منذ 11 شتتبرمن عام 2001، والعالم العربي يعيش في اضطرابات سياسية واجتماعية متعددة ومتلاحقة، بعدوقوع هجمات إرهابية على الولايات المتحدة الأمريكية، وقيادتهالحرب عالمية على ” القاعدة” وأخواتها، وكانت أولى عملياتها العسكرية في أفغانستان ثم العراق، تحت عنوان محاربة الإرهاب.

مع بداية عام 2011، سيشهد العالم تحولات كبرى في توجهاته العامة، وستزداد الأوضاع في العالم العربي تعقيدا وتصعيدا، خاصة بعد اندلاع احتجاجات شعبية واسعة في تونس، على إثر حادث مقتل البوعزيزي، والإعلان عن هروب رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي خارج البلاد، ثم انتقال عدوى الحراك الشعبي، إلى باقي الدول العربية المجاورة، ومن بينها المغرب، الذي قادته حركة20 فبراير.

وقد استبشر الجميع برحيل عدد من الحكام المستبدينفي بداية الحراك العربي، وكان يحدوهم الأمل في أن تقع تغييرات إيجابية في الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، في أفق تحقيق العدالة والحرية والكرامة الإنسانية، وبناء دولة الحق والقانون، خاصة أن الأوضاع في معظم هذه الدول بلغت مستويات خطيرة من التدهور الشامل، لكن لم يلبث أن خاب ذلك الأمل، وانقلبت الأوضاع في عدد من الدول العربية إلى أسوء مما كانت عليه، بعدما تحولت الاحتجاجات الشعبية إلى فتنة وحروب أهلية طاحنة، ذهب ضحيتها آلاف المدنيين بين قتلى وجرحى ولاجئين.

بعد النتائج الكارثية التي آلت إليها، ما اصطلح عليه بثورات الربيع العربي،أصبح المواطن العربي أكثر توجسا وحذرا من الانسياق وراء أية دعوات للاحتجاج أوالتظاهر، واستغلت بعض الأنظمة العربية هذا التوجس العام،للترويجلخطاب الفتنة، وربطالحقفي التظاهر بتهديد الاستقرار والأمن، مع ما صاحب ذلك من تراجعات سياسية وحقوقيةواجتماعية، دفعت بالأوضاع إلى مزيد من الاحتقانوالتوتر، وعادت الأنظمة السياسية إلى أساليبها القديمة بالتضييق على الحريات، واعتماد المقاربات السلطوية في التعاملمع الأصوات المعارضة..

كان خطأ في التعاطي مع الحراك داخل البلاد العربية،المسارعة إلى تبني توصيف ما جرى بالربيع العربي،لتجد النخب العربية نفسها بعد انقلاب الأوضاع،مضطرة إلى تصحيح الخطأ، واعتبار ما وقع مجرد حركات احتجاجية اجتماعية ذات مطالب سياسية، فشلت في الوصول إلى أهدافها، بوضع الأنظمة السياسية على سكة الانتقال الديمقراطي، لأنها وقعت في كثير من الأخطاء القاتلة، فاستغلتها الأنظمة السلطوية لاستعادة استفرادها بالحكم بشكل أكثر شمولية، وطبعا لم تكن لتحصل هذه الردة،دون الدعم الغربي للأنظمة،وخاصة بعد وصول الشخصية المثيرة للجدل إلى البيت الأبيض، ممثلة في الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، والصعود المفاجئ لليمين المتطرف في أوروبا، وتزايد الحوادث الإرهابية في العالم، وهو ما ينذر بمزيد من الاضطرابات والتوترات في العالم العربي. 

وإذا كانت الشعوب العربية بعد الفتن والحروب التي وقعت في عدد من الدول، أصبحت أشد حرصا على الاستقرار والأمن داخل أقطارها، فإن بعض الأنظمة العربية لم تستوعب خطورة التراجعات السياسية والاجتماعية والانتهاكات الحقوقية على الاستقرار والسلم الاجتماعي، وهي نفس الشروط الموضوعية التي فجرت الاحتجاجات الشعبية في عام 2011، وأطاحت بعدد من الأنظمة السياسية، وأشعلت فتنا وحروبا طاحنة، عصفت بكل المكتسبات التاريخية لتلك البلدان.

والمغرب كغيره من البلدان العربية، لميكن ليشكل استثناء من القاعدة، فقد عرف هو أيضا احتقانا اجتماعيا وسياسيا، خلال السنوات الأخيرة، أدى إلى تزايد وتيرة الاحتجاجات الشعبية، ذات المطالب الاقتصادية والاجتماعية، وتطورت إلى حركة احتجاجية ذات مطالب سياسية، قادتها  حركة 20 فبراير، كجواب سياسي على شروط الفتنة الكامنة في المجتمع، والتي كانت قابلة للانفجار في أية لحظة تاريخية، ولولا التعاطي الإيجابي للنظام مع مطالب الحركة الاحتجاجية، لسقطتالبلاد في فتن واضطرابات لا تختلف عن ما يقع في دول عربية مجاورة.