
كل هذا يجب في ظل قاعدة اجتناب الارتجال و الآنية، لأن التجربة أثبتت بأن من يقول بأساسية الآنية، أي العمل من أجل اليوم فقط الذي يتسم بقدر من الموضوعية لكنها موضوعية محدودة في أفاقها و تسهم كثيرا في حجب الأخطاء و لا تأبه بالمستقبل. فالارتجال و الآنية التي طالت تدبير الحكم ي المغرب كانت تعتبر الصعوبات العارضة أزمات خطيرة و هذا ما يعرف بأسلوب الإدارة بالأزمات الطارئة و التي تحتاج إلى أشخاص طارئين يتحولون إلى أساسيين يستطيعون الانصياع للانفعالات و العواطف و الرغبة. فيهما يتطلب الحل الآني للأزمة التي قد تكون مجرد تصرف محدود أو عابر فيتحول إلى قضية مجتمعية أساسية، فما كان بالإمكان معالجتها من خلال آليات التدبير العادي للحياة اليومية إذا كانت تلك الآليات تتسم بالجدية التي تعتمد ضوابط الأمن العمومي الحديث و تجعل حافلات النقل الحضري فضاءات للتركيز و المطالعة و قراءة الصحف بدل النهب و الاعتداء و التحرش و التخريب.
سنترك للقيادة النظر إلى ما هو بعيد، فالقيادة لا يمكنها أن تنظر إلى هذه الجوانب البسيطة التي يجب أن تكون شأنا ترابيا خالصا و تسمح للقيم على الشأن الوطني على لمدى البعيد، على قاعدة التوقع الذي يعالج صعوبات الحاضر عبر البحث العلمي و ارتقاء إنسان المستقبل.فالتفكير بالغد يساعد على استحضار كل الصعوبات و العوائق المتوقع و يسهل معالجة المشاكل الآنية التي تعتبر توطئة علاجية لصعوبات المستقبل.
فهل نستطيع التحرر من الانفعالات المسجونة في الآني و العمل بالتوقع الذي من شأنه حماية الحاضر و المستقبل الإنساني ضد الأخطار و الكوارث عبر التسلح بالإدراك الجيد للآني و الأتي و بالحذر الشديد من كل التقلبات الطبيعية و الإنسانية كشرط للاطمئنان الذي لا يسمح بالاسترخاء و التقصير و التسويف في القيام بالواجب. إن منبع صعوباتنا و تعثراتنا في المغرب هو الارتجال و هيمنة اللحظية و التعامل السطحي مع القضايا المصيرية و افتعال الأزمات الهامشية التي تعتبر مسا بأمن الفرد فترغمه على التخلي عن كافة حقوقه مقابل توفير سلامته، فيتم التركيز على توظيف الأمن و تحميله ما لا طاقة له به و هو أسلوب يجعلنا نخشى عن استنزاف هذا الجهاز الأساسي و المهم في حياة الأفراد و الجماعات و المجتمعات الإنسانية.هل يمكننا أن نجتمع داخل أجهزتنا الترابية و الوطنية و القطاعية على قاعدة التوقع العلمي القائمة على انعدام الخطأ القاتل و ضآلة الخطأ البسيط؟
إن الأمور تتعلق بحاضر و مستقبل مجتمع يجب على المفكر به استحضار الجغرافية و التاريخ و الأنثروبولوجيا و السياسة ليدرك معاناة المغاربة جراء ما يسمى بالتدبير الآني المنعدم الأفق و الذي أشهم في سجن العديد من الناس في زنازن التبعية و الخنوع و الخضوع و الانتحارية و الريع و الفساد لأنه كان يقوم على التسويف و لا يسمح للغاربة بالتألق نحو مسؤولياتها باقتدارات و مهارات متحضرة. لكن هذا النهج سوف يكون أتباعه أخطر على الجميع إذا بقينا سجناء التفكير في واقع الحال دون التوقع المستقبلي. فلنتق الله و للنزر كأفراد ماذا قدمنا للغد. و هذا يتطلب إعادة النظر في الحكمة من السياسة و النظام السياسي و الانتخابات و المجتمع و الدولة و الإدارة و الاقتصاد في غياب المراجعة العلمية الموضوعية لفلسفة الدولة بغرض انتقالها من الحراسة أو الرعاية أو الإدماج إلى دولة التمكين الإنساني التي تعتمد على نصائح السياسات الرباوية العابرة للقارات التي ستجد صعوبة معنا في استرجاع “مستحقاتها” فنقوم بالحجز على كل مرافقنا و بيعها في المزاد العلني لا قدر الله.