يبدو أن دوري قد حان لكي أدفع ثمن كسر إحدى الطابوهات التي تحاول الميليشيات الصهيونية فرضها على مهد حقوق الانسان، ذلك لان إدارة اليوتوب، وبعد نقاش دام شهرين، أبلغتني اليوم بأن حسابي على موقعها حذف بشكل نهائي بسبب فيديو “مخالف للقانون”. إنه فيلم وثائقي أنجزته السنة الماضية مع أحد الزملاء لصالح قناة “الجزيرة” حول كتاب “الاساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية” لصاحبه “روجيه جارودي”، وهو الكتاب الذي لا يزال ممنوعا من النشر والتداول في فرنسا بموجب قانون “جيسو” المثير للجدل.

في الواقع فإن ما يؤلمني كثيرا في هذه القضية ليس حذفه من قبل “اليوتوب”، بما أنني استطيع أن أجد العشرات من المواقع لنشره. وليس الرقابة في حد ذاتها، لان آخرين دفعوا ثمنها بأغلى بكثير، بل إن ما هو آلمني كثيرا في هذه القضية انني فقدت العديد من الفيديوهات الثمينة التي كنت نشرتها على هذا الحساب أيام “دومان اون لاين”، ولا أتوفر على نسخ منها في أرشيفي.

بالمقابل لم أفاجأ أبداً بالسلوكات التي تقف وراء هذه الرقابة. خلال تصوير هذا الفيلم اتصلت باللوبيات الصهيونية بهدف مناقشة اطروحتها في هذه القضية، وكان ردها قاسيا في حقي، وأخص بالذكر نقاشاً حاداً خضته عبر الايميل مع “جون سيرج لوراك”، الرئيس السابق لمنظمة “ليكرا” (أبرز لوبي صهيوني في فرنسا)، حيث هاجمني واتهمني بسعيي إلى إعادة كتابة التاريخ وتجاهل محن اليهود مع النظام النازي، ورغم أنني أجبته بإنني أود مقابلته بالضبط لانني أريد أن أعرض مختلف وجهات النظر في هذا الملف،فقد أطلق العنان للشتائم في حقا قناة “الجزيرة” و”روجيه جارودي” و”أحمد اينجاد” و”روبير فوريسون” وأطراف أخرى لا علاقة لها بمحادثتنا. 

بعد هذا السجال اللفظي، يبدو أن هذا المقاتل المخضرم في صفوف الميليشا الصهيونية، والذي لا يزال يمارس سلطته على الاوساط الموالية لاسرائيل في فرنسا، قام بدق أجراس الخطر لجميع أعضاء شبكته حاثا إياهم على عدم الحديث معي. هذا ما اتضح لي من خلال اتصال هاتفي مع سكرتيرة في المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا لمحت إلى نوع من الاجماع مع سبق الاسرار في حقي لانها بمجرد أن قدمت نفسي والمشروع الذي أنا بصدده قالت:

“السيد السالمي، بلغ إلى علمنا المشروع الذي تشتغل عليه. بلغ إلى علمنا أن “الجزيرة” تعد فيلما وثائقيا عن “روجيه جارودي” وأقولها لك بكل صراحة: لا أعتقد أن رؤسائي هنا سيكونون مهتمين بالمشاركة فيه”. وعندما سألتها عن السبب مشيرا إلى مصلحتهم في طرح وجهة نظرهم، ردت قائلة “أنهم لا يريدون إعادة فتح نقاش عمومي في الموضوع”.

مع ذلك تمكنت من تحدي هذه الرقابة وأنجزت فيلماً يستوفي كل الشروط التوازن المطلوبة، وفي زمن قياسي.

عائق آخر ظل راسخا في ذكرتي عن فترة إنجاز هذا العمل أن الشرطة الاسرائيلية، التي تتولى منذ سنوات عديدة مهمة حماية المعبد اليهودي الاكبر في باريس، احتجزتنا بطريقة عنيفة بينما كنا نلتقط الصور بالكاميرا للمعبد من الخارج، والغريب في الامر أن عناصر “الشاباك” تلك، التي فرضت قانونها على التراب الفرنسي، آخذت علينا عدم توفرنا على ترخيص من ولاية الامن في باريس رغم ان القانون الفرنسي الجازي به العمل لا يفرض طلب الترخيص لتصوير الاماكن العمومية للطواقيم التي تقل عن عشرة اشخاص. على كل حال فقد احتجزونا لمدة ساعتين كاملتين واستصدروا بطائقنا بدعوى التأكد من هوياتنا.

بعد ساعتين من التدافع الذي وصل أحيانا حد الاشتباك بالايدي، فهمنا أن الحل هو الاتصال بالشرطة الفرنسية لكي تحررنا من قبضة هؤلاء القراصنة، وكذلك كان. أتى فيلق من شرطة مكافحة الارهاب وكانوا مرتبكين للغاية لاننا واجهناهم بقوة القانون، ما دفع رئيسهم الى الاعتذار عما حدث مشيرا إلى حساسية المكان بالنظر للسياق الذي تمر منه فرنسا مع الاحداث الخ..

رغم هذه المضايقات فقد أنجزنا مشروعنا وبثت النسخة العربية للفيلم في برنامج “خارج النص” على “الجزيرة الاخبارية”، اما النسخة الفرنسية، بعد حذف حسابي على اليوتوب، سأقوم بتحميلها على موقع آخر ضدا في مقصاتهم !