في سياق الهجوم الغير مهني الذي تشنه مجموعة من الصحف الورقية والإلكترونية، ضد البرلماني محمد خيي الخمليشي الذي يشغل في نفس الوقت منصب رئيس مقاطعة بني مكادة، ومسؤولية الكتابة الإقليمية لحزب العدالة والتنمية بطنجة، “بدعوى طلب والده الاستفادة دون وجه حق من محلّ تجاري بأحد الأسواق بعاصمة البوغاز”، أصدر الفريق النيابي لحزب رئيس الحكومة وثيقة عبر فيها عن تضامنه المطلق مع عضو فريقه، وهو سلوك محمود ومقبول بل ومطلوب خاصة وأن البرلماني الشاب هو الأكثر استهدافا من طرف بعض وسائل الإعلام المعروف عن بعضها ارتباطها وقربها من بعض أجهزة الدولة .

لكن المثير في مضمون البلاغ هو التعبير عن تضامن نواب العدالة والتنمية مع والد البرلماني محمد خيي ومطالبة السلطات بتمكينه من الاستفادة من محل تجاري، حيث دعا “الفريق إلى تمتيعه بحقه كاملا دون أي خلفيات سياسوية “، دون التضامن مع باقي المحرومين والمقصيين من الاستفادة من محلات تجارية، والمطالبة كما هو شأن والد السيد خيي بمنحهم ما يستحقون ما دامت ملفاتهم تستوفي الشروط، خاصة وأن مجموعة من التجار الجدد من بينهم غرباء استفادوا، بشكل يطرح أكثر من علامة استفهام حول المسطرة التي اعتمدتها ولاية طنجة المشرفة والمدبرة لهذا الملف ضدا على  القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات .

المبررات التي ساقها مضمون البلاغ لإفراد التضامن والدعوة إلى تمتيع والد البرلماني محمد خيي الخمليشي بحقه دون الإشارة إلى معاناة العشرات من التجار الذين تم إقصاؤهم دون وجه حق، لم يكن مقنعا بالمرة، “فالخلفيات السياسية” التي أوردتها الوثيقة تنطبق على مجموعة من المقصيين، خاصة وأن بعضهم في حاجة إلى المحل التجاري لتدبير الخبز اليومي فمعظمهم وراءهم عائلات وأسر، عكس والد محمد خيي الذي يمكن أن يتكفل به ابنه البرلماني، وأن يكفيه مؤونته، ان سلمنا بفلسفة البلاغ.

فالمنطق السياسي كان يقتضي استثمار لحظة التضامن مع محمد خيي ووالده، لإثارة ملف غاية في الأهمية من طرف أكبر فريق برلماني، مما سيفرض الملف على الساحة من خلال التعبير بوضوح عن التضامن مع كل المحرومين من الاستفادة المستحقة من محلات تجارية في مختلف أسواق القرب المدينة، ومطالبة السلطات المحلية باحترام القانون والمسطرة المتبعة، عوض حشر البلاغ لأكبر كتلة نيابية في المغرب في زاوية ضيقة بل حزبية، عندما يقول “إن الفريق ليستغرب حرمان المواطن السيد محمد خيي، والد النائب محمد خيي، من حقه ومما يضمنه له القانون، باعتبار أن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة وأن الجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه”، ليبقى التساؤل، ماذا عن مجموعة من المحرومين الذين يضمن لهم أيضا القانون حق الاستفادة ؟ لماذا لم يجد ملفهم مساحة ولو ضيقة في بلاغ الفريق النيابي للحزب الذي يقود الحكومة ويدبر شؤون المدينة بأغلبية مطلقة ؟ .

ويجد المتتبع نفسه مندهشا بل حائرا، أمام السكوت الغير مبرر لبلاغ أكبر فريق نيابي بمجلس النواب عن الوضعية الغير السليمة التي توجد عليها عملية الإشراف على أسواق القرب بالمدينة، حيث انفردت ولاية طنجة بتدبير هذا الملف وبكل الملفات الكبرى، متجاوزة بذلك كل مقتضيات  القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات تاركة عمدة المدينة المنتمي لنفس الحزب بدون معظم اختصاصاته، بل أكثر من هذا فإن والي الجهة لم يأخذ اختصاصات العمدة، بل إنه يصر في بعض الأحيان على ما يشبه “الضربة”، كما حدث على سبيل المثال يوم الإثنين 27 نونبر 2017، عندما ترك مجموعة من المسؤولين ينتظرون ومنهم السيد العمدة، لأزيد من 3 ساعات وذهب في جولة بطنجة رفقة وزير السياحة محمد ساجد وكاتبة الدولة لمياء بوطالب، وهو ما جعل البشير العبدلاوي يعبر عن انزعاجه قبل أن يتراجع بعد أن قاطعه الوالي قائلا : أنا من يتحمل مسؤولية التأخير، ليعود العمدة ليقول أن من حق اليعقوبي التأخر نظرا للإنجازات التي يحققها، واصفا إياه “بولي من أولياء الله”، وسط اندهاش الحاضرين من تقبل العمدة لكل هذه “الضربات” .

وكان على الفريق النيابي أن يطالب والي المدينة بترك العمدة يمارس اختصاصاته التي خولها له القانون، ويفوت له تدبير أسواق القرب، وتدبيرها بطريقة بعيدة عن “السلطوية” التي تمارس بها الآن، لأن من شأن ممارسة العمدة لمهامه أن تقوي السلطات المنتخبة التي تعرف تهميشا كبيرا بالمدينة، لدرجة أصبح وجودها كعدمها، وأن يعطيها قيمة اعتبارية لربط المسؤولية بالمحاسبة كما تنص على ذلك الوثيقة الأساسية للبلاد، لكنه وللأسف آثر مصلحة الحزب على مصلحة البلاد، التي تقتضي من حزب كبير تناول ومعالجة مثل هذه القضايا الهامة .

مباشرة بعد صدور هذا البلاغ، فاجأ عزيز الصمدي أحد نواب العمدة، الرأي العام المحلي، بتدوينة قال فيها أن جماعة طنجة لم تستشر ولم تقرر في أي قضية من ملفات أسواق القرب التي تعرف احتجاجات كبيرة وغير مسبوقة ضد العمدة الذي لم يتحمل مسؤولياته التي يخولها له القانون القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، لدرجة أن بعض الاحتجاجات تقتحم مكتبه وتحمله المسؤولية في ما يجري رغم أن القرار المتعلق بهذا الملف موجود في الطابق الرابع من مقر ولاية الجهة، اعتراف الصمدي كان سيكون له وقع أكبر، لو أنه قيل في حينه أي قبل سنة ونصف، وكان سيكون أجمل لو أن العمدة خرج في لقاء مع الإعلام ليقول ببساطة : “أن الوالي جرده من اختصاصاته القانونية”، ليجد كل الدعم والمساندة من جزء معتبر من نخبة المدينة، وشريحة واسعة من المواطنين الذي أوصلوه إلى منصب العمودية بأغلبية جد مريحة .