
المواطن المغربي بين غلاء الأسعار وجمود القانون

تقديم
آراء أخرى
ليس هناك صغير أو كبير في المملكة إلا ويتحدث هذه الأيام عن ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية ، أسعار ألهبت جيوب الفقراء والفئة المتوسطة، بل اضطرت نساء منطقة سيدي بولعلام بالصويرة للموت في سبيل الحصول على لقمة عيش لتأمين غذاءها الذي عجزت الدولة عن ضمانه.
فالسيد لحسن الداودي لا زال يعيش في سياق منظومة التقشف التي تبنتها حكومة الإسلاميين سواء في عهد بنكيران أو العثماني، تاركين المستفدين من الريع ومن الامتيازات الخاصة، وأبدعوا بل وتفننوا في سياسة تفقير المواطن الفقير والمتوسط.
فما زال المغاربة لم يستفيقوا بعد من الضربة الموجعة التي قصمت ظهورهم من جراء إنعاش صندوق التقاعد، حتى جاء الداودي بتعريفة جديدة للأسعار، للأسف لم تكن كما هو متوقع في صالح المواطن المغربي بل كانت ضده على جميع المستويات.
فشملت الزيادة أسعار القطاني والأرز والزبدة والبيض والخضروات وغيرها، ومن المتوقع رفع الدعم عن السكر في أفق سنة 2018، وهنا اسمحوا لي أن أتكلم بصراحة، فالفقير يعتمد على القطاني وخصوصا مادتي العدس والفاصولياء الجافة لتأمين غذائه كما يقتني القليل من سمك السردين في بعض المناسبات، لكن سي الداودي اصر على الزيادة وبإصراره فإنه يعمل على وخز الجرح الدامي بآلته الحادة.
فلله دركم في مغاربة شرفاء متوسط دخلهم في اليوم لايفوق 20 درهما ونطالبهم مع ذلك بأداء فواتير الماء والكهرباء وأداء الضريبة بشتى أشكالها فضلا عن تأمين مصاريف التغذية والدراسة والتطبيب والنقل لهم ولمن يعولون.
فالسيد الوزير لكي يستطيع الإحساس بوضعية الضعفاء والمقهورين يتعين أن يتقاضى راتبا يعادل مرتب الإنسان المتوسط، ومن تم سيفكر مليا في الزيادة، فمن يتقاضي في الشهر راتب الإنسان العادي في السنة سيهيئ له أن الزيادة في الأسعار هي السبيل لتحقيق التنمية.
فإما أن نراجع أنفسنا ومقتضياتنا القانونية المتعلقة بحماية المستهلك، والتفكير في آليات جديدة لتحسين وضعية الفقراء والمتوسطين، وإلا فإن السيد الداودي سيجد نفسه أمام انهيار مجتمعي لن تحمد عواقبه على المدى القصير والذي سيساهم في خلق الجريمة والفتنة والتطرف على المستوى البعيد.
القواعد القانونية لحماية المستهلك
إن اعتماد المغرب القانون رقم 31.08 الصادر في 18 فبراير 2011 المتعلق بحماية المستهلك يندرج في إطار تعزيز حقوق الإنسان ببلادنا ومن شأن تفعيل هذا القانون بشكل سليم توسيع حماية حقوق المستهلكين المغاربة، وهذا القانون يعد إطارا مكملا للمنظومة القانونية في مجال الحماية الإستهلاكية.
كما ينبغي الإشارة إلى أن الوزارات المعنية ومن بينها وزارة الشؤون العامة والحكامة هي التي تتولى تحديد تركيبة الأسعار وفقا للأسعار العالمية مع مراعاة خصوصية المجتمع المغربي.
إذن فالمجتمع المغربي يعيش على وقع الأسعار التي تحددها الوزارة المعنية، وآليته في حماية استهلاكه القانون المشار إليه أعلاه.
وبمراجعة نصوص القانون رقم 31.08 نجده يهدف إلى تعزيز الحقوق الأساسية للمستهلك من خلال التنصيص على :
الحق في الإعلام: أي إعلام المستهلك إعلاما ملائما وواضحا بالمنتجات أو السلع أو الخدمات التي يقتنيها أو يستعملها.
الحق في حماية حقوقه الاقتصادية
الحق في التراجع
الحق في الإصغاء إليه
الحق في التمثيلية: أي تمثيل مصالح المستهلك والدفاع عنها من خلال جمعيات حماية المستهلك التي تعمل طبقا لأحكام هذا القانون
والحالة هذه فالقانون الصادر في 2011 يروم تحقيق الحماية الكاملة للمستهلك من خلال إعلامه بالمنتجات والسلع والخدمات التي يقتنيها وتنصيب جمعيات لحمايته من أضرار الموردين.
ثغرات قانون حماية المستهلك لسنة 2011
1- على مستوى إعلام المستهلك
تنص الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون حماية المستهلك لسنة 2011 على أنه يهدف إلى إعلام المستهلك إعلاما ملائما وواضحا بالمنتجات أو السلع أو الخدمات التي يقتنيها أو يستعملها.
والملاحظ على المشرع أنه استعمل مفهوم )الإعلام( بمعناه الضيق حيت قصد به إطلاع المستهلك على أسعار المنتوجات والخدمات التي يقتنيها، وهو حق معلوم أصلا وإن كان التنصيص عليه يؤكده، لكن ما نسعى له وما ينبغي على المشرع إدراجه هو أن يكون المستهلك على علم تام بمؤشر الأسعار متى يتعين تخفيضها ومتى ينبغي رفعها تطبيقا لمقتضيات الموازنة العامة للدولة، حتى يتأكد من كون التخفيض أو الزيادة يصب بالفعل في مصلحته ومصلحة المجتمع وأن الإجراءات الوزارية تسعى لتعزيز هذه المصالح.
وبتصفح موقع وزارة الشؤون العامة والحكامة بتاريخ 22 نونبر2017 اتضح أن الوزارة لم تعلم المواطن بالزيادات في الأسعار في المواد الغذائية، بل الأدهى هو أن سياسة تتبع الأسعار في الموقع تشير فقط إلى إحصائيات سنة 2015 وما تحتها لغاية سنة 2009، أما سنتي 2016 و 2017 التي قاربت على انتهائها فتضل مجهولة.
فصفة المواطنة تفرض على المشرع بقوة القانون إعلام المستهلكين بأسعار المواد في حينها وتبرير الزيادة أو التخفيض فيها، والاقتناع بألا مصلحة تعلو فوق مصلحة المواطنين والمجتمع.
ورغم ذلك اتجهنا إلى تصفح ترسانة القوانين المتعلقة بحماية المستهلك عسى أن نجد فيها نصا يوجب به المشرع إعلام المستهلك بسياسة الأسعار، وفي هذا السياق تأكد لنا أن قانون حرية الأسعار و المنافسة رقم 12-104 الصادر في30 يونيو 2014 لم يشر إطلاقا إلى ضرورة إعلام المستهلك بسياسة الأسعار الوطنية، كما أن قرار الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة رقم 3086.14 الصادر في 29 دجنبر 2014 بتحديد قائمة السلع والمنتوجات والخدمات المنظمة أسعارها، لم يتطرق للإعلام نهائيا.
وبذلك نخلص إلى مناشدة المشرع المغربي بضرورة تعديل قانون حماية المستهلك الصادر سنة 2011 من خلال التنصيص على إعلام المستهلك بأسعار السلع ومؤشرات الزيادة فيها أو تخفيضها حتى يكون على دراية تامة بسياسة الأسعار التي تعتمدها الوزارة المعنية.
والاستعجال بوضع مدونة حماية المستهلك التي دعا لها الملك محمد السادس في غشت 2008، لتجميع الترسانة القانونية المتعلقة بحماية المواطن في الميدان الاستهلاكي في مدونة منظمة ومحكمة من الناحية القانونية، مع الإشارة إلى أن تأخر الحكومة السابقة والحكومة الحالية في التجاوب مع الدعوة الملكية السامية، يعد مؤشرا حقيقيا على طريقة تعاطيهما مع إشكالية حماية المستهلك بالمملكة.
2- على مستوى دور جمعيات حماية حقوق المستهلك
تتوفر مديرية الأسعار و المنافسة التابعة لوزارة الشؤون العامة والحكامة على نظام لليقظة فيما يخص الأسعار، هذا النظام يعمل على تتبع تطور الأسعار في الأسواق العالمية و كذلك في الأسواق الوطنية، كما تعمل مصالح المديرية على تتبع مختلف التقارير و الدراسات المنجزة في هذا الخصوص.
وإلى جانب ذلك جندت الدولة مجموعة من مصالحها لمراقبة جودة وسلامة المواد والخدمات المقدمة للمستهلك، وأحدتث مصالح لزجر الغش ومراقبة الأسعار.
وبالرغم من تنصيص قوانين حماية المستهلكين على هذه الآليات التي من شأنها توفير الحماية القانونية للمستهلك، إلا أن قانون 2011 أهمل أشد الإهمال الجانب المتعلق بتفعيل هذه الحماية، خصوصا على مستوى تمثيلية الجمعيات التي يعهد لها بالدفاع عن مصالح المواطنين.
وهو ما تؤكده المادة 152 من قانون 2011 التي نصت على أنه : »تتولى جمعيات حماية المستهلك، الإعلام والدفاع والنهوض بمصالح المستهلك وتعمل على احترام أحكام هذا القانون. «
فهذا اعتراف صريح وواضح من المشرع بأهمية جمعيات حماية المستهلك، ودورها في ضمان جودة الخدمات والمنتجات المقدمة للمواطن، ولعل هذه الأهمية تأتي من نبض المجتمع الذي يسارع إلى شبابيك الاستهلاك التي توفرها هذه الجمعيات للإبلاغ عن المخالفات والجرائم المرتبطة بالمجال الاستهلاكي.
ومن تم فجمعيات المجتمع المدني تعد أشد قربا للمواطن من المصالح المختصة، لأنه يعبر لها عن مشاكله الاستهلاكية بوضوح وشفافية ودون اتباع إجراءات إدارية معقدة، وهذه الأخيرة تستطيع لعلاقاتها الاجتماعية المتعددة التدخل لحل المشاكل البسيطة بالسرعة والدقة المطلوبة.
لكن للأسف المشرع المغربي أغفل أو تناسى أهمية مؤسسات المجتمع المدني، حيت قزم دور هذه الجمعيات على مستوى قانون حماية المستهلك لسنة 2011، ومن تم فقد اشترط شروطا عقيمة لممارسة هذه المؤسسات المدنية حقها في الدفاع عن الطبقة المستهلكة خصوصا على مستوى مقاضاة الموردين المخالفين للقانون الاستهلاكي.
3- الشروط المستحيلة للدفاع عن مصالح المستهلكين
سبق أن أكدنا على أن المشرع المغربي في إطار المادة 152 من قانون 2011 لم ينف نهائيا أهمية دور جمعيات حماية المستهلك في الدفاع عن مصالح المواطن الاستهلاكية، بل ذهب إلى أكثر من ذلك حيت نصت المادة 157 من نفس القانون على أنه:
» يمكن … لجمعيات حماية المستهلك …أن ترفع دعاوى قضائية، أو أن تتدخل في دعاوى جارية، أو أن تنصب نفسها طرفا مدنيا أمام قاضي التحقيق، للدفاع عن مصالح المستهلك، وتمارس كل الحقوق المخولة للطرف المدني والمتعلقة بالأفعال والتصرفات التي تلحق ضررا بالمصلحة الجماعية للمستهلكين. «
فهذا التنصيص يتطابق تماما مع التوجهات الديمقراطية الدولية الرامية إلى إحلال مؤسسات المجتمع المدني في الدفاع عن مصالح الطبقة الاستهلاكية الكادحة، ولن يستطيع أحد من العارفين بالقانون ان يتجاهل أهمية هذا التنصيص، لكن المشرع وبعد هذه الخطوة القانونية الجريئة، نكص على عقبيه، وربط تقاضي جمعيات حماية المستهلك بشروط شبه مستحيلة نوردها كما يلي:
الشرط الأول : اشتراط صفة المنفعة العامة للجمعيات
نصت على هذا الشرط المادة 157 من قانون حماية المستهلك لسنة 2011 بقولها : » يمكن … لجمعيات حماية المستهلك المعترف لها بصفة المنفعة العامة أن ترفع دعاوى قضائية، أو أن تتدخل في دعاوى جارية، أو أن تنصب نفسها طرفا مدنيا أمام قاضي التحقيق، للدفاع عن مصالح المستهلك…«
وحسب منطوق المادة 154 من نفس القانون فإنه يمكن لجمعيات حماية المستهلك أن يعترف لها بصفة المنفعة العامة إذا استوفت أولا الشروط الواردة في المرسوم الصادر بتاريخ 10 يناير 2005 المتعلق بمنح صفة المنفعة العامة للجمعيات المؤسسة طبقا لأحكام قانون 1958، وثانيا أن يكون غرضها المنصوص عليه في نظامها الأساسي هو حماية مصالح المستهلك حصريا.
ويتعين أن يكون نظامها مطابقا لنظام أساسي نموذجي يحدد بنص تنظيمي ويتضمن مجموعة من الضوابط التي يجب على الجمعيات احترامها والتقيد بها.
ونرى أنه لحد الآن لا يمكن الرجوع على المشرع المغربي في شيء، فجمعيات حماية المستهلك يتعين عليها لمقاضاة المخالفين في الميدان الاستهلاكي أن تكون أهدافها المنصوص عليها في نظامها الأساسي تتماشى مع حماية المستهلك وان تسعى للحصول على صفة المنفعة العامة طبقا لمرسوم 2005.
لكن الإشكالية هي أن جمعيات حماية المستهلك والتي يصل عددها إلى ما يقارب 100 جمعية موزعة على التراب الوطني، اتبع بعضها المساطر القانونية المنصوص عليها في المرسوم المانح لصفة المنفعة العامة لسنة 2005، واتخذت جميع الإجراءات للحصول على صفة جمعية ذات مصلحة عامة، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل لكون ملف طلب الصفة يبقى قابعا في رفوف رئيس الحكومة دون جواب، مع أن القانون ينص على أنه يتعين الرد على الطلب في غضون ستة أشهر فقط.
ومن تم فالحكومة تلجأ لسياسة التماطل والتسويف حتى لا تتمكن هذه الجمعيات من ممارسة حقها القانوني في الدفاع عن حقوق المستهلكين المغاربة، وبالمقابل قام السيد رئيس الحكومة الحالية بمنح صفة جمعية ذات منفعة عامة لمؤسسة “سهام” لصاحبها وزير التجارة مولاي احفيظ العلمي، وحسب المرسوم الذي وقعه رئيس الحكومة يوم 24أكتوبر 2017، ونشر بالجريدة الرسمية، فإن الصفة الجديدة ستمكن مؤسسة الوزير الملياردير من تلقي التبرعات وجمع الهبات مرة كل سنة وبدون إذن مسبق من رئيس الحكومة.
ألم يكن المواطن المغربي البسيط في حاجة لمن يدافع عن مصالحه الإستهلاكية، ألم ينص القانون صراحة على هذه التمثيلية حسب منطوق المادة 152 من قانون حماية الإستهلاك لسنة 2011، فلعمري ان التخاذل في تطبيق القوانين التي تصون حقوق الضعفاء وتوسع من دائرة نفوذ المستفيدين، سيفقد الثقة في مؤسسات الدولة، وسيوسع من دائرة الاحتجاجات في المناطق الفقيرة، وما ندري ربما تكون له عواقب أخرى جد وخيمة.
إذن نخلص إلى أن هذا الشرط يمكن وصفه بالمستحيل تحقيقه، ومن تم تظل جمعيات حماية حقوق المستهلكين محرومة من إمكانية التمثيل كطرف مدني في القضايا التي يرفعها المستهلكون ضد الشركات أو الموردين أو متعهدي الخدمات، بالمخالفة للقانون وللدستور الذي يمنح مبدئياً الحق للجميع بالتقاضي ومن ضمنهم الجمعيات، شريطة إثبات المصلحة والضرر.
الشرط الثاني : اشتراط إذن خاص بالتقاضي بالنسبة للجمعيات غير ذات صفة المصلحة العامة.
نصت المادة 157 من قانون حماية المستهلك لسنة 2011 في فقرتها الثانية على أن جمعيات حماية المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة والتي يكون غرضها حصريا هو حماية المستهلك، لا يمكنها رفع دعاوى قضائية أو أن تتدخل في دعاوى جارية، أو أن تنصب نفسها طرفا مدنيا أمام قاضي التحقيق، للدفاع عن مصالح المستهلك، وتمارس كل الحقوق المخولة للطرف المدني والمتعلقة بالأفعال والتصرفات التي تلحق ضررا بالمصلحة الجماعية للمستهلكين، إلا بعد حصولها على إذن خاص بالتقاضي من الجهة المختصة وحسب الشروط التي يحددها نص تنظيمي.
وبالفعل صدر المرسوم رقم 503-12-2 بتاريخ 11 شتنبر 2013، القاضي بتطبيق أحكام القانون الصادر في 2011، وقد لاقى هذا المرسوم ارتياحا كبيرا لدى كل المهتمين في المجال الاستهلاكي، والذي وضع عدة شروط لحصول جمعيات حماية المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة على إذن خاص بالتقاضي.
وقد أشارت المادة 35 من هذا المرسوم إلى مسطرة منح الإذن الخاص بالتقاضي لجمعيات حماية المستهلك غير ذات المنفعة العامة وفقا للشرو ط التالية :
1- أن تتوفر الجمعية على الموارد البشرية والمادية والمالية التي تمكنها من القيام بمهام الإعلام والدفاع والنهوض بمصالح المستهلك.
2- ان تثبت عند ايداع طلب الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي مرور سنتين على الأقل على إحداثها.
3- أن تثبت خلال السنتين الأخيرتين، قيامها بنشاط فعلي للدفاع عن مصالح المستهلك ويتم تقييم هذا النشاط بالنظر إلى الأنشطة التي أنجزتها في مجال الإعلام والتحسيس، ووضع شباك المستهلك لتوجيه ومساعدة المستهلكين.
4- أن تثبت قيامها بالتعاقد مع محام أو مكتب للمحاماة لتمثيلها أمام القضاء.
5- أن تنص أنظمتها الأساسية على قواعد الحكامة الجيدة.
ويجب إيداع طلب الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي مقابل وصل لدى المصلحة المعينة لهذا الغرض من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، ويجب أن يكون هذا الطلب مرفقا بالأوراق والوثائق اللازمة للتعريف بصاحب الطلب والتحقق من كون الجمعية المعنية تستجيب للشروط أعلاه.
ويمنح الإذن للجمعية خلال اجل شهرين من تاريخ إيداع الطلب، متى استجابت هذه الجمعية للشروط المحددة على سبيل الحصر في المادة 35 أعلاه. ( المادة 37 من مرسوم 2013).
وحسب منطوق المادة 39 من نفس المرسوم فإنه تحدد بموجب قرار مشترك للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل، والسلطة الحكومية المكلفة بالتجارة كيفيات إيداع ودراسة طلبات الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي، وكذا شكليات وكيفيات منح هذا الإذن وسحبه.
وفي حالة رفض طلب منح الإذن المذكور، يجب أن يتضمن التبليغ الموجه إلى صاحب الطلب أسباب الرفض.( الفقرة الثانية من المادة 36).
فالمسطرة التي حددها المشرع لحصول جمعيات حماية مصالح المستهلك غير ذات صفة المنفعة العامة على الإذن بالتقاضي، لمقاضاة المخالفين من الشركات والموردين ومتعهدي الخدمات، جد واضحة ولا تحتاج لتفسير، بل إن المشرع ألم بكل الحيثيات التي تقنن هذا الحق القانوني.
إلا أننا نعتقد أن الشرط الأول من شروط التقاضي قد نسف باقي الشروط الأخرى، حيت اشترط المشرع أن تتوفر الجمعية على الموارد البشرية والمادية والمالية التي تمكنها من مهام الدفاع عن حقوق المستهلكين، وكما لا يخفى على الجميع فجل الجمعيات التي تدافع عن الطبقة المستهلكة لا تتوفر على موارد مالية ومادية مهمة، إذ أن الدعم الحكومي المقدم لجامعات وجمعيات حماية حقوق المستهلك لا يرقى إلى مستوى التطلعات، إذا لم يتجاوز 6 ملايين درهم منحتها وزارة الصناعة والتجارة لثلاث جامعات بناء على ترشيح لتمويل المشاريع، واستفادت منها الجامعات الكبرى وهي الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، وفيدرالية جمعيات حماية المستهلك، مما جعل باقي الجمعيات مغلولة اليد، بسبب ضعف الإمكانيات المالية التي تتوفر عليها من أجل الاضطلاع بدورها في الدفاع عن حقوق المستهلك.
كما أنه بالحديث عن الموارد البشرية التي اشترطها المشرع لمنح الإذن بالتقاضي، نجد أن الجمعيات تعترضها مجموعة من الإكراهات التي تحد من فاعليتها في هذا الصدد، أهمها الافتقار إلى العنصر البشري القادر على تسييرها وتحديد أنشطتها وبرامجها، مع التركيز على أن يكون هذا الأخير من ذوي الاختصاص في مجالات الاستهلاك على اختلاف أنواعها.
لذلك نرى أنه يتعين للأخذ بهذا الشرط أن تعمل الدولة على توفير الدعم المادي وكذا الدعم التقني لجمعيات حماية المستهلك في مجالات الخبرة والتكوين بتنسيق مع الأجهزة الحكومية الساهرة على تطبيق قوانين حماية المستهلك، او الاستغناء عنه وعن باقي الشروط الأخرى نهائيا من خلال مناشدة المشرع المغربي بإلغاء الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي، بالنسبة لجمعيات حماية المستهلك غير المتمتعة بصفة المنفعة العامة.
4- الصندوق الوطني لحماية المستهلك : بين النص وعدم التفعيل
نصت المادة 156 من قانون حماية المستهلك منذ 2011 على أنه سيتم إنشاء، وفقا للتشريعات المعمول بها، صندوق وطني لحماية المستهلك وذلك لتمويل الأنشطة والمشاريع الهادفة إلى حماية المستهلك، وتطوير الثقافة الاستهلاكية، ودعم جمعيات حماية المستهلك المؤسسة وفقا لأحكام القانون.
وستشرف الوزارة المكلفة بالتجارة والصناعة والتكنولوجيات الحديثة على تدبير هذا الصندوق.
كما سيحدد بمرسوم نظام تسيير الصندوق وتدبير ماليته ونسبة الغرامات وطبيعة الموارد المخصصة له.
وها نحن في سنة 2017 أي بعد مرور سبع سنوات، ولم يتم تفعيل مقتضيات المادة 156، وان دل ذلك فإنما يدل على أن قطاع الاستهلاك بالمغرب يخضع لقوى اقتصادية تضغط في سبيل كبح انبثاق الحركة الاستهلاكية وجمعيات حماية المستهلك.
5- المجلس الاستشاري الأعلى للاستهلاك بين التشريع وعدم التنفيذ
جاء بمنطوق المادة 204 من قانون 2011 أنه سيتم إحداث مجلس استشاري أعلى للاستهلاك مستقل، تناط به على الخصوص مهمة اقتراح وإبداء الرأي حول التدابير المتعلقة بإنعاش ثقافة الاستهلاك، والرفع من مستوى حماية المستهلك.
وسيتحدد تأليف المجلس الاستشاري الأعلى للاستهلاك وكيفيات سيره طبقا للتشريع الجاري به العمل. (المادة 205)
الملاحظ ان المجلس الاستشاري كسابقه الصندوق الوطني، لم يكتب لهما بعد الخروج إلى أرض الواقع، ونظرا لأهميتهما القصوى في ضبط المجال الاستهلاكي والقضاء على لوبيات الفساد التي تنخره فإننا نناشد المشرع باستعجال تفعيل مقتضيات هاتان المؤسستان، خصوصا وأن المواطن المغربي تنتظره أياما عصيبة خلال سنة 2018 ، خاصة في ظل ارتفاع الضريبة على القيمة المضافة الذي تضمنها قانون المالية للسنة المقبلة، وارتفاع أسعار المحروقات وتأخر الأمطار، وهو الأمر الذي سيساهم في ارتفاع أسعار الخضروات والفواكه، التي قفزت خلال الأيام القليلة الماضية إلى أرقام قياسية ومرشحة للاستمرار في هذه الوثيرة، علما أن ارتفاع الأسعار في الأسواق الوطنية ليس وليدة اليوم بل تمتد جذورها إلى سنوات مضت، خاصة مع وجود اختلالات في عملية التسويق وغياب المراقبة.
الحلول المقترحة
1- مدونة حماية المستهلك
تفعيلا لمقتضيات الخطاب الملكي في غشت 2008 الرامي إلى إحداث مدونة حماية المستهلك من خلال تجميع النصوص القانونية المتفرقة المتعلقة بحماية المواطن في الميدان الاستهلاكي في ظل مدونة منظمة ومحكمة من الناحية القانونية، فإننا نناشد المشرع المغربي بضرورة التعجيل لاصدار المدونة المذكورة على أن يهتم بسد كل الثغرات الواردة في النصوص الحالية والتي أشرنا إليها سابقا.
2- وزارة الاستهلاك
أزف الوقت لإنشاء وزارة تعنى بالمستهلك، كما هو معمول به في الدول المتقدمة، وذلك لوضع حد للتلاعب في المنتوجات، وتسويقها بطريقة تضمن حماية المستهلك والحفاظ على قدرته الشرائية، كما تسهر على سن القوانين وتتولى المراقبة وتنظيم السوق، والبحث عن الحلول للقطاع غير المهيكل، مع تنظيم جمعيات حماية المستهلك في غرف مهنية على غرار الغرف التجارية والفلاحية، بما يسمح لها بالتوفر على مخصصات مالية عبر الضريبة والسعي لتمثيل المستهلكين بمجلس المستشارين.
الخلاصة
وانطلاقا من ذلك ومهما كانت أهمية الإطار القانوني لحماية المستهلك ، فإن دور جمعيات حماية المستهلك يبقى أساسيا بالنظر لقربها من المستهلك ومعايشتها لمعاناته اليومية لاسيما في ظل هذا الانفتاح الاقتصادي ، وتبقى هي القادرة على تنزيل آليات الحماية من القانون إلى الواقع ، والتدخل في كل وقت أو حين لتوجيه المستهلك إلى السلوك الاستهلاكي السليم والمسؤول ، وبالتالي حرصها على حماية حقوقه الاقتصادية والتمثيلية والإنصات إليه ، والدفاع عن مصالحه بكيفية شمولية سواء تعلقت بالسلع أو بالخدمات ، حيث أصبح من الضروري ضبط العلاقة بين المستهلك ومقدم الخدمة أو المنتج ، ففي إطار علاقة غير متوازنة والتي غالبا ما تميل لصالح مقدم الخدمة وللرساميل المتحكمة في الدورة الإنتاجية ، أصبح الانتباه إلى المستهلك الذي يعد الحلقة الأضعف في هذه الدورة مطلبا أساسيا وحاجة ملحة .