أصبحت الطفلة الفلسطينية الجريئة عهد التميمي، التي ظهرت في عدة أشرطة تحتج على قوات الاحتلال الصهيوني، رمزا للمقاومة الشعبية التي لا تملك غير إرادة الصمود والتحدي، وعلى الرغم من صغر سنها، اعتقلتها سلطات الاحتلال مع والدتها، في خرق سافر لكل القوانين والأعراف الدولية، التي تكفل حقوق الطفل والمرأة.

 كما دوّن إبرهيم أبو ثريا، الشاب الفلسطيني المقعد على كرسي متحرك، اسمه في سجل شهداء النضال الفلسطيني من أجل تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، حيث لم تمنعه إعاقته من النضال والمقاومة، واستشهد برصاص جنود الاحتلال، خلال مشاركته في تظاهرة شعبية، للتنديد بالقرار الأمريكي الذي يغير الوضع القانوني للقدس الشريف. 

إن هذان النموذجان الفلسطينيان ليمثلان عنوان المقاومة الشعبية السلمية، التي تملك سلاح الإيمان بعدالة القضية، وبالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، وهو السلاح الذي لم تستطع قوات الاحتلال كسره، وقد استعادت هذه المقاومة الشعبية وهجها بعد صدور القرار الأمريكي الغاشم، بعدما خفوتها نظرا لعدة تطورات شهدها الشرق الوسط، من أبرزها تداعيات “الخريف العربي”، والاضطرابات الأمنية، والتحولات السياسية التي وقعت في عدد من الدول العربية، ما أدى إلى تراجع في سلم أولويات النظم العربية الرسمية، وأيضا الصعود المفاجئ للجمهوري المثير للجدل، دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، المدعوم من اللوبي اليهودي والمسيحيين الإنجيليين.

لقد شكل قرار الرئيس الأمريكي صدمة قوية في العالم العربي، وأثار ردود فعل رافضة في معظم العواصم الدولية، لأنه قرار يتجاوز القانون الدولي والاتفاقيات والتفاهمات الموقعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية الأمم المتحدة، وخرجت تظاهرات ومسيرات شعبية حول العالم منددة بالقرار، كما عقدت جامعة الدول العربية اجتماعا طارئا، أعقبها اجتماع لمنظمة المؤتمر الإسلامي لبحث سبل مواجهة القرار الأمريكي غير الشرعي، لكن هذه الاجتماعات لم تسفر عن قرارات قوية في مستوى خطورة القرار الأمريكي على الوضعية القانونية للقدس، وهذا راجع إلى الخلافات والانقسامات التي تعرفها بعض الدول العربية والإسلامية، إضافة إلى ارتهان قرارات بعضها للإرادة الأمريكية.

لكن، أقوى رد جماعي على القرار الأمريكي، هو الذي صدر عن المجتمع الدولي من خلال هيئة الأمم المتحدة بتصويت الأغلبية المطلقة (128 دولة عضو) على مشروع قرار عربي إسلامي، يرفض القرار الأمريكي ويعتبره غير شرعي، ومخالف للاتفاقيات الدولية المبرمة في هذا الشأن، وذلك رغم التهديدات الصريحة التي صدرت عن الرئيس الأمريكي ومندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة، بقطع المساعدات المالية للدول التي ستصوت ضد القرار الأمريكي، وهذا الرد الدولي يعتبر انتصارا دبلوماسيا للجانب العربي والإسلامي، وبذلك تصبح الإدارة الأمريكية في عزلة دولية، بعدما لم تؤيد قرارها إلا سبعة دول صغيرة لا وزن لها في العلاقات الدولية.

وإذا كانت الردود العربية والإسلامية، الرسمية والشعبية، على القرار الأمريكي ليست بالقوة والاستمرارية، التي يمكنها أن تدفع الولايات المتحدة لإعادة النظر في قرارها المشؤوم، إلا أن المقاومة الشعبية الفلسطينية، حاضرة بقوة على الأرض في مواجهة الاحتلال الصهيوني، وهي التي تشكل الأمل في تغيير معادلة الصراع مع الكيان الصهيوني.