الصحافة ضمير الأمة، والاذاعة و الاذاعة المرئية، للتنوير الفكري والثقافي والفني

ظلت المسألة الاعلامية الغائب الاكبر، عند تناول الباحثين والدارسين والمهتمين، بالإرث لمسار الزعيم علال الفاسي الذى غالبا ما يتجه الاهتمام في الغالب الى مساهماته، في ميدان الفكر والنضال السياسي والحزبي مع إهمال الدور الذي لعبه من أجل قيام صحافة وطنية فاعلة، تساهم في الاضطلاع بمهام استكمال استقلال، وبناء المغرب الجديد، وتشكيل رأي عام، قادر على استيعاب تحديات ورهانات المرحلة الجديدة التي دخلتها البلاد، بعد مرحلة الاستقلال.

وإذا كان علال الفاسي، شخصية متعددة الاهتمامات، فهو الى جانب كونه، زعيما ومناضلا سياسيا، ومفكرا، مثقفا، وفقيها، فإنه لم يعش، خلال 50 سنة التي قضاها في معترك النضال، لحظة دون أن يقوم بعمل، أو ينتج فكرة، أو يقود حركة، أو يكتب كتابا، أو يناقش، ويجادل، ويقنع ويقتنع، كما كتب عنه صاحب ” دفنا الماضي” المرحوم عبد الكريم غلاب، في مؤلف، ” ملامح من شخصية علال الفاسي”، لقد استشعر زعيم حزب الاستقلال مبكرا، الدور الحيوي والخطير الذى تلعبه وسائل الاعلام سلبا أو إيجابا، على جمهور القراء، والمستمعين بمختلف مستوياتهم، خاصة بالنسبة لبلد كان، يعرف نسب أمية جد مرتفعة.

ويمكن الوقوف على منظور علال الفاسي للمسألة الاعلامية، في خطاباته بمناسبة المؤتمرات والتجمعات واللقاءات والتظاهرات السياسية والحزبية، ومداخلاته أمام برلمان 1963، في أول تجربة نيابية

التي لم تكتمل بالإعلان، عن حالة الاستثناء سنة 1965، أو المقالات الصحفية التي كان يدبجها، وتنشر بعناوين بارزة على صدر صفحات جرائد حزب الاستقلال خاصة منها يومية “العلم” التى تعد مصدرا هاما في توثيق الذاكرة السياسية والثقافة والاعلام.

ان علال الفاسي، من خلال الانتاج الغزير الذى خلفه، كان في نظرنا، على وعي تام، بالدور الذى تضطلع به السلطة الرابعة، ليس فقط في تشكيل الرأي العام، وتعميم ونشر مواقف الهيئات السياسية، والتواصل مع مناضلي الحزب والمتعاطفين معه، في الاقاليم والجهات، في ظل غياب قنوات للتواصل السياسي خلال الستينات والسبعينات، ولكن أيضا باعتبار الصحافة والإذاعة و الإذاعة المرئية، كما كان يحلو ل”سيدى علال” أن يطلقها على التلفزة ، تشكل أداة حيوية للإخبار والتربية والتثقيف أيضا.

ونلاحظ، أن علال الفاسي، لم تكن تستهويه السياسة فقط، وإنما كان رجل علم وثقافة وأدب واجتهاد، فقد كان موسوعة حقيقية ألهمت الفكر السياسي والقانوني، وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان، تصنيفه في أي خانة، فهو العالم، حين يركن إلى سعة المعرفة، وهو الأديب والشاعر، حين يغوص في أعماق الإبداع، وهو الفقيه المتمكن المجتهد في مقاصد الشريعة والأحوال الشخصية، فضلا عن كونه السياسي المحنك، المنفتح على الآراء والافكار المخالفة والمتابع للمتغيرات الدولية.

وسنحاول في هذه المقالة التي تندرج في اطار مؤلف قيد التحضير، أتولى اعداده بمعية عبد الحي بنيس رئيس “المركز المغربي لحفظ ذاكرة البرلمان”، التركيز على أبرز الافكار التي ساهم بها في اطار ما يمكن تسميته ب” النضال الاعلامي” ما بين 1957 الى رحيله سنة 1974، وذلك من خلال تتبع افكاره وآرائه ومساهماته، في المجال الصحفي، والتي كانت في حقيقة الأمر، مرافعات حول الصحافة المكتوبة والاعلام الاذاعي والبصرين قبل، وبعد ميلاد أول تلفزة مغربية.

الحكومة تتغاضى عن الصحف الاستعمارية، وبالمقابل تضايق الصحافة الوطنية

ففي العديد من المرات، داخل برلمان 63، وجه انتقادات شديدا اللهجة، للحكومة، خاصة تغاضيها عن السماح للصحافة الفرنسية الاستعمارية. ويقول في هذا الصدد “إن من أعظم مظاهر هذا الظلم أن تظل صحف أجنبية في وطننا، تصدر متمتعة بكامل الحرية في توجيهاتها الاستعمارية، ولها داخل

الحكومة وخارجها من يدافع عنها دائما، في الوقت الذي تتعرض فيه الصحف الوطنية، إلى المضايقات والتقديم للمحاكمة لأبسط المناسبات”.

وأضاف ” لا نقبل من أي أحد أن يدافع هنا عن صحافة الاستعمار.. والألسنة الناطقة بهم وصحافتهم والدفاع عن صحافتهم.. وإنني أقولها هنا، إنني ضد كل من يتكلم لفائدة الصحافة الاستعمارية وكل من يتكلم ضد المصلحة الوطنية”.

الإذاعة والتلفزة مطالبتان بتنوير الشعب ورفع مستواه الفكري وتنشيط الحركة الفنية والثقافية

وإذا كان هذا بالنسبة للصحافة المكتوبة، فإن علال الفاسي، أولى اهتماما خاصا للإذاعة والتلفزة، لكونهما، أصبحتا، في نظره، وسيلتين فعاليتين من وسائل الاتصال، وأقدرها على نقل الأفكار، فهاذين الجهازين اللذين أساس عملهما نقل الأفكار والأخبار، يمسان بطريقة جدية الحقوق الأساسية الدستورية، وأصبحا من أسرع وسائل التعبير على التأثير بفعل التطور الهائل الذي حدث، في مختلف النواحي، التقنية منها والأدبية والفنية” مضيفا أنه “يمكن القول بأن الوعي السياسي المتزايد مدين، لتأثير هاتين الوسيلتين الهامتين من وسائل الاتصال بالشيء الكثير من تطوره ونمائه” على حد قوله.

وانطلاقا هذا ما يفرض الاهتمام الكبير بهما، يسترسل علال الفاسي، وذلك لجعلهما أولا، وقبل كل شيء في خدمة أولئك الذين يمولونهما، بالقدر الذي يوازي النفقات المخصصة لهما، وبالكيفية التي توافق مطالب الذين يغذون الميزانية، الذين يقومون مقام الممول، الذي له حق الاشتراط، وحق المراقبة، وذلك في اشارة الى المواطنين دافعي الضرائب.

وأثار الانتباه في هذا الصدد، الى ” أن الإذاعة والتلفزيون مرشحان، لأن يلعبا دورا هاما في النمو الاقتصادي والاجتماعي في البلاد حيث تبلغ نسبة الأمية أكثر من 80%، وحيث تتطلب المشاريع المفروض أنها موضوعة لخدمة الشعب، نفخ الحماس من أجلها واتصالا مستمرا فعالا مع الشعب لشرحها وبلورتها”.

ويخلص علال الفاسي الى القول أن الإذاعة والتلفزيون لهما رسالة متعددة الجوانب، حددها في:

1 – في تنوير الشعب

2 – في خدمة المشاريع الموضوعة لرفع مستواه المادي والفكري.

3 – في نشيط الحركة الفنية والثقافية بصفة عامة.

وكان لعلال الفاسي الذى كان يعتبر الصحافة ضميرا للأمة، وحرية الصحافة شيئا مقدسا، دفع مكونات الصحافة الوطنية الى التكتل، من أجل الدفاع عن حرية التعبير، وحرية الصحافة، ويرجع له الفضل الى جانب المهدى بن بركة في الايعاز بتأسيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية سنة 1963، كأول اطار يجتمع، فيه خصوم الامس حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والذى كان اللبنة الاولى لتأسيس الكتلة في بداية السبعينات، باعتبار ان ” الخصم المشترك” لا يمكن أن تواجهه صحيفة بمفردها، كما قال لي المرحوم عبد الكريم غلاب أول كاتب عام لنقابة الصحافة في آخر حوار أكاديمي يجريه قبل رحيله السنة الماضية.

ليس الهدف من هذه المقالة، واعداد الكتاب المشترك حول المسألة الاعلامية لدى علال الفاسي، بين كاتب صحافي، باحث وبين أحد ابرز المنشغلين والمهتمين بالتوثيق لذاكرتنا الوطنية الجماعية، الرجوع الى الماضي، للجواب على أسئلة الحاضر المتحرك بعنفوانه، ولكن مدرد مساهمة متواضعة في مجال الاعتراف، بفكر شخصية، لازالت في حاجة الى تسليط الضوء على اسهاماتها في مختلف الحقول، وتشكل نبراسا للأجيال القادمة، لان من لا ماض له لا مستقبل له.