ليس من المبالغة في شيء،  إذا اعتبرنا،  ان علال الفاسي، صاحب ” النقد الذاتي” ، كان من بين الأوائل الذين تنبهوا،  للأهمية التي تكتسيها وسائل الاعلام من صحافة مكتوبة وإذاعة وتلفزة، قبل ان يثار  النقاش حول موضوع  تحرير الفضاء  السمعي البصري في … والجدل حول  وضع دفاتر التحملات للقناة الأولى، والقناة الثانية، التابعتين  للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، الاشكاليات المثارة حول الخدمة العمومية في وسائل الاعلام العمومية .

  كما أنه لا غرابة ايضا، إذا اعتبرنا  أن علال الفاسي، كان أول من اقترح رؤية متكاملة ، للإعلام العمومي السمعي البصري ، و” ليس دفترا للتحملات” بلغة اليوم، حيث توصلنا، ونحن بصدد المراحل الأخير ة من اعداد مؤلف عن ”  منظور علال الفاسي للمسألة الاعلامية” ، من تأليف عبد الحي بنيس وجمال المحافظ، وذلك في إطار مواكبة وتتبع ما خلفه  مؤلف كتاب ” الحركات الاستقلالية بالمغرب العربي”، من تراث فكري متنوع.

  وهكذا، فعلال الفاسي، الذى كان آنذاك في موقع المعارضة، وليس في المسؤولية الحكومية،  لم يكتف ب” النضال”  من أجل أن تتضمن  برامج التلفزيون،  آذان  الصلاة، ونقل وقائع صلاة الجمعة والأعياد، على أمواج الاذاعة وشاشات التلفزة ، كما حدث سنة 2016 ، بعد” جدل عقيم، غير منتج” بين المسؤولين عن القطاع ، وإنما كان الفاسي ، يؤمن أشد الإيمان بأنه يتعين على الإذاعة والتلفزيون، ان تكون لهما “رسالة متعددة الجوانب”، منها  “تنوير الشعب”، والتعريف بالمشاريع التي تساهم، ليس في رفع مستواه المادي فقط، ولكن الفكري أيضا، وتنشيط الحركة الفنية، والثقافية ،مع الاستفادة  من الإمكانيات التي أضحى يتيحها  التطور الآلي،) هنا لا نتحدث عن زمن الانترنيت، وبرامج تلفزيون، كيف كنتى وكيف وليتي.. وبرامج الشو “ها” الخ اللائحة ، ولكن  نعني بداية الستينات(، وهو التطور ،الذي أصبح ينتظر منه، حسب علال الفاسي، أن يوفر للإنسان رغائبه، بأسرع ما يمكن، وأدق ما يمكن، وأريح ما يمكن.

وأوضح علال الفاسي الذى يعتبر الصحافة ضميرا للأمة، في تدخل ألقاه بمناسبة مناقشة ميزانية وزارة الانباء، في 21 فبراير 1964 خلال تجربة برلمان 1963، أول تجربة نيابية يعرفها المغرب المستقل، أن أهمية الإذاعة والتلفزيون، تأتي في كونهما، أصبحتا وسيلتين فعاليتين، من وسائل الاتصال، وأقدرها على نقل الأفكار، ثم لأنهما أصبحتا، تمتصان مبالغ كبيرة من الاعتمادات، في الميزانية العامة، نظرا لتزايد الاهتمام بالاتصال بالشعب. كما أصبحتا وسيلتين فعاليتين، من وسائل الاتصال، وأقدرها على نقل الأفكار، ثم لأنهما أصبحتا، تمتصان مبالغ كبيرة من الاعتمادات، في الميزانية العامة، وهذه المبالغ آخذة في الازدياد، نظرا لتزايد الاهتمام بالاتصال بالشعب.

ويربط علال الفاسي كل ذلك، بمقتضيات الدستور ) المقصود أول دستور سنة 1962(، باعتبار  أنه ينص بصريح العبارة، على “حرية الرأي وحرية التعبير، بجميع أشكاله” أي أن هذه الحرية، في نظر علال الفاسي، هي في مقدمة الحقوق الأساسية للمواطن، شأنها في ذلك، شأن الحق في التعليم، وفي الشغل، بدون تمييز، وبدون تحجير.

واعتبر علال الفاسي، أن أساس عمل الإذاعة والتلفزة، ، نقل الأفكار والأخبار، ويمسان بطريقة جدية، تلك الحقوق الأساسية التي جاء بها الدستور، وهو ما يفرض الاهتمام الكبير بهما، لجعلهما أولا وقبل كل شيء، في خدمة أولئك الذين يمولونهما، في اشارة الي دافعي الضرائب بلغة صحافة اليوم، وأيضا بالقدر الذي يوازي النفقات، المخصصة لهما، وبالكيفية التي توافق مطالب، الذين يغذون الميزانية، الذين يقومون مقام الممول، الذي له حق الاشتراط، وحق المراقبة.

    وفي بلاد تنطلق حركتها الفنية، من نقطة الصفر كبلادنا المغرب ، يكون من الطبيعي، أن تقوم الإذاعة والتلفزة، بدور هام، في هذا القطاع، من نشاط الأمة، الذي لهما به كبير علاقة، لكي يستطيعا أولا، صيانة تقاليدنا الفنية المتوارثة، وثانيا، توفير الوسائل الكفيلة، بخلق نهضة فنية، تستمد مادتها من تلك التقاليد، وطابعها وقالبها، من واقع الشعب، بعيدا عن التحريفية والميوعة، اللتين يمكن أن تسقط فيهما، حركة فنية ناشئة، لا تتوفر لديها الإمكانيات المادية الكفيلة، بأن تعصمها من النزول عما تقتضيه، رسالتها الفنية والإنسانية السامية، وكذلك تحصنها من المضاربات الفوضوية، التي انزلقت إليها بعض الحركات الفنية الناشئة، فسقطت في الابتذال والإسفاف، يقول علال الفاسي،  في تقديم منظوره لما تتطلبه، مضامين البرامج الثقافية والفنية التي تذاع على أمواج الأثير والإذاعة المرئية، كما كان يحلو لعلال الفاسي، ان يطلقها على التلفزيون.

وفي نظرة عميقة لمفهوم المجال والتنوع بين جهات المغرب، يقول علال الفاسي، إذا كانت الدولة في المغرب، هي التي تحتكر، استثمار أمواج الأثير وعمل الإذاعة والتلفزيون، موجها في آن واحد، إلى مستمع البادية والصحراء، والسهول والمدن، والمستمع الفلاح، والعامل والطالب، والجندي والتاجر، والموظف، فإن ” لهؤلاء جميعا، حق معلوم، في الخدمة التي تقدمها لهم، الإذاعة والتلفزة، بدون تمييز طبقي، أو سياسي، أو ديني”. 

ويرى علال الفاسي  في هذا الصدد، أن احتكار الاذاعة والتلفزيون ، “لا يعني احتكار الهيئة التنفيذية، ولا يعني احتكار حزب، أو أحزاب الأغلبية، بل كما هو احتكار الدولة، للمواصلات البرقية، والهاتفية مثلا، وهو حق مشاع للشعب كله”. في حين أن  الوضعية الراهنة، يقصد 1964، يتم خلالها استثمار الإذاعة، في ظل: – احتكار أسمى للدولة، يجرف إلى احتكار للهيئات الحاكمة وتوجيها الإذاعة والتلفزة، التي تعرف أزمة، ” ذات وجهين، فمن جهة، عدم شعبيتهما الناجمة عن جمودها، وعدم استجابتها، لرغائب الجمهور، ومن جهة أخرى، الفراغ القانوني الذي تعاني منه داخليا، ويجعلها عاجزة عن التصرف، باستقلال، وفعالية، وعاجزها عن توفير الوسائل الضرورية، لبعث الحياة في برامجها.

وبأفق استشرافي، ومقاربة اقتراحية بخلص علال الفاسي، الي القول، بأنه في غيبة إشراف الهيئات التمثيلية، على تسيير الإذاعة والتلفزة، ” ستظل حقوق الشعب في هذين الجهازين، ضائعة عرضة للإتلاف والتلاعب. مما جعله يدعو الي العمل بتركيز ووعي وإيجابية، لتحقيق قانون ديمقراطي، للإذاعة والتلفزة يضمن، سلطة ورقابة الشعب، عبر “مراجعة جذرية”، على الصعيدين القانوني، والتوجيهي، يمكن أن يكون، في مقدمة ما يحرص على تأمينه استقلال الإذاعة والتلفزة، وأن يقتصر عمل وزارة الأنباء، في هذا المجال على دور الوصاية.

كما اقترح  في نفس السياق ،تشكيل مجلس ذو صبغة استشارية، لتحديد السياسة العامة، للإذاعة والتلفزة، يتركب من ممثلي البرلمان، بمجلسيه وممثلي الوزارات المهمة، أو ذات العلاقة الوثيقة، بعمل الإذاعة والتلفزيون، وممثلي النقابات، والمجالس البلدية والقروية، وممثلي رابطة جمعية آباء التلاميذ، والاتحادات الطلابية، ورابطة جمعية المستعين، والنظارة، التي يمكن أن تتكون على الصعيد الشعبي، فضلا تكوين مجلس تنفيذي، منبثق عن هذا المجلس، يراقب سير العمل، في الإذاعة والتلفزيون، ويباشر سلطته، بواسطة المدير العام.

وفيما يتعلق  بمهام هذا المجلس، يتعين -حسب علال الفاسي – أن ينص على بنود تأمين موضوعية الأخبار، وعدم التمييز، بين المتحدثين في الإذاعة، وتحريم إذاعة تعليقات حول الشؤون العامة، بدون توقيع، على أن يكون واجب إفساح مجال التعبير، أمام كل النظريات المتعارضة، حينما يسمح بإذاعة، تعليق موقع حول الشؤون العامة، مع التنصيص على بنود خاصة بالفقرة الانتخابية والاستفتاءات، وعلى ضمان حرية الانتماء السياسي والديني، للعاملين في الإذاعة والتلفزيون. اننا في حاجة الى إعادة قراءة واكتشاف ذاكرتنا الوطنية، خاصة في ميدان الاعلام والاتصال بأفق يتلاءم مع أسئلة الراهن، وتحولاته ومتغيراته.