إذا كان الانفتاح على التجارب حق مشروع، شريطة تجنيس هذه التجارب وتكييفها مع الحاجات و الانتظارات، وأخذا بعين الاعتبار حجم الهوة التي تفصلنا عن المجتمعات التي قطعت أشواطا كثيرة على مستوى التراكم الذي حققته بخصوص الحقوق المتجددة للإنسان، وبالنظر إلى الاختلاف الكبير بين الإكراهات التي جعلت الحقوقيين في البلدان المتقدمة صناعيا يرفعون شعار ” أي عالم سنترك لأبنائنا” وبين ما يحكمنا من إكراهات مختلفة بخصوص حجم الانتظارات  الكثيرة من حيث عدم تسوية القسط الأوفر من الأجيال القديمة لحقوق الإنسان التي لازلنا نتخبط بخصوص الوفاء بحدها الأدنى. يكون من الضروري إجراء تعديل على هذا الشعار العالمي الجديد “أي عالم سنترك لأبنائنا”وجعله أكثر ملائمة لواقعنا ليصبح :”ضمن أي مناخ سياسي ننشئ أبنائنا “. وذلك بالنظر لما يشوب واقعنا السياسي من فساد مريع،وعلى كل المستويات، و ما يكرسه من قناعة لدى الناشئة، مفادها أن السياسة كذب وخداع وتمويه و انتهازية ووصولية وخطاب مزدوج يلبس لكل حال لبوسها من أجل منافع عينية ذاتية لا تمت بصلة للصالح العام . ودون تفطن إلى أن هناك أجيال من الناشئة المعول عليها في بناء مغرب الغد منتشرون في المدارس عبر التراب الوطني يتابعون عن كتب ما يجري بواسطة الوسائط المتعددة التي اخترقت الكبير و الصغير ، ودون أن يأخذ سياسيونا ، الحيطة والحذر اللازمين بكونهم ليسوا مجرد حرفيين سياسيين يوظفون مؤهلاتهم في الاستثمار السياسي ، ويستعملون كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة للتسابق نحو  المواقع والمنافع ، وإنما هم وقبل ذلك ممارسون ميدانيون يفترض أن يكونوا قدوة في تلقين الناشئة قيم المواطنة والسلوك المدني من عفة وتضحية وتسامح وإيثار ونكران الذات، وذلك في أفق تأهيل الناشئة على التشبت بالقيم و تمهيرهم على  العمل السياسي النبيل و تحفيزهم على التفاعل و الانخراط في العمل السياسي النظيف مستقبلا ..

 لكن ما هي  الدروس العملية التي يقدمها البرلمانيون والمستشارون الوطنيون و المحليون و القياديون السياسيون الحاضرون في الساحة بقوة، او المختفون الذين ينتظرون مرور العاصفة ليتموقعوا مجددا وليعودوا لممارساتهم المعهودة ولخرجاتهم الشهيرة ؟ وما هي القيمة المضافة التي قدمها و يقدمها هؤلاء السياسيون  للناشئة من حيث غرس عناصر الثقة فيهم بنبل العمل السياسي ؟ 

و على الرغم مما يتابعه الرأي العام الدولي والوطني من خلال ما تعرضه وسائل الإعلام بكل أنواعها من تشخيص كارثي لواقعنا السياسي البئيس، الذي اقتضى الأمر أن يعلن داخل المؤسسة التشريعية   من قبل أعلى مستويات الدولة، أن أدواء واقعنا بكل تجلياته استفحلت ولم يعد ينفع معها علاج و لم يبق من أمل في الكثير ممن يتحملون مسؤولية التدبير التشريعي أو التنفيذي أوالجهوي أو المحلي غير الكي كآخر الدواء من قبيل زلزال سياسي يؤسس لمرحلة جديدة وإن اقتضى الأمر خارج الطريق الاعتيادي،  ولكن لا حياة لمن تنادي  إذ لا  زال السياسيون في طريقهم المألوف سائرون في غيهم يعمهون لا عين رأت و لا أذن سمعت.                                                                                                       

 إن المتتبع لكل ذلك سيلاحظ وبكل وضوح أن هذا الواقع المؤسف ،  والذي يتم إعادة إنتاجه بشكل أكثر رداءة ، قد خلف آثارا وخيمة على المنظومة القيمية والأخلاقية لناشئتنا.  وهو ما يدعو وبكل إلحاح إلى ضرورة الاستجابة لواجب التضامن الأخلاقي مع أطفال اليوم، وأجيال الغد من طرف حقوقيينا وجمعياتنا التي تعنى بالطفولة، كي تتجند وترتب في سلم أولوياتها ما تعرضت و تتعرض إليه الناشئة من انتهاكات نوعية جسيمة من حيث تنشئتهم ضمن بيئة سياسية فاسدة، لامحالة أنها ستؤثر سلبا على شخصياتهم وعلى أدائهم وتفاعلهم داخل المجتمع. وذلك وفق ما تؤكد عليه المرجعية السوسيولوجية من أن التنشئة الاجتماعية هي المسؤولة عن تحديد أنماط تفكيرنا وعن ميولاتنا بل وأذواقنا وكل شيء فينا إلى الحد الذي يذهب فيه مؤسس علم الاجتماع ،الفرنسي دوركايم إلى القول”أن الفرد حينما يتكلم فالمجتمع هو الذي يتكلم على لسانه” وعليه فالواجب الأخلاقي يدعو وبإلحاح أن يبادر الحقوقيون و القائمون على الطفولة بالانفتاح على تجربة التضامن مع أجيال الغد، وذلك للدفاع عن أبنائنا ومساعدتهم من أجل مساءلة “المناضلين الحزبيين السياسيين” عامة و”المنتخبين” بصفة خاصة ، وناهبي المال العام من المسؤولين الكبار الذين لا تطالهم يد العدالة على ما اقترفوه وما يقترفونه في حق أجيال الغد من إفساد مريع للمناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي و تكون نتائجه أحد أمرين : إما تكريس ثقافة الفساد لدى الناشئة وتشكيل وعي مغلوط لديهم مفاده أن السياسة والأخلاق ضدان لا يلتقيان، وبالتالي لاخيار أمامهم غير حدو النعل بالنعل على خطى قوى الفساد، وبالتالي إعادة إنتاج واقع الفساد وتجديد نخبه على أكثر من صعيد، وإما ابتعادهم عن السياسة والسياسيين والسير في الطريق المؤدي للالتحاق بالجيش العرمرم من العازفين.