خلفت التجارب النووية لكوريا الشمالية والصواريخ الباليستية التي اطلقتها توترا كبيراعلى الساحة الدولية خاصة بين القوي الكبرىكالولايات المتحدة الامريكية وحلفائها بالقارة الأسيوية اليابان وكوريا الجنوبية، ونظام بيونغ يونغ وأدى الى استصدار مجلس الامن الدولي لقرارات جديدة بهدف زيادة الضغط على كوريا الشمالية لوقف تجاربهالتطوير قدراتها الصاروخية المتطورة.

  الا أن العقوبات الدولية المشددة التي فرضتها الامم المتحدة على كوريا الشمالية في اطار سباقها المحموم من أجل امتلاك السلاح النووي في اطار ما تعتبره حقها في تحقيق قدر من توازن الرعب مع البلدان الغربية وفي صدارتها الولايات المتحدة الامريكية، خاصة في ظل الاهمية التي اضحت تكتسيها التكنولوجيا العسكرية في التأثير علىمجريات الواقع الدولي، لم يكن لها لحد الآن أدنى تأثير على سلوكيات صناع القرار في العاصمة بونغ يونغ الذين على عكس ذلك، واصلوا اطلاق الصواريخ الباليستة خلال شتنبر الجاري، كما توالت تصريحاتهم بأن بلادهم في الطريق الى امتلاك القنابل النووية التي يمكن ان تصل الى أي منطقة بالعالم.

وازدادت التخوفات بعد تهديد الولايات المتحدة على لسان الرئيس  الأمريكي دولاندترامب من منبر الامم المتحدة بتدمير كوريا الشمالية  إذا وجدت نفسها مجبرة على اللجوء إلى القوة لحماية نفسها وحلفائها من برامج بيونغ يانغ النووية والصاروخية، ورد وزير الخارجية الكوري الشمالي، راي يونغ هو بالقول انه إذا كان ترامب يعتقد أنه يمكنه إخافتنا بصوت نباح الكلب فسيكون الأمر عبارة عن أحلام كلاب فحسب” في إشارة إلى الفولكلور الكوري الذي يشبّه الأفكار الخيالية بـ”أحلام الكلاب”.

وبعض النظر عن التصعيد الكلامي وقرارات الامم المتحدة التي بينت الاحداث انها لم تجد الحلول الناجعة للعديد من النزاعات، باستثناء تحويل هذه القرارات من لدن الولايات المتحدة كمشجب بدعوى تنفيذ الشرعية الدولية على النزاعات التي تتوافق مع مصالحا الاستراتيجية فقط، لن توقف سباق كوريا الشمالية من أجل دخول نادى الدول النووية.

في ظل هذا الوضع يمكن للصين الحليف الفعلي لكوريا الشماليةوشريكها الاقتصادي ان تكون جزءا من حل الازمة، وأن تلعب دورا محوريا في الحد من تهديد السلم الدولي بشبه الجزيرة الكورية، وعلى السلم العالمي، لتفادى التهديدات المتتالية التي يطلقها ساكن البيت الأبيض، ضد تحدي بيونغ يونغ التي سبق لها وفي تحد واضح لقرارات الامم المتحدة، أن أطلقت صاروخا باليستيا عبر فوق اليابان، وذلك للمرة الثانية في غضون أسابيع، وبلغ  ارتفاعا قُدّر بنحو 770 كلمفوق اليابان، وحلّق لمسافة 3700 كيلومتر قبل أن يسقط في الماء قبالة جزيرة هوكايدو، وقبله أعلنت بيونغيونغ عن إجراء أول اختبار ناجح لصاروخ عابر للقارات يتوفر على قدرة  ضرب “أي مكان في الأرض” في اشارة واضحة الى الولايات المتحدة.

ومن اجل استبعاد الخيار العسكري الذى لوحت به واشطن، يبدو ان الصين بإمكانها ان تضطلع بدور اللاعب الدولي المؤثر من اجل ايجاد تسوية سلمية لهذا النزاع الذى سيشكل ليس فقط تهديدا للسلم والأمن الدوليين، وانما سينعكس بشكل مباشر على ” المارد الاصفر” الذى ينظر لكوريا الشمالية بوصفها من ” الأصول الاستراتيجية” للسياسة الخارجية الصينية.

فعسكريا تمثل كوريا الشمالية بالنسبة للصين منطقة عازلة مع القوات الامريكية المرابطة بكوريا الجنوبية، واقتصاديا  تستفيد العديد من الشركات الصينية من المواد الخام بأسعار وشروط مغرية، فضلا عن تمكن التنين الصيني من ان يصبح وفي مدة وجيزة قوة اقتصادية عالمية، يحسب لها ألف حساب، ساهمت هذه القوة في تنام متواتر في قدراته العسكرية والاستراتيجية.

ويزداد الامر أهمية على الصعيد السياسي، إذ أن الصين المرتبطة بحدود مع كوريا الشمالية، فعلى الرغم من كل الصعوبات التي عانتها مع سلالة كيم حتى الآن، فإن احتمالات انهيار نظام بيونغ يونغ، يمكنأن يأتي بنظام بديل موالي للغرب، وهو  ما سيشكل تهديدا وتأثيرا سلبيا علىالصين التي تعتبر في هذا الصدد أن كوريا الشمالية بمثابة ” القنبلة الموقوتة” على حدودها، بفعل المخاوف من تدفق الملايين اللاجئين الكورين الشمالين على الصين في حال انهيار نظام كيم جونغ والاشكالية التي يطرحها تخزين الصواريخ والاسلحة الكيماوية في المناطق القريبة من الحدود الشمالية مع الصين . 

الا ان الموقف الصيني اتجاه كوريا الشمالية، نجده ملخصافي ما كان قد صرح به وانغ يى وزير خارجية في مقابلة أجراها مؤخرا مع احدى الفضائيات العربية، بانهذا الموقف يرتبط بثلاثة شروط، أولها في التمسك بخلو شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، وثانيها بالتمسك بصون السلام والاستقرار بالمنظقة، وثالثا واخيرا التمسك بالوسائل السلمية لحل الملف النووي بالمنطقة.

وفضلا عن هذه المعطيات ذات الطبيعة الاستراتيجية العسكرية والاقتصادية والسياسية، تمتلك الصين عدة أوراق للحد من تداعيات الازمة مع كوريا الشمالية، خاصة وانها تقدم نفسها “الدولة الجنوبية” الوحيدة التي تمثل اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية في مجموعة الدول دائمي العضوية في مجلس الامن الدولي، فضلا عن ان مساهمتها في حل النزاع  الغربي مع بيونغ يانغ سيشكل ضمانة لحماية مصالحها، وسيمكنها، أيضا من ان تستخدم ملف كوريا الشمالية ” كورقة تفاوضية” مع كل من الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية في ملفات وقضايا أخرى تندرج ضمن مصالحها الحيوية والاستراتيجية خاصة في بحر الصين.

 وإذا كانتالنزاعات الاقليمية والدولية، تتميز بعدم إمكان التكهن بامتداداتها، والدمار الناتج عنها تظل الصين لاعبا دوليا لا تخفى اهميته القصوى في القيام بدوره في معالجة والحد من تعنت بيونغ يانغ وتهديدات واشنطن،وهو ما يتطلب اتخاذ اجراءات عاجلة لحلحتها، والتعامل معها بحكمة والتخفيف من تداعياتها السلبية على الاستقرار الاقليمي والنظام الدولي  الهش أصلا.

ومما يساعد على هذا الطرح التوجه الذى بدأت تتبناه في الآونة الأخيرة الصين في تعاملها مع القضايا والنزاعات الدولية،انطلاقا من منظور “الحوكمة العالمية”  التي تهدف الى  حل المشكلات العالميةوالتي تتألف من افكار المجتمع الدولي وآلياته وسلوكه في حل القضايا المشتركة، أي أنهذه الحوكمة هي بمثابة نوع جديد من القواعد والآليات والطرق والأنشطة لإدارة الشؤون العالمية بموجب توجهات النظرية العامة للبشر والمصالح المشتركة ، ومن خلال حوار وتشاور وتعاون متكافئ،  وبذل جهود مشتركة لمواجهة التحديات العالمية  المتمثلة بتعدد الجهات الفاعلة” حسب التعريف الذى يذهب اليه العديد من الباحثين الصينين اعتمادا على الدراسات المتعددة الاختصاصات التي تشمل علوم الاقتصاد والإدارة والدبلوماسية والسياسة والاجتماع. 

انطلاقا من هذه المعطيات يتضح ان حل الازمة بين كوريا الشمالية والغرب يمكن أن يجد طريقه الى التهدئة أولا ويمر ثانيا البحث عن السبل الكفيلة بإيجاد مخرج يحفظ حقوق جميع الاطراف،حيث يمكن للصين أن تكون عاملا اساسيا في تحقيق ذلك، والذى لن يعوضها لا تهديدات  واشنطن ولا تعنت واستفزازات نظام بيونغ يانغ.