“الحكومة مسؤولة أمام الرأي العام “أحالت عبد الرحمان اليوسفي على القضاء وعجلت باجتماع مجلس الوزراء برئاسة الملك

” الحكومة مسؤولة أمام الرأي العام” جملة من خمس كلمات، تصدرت الصفحة الأولى من جريدة ” التحرير”، كادت ان تلقى برئيس تحرير الصحيفة الذى لم يكن آنذاك الا عبد الرحمان اليوسفي الصحفي رئيس التحرير، بعد استدعائه من لدن الشرطة القضائية التي حالته بعد استنطاقه على قاضي التحقيق، يتذكر في حوار مطول أجريته معه حول علاقته بالصحافة. 

يوضح اليوسفي بالقول ” بالفعل أنه كان نتيجة بضع كلمات فقط نشرناها في جريدة التحرير، فكان مصيرنا الاعتقال، وبعد ذلك سقنا إلى السجن”(ساخرا). كان ذلك سنة 1959، في الوقت الذى أصبحت للصحافة سلطة معترف بها في العالم كله، الى جانب السلطات الدستورية أي التنفيذية والتشريعية والقضائية. 

وفي هذا السياق أضاف الوزير الأول في حكومة التناوب سنة 1998 ” لقد أوضحنا هذا للقاضي جيدا وزدنا في التوضيح أن كل المفكرين يجمعون على أن هناك قوة رابعة في المجتمع هي قوة الرأي العام.

ويواصل اليوسفي الحكي عن ملا بسات وتفاصيل هذه ” المتابعة القضائية” بالقول ” فلما اعتقلنا من أجل ذلك الموضوع المنشور بالجريدة (كان مديرها الفقيه البصري)، وتم تقديمنا بعد ذلك أمام قاضي التحقيق، سألني هذا الأخير إلى ماذا كنت ترمي بتلك العبارة ” الحكومة مسؤولة أمام الرأي العام “، فقلت له سيدي القاضي إن المعروف عالميا، أنه هناك أربعة سلط والرأي العام هو السلطة الرابعة الذى تمثله الصحافة، فنحن لم نخترع شيئا جديدا أو شيئا ما من وحي خيالنا، إن هذا الآمر معمول به في كل المجتمعات المتحضرة”.

فعندما أصدرنا ذلك المقال، يتذكر عبد الرحمان اليوسفي في بوحه الخاص، كان في ذلك الوقت المرحوم عبد الله إبراهيم رئيسا للحكومة والى جانبه المرحوم عبد الرحيم بوعبيد وزيرا مكلفا بالاقتصاد الخ، دعا المغفور له محمد الخامس إلى عقد اجتماع عاجل لمجلس الوزراء، توجه في بدايته بسؤال إلى مولاي عبد الله إبراهيم، وقال له أنت يا رئيس الحكومة، مسؤول أمام من؟ فأجابه على الفور أمام جلالتكم”. 

فرد عليه الملك محمد الخامس: وما هو تفسيرك وقولك فيما تضمنه المقال الذي كتبه صاحبك،(في اشارة لليوسفي)،  فظل مولاي عبد الله صامتا ولم يرد على سؤال الملك”، يشرح عبد الرحمان اليوسفي الذى يخلص الى القول” ففهمنا آنذاك في اسرة تحرير الجريدة، أن هذا هو الأصل في قرار إحالتنا على القضاء ومحاكمتنا، لأن السلطات العليا – وعلى كافة مستوياتها – كانت لا تستسيغ هذه الفكرة، بل وأكثر من ذلك لا تؤمن، في ذلك الوقت بأن تكون الحكومة وأعمالها أيضا تحت رقابة سلطة الرأي العام الذي تؤثر في توجهاته بطبيعة الحال الصحافة”.

ويذكر أن الملك محمد الخامس كان قد كلف سنة 1959 عبد الله إبراهيم بتشكيل أول حكومة سياسية في المغرب بعد مرور ثلاث سنوات على نيل الاستقلال، تقودها شخصية من المعارضة اليسارية،ممثلة في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المنفصل حديثا عن حزب الاستقلال ،والذى انيطت بعناصره أهم الحقائب الوزارية. 

كما تطرق اليوسفي في الحوار الذى أجريته معه بمناسبة إعداد دكتوراه في الحقوق حول مسار وتحولات العمل النقابي في الميدان الصحفي الذى تناولت فيه بالخصوص  التأثيرات  المتبادلة بين العوامل السياسية والنقابية وبين الممارسة الصحافية.

وباعتباره من مؤسسي النقابة الوطنية للصحافة المغربية سنة 1963 الى جانب كل من عبد الكريم غلاب ومصطفى العلوي وعلي يعتة وآخرين، تحدث عبد الرحمان اليوسفي،عن مختلف المراحل والمحطات التي رافقت إحداث أول اطار نقابي للصحافة،فضلا عن السياقات والتحولات التي أثرت على هذه المنظمة المهنية والاشكالات والصعوبات التي واجهت الممارسة الصحفية في مغرب نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي. 

وضمنت ملاحق هذا البحث بعنوان ” النقابة الوطنية للصحافة المغربية: السياقات والتحولات من التأسيس سنة 1963 الى دستور 2011″، حوارات مع أجيال النقابة فضلا عن اليوسفي كلا من عبد الكريم غلاب اول كاتب عام ومصطفى العلوي العضو بأول مكتب للنقابة،وهم من ” جيل التأسيس” وأيضا محمد اليازغي ثاني كاتب عام للنقابة ومحمد البريني عضو المكتب الوطني  ” جيل التأهيل والتنظيم”، ويونس مجاهد رابع كاتب عام للنقابة وعبد الله البقالي الرئيس الحالي للنقابة والبشير زناكي  عضو المكتب الوطني للنقابة من جيل ” التغيير في ظل الاستمرارية”.

واشتملت هذه المقابلات على شهادات وآراء هذه الأجيال المتنوعة من الصحفيين الذين اضطلعوا بمهام قيادة النقابة الوطنية للصحافة المغربية، ساهمت عمليا في تأسيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وتحملت مسؤولية قيادة هذه المنظمة الصحفية، ومنها من تحمل فيما بعد مسؤولية  تدبير الشأن العام، خاصة في منتصف التسعينات.