
مقترحات لتعديل قانون التعليم العالي رقم 01.00

تقديم
آراء أخرى
سبق للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بالمغرب، أن تحفظ على مشروع تعديل القانون 01.00 المنظم للتعليم العالي والبحث العلمي، الذي تقدم به وزير التعليم العالي السابق لحسن الداودي قبل عرضه على البرلمان والمجلس الحكومي للمصادقة عليه.
وطالب المجلس آنذاك بإعادة النظر في المشروع، من حيث تصوره وبنائه وشكله لكي يستجيب حقا للتحديات الحاضرة والمستقبلية التي يواجهها التعليم العالي بالمغرب.
وبالفعل تبين بعد مرور 17 سنة على بداية العمل بالقانون 01.00، أن هناك ضرورة وحاجة ماسة إلى التفكير في معالجة الاختلالات والنواقص التي ظهرت أثناء تطبيقه، علاوة على استكمال بنياته المؤسسية والتنظيمية، وتطويره وفقا للمستجدات اعتمادا على رؤية تشاركية منسجمة وفعالة.
وأكد المجلس أن التجربة الميدانية أثبتت صعوبات تدبير مؤسسات التعليم العالي، مما يستدعي إعادة النظر في هيكليتها وتركيبتها، فضلا عن إعادة النظرة في مسطرة تعيين مسييرها .
كما أوصى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بضرورة أن تمارس الجامعة جميع الصلاحيات المخولة لها، في إطار الاستقلالية الذاتية والحكامة المسؤولة، بما في ذلك تدبير مواردها والاحتفاظ بها وتصريفها بنجاعة، والنظر في وضع شروط ولوج مهنة الأستاذ الباحث والتقييم والترقية والانتقال بناء على قواعد أكثر شفافية وإنصافا وموضوعية، مع ضرورة مراجعة وملائمة القوانين ذات الصلة الجاري بها العمل، فضلا عن إعادة النظر في طرق اختيار وتعيين رؤساء الجامعات والعمداء ومديري المؤسسات الجامعية بناء على معايير الكفاءة والتنافسية وشروط تثمين مناصب المسؤولية، والتفكير في وضع إطار جديد لانتقاء رئيس الجامعة بشكل متزامن مع تعيين عمداء الكليات ومدراء المؤسسات الجامعية بشكل يسمح بالتباري على مشاريع للجامعة تتضمن ما يلزم من الانسجام والتكامل بين المؤسسات المكونة للجامعة لتفادي التضارب بين مشروع رئيس الجامعة ومشاريع العمداء والمدراء.
وأوصى المجلس أيضا بالحرص على تعزيز استقلالية الجامعة، كما نص على ذلك الميثاق الوطني للتربية والتكوين وتفادي إجراءات لا تشجع على استقلاليتها الذاتية على المستويات المالية والإدارية والتربوية والأكاديمية والثقافية، والعمل على توسيع وتطوير مهامها الجديدة لتساهم مباشرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بفضل تكوين ذي جودة وبحث علمي يحترم المعايير المعتمدة عالميا.
وحقيقة الأمر أن توصيات المجلس أشارت إلى نقطة قانونية طالما تغاضى الفقه القانوني عن مناقشتها ومعالجتها بشكل مستفيض والمتعلقة باستقلالية الجامعة، فالاستقلالية هنا بمعناها الواضح والواسع تعني استقلال القرار والإدارة بما يحقق الصالح العام والهدف الأساسي الذي أنشأت من اجله الجامعات، في حين أن واقعنا التعليمي المرير يكرس ويقنن فكرة هيمنة الجهة الإدارية والسلطة التنفيذية علي الحياة الجامعية، وتبعا لذلك كيف سيتأتى الاستقلال للجامعة إذا كانت الجهة الإدارية المركزية تسيطر علي كافة جنبات الحياة الجامعية المالية منها والإدارية وصولا لاختيار القيادات الإدارية بها.
وبناء على توصيات المجلس فإن خطوات استقلال الجامعة المغربية تتلخص في ثلاثة عناصر، والإخلال بأي منها هو إخلال كامل بالمعنى القانوني الحقيقي لاستقلال الجامعة الوطنية، وهي:
1- الاستقلال البيداغوجي والعلمي والثقافي
2- الاستقلال المالي والإداري
3- الاستقلال في اختيار الهياكل والقيادات
ونرى أن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بالمغرب قام بعمل جد مهم إذ أنه وضع الأفكار الأساسية لإصلاح منظومة التعليم العالي، وبالتالي بات على الفقه القانوني وعلى كافة المتدخلين في مجال التعليم العالي مناقشة هذه الأفكار وتمحيصها وصياغتها صياغة قانونية محكمة لتقديمها للجنة التشريع لتعديل القانون 01.00 بما يتلاءم وخصوصيات الفترة الحالية والمستقبلية والتحديات التي تواجهها الجامعات المغربية.
ولعل من أهم النقاط القانونية التي يتعين على المشرع المغربي الانتباه إليها عند تعديل القانون 01.00 بشأن تنظيم التعليم العالي، مفهوم استقلال الجامعة بعناصره الثلاث للابتعاد عن المركزية الإدارية التي ظلت تلاحقنا لعقود، ومن تم فقد حان الوقت لإعلان استقلال الجامعة المغربية على الأصعدة العلمية والثقافية والإدارية والمالية واستقلالها في اختيار هياكلها وقياداتها، جريا على ما أقرته الدول المتقدمة في مجال التعليم العالي وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية.
وإذا كنا نطالب المشرع بالتنصيص على المفهوم الواسع للاستقلالية، فلا بأس أن نضع استقلالية الجامعة المغربية كحق من الحقوق المرتبطة بالحريات الأكاديمية تحت المجهر وبالأخص من الناحية القانونية لمعرفة مدى التأصيل القانوني لهذا المبدأ في ظل التشريع المنظم للتعليم العالي بالمغرب.
أولا: التأصيل القانوني لمبدأ استقلالية الجامعة المغربية
كانت بداية طرح مفهوم الحريات الأكاديمية واستقلال المجتمع الأكاديمي في إعلان الجمعية الأميركية لأساتذة الجامعات خلال الحقبة الثانية من القرن العشرين، الذي أكد على حرية البحث والنشر للعاملين بالتدريس في الجامعات، ورفض القيود المفروضة من المؤسسات الدينية وغيرها، والحق في حرية النقاش في المحاضرات في ما يتعلق بموضوعات الدراسة والبحث.
كما مثّل العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1974 إضافة رئيسية لهذا المبدأ حيت نص على استقلال مؤسسات التعليم العالي.
من ناحية أخرى، مثّل “إعلان ليما ” بشأن الحرية الأكاديمية واستقلال مؤسسات التعليم العالي في العام 1988، خطوة مهمة في مسار الحريات الأكاديمية وتأكيد مبدأ استقلال القرار الجامعي.
على المستوى الإفريقي، أكد ” إعلان كمبالا ” بشأن الحرية الفكرية والمسؤولية الاجتماعية في سنة 1990، أنّ “ لكل أعضاء هيئات التدريس والبحث في المؤسسات التعليمية الحق بشكل مباشر، ومن خلال ممثليهم، المشاركة في تحديد البرامج الأكاديمية لمؤسساتهم وفقا لأعلى المقاييس التعليمية والحق في اختيار القيادات”.
وعلى المستوى العربي، كان لإعلان “عمّان للحريات الأكاديمية واستقلال مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي”، الذي صدر في سنة 2004 من مركز عمّان لدراسات حقوق الإنسان، أهمية خاصة من حيث تركيزه على السمات الخاصة لمنظومة التعليم العالي العربية، حيث أفاد أنه ” يتعين التصدي لإخضاع التعليم العالي والبحث العلمي لغايات خارجة عن نطاق غايات التأهيل والتكوين والبحث العلمي، وفرض السلطات العمومية وصايتها المباشرة على الحياة الجامعية “، كما أكد على ضرورة التزام السلطات العمومية باحترام استقلال المجتمع العلمي بمكوناته الثلاثة من أساتذة وطلاب وإداريين. وفي تأكيده لمفهوم استقلال الجامعات، أضاف أنّ ” الحرّية الأكاديمية تشمل حقّ المجتمع الأكاديمي في إدارة نفسه بنفسه”.
وتفعيلا لهذه المقتضيات العالمية اتجهت بعض الدول إلى تكريس مبدأ استقلال الجامعات في دساتيرها الوطنية، ومن تم اعتبرته حقا دستوريا لايجوز الاتفاق على مخالفته، كما لايجوز إصدار قانون يناقضه، ومن هذه الدول اخترنا دولتان عريقتان على المستويات الحضارية والفكرية والقانونية وهما دولتا مصر وتركيا.
وتبعا لذلك نصت المادة 21 من الدستور المصري لسنة 2014 على أنه : ” تكفل الدولة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، وتوفير التعليم الجامعي وفقاً لمعايير الجودة العالمية، وتعمل على تطوير التعليم الجامعى وتكفل مجانيته فى جامعات الدولة ومعاهدها، وفقا للقانون “.
كما نصت المادة 130 من دستور تركيا لسنة 2011 على أنه : ” تُنشئ الدولة جامعات متعددة الوحدات وتتمتع بالاستقلالية العلمية والشخصية الاعتبارية العامة، بغرض تدريب القوى البشرية لتلبية احتياجات الأُمّة والبلاد، في ظل مبادئ التعليم المعاصر”.
في حين اتجهت دول أخرى إلى الإشارة والتنصيص على مبدأ استقلالية الجامعات ليس في دساتيرها وإنما في قوانينها الوطنية وخصوصا القانون المنظم للتعليم العالي، ومنها المغرب الذي أشار إلى مفهوم الاستقلالية مرتين في القانون 01.00 المقنن للتعليم العالي، وهكذا نصت المادة 4 منه على أنه: ” تحدث الجامعات بقانون…وتعتبر مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي.” في حين نصت المادة 5 من نفس القانون على أن ” الجامعات تتمتع في إطار المهام المسندة إليها بالاستقلال البيداغوجي والعلمي والثقافي مع مراعاة أحكام هذا القانون.”
فالمغرب اختار أن يدعم مبدأ الاستقلالية في قانونه الوطني دون أن يشير إليه في دستوري 1996 و2011، كما نلاحظ أن هذه الاستقلالية مقيدة بمفهوم المركزية، خصوصا على مستوى تعيين الرؤساء والعمداء ومدراء المؤسسات الجامعية.
وتبعا لذلك نذكر المشرع المغربي بأن مفهوم استقلال الجامعة مرتبط بثلاث عناصر وهي:
1- الاستقلال البيداغوجي والعلمي والثقافي
2- الاستقلال المالي والإداري
3- الاستقلال في اختيار الهياكل والقيادات
والإخلال بأي منها هو إخلال كامل بالمعنى الحقيقي لاستقلال الجامعة الوطنية، كما انه يقدم صورة تعاكس التوجهات الديمقراطية ببلادنا، ويناقض التوجهات الرامية إلى إقرار سياسة اللامركزية، والإخلال بأحد هذه العناصر يناقض أيضا توجهات وتوصيات المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي التي قدمها كأفكار رئيسية لتعديل قانون 01.00.
إذن وفي سبيل بناء طريق معبدة للتعليم العالي بوطننا لابد من مناشدة المشرع الدستوري بسلك نهج المواثيق الدولية المشار إليها سابقا، من خلال التنصيص أولا على مبدأ استقلال الجامعة بدستور المملكة ليكون مبدأ لايجوز الاختلاف فيه أو الاتفاق على مخالفته، وثانيا تدعيم هذا الحق الدستوري بتقنينه على مستوى القوانين العادية وبالأخص قانون التعليم العالي في صيغته المعدلة.
إذ لايمكن الحديث عن الإصلاح الجامعي في منأى عن تقنين مبدأ الاستقلالية، واحترام صورها المرتبطة بالتسيير والتدبير واختيار الهياكل والقيادات.
وفي سياق تعرضنا لقيادات الجامعة سنقصر دراستنا على تحليل سياسة اختيار رؤساء الجامعات، لاقتناعنا بأن أهم حلقة في الإصلاح الجامعي وفي تكريس مبدأ الاستقلالية يكمن في ضرورة تعديل مسطرة تعيين رؤساء الجامعات بما يتوافق مع التوجهات الجديدة للمملكة في مجال التعليم العالي، وفي احترام تام لمبادئ اللامركزية الإدارية.
ثانيا : تعديل مسطرة تعيين رؤساء الجامعات العمومية
إن موقع رئيس الجامعة هو أهم موقع في البنيان الهيكلي للجامعة العمومية المغربية، فهو الذي يحدد مسارها ويتخذ جميع الإجراءات الكفيلة بتحقيق نجاحها وإشعاعها، ولذلك فان عملية اختيار رئيس جامعة، عملية هامة جدا لها منهجها وأطرها كما لها ضوابطها، فإما أن يعين رؤساء الجامعات بعقلية المحسوبية والانتماءات الحزبية والتوازنات كما هو الحال في الدول العربية، مما يوقع الجامعات في إشكاليات سوء الإدارة وسوء اتخاذ القرارات، أو أن تخضع هذه العملية لتدابير ديمقراطية تحددها الجامعة المعنية في إطار الاستقلالية التي تتمتع بها.
وقبل معالجة هذه النقطة القانونية، سنتساءل عن الطريقة التي اعتمدها المغرب في اختيار أو تعيين رؤساء الجامعات الوطنية، لتحديد ما إذا كان بلدنا يسير في سبيل تعزيز استقلال الجامعات من خلال بسط يدها في تعيين هياكلها وقياداتها ومن يرأسها، أو أنه أخضع هذا التعيين لشكليات قانونية تستمد أسسها من روح المركزية الإدارية.
وتبعا لذلك جاء بنص المادة 15 من قانون 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي بأنه : ” يسير الجامعة رئيس لمدة أربع سنوات يختار بعد إعلان مفتوح للترشيحات من بين المترشحين الذين يقدمون مشروعا خاصا لتطوير الجامعة. وتدرس هذه الترشيحات والمشاريع من لدن لجنة تعينها السلطة الحكومية الوصية التي توافيها اللجنة المذكورة بثلاثة ترشيحات تخضع للمسطرة المعمول بها فيما يتعلق بالتعيين في المناصب العليا، ويحدد تكوين اللجنة بنص تنظيمي”.
هذه اللجنة التي تتكلف بدراسة الترشيحات ومشاريع تطوير الجامعة المعنية والتي تقدم للسلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي ثلاثة مترشحين مؤهلين لرئاسة الجامعة، تتكون تطبيقا لمقتضيات المادة الأولى مرسوم رقم 2.01.1999 بتاريخ 21 شتنبر2001 من الأعضاء الخمسة التاليين :
1- شخصيتان مشهود بشهرتهما في الميادين الثقافية أو العلمية أو التقنية
2- استاذ للتعليم العالي يعين من بيت ثلاثة أساتذة للتعليم العالي من الجامعة المعنية يقترحهم مجلس الجامعة على السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي ويجب ألا يكون هؤلاء الأساتذة من بين المرشحين لرئاسة الجامعة.
3- استاذ للتعليم العالي لاينتمي الى أساتذة الجامعة المعنية.
4- شخصية من عالم الاقتصاد والمال مسيرة لمنشأة عامة أو خاصة.
يعين أعضاء اللجنة المنصوص عليهم في الفقرة الأولى أعلاه من لدن السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي.
وعندما تحدد اللجنة التي تعينها السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي المرشحين الثلاث، تحال النتائج على المجلس الحكومي للمداولة تطبيقا لمقتضيات الفصل92 من دستور 2011 الذي نص على أنه : ” يتداول مجلس الحكومة، تحت رئاسة رئيس الحكومة، في القضايا والنصوص التالية:
– تعيين الكتاب العامين، ومديري الإدارات المركزية بالإدارات العمومية، ورؤساء الجامعات والعمداء، ومديري المدارس والمؤسسات العليا.
يطلع رئيس الحكومة الملك على خلاصات مداولات مجلس الحكومة. “
إذن يتضح من هذه المسطرة التي وضعها المشرع المغربي أن رئيس الجامعة في المغرب يتم اختياره من ضمن ثلاثة مرشحين تختارهم اللجنة التي تعينها السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي، بعدها تضع هذه الأخيرة نتائج الانتقاء مرتبة من الأول إلى الثالث على طاولة المجلس الوزاري للمداولة.
فالجامعة التي اعترف لها القانون صراحة وبشكل قاطع بالاستقلالية لايمثلها، في اختيار رئيسها سوى أستاذ واحد للتعليم العالي من بين ثلاثة يقترحهم مجلس الجامعة على السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي، وفقا لمرسوم 2001، فعن أي استقلال نتحدث، بل هو تعيين مباشر من الإدارة المركزية، وكل الشكليات التي تليه ماهي إلا شكليات رمزية تضع مفهوم الاستقلالية على المحك.
فالجامعة بمكوناتها من طلبة وأساتذة باحثين وإداريين، لاتستطيع اختيار رئيسها بل يتم اختياره لها، مما يبيح القول بأن منصب رئيس الجامعة في المغرب هو منصب سياسي بالدرجة الأولى قبل أن يكون منصبا أكاديميا.
ورغم مرارة هذا الواقع القانوني فإن جذوة الأمل تبقى حية في نفوسنا، وبها نناشد المشرع بأن يسرع بتعديل مسطرة تعيين رؤساء الجامعات العمومية المنصوص عليها في المادة 15 من قانون التعليم العالي رقم 01.00، مستلهما أسس المسطرة من مقتضيات المادتين 4 و 5 من نفس القانون التي ربطت الجامعة بمفهوم الاستقلالية، وهذا التعديل ينبغي كذلك أن يطور هياكل الجامعة لتكون قادرة على اختيار رئيسها، والابتعاد عن فكرة التعيين من الإدارة المركزية.
وللمشرع أن يستأنس في هذا المجال بالجامعات الأمريكية، وأن يتخذها كنمودج عند تعديل مسطرة اختيار رئيس الجامعة:
فعند شغور موقع رئيس الجامعة في الولايات الأمريكية، يُطلب من المجالس الرسمية فيها بدء من مجلس القسم وانتهاء بمجلس الأمناء، مرورا بمجلس الجامعة ومجلس العمداء، تحديد الاكراهات التي تعيشها الجامعة التي تبحث عن رئيس جديد لها، ثم يُعد إعلان تعلن فيه الجامعة عن حاجتها لمليء هذا الشاغر، ويطلب من المتقدمين إرفاق سيرهم الذاتية التي تحتوي معلومات كافية عن تحصيلهم العلمي وشهاداتهم وعن خبراتهم العملية الأكاديمية، بتصوراتهم حول الحلول التي يقترحونها للمشكلات الخاصة بالجامعة.
ثم يعهد إلى مجلس الأمناء بتشكيل لجنة خاصة تتولى النظر في المشاريع المقدمة لاختيار الرئيس الجديد، ويشارك في عضوية اللجنة عمداء ورؤساء أقسام وأساتذة وإداريين وطلبة وتكون مهمتها النظر في مشاريع المرشحين لمنصب رئيس الجامعة، في سياق مؤهلات المتقدمين وخبراتهم الأكاديمية، وفي ظل ما يطرحونه من تصورات للحلول الكفيلة بمعالجة إكراهات الجامعة المعنية.
وتخبر اللجنة جميع المرشحين بالحضور إلى الجامعة للمقابلة وعرض مشاريعهم أمامها، وبعد التدقيق والتمحيص تختار أربعة مرشحين وتقوم بعرضهم على مجلس الأمناء الذي يبحث في توصيات اللجنة ثم يصدر قراره بتعيين الرئيس الجديد للجامعة.
هذه العملية بكل مراحلها تتم عادة بمنتهى الشفافية والوضوح من قبل جميع الاطراف، ولذلك فان نتائجها تكون جد مرضية لانها تراعي مدى كفاءة المتقدمين لشغل وظيفة رئيس الجامعة وانسجامها مع الإكراهات التي تواجهها الجامعة والتي سيكون على الرئيس الجديد التعامل معها.
وبمجرد أن يستلم الرئيس الجديد وظيفته ويبدأ بممارسة مهام عمله، يحظى بدعم حقيقي من مجلس الأمناء ومن جميع مجالس الجامعة الاخرى وكافة مكوناتها من طلبة وأساتذة باحثين وإداريين، بما يمكنه من انجاز مهمته على أكمل وجه.
فهذه تجربة فريدة تعانق بحق مفهوم استقلالية الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فالإدارة المركزية المكلفة بالتعليم العالي بعيدة كل البعد عن النظر في اختيار رئيس الجامعة، وتوكل مجلس أمناء الجامعة في اختيار من يديرها ويشرف على شؤونها الإدارية والمالية.
وقد اعتدت العديد من الدول العربية التي تعد رائدة في التعليم العالي على المستوى العربي، بفكرة مجلس أمناء الجامعة الذي يتولى اختيار رئيس المؤسسة، وهو ما يدفعنا إلى مناشدة المشرع المغربي باستحداث هذه المؤسسة القانونية بالإضافة إلى الهياكل المنصوص عليها في قانون التعليم العالي المغربي، والتي ستعد مكسبا ديمقراطيا ينضاف إلى المجهودات القيمة التي يقوم بها المجلس الأعلى للتربية والتكوين.
ثانيا: إحداث مجلس الأمناء بالجامعات العمومية المغربية
ازداد الاهتمام بمفهوم اللامركزية منذ أواخر القرن العشرين نتيجة للمتغيرات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية التي شهدها العالم، واللامركزية لا تعد هدفا في حد ذاتها وإنما هي فلسفة وأداة تنموية تمكن أفراد المجتمع من المشاركة في صنع واتخاذ القرارات المتعلقة بتنمية مجتمعاتهم، فاللامركزية معنية أساسا بنقل السلطات والصلاحيات من المستويات المركزية الأعلى إلى المستويات الجهوية والمحلية.
مما سبق يمكن أن تتبين أهمية مجالس الأمناء في إمكانية تحقيق اللامركزية، حيث تعد هذه المجالس بمثابة مؤسسات قانونية داخل الجامعات، والتي تهدف إلى تحقيق الترابط بين المؤسسة التعليمية والمحيط المحلي، من أجل زيادة فاعليتها في إغناء الحياة الطلابية بيداغوجيا وثقافيا واجتماعيا وتعزيز المشاركة في تنمية المحيط الجهوي والمحلي.
وفي هذا السياق نقترح على المشرع تعزيز هياكل الجامعة المغربية المتمثلة في مجالس الجامعات ومجالس التدبير ومجالس المؤسسات الجامعية بمجلس أمناء الجامعة، كمؤسسة قانونية تتكون من شخصيات مغربية رائدة في الأوساط الأكاديمية، العلمية، الثقافية، المالية، الصناعية والحياة العامة، ويجسد أعضاؤها الإدارة الحكيمة والمسؤولة ويساهمون في هذا المشروع الرائد وفي تعزيز روح الإبداع التي تمثلها الجامعة. ويكون رئيس الجامعة عضوا في هذا المجلس، ووفقاً لنظامه الأساسي، نقترح على المشرع أن يجتمع أعضاء المجلس ثلاث مرات على الأقل كل سنة أو كلما دعت الحاجة إلى ذلك، للإشراف على أنشطة الجامعة ومراقبة تقدمها وتطورها. ونقترح كذلك أن يتولى المجلس تعيين رئيس الجامعة والعمداء ومدراء المؤسسات الجامعية ورؤساء الأقسام وأعضاء هيئة التدريس بناء على توصية من رئيس الجامعة. كما تتضمن مسؤولياته اعتماد القواعد التي تنظم الشؤون الأكاديمية والمالية والإدارية، ويعين أعضاء مجلس الأمناء لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد. كما يتولى رئاسة المجلس أحد أعضائه بالانتخاب، ويختار مجلس الأمناء من بين أعضائه نائبا لرئيس المجلس يحل محله في حال غيابه.
خلاصة
إن الغياب التام لتفعيل مبادئ اللامركزية ولمبدأ المقاربة التشاركية بين الأطراف المعنية بالإصلاح الجامعي، كله أدى بالجامعة المغربية إلى تراجع كبير وتقهقر ملحوظ وارتباك ملموس، بحيث إذا رجعنا إلى أهم منجزات هذه الحكومة والحكومة التي سبقتها سنجد استفحال العنف داخل الحرم الجامعي وتذيل الجامعة المغربية للتصنيفات الإقليمية والدولية وتراجع الجامعة عن القيام بأدوارها التكوينية والعلمية والتثقيفية وعزلها عن سوق الشغل نتيجة سياساتها التي لا تساير التطورات والتحولات التي يعرفها العالم اليوم، خاصة في المجال الاقتصادي ما أدى إلى أزمة ثقة بين الجامعة ومحيطها الخارجي وهذا ما يفسر ارتفاع نسبة البطالة بشكل مهول وخطير.
وبإمكان المشرع المغربي أن يدرك ما تبقى من الخسارة لأنها ربح، ويعجل بتعديل قانون التعليم العالي رقم 01.00، ويرتكز على ما أشرنا إليه، خصوصا على مستوى التنصيص على استقلالية الجامعة دستوريا وتعديل مسطرة تعيين رؤساء الجامعات بما يتلاءم وسياسة اللامركزية، واستحداث مؤسسة قانونية جديدة يعهد لها بالإشراف البيداغوجي والإداري والمالي على الجامعة رفقة رئيسها ومجالسها المنصوص عليها قي القانون.