في الحاجة إلى استقلاليين قادرين على صيانة حرية الاختيار واستقلالية القرار
إن القراءة المتأملة في واقع الحياة السياسية المغربية عامة والحزبية منها على الخصوص كثيرا ما تدفع نحو عدم الاطمئنان على مستقبل البلد الذي لا يكتفي فيه بالتبخيس والإهانة للعمل الحزبي من الداخل والخارج بغرض تدجينه وتنميطه وتعقيم رحمه المنجب للفكر والإبداع فاذا كان الحزب هو ذلك التنظيم القوي على الترك المستدام محليا وجهويا ووطنيا وقطاعيا بغرض التواصل مع الأفراد والمجتمعات المكونة للمجتمع الذي ينتسب إليه بغرض نيل ثقته والتعاقد معه من اجل تطبيق مشروعه المجتمعي أو انه تنظيم يتألف من أشخاص يتقاسمون نفس المعتقدات الفكرية والتوجهات السياسية التي يتطلعون إلى بلورتها في شكل مشروع يمكن أن يضمن ثقة المجتمع ليتمكنوا من تغيير الشأن السياسي وهناك من يعرف الحزب السياسي بكونه تنظيم إنساني يقوم على التالف بين عدة أشخاص ذاتيين للتعبير عن أفكارهم ومطالبهم يتطلعون إلى إعمالها من خلال تسلمهم للمقاليد الإستراتيجية والتدبيرية للدولة
آراء أخرى
وفي محاولات أخري يعتبر الحزب بمثابة الآلية التي يعتمدها الشعب للتعبير عن تطلعاته عبر العمل المشترك الذي يتيح له الحزب هناك العديد من البلدان التي تعتبر فيها الأحزاب مجرد أدوات للدولة ولا يسمح لها بان تحمل مشاريع بديلة لها يستطيع الحزب الوصول إلى إعمالها عبر آلية انتخابية نزيهة وعلى قاعدة التعاقد الديمقراطية فالأحزاب في هده البلاد يتحدد دورها في تأطير المواطنين وتمثيلهم من اجل تعزيز سلطة الدولة و توفير مناخ الثقة في مؤسساتها فان الفعل الحزبي الذي صنع الشعب في المغرب لمناهضة الاستعمار سواء عبر الكفاح المسلح أو من خلال النضال السياسي قام ويجب أن يبقى قائما على قيم الحرية الكاملة التي لا تتجزأ ولا يمتلك أي شخص التحكم في حقوق الآخرين بشأنها.
فبالحرية يستطيع الفرد الإنساني النمو والتطور والتعلم والتكوين وامتلاك الاقتدارات المعرفية والعلمية والتقنية المطلوبة لأداء رسالته الحياتية بشكل حضاري مسؤول ومفكر ومبدع وعليه كانت قيمة الحزب لا تكمن في كثرته ولا في قوة أسلوبه وإنما في مطابقة اعتقاداته لكينونة المجتمع بكل مكوناته ومكنوناته وفيما ينشأ عن دلك من استجابات جماعية لدعوات واقتناع الناس بوعي سليم لما يطرح من اختيارات فالحزب السياسي الذي يصنعه المجتمع لا يقبل بخذلان قياديه للمجتمع ولا يرضى على التخلي عن معارك مقاومة الظلم والاستعباد والرضى بالقعود من الخوالف وانتظار نصيبه من التفضلات الواردة عن سياسة الريع لأنه قبل أن يسهم في تعبئة الناس وتجييشهم و إفراغهم من كل محتوى فكري أو أخلاقي وفق قيم وطنية الريع بدل قيم التفكير بسعادة الإنسان وسلامة العالم مهما تطلب الأمر من جهود وتضحيات
بالعودة إلى التراث الفكري المناضل من اجل إدراك فردي وجماعي ومجتمعي للمسؤوليات السياسية و الاقتصادية والسسيوثقافية الواجب تحملها بأمانة لقيادة الحياة الإنسانية نحو التفتح و الإسهام في الارتقاء الايجابي لعطاءات الحداثة كورشة إنسانية دائمة الفعل و التفاعل وهيكلة الحياة الوطنية وتقويتها على تجاوز التخلف و الظلم والاستبداد و التحرر من الفكر الجامد و الدفاع عن لانهاية التفكير ولا حكر عليه أو وصاية أو حدود في بلورة البحث العلمي و الاجتهاد الفكري من اجل تكوين مقاربات عملية قابلة للانجاز و التقييم و التطوير. فقد كان الحرص ويجب أن يبقى على الربط بين تقدم المجتمع و التفكير الاجتماعي الذي يعني التفكير بالإنسان الذي تعتبر أساسا من أسس المجتمع الديمقراطي وهذا عكس نضالية الريع القائمة على تربية الفرد وتنشئته على أن لا يفكر بأحد ولا ينظر في أمور الآخرين وتنميطه إلى درجة يعتقد بحكمها بان العالم محصور في وجوده الخاص ( علال الفاسي،النقد الذاتي ص 16 ط 8-2008)، وهذا التوجيه الدقيق يعني امتلاك الحزب لمدارك متجددة بشأن استساغة الحياة الديموقراطية التي يجب أن تنبني على المقاومة المتواصلة على كافة الواجهات للتحرر من قيم الخنوع و التبعية والانتهازية وثقافة الريع التي تنتج بغزارة شخوص ونماذج التفكير بالمصلحة الفردية الأنانية المنغلقة على تخمتها المتوحشة بقيادة المنافقين أي البورجوازيين الأثرياء الملتصقين بالقيمين على التسلط و الاستبداد و الإقطاعيين الذين يستغلون القرابة الدموية أو سلطة المخزن لحرمان الإنسان القروي من التطور فالمقاومة في هذا الاتجاه ثقافة تنشد التحرر عبر التنوير المستمر للأذهان وفق قواعد البحث العلمي المقاوم ضد التخلف الإنساني .ويعتبر أن الحياة الديمقراطية ستستتب عندما يستطيع الفرد الإنساني التفكير بالاغيار أناسا وبيئة حاضرا ومستقبلا إن دعوى لمكافحة السيكوباتية السياسية والسوسيواقتصادية والثقافية والإدارية بوصفها أورام ترمي إلى تمزيق النسيج السوسيوثقافي للإنسانية وتحويله إلى مكونات متناحرة ثقافيا وطبقيا.
لقد استنتج الباحثون في هذا التراث النضالي بأنه كان يقوم دعاته على البحث العلمي وامتلاك اقتدارات التكييف و التطوير وفي هذا السياق يأتي عمل الأستاذ الباحث مصطفى خلال في شأن المسالة الديمقراطية لدى علال الفاسي الذي يدعو من خلال النقد الذاتي كل المغاربية على امتلاك قدرات التكيف و التطور وامتلاك المهارات اللازمة لاستتباب العدل الاجتماعي و الإنصاف الاقتصادي و الرقي الحضاري وفق الاطاريح الإنسانية المتفاعلة مع لاالحضور الآلي و المادي وليس كما كان معمولا به الحال في حياة الانحطاط و الظلم وفي هذا السياق يستنتج الأستاذ خلال أن علال الفاسي قد قدم تصورا للتفكير بالإنسانية يشكل قاعدة أساسية لكل بناء ديمقراطي حقيقي(مصطفي خلاف مجلة الحكمة العدد الثاني 1993 ص 8) وهي كما يلي :
أ – الارتقاء بمضامين النزعة الإنسانية لدى الأسلاف لتقوى على تملك محتويات عليمة وتقنية وثقافية سوسيواقتصادية المطلوبة للتواجد الفعال في الحياة المعاصرة .
ب – إقامة التفكير بالإنسانية في أبعاده الديمقراطية على مقاومة نهج التسلط الإقطاعي والتحرر من ذهنيتها باعتبارها طبقة سيكوباتية اجتماعية ترفض كل تجديد وتستغل فعل الخير على سبيل الرياء و الاستعراضية لتمتين تحكمها واستعبادها للآخرين وبتمويلها وحمايتها لكل مهرجانات المجون وإعلام الإلهاء و العمل بشكل عكسي في نشر ثقافة التطور و الغلو وتدعيم سياسات الإدارة بالأزمات.
ج – توسيع مجالات امتلاك روح التفكير بالمجتمع ومهارات خدمته غبر التصاميم السوسيوتنموية الموضوعة على قواعد العناية النفسية الاجتماعية التي تعتبر حقا من حقوق الإنسان يجب إشباعها باستمرار لدى الحاكم و المحكوم و الأستاذ و الطالب و الرئيس و المرؤوس و القاضي و المتقاضي و الزوجة و الزوج و الأبوين والأبناء، باعتبارها شرط أساسي يعطي للفرد التمكين القوي على إسهامه في صياغة المنطقة الحيوية المشتركة مع الآخرين على قيم التفهم العميق و المتبادل و الإدراك الجيد للمجالات الحيوية الفردية بعضهم البعض و التي تيسر لهم توافق إراداتهم الحرة على صياغة نظمهم السياسية والسوسيواقتصادية والثقافية والقانونية كوسائل لانجاز تطلعاتهم وتحقيق طموحاتهم الإنسانية المتحضرة اعتمادا على دواتهم . إنها العوامل الثلاثة التي يعتبرها علال الفاسي خارطة طريق نحو هيكلة المجتمع الإنساني الديمقراطي القائم على بناء الإنسان المدرك لرسالته الحضارية و القوي لرسالته الحضارية والقوي على أداء واجباته نحو الإنسانية بفكر علمي وتقني متطور.
إذا كان هذا مجرد مظهر من مظاهر التفكير بالنضال الحزبي المنظم في مغرب الاحتلال وفي بداية الاستقلال والذي كان كادته يربون الناس على النضال من أجل انتصار القيم المتحضرة حيث قدموا العديد من التضحيات وتعرضوا لكثير من ألوان الاضطهاد المادي و الاجتماعي و الثقافي ،الفعلي و الرمزي المباشر وغير المباشر لكنهم ما ضعفوا ولا استكانوا وصمدوا بصدق ووفاء لقيمهم التي تأبى أن يكون من يعتقد بها قابلا للركون مع الخوالف.
لقد تكالبت عليهم قوى الشر و التيئيس التي استطاعت شق صفوفهم في يناير 1959 تحت شعار الانتقال من وطنية العاطفة إلى وطنية المنطق بغرض سجن المغاربة في زنازين وطنية الريع، لكن عمقهم المتجذر في المجتمع بكل أبعèاده الجغرافية والثقافية حال دون ذلك واستمروا مخلصين للقيم الإنسانية المتحضرة على درب البحث العلمي والتواصلي الفعال الفردي والقطاعي والمجتمعي بقدرات إنصاتية تعتمد على الحس الإنساني المناضل بصدق غير آبهين بالمكاسب ولا المناصب أو الأوسمة أو الرتب مكافحين من أجل الإنسان الحر في الوطن الحر والمتماسك والمعتز بتنوعه الثقافي والاجتماعي معتمدين حسن النية في التعامل مع التطورات التي تطال البلاد ولا يسمحون باستغلال السياسيين للدين والذين أجبروا العديد من العلماء على ترك العمل السياسي رغم أنهن كانوا لا يوظفون الدين في السياسة ولكن يجتهدون في سبيل خلق شراكة بين الدين الإسلامي والسياسي غايتها الأساسية الارتقاء بمصالح العباد وسلم الحضارة الإنسانية .
من السهل جدا على الذين يقبلون بالخنوع والتملق من أجل الاقتيات من الريع أن يسهموا في استتباب وطنية الريع وتنميط الناشئين على ضوابطها، مقابل التخلص التام من القيم وطنية أللاستقلالية وحرية الرأي وجرأة المواقف التي كانت وما تزال تعتبر النضال السياسي بأنفاس جديدة بالعودة إلى تاريخ النضال السياسي يجد الباحث مجموعة من الحقائق التي لا يمكن القفز عليها ومنها على سبيل المثال خروج الإقطاع من حزب الاستقلال عندما رفع هذا التنظيم السياسي شعار الأرض لمن يحرثها والمعامل للعمال والحكم للشعب سنة 1963، وكذا الرسالة التي بعث بها الحسن الثاني 23 شتنبر 1972 إلى الرئيس علال الفاسي والتي عبر فيها الملك عن رغبته الأكيدة في تضافر جهود العناصر الوطنية الحية في تكوين الأداة الحكومية المعبرة عن اجتماع الكلمة والكفيلة ببلوغ أسمى ما تسمو إليه الهمة مترجيا إسهام حزب الاستقلال في الأعمال المنوطة بالجهاز الحكومي، إنها رسالة من ملك المغرب آنذاك إلى زعيم التحرير علال الفاسي. هذه الرسالة تطلبت من حزب الاستقلال في تلك الفترة حوارا سياسيا عميقا ومسؤولا أفرز في 16 أكتوبر 1972 رسالية جوابية مما جاء فيها:
تقدير حزب الاستقلال للظروف التي تعيشها البلاد كما وردت في رسالة الحسن الثاني معتبرا إياها من أخطر الظروف التي واجها المجتمع المغربي في تاريخه الحديث، مؤكدا بأنها لا تمس أسلوب الحكم ولا ممارسة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية فقط ولكنها تمس مستقبل المغرب واستقلاله، وقد أكد جواب حزب الاستقلال على عمق وعي مناضليه ونباهة مؤسساته لمصلحة الوطن والمجتمع وما للوحدة الوطنية من آثار أساسية في إنقاذ البلاد وفي صياغة خط السير ببناء مستقبلها. وهذا عمل حسب الرسالة الجوابية لن يؤمن إلا بحكومة وطنية منبثقة من الشعب ومحصنة بثقته وقادرة على تحمل المسؤوليات في الظروف الحرجة التي تجتازها البلاد، ويعتبر الكتاب الجوابي للاستقلاليات والاستقلاليين على رسالة الحسن الثاني على تحمل المسؤوليات ومهام الاتقاد ليس بالعمل السهل مبينين بان الوضعية الحرجة ليست منتوج حادثة طارئة وأنها لا تتعلق بقطاع الواحد يتصل بحياة المواطنين لكنها إفرازات حتمية لتدهور الأوضاع السياسية و السوسيواقتصادية لعدة سنوات ويبينون بان ذلك التدهور الذي كان يطال المغرب في تلك الفترة انعكاسات سلبية على مختلف الميادين الحياتية . وقد أرفقوا برسالتهم الجوابية ملحقا يستعرض بإيجاز كل صنوف التدهور الذي تعانيه القطاعات الحيوية بالمغرب على سبيل المثال – لقد لا كان جواب حزب الاستقلال على رسالة الحسن الثاني المعبرة على رغبته في دخول الاستقلاليين في دخول الحكومة مبنية على دراسات وحوارات مسؤولة يؤطرها الإدراك العميق للرسالة الحضارية للحزب الذي أسسه المجتمع ليكون مثابة للتربية و التكوين و التنشئة على حرية التفكير و الاختيار و الإخلاص للمجتمع من خلال تمكين أفراده وجماعاته في ربوع الوطن من أدراك دواتهم بكل أبعادها الواقعية.
هكذا تميز الأداء الحزبي في المغرب الأصيل وبهذه الأنفاس كان يشتغل حيث كانت له القدرة على إعداد للمشروع المجتمعي البديل بكيفية متجددة تتم مراجعتها في كل مؤتمر وهو مشروع مجتمعي يتكون من مشروع التعاقد الدستوري البديل والقوانين البديلة و الاقتصاد البديل والتربية والتكوين البديل والتنظيم القضائي البديل والنظام الجبائي البديل …كان هؤلاء لا يقبلون في حياة الرئيس علال الفاسي ولا يتهاودون في شأن استقلالية القرار الحزبي ولا يقبلون الاعتماد على الإقطاع والأعيان وتمكينهم من مواقع حزبية مقابل استغلال أقنان هؤلاء المباشرين وغير المباشرين بغرض الحصول على أغلبية تصل بالأمين العام للحزب للوصول إلى الوزارة الأولى، بل كانوا مجرد شماعات متمثلة في مناصب حكومية يعلق عليها السياسات المخزنية وطنيا وترابيا وقطاعيا فشلها. وهو ما دفع بالأستاذ بوستة إلى عدم القبول بالوزارة الأولى وإقدامه على الانسحاب من الأمانة العامة للحزب بعد أن تبين له مدى التدني الذي صارت عليه الحياة العامة بالمغرب وهو انسحاب سمح باستباحة القرار الحزبي وتيسير سبل تبوء الأعيان والإقطاعيين والكل محسوب ومضمون من قبل مخرجي المشاهد السياسية في المغرب في العشاريات الأولى من القرن الواحد والعشرين لكن إذا ما كان الوصول إلى الوزارة الأولى وتكوين حكومة نمقها الراحل مزيان بلفقيه تخضع للتعديل حسب أهواء القيمين على الحكومة العميقة دون إخبار الوزير الأول في الحكومة المصرح بها وإذا تم تليين كل السبل للحكومة العميقة من فبركة حزبها الذي كان يتطلع لإهمال النموذج التونسي في عهد بنعلي أو المصري في عهد مبارك وهو تطلع تبخر عبر انتفاضة 20 فبراير التي امتعاضها عبر الوثيقة الدستورية الجديدة و الانتخابات المبكرة التي عجلت بالحكومة التي كانت قيادتها محسوبة على حزب الاستقلال فانه مند ذلك الوقت وهذا التنظيم يعاني من ىصعوبات جمة أبعدت العديد من المؤمنين بقيمه من كل أمل في أي فعل حزبي مستقل وصادق. وإذا كان ذلك في فسحة للرويبضة والأعيان واالببيراقراطيين والمنافقين داخل الحزب وخارجه فإنه ليس من مصلحة البلاد أن تخرب أحزابها وتمييع قيمها وتتحول من مهامها التأطيرية والتنشيئية السياسية إلى الفرق الرياضية ومنشطي البرامج التلفية وللمغنيات وممثلين بالإضافة إلى أعوان السلطة من شيوخ ومقدمين ومن يشرفون عليهم وإلى جمعيات صنعت تحث رعاية هؤلاء كما أنه لم يعد من اللائق التدخل في شأن انتخاب زعيم الحزب من قبل القيمين على الحكومة العميقة والتدخل في اختيار الأعضاء الذين سيقودون معه الحزب . إن هذا يضر بشكل قوي مصداقية كل ما يمت بالمكتسبات الديموقراطية بهذا البلد وإذا كان من الحيف أن تتحول وسائل الإعلام العمومية الخاصة إلى قنوات للدعاية غير المتوازنة لفائدة أشخاص أو جهات بناءا على تعليمات أو أملا في تحقيق مصالح أو الحفاظ عليها فإن هذا لا يسهم في أي سمو الأخلاق المهنية للصحافة التي يعول عليها من قبل الرأي العام في تزويده بالحقيقة.
في ظل هذه الفتن التي تم اشتعالها منذ مغادرة الأستاذ محمد بوستة لقيادة حزب الاستقلال لم يعد يأبه بالفكر في حزب الاستقلال ولا بالتنظيم ولا بالبرنامج النضالي لأن كل الحركات والسكنات أصبحت مدبرة عبر التعليمات الواردة من خارج الحزب، وعليه تم إبعاد القياديين الذين قدموا استقالتهم في منتصف بعد عامين على تكوين حكومة الأستاذ عبدالرحمان اليوسفي ومنهم الأستاذ العربي المساري الذي صدم عندما قدم برنامج الحكومة بشأن إصلاح الإعلام فتصدى له أحد الأطر النافذة بوزارة الاقتصاد والمالية بما يفيد بأن تطبيق ذلك البرنامج من باب المستحيلات، وعبد الواحد الفاسي الطيب الذي كان على وزارة الصحة وطالب بمغادرتها جراء العديد من العوائق التي حاصرته رغم أنه كان يرفض التعويضات عن التنقلات التي كان يقوم بها لممارسة مهامه الوزارية، أما عبد الحميد عواد الذي لم يسمح لمدير البنك الدولي بأن يتكلم قبله أو يعطيه التعليمات ومحمد الخليفة الذي تم التواطؤ عليه وإبعاده من وزارة الصناعة التقليدية وهي أمور استتبت تحث شعار المصلحة الشخصية تم عائلية ثانيا، ثم من نشترك معهم المصالح ثم أقناننا داخل الحزب، وأخيرا بقية الناس ومنهم ضحايا قضية النجاة التي حذرنا من عدم جديتها في الوقت المناسب لكن نظرة الاستعلاء لم تسمح للمعنيين بالإنصات إلينا بعد تحقيق (المجد) والدخول إلى التاريخ تم التخلي عن الحزب ليتحول إلى ساحة للتطاحن والتنابز والمكائد والتحالفات المصلحية وتعدد صنوف الانتهازية والتملق في ظل قيم وطنية الريع التي صاغ فلسفتها عرابوا الفذيك( جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية) في ستينيات القرن العشرين والتي كان عصيا عليها اقتحام حزب علال الفاسي وعبدالخالق الطريس آنذاك ومحمد بوستة لكن عرابوها الجدد استطاعوا اقتحامه من خلال تأمين تطلعات الشخصية للقيادات الجديدة التي أسهموا في تصنيعها منذ سبعينيات القرن الماضي ففي المؤتمر السادس بدأ التطاول على الحزب واستبيحت تنظيماته تحث ذرائع واهية منها تحرير باب العزيزية وإزاحة الطابع العائلي عن الحزب وعصرنة أجهزته وتقوية تنظيماته وتمكينه من براديغما جديدة لفهم العالم الجديد وانفتاحه على الكفاءات الجديدة وعلى رجال الأعمال والمستثمرين وتقوية صفوف المعارضة من خلال التحالف مع الأصالة والمعاصرة الحفيد الشرعي للفديك والخروج من حكومة ما بعد دستور 2011 ضدا عن العدالة والتنمية التي يجب إضعافها وبقي هذا التوجه سيد الموقف إلى حين إعلان نتائج الانتخابات الجماعية حيث تبين الرشد من الغي عندما تخلى الفديك الجديد عن القيمين على قيادة حزب الاستقلال وتم منح جهة فاس مكناس للعنصر بدل شباط لينطلق التمرد على المخزن وأحزابه وحلفائه فيقرر هذا الأخير وجوب تنحية شباط الذي لم يكن في مستوى طموحات الفديك الرامية إلى صرخ حزب الاستقلال عن قيمه ودمجه في التوجه العام الذي تنضبط إليه كافة الأحزاب الأخرى التي صنعها لتقوم بالأدوار التي يقررها القيمون على الدولة وتحث توجيه ومراقبة خدامها على هذا الأساس تم إقصاء حزب الاستقلال من المشاركة في الحكومة التي كان من المفروض أن يرأسها عبد الاله بن كيران أمين عام حزب العدالة و التنمية و العمل على إبعاد حميد شباط عن أي حضور إعلامي او نقابي أو حزبي و الحرص الشديد في إيجاد خلف يتميز بمواصفات بين الانتساب العائلي لمؤسسي حزب الاستقلال و الخبرة العلمية التيكنوقراطية و الولاء التام للمخزن وهي أمور لا تتوفر مثلا لدى عبد الواحد الفاسي أو هاني الفاسي نجلي علال الفاسي أو لدى صهره محمد الوافا لا تتوفر أيضا لدى امحمد بوستة ولكنها موجودة بالقدر المطلوب لدى نزر البركة حفيد علال الفاسي من والدته وصهر عباس الفاسي زوج خالته ،ويحضى بقدر من الاحترام لدى العديد من الأعيان البيروقراطيين الذين يطمحون إلى الوصول لمناصب آو تحقيق مكاسب من خلال تقديم ولاءاتهم للامين العام المرتقب بإرادة المخزن ومباركة الإقطاع ومساندة خدام الدولة من خلال حشد القنوات الدعاية و المقاول المحسوب على الإعلام العمومي وقد يأتي بعده في إطار التناوب صهره عبد المجيد الفاسي عضو مجلس النواب ونجل الأمين العام الأسبق عباس الفاسي ،نزار الوزير المتمرس في شؤون العامة و الحكامة و الاقتصاد و المالية وبتدبير شؤون المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي التواق لتبوء مقعد الأمانة العامة في حزب الاستقلال قام باستشارات تفاعلية مع مجموعة من أعضاء الحزب بعيدا عن أشغال اللجنة التحضيرية الوطنية بغرض صياغة تشخيص لواقع حال الحزب واستثمار ذكاء مناضليه في وضع برنامج تشاركي يتم عرضه على المؤتمر المقبل وهي استشارة اعتمدت تقنية الحوار في شكل المجموعات البؤرية وتقنية الاستمارة في جمع المعطيات وقد وصلت عينة العمل الذي أعده الأستاذ نزار 1008 من الاستقلاليين و الاستقلاليات وبغض النظر عن المتغيرات التي لم تتم الإشارة إليها كالنوع و السن و المهن و المستويات التعليمية والحضور النضالي و الحزبي ، فان القراءة الموضوعية لهذا العمل تبين لجوء الأستاذ نزار إلى الشباب الذي حضر في عينته بنسبة 39% دون القول بنسب حضور الشرائح الأخرى . يتبين على أن نسبة حضور الدين الإسلامي كمؤطر للأطروحة الاستقلالية قد احتل المكانة الثالثة في استشارات الأمين العام المرتقب لحزب الاستقلال مقابل الديمقراطية و الخيار التعادلي الذي يصعب الحديث عن الالتزام بهما في أي برنامج حكومي مقبل برئاسة حزب الاستقلال في ضل تحكم المؤسسات المالية الدولية و الأجنبية في الأحوال الاقتصادية و المالية للمغرب كما يدرك ذلك الأستاذ نزار أكثر من أي شخص آخر ،كما أن القول بتأمين العيش المشترك بدل التواجد الفعال المشترك على قواعد الفكر والإبداع والبحث العلمي يعتبر من المؤشرات على أن هناك قناعة بتحويل الحزب إلى مجرد مركز للحوار الثقافي و الوساطة الانتخابوية بعد أن كان يعتبر ضميرا من الضمائر المعنوية للمغرب وكيانا مكافحا من اجل حماية الناس من كل صنوف الظلم و العنف الذي يطالهم في علاقاتهم مع الأجهزة الإدارية و الضريبية داخل الحياة اليومية، أما عن إعطاء الأولوية للديمقراطية الداخلية فهذا كان ميسرا قبل تمكن الأعيان والإقطاعيين من ولوج المراكز القيادية داخل الحزب و التحكم في تنظيماته،فقد يصعب على مناضل تربى في الحزب وناضل ميدانيا وفكريا وسياسيا في ضل قيمه أن يحصل حتى على العضوية حتى في المؤتمر الإقليمي أو المحلي لكونه يخالف توجهات الممولين الجدد للقرار الحزبي.أما برنامج الحزب الذي يود نزار إعطائه الأسبقية في عقد التحالفات الحزبية قبل نتائج الانتخابات هو درب من دروب الخيال لأننا في المغرب و الحمد لله لدينا قوانين و أعراف وتقاليد وواقع لا يرتفع يصعب معه القول بان هناك حزب نجح في الانتخابات وطبق جزءا من برنامجه السياسي فبالأحرى كل البرنامج،وهذا كلام نقول به في ضل الانفعالية الحزبية وإبان الانتخابات ولكن يصعب إعماله لان الحكومة في المغرب تسير ولا تقرر. وفي هذا الاستطلاع الذي يتبلور من خلاله برنامج الأستاذ نزار كمرشح للأمانة العامة للحزب يتبين أن العينة التي اعتمد عليها لا تةلي أهمية للبحث العلمي والفكر والإبداع بقدر ما تعنى بالتوافقات والحوارات والدعوة للعيش المشترك وهي عينة يصعب القول بكون رأيها يمثل رأي الاستقلاليات والاستقلاليين الذي يعتبرون البحث العلمي والاجتهادات الفكرية أمر ضروري لتحصين الحزب ضد التفسخ وسموم المقاولة الانتخابية. وإذا كانت هذه العينة قد عبرت عن قلقها وعن عدم رضاها عن أحوال تنظيمية للحزب ويطالب أغلبيتهم بمراجعة هيكلته التنظيمية ليكون قادرا على الحضور والاستجابة لاحتياجات الناس هي واقع لم يأت مع المؤتمر السادس عشر للحزب الذي نتجت عنه تصدعات قوية فإنما منذ المؤتمر الثالث عشر حيث انطلقت عمليات الإقصاء لكل من لا يقبل بالتبعية والولاء ويناضل من استقلالية الرأي والقرار داخل الحزب وهؤلاء الذين أصبحوا من غير المرغوب بهم والذين تم استبدالهم بالوافدين سفراء الفديك الجديد ومن نقائص هذه العينة عدم اكتراثها بالأوساط القروية التي كان حزب الاستقلال يشكل ظهرا قويا لحماية المحاصرين في القرى والجبال والذين يعانون من أبسط الاحتياجات بالإضافة إلى ما يطالهم من تعسف وسطو على أراضيهم بموجب قوانين نزع الملكية مقابل تعويضات لا تؤهلهم لصياغة وضعيات حياتية جديدة وكريمة . فهل صحيح أن هناك قدرة للحزب على محاربة الفساد في ظل العديد من السائدين داخله والذين يخضعون لكل تحركاتها إلى أوامر من أجهزة خارجة الحزب والذين انتقلوا اقتصاديتا واجتماعيا بأساليب يدركها الأستاذ نزار أكثر من غيره سيقبلون بمحاربة الفساد وهم يعيشون على قيم وطنية الريع؟ وهل سيقبل المتحكمون ماليا في الحزب بمقولة التوزيع العادل للثروة ؟ وما ولوجهم للحزب إلا للتغطية عن سياديتهم الاجتماعية والاقتصادية المستعبدة للمقهورين من الأجراء والمهمشين. وهل صحيح أن هناك أجيال لحقوق الإنسان يمكن تلبيتها بتدرج أم أن حقوق الإنسان كاملة مكتملة لا يمكن التسويف أو التهاون بشأن إعمالها كلية؟.
أما بالنسبة للفكرة التي يحملها عن حزب الاستقلال والمتسمة بالسلبية فهذا يعود للغموض الناتج إلى الافتقار لبراديغم جديد لفهم حزب من قبل قيادييه وأطره ولو قام الأستاذ نزار بدراسة لمعرفة تمثلات قيادات وأطر الحزب وطنيا وجهويا قطاعيا لا اندهش من الإجابات التي توصلنا إليها في دراسات سابقة التي تنم بعمقها أن الحزب افتقد هويته منذ المؤتمر الثالث عشر لأنه في البحث عن كثلة انتخابية كبيرة تضمن الوصول إلى الوزارة الأولى وليترك نعت الناس لحزب الاستقلال بما يحلو لهم – محافظ- إقطاع- بورجوازي- عائلي- … المهم هو وصول أمينه العام للوزارة الأولى وهذا إ‘رث ثقيل يصعب التخلص منه في ظل استتباب وطنية الريع التي أصبحت اعتقادا لا يطال المناضلين الأوفياء المؤمنين بقيم الحزب ولكنه يسود كل المتدافعين نحو الوصول إلى مواقع تحقق مآرب شخصية انتهازية على حساب الحزب وإذا كان الأفضل غض الطرف على الكلام المتعلق بهشاشة وضعف الحزب والمتصلة بالديمقراطية والانفتاح والتجديد والتخليق وهذه مصطلحات لوثتها الآليات الدعائية وليس الإعلامية وأفرغتها من محتوياتها السليمة، نؤكد على أن هذه الأمور قد تكون ضمنية بشكل آلي عندما يركز الحزب على التمكين الإنساني المتحضر لأعضائه نفسيا ومعرفيا وسياسيا وتنظيميا … ومن كل المهارات الواجبة لإدراك رسالتهم الإنسانية عامة والحزبية خاصة بشكل حضاري.
إن الأستاذ نزار الذي أقدم على هذا العمل سواء كان من التمهيد للترشح للأمانة العامة أو بصفة مناضل استقلالي يهمه الاعتناء الحزبي من أجلب أدائه لواجباته الوطنية والإنسانية وبغض النظر عن الملاحظات المنهجية التي قد تسجل بشأنه فهو أرضية للتفاعل والحوار حول حزب من صنع المجتمع المغربي كان وما يزال ويجب أن يبقى قويا على الاستقلالية في قراراته معتمدا على مناضليه في تمويل برامجه منفتحا بانتظام على البحث العلمي متواصلا بفعالية مع عمقه المجتمعي قويا على مناهج وبرامج تمكين قياداته المركزية والترابية والقطاعية معتبرا المشاركة السياسية برلمانا كانت أو حكومة أو ترابية أو حكامية مجرد عمل متقدم على درب النضال السياسي الجاد ومبني على القيم التي أسس الحزب من أجلها .
قد يستطيع الأستاذ نزار بركة الوصول إلى مركز الأمانة العامة للحزب وقد يصبح رئيسا للحكومة في وقت لاحق ولكن هل يستطيع أن يطبق التعادلية الاقتصادية والاجتماعية ؟ وهل يستطيع استتباب قيم وسلوكيات الديموقراطية التشاركية؟ وهل يستطيع الاستجابة لضوابط الحكامة الجيدة وإعمال التوصيات التي تصدر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي يرأسه؟ وهل يستطيع رفض التوجيهات والتعليمات التي تريد التحكم في الحياة السياسية بعيدا عن أحكام الدستور ؟ وهل يستطيع تحرير من هيمنة وطنية الريع وسيادة الإقطاع وتآمر الأعيان وانتهازية ما يسمى بالتكنوقراط؟ وهل سيتمكن من احتواء الخلافات مع من سبقه في الأمانة العامة من صياغة توافقات تصون ماء الوجه لدى جميع الأطراف وتمكن الحزب من ولوج مرحلة النضال الجدي الذي يجعل مصالح الإفراد والجماعات والمجتمع والوطن فوق كل الاعتبارات ؟ وهل سيصون للحزب هويته ويحرؤص على عدم سقوطه في أحضان الفديك الجديد ؟ .
إنها بعض التساؤلات التي يمكن أن تطرح على الأستاذ نزار الذي سمح لي بهذا التفاعل عبر ما قام بنشره تحث عنوان :” من أجل حزب استقلال فاعل في مغرب اليوم والغد” على إيقاع معركة اليوم والغد من أجل المشروعية والديموقراطية والتعادلية، لكنها أسئلة أطرحها على كافة المهتمين بالشأن السياسي المغربي عامة وعلى المناضلين الجديين داخل حزب الاستقلال والأحزاب الوطنية الجادة بالخصوص؟ إننا في حاجة إلى المزيد من الحريات الحزبية التي تسمح بالتفكير والإبداع وتحرر الإنسان من التبعية الفكرية والتقليد الأعمى لتجارب الغير والخضوع لتعاليم القيمين على الدولة لأن مشروع الدولة هو مجرد برنامج ينتهي بانتهاء صلاحية الأجهزة القيمة على تدبير شؤون الدولة لذا فمشروع الحزب هو بديل لمشروع الدولة، قد يتمكن الحزب من إعماله عبر النجاح في الانتخابات وعليه لابد من إعادة النظر في مجموعة من التمثلات الخاطئة التي ليست في صالح الحاضر ومستقبل المجتمع وعليه أقول للأستاذ نزار من موقع الباحث الذي لا طموح سياسي لديه داخل أو خارج الحزب. إن الحزب الفاعل في مغرب اليوم والغد يحتاج إلى حزبيين مؤمنين بعقيدة الحزب وبقيمه ومؤهلين أخلاقيا وسياسيا لصيانة الاختيار الحر داخل الحزب واستقلالية قراراته.