يبدو الشأن الديموقراطي- الثقافي دائما في علاقة تكاملية مع الديموقراطية، وذلك لما تقتضيه (هذه الأخيرة) كمجال، في تطوره وانفتاحه، يهتم بإنتاج الوعي والقيم المادية والرمزية بعامة، اجتهاد ونقد..

وإذا كانت الديموقراطية، هي الأخرى، كمجال للسلوك والممارسة الاجتماعية بعامة داخل المجتمع، هي الخلفية العامة الضرورية لانتعاش و تطور الشأن الثقافي، فإن هذه الأخيرة، من شأنها لا محالة، تقعيد حمولتها وممارساتها من زاوية تكوين المنظور الفكري – الاجتماعي- النقدي-الديموقراطي.

لقد بدا واضحا منذ بداية السبعينات( وهذا أساسي)، اتساع مدار العمل الثقافي بناءعلى مجموع المظاهر  والتحولات التي مست الواقع في ابنيته ومجالاته.. وبدا أيضا مدى ارتباطه بأفق المعارضة السياسية بالبلاد(بعد أن كان مرتبطا بأفق الحركة الوطنية إبان الأربعينيات). ولعل  النقاش الذي انطلق في منتصف السبعينات حول دور الثقافي وعلاقته بالسياسي( أين نحن منه الآن) ، قد كرس بما ليس فيه أدنى شك،مشروعية تساؤلات بدت في حينها ( ولازالت) ضرورية بالنظر إلى تشعب معضلات الواقع وضخامة المهام والمسؤوليات تجاهها…وهي أسئلة من قبيل ( وكما بات معروفا): دور الثقافي في تقعيد المحمول الديموقراطي، دور الثقافي في المساهمة في إنتاج وعي اجتماعي نقدي، ثم علاقة الثقافي بالسياسي: علاقة إستقلال أم تبعية؟؟ وغيرهذا مما شابه.

يعني ماسبق-أولا- أن الظروف الوطنية- السياسية التي تبلورت على وجه التحديد، منذ منتصف السبعينات، وبالحيثيات التي طبعتها، وفي اقترانها بالسياق القومي، كانت شكلت رافعة للنهوض الديموقراطي بعامة ومنه الثقافي بالتخصيص، بل وإسناد له أيضا في تقوية نفوذه وحظوظ انتشاره.فيما يعني ثانيان أن هذه الفترة بما شهدته من مؤشرات دالة على ” انفتاح”، جعلت من الثقافي مجالا مبتغى ومنشودا، وإن طغت عليه الإيديولوجيا بشكل مبتذل أحيانا، بل وساعدته  عبرالدفع به ، في المضي في سياق البحث عن صياغة ممكنة للتفاعل، والتجاوب مع شروط مرحلة مغايرة افترضت فرضا قاطعا: الديموقراطية ضرورة وجوابا عن الإستبداد بعامة.