حراك جرادة يتطلب منا إيجاد منهجية  علمية لتناوله، وتكوين ثقافة سياسية وتاريخية، وقانونية  ولغوية حوله، ومقارنته خاصة بحراك الريف، وخصصنا هذا النص الأولي للمحددات المنهجية، قصد توظيف العلوم والتقنيات العصرية للحصول على معرفة قريبة من الحقيقة، وهي معرفة تساعد عليها تقنيات الأنترنيت التي تتيح فرصة القراءة الواسعة ..ومن هنا يمكن إيجاد الحلول لمشكلة هذا الحراك الذي لم تصل أجهزة الحكم الحالية الى مفاتيحه، فالتجأت الى الاعتقالات والمحاكمات، واستعمال القوة العمومية لفضه بعد فشل كل المحاولات السياسة لحله.

ولذلك نبدأ باسم أو تسمية هذا الحراك، لنقول: أولا، إنه حراك معدني، وليس فقط “حراك جرادة” كما يريد البعض وأجهزة الدعاية الرسمية أن يسموه، ويجب الانتباه جيدا إلى الاسم، من أجل محاربة التغليط والجهل.. والوصول الى المقاربة الموضوعية التي تتجاوز المقاربات السياسية المغرضة.

 إنه حراك يفتح الباب على مجال الثروة المعدنية  التي تختزنها الأرض المغربية، فكما تم فتحٌ  ملف الثروة البحرية بطحن محسن فكري في الحسيمة في اكتوبر 2016، يجب فتحٌ ملف مناجم بلاد بني يزناسن في أواخر سنة 2017 بموت  شخصين هما: الأخوين دعيو ي حسين، ودعيوي  جدوان داخل غار معدن الفحم الحجري في جرادة، ومن هنا يكون السبب الأول وهو: الموت هو المشترك الوحيد بين الحسيمة وجرادة، لأن عنصر الموت  من أجل الثروات الطبيعية (سمك، فحم..) يصبح بذلك  محركا للشعب، ومنتجا  لاحتمال  ظهور نوع جديد من الصراع مع الحكم المخزني حول الثروات الطبيعية يجري في الشوارع. ويكون سببا في وضع لوائح جديدة لشهداء المنطقة، وأبطالها الذين سيحفظ التاريخ المجيد أسماءهم للأجيال القادمة، ويترك للمجتمع ضحايا وجرحى في صفوف الشعب وأيضا في صفوف القوات العمومية، التي ينتمي أفرادها إلى الشعب أيضا، ويستغلها الحاكمون لتغطية عيوب سياستهم.

ونقول ثانيا، بأن حراك  بني يزناسن، يفتح الباب ليتعرف الشباب  الحالي على هذا التجمع القبلي الذي يسكن منذ أقدم العصور في المنطقة التي يوجد فيها معدن الفحم، والرصاص والزنك. ومن الناحية المنهجية  لابد أن نشير الى كون المنطقة لها سكان معروفون تاريخيا، ينتمون إلى بُطُون  أمازيغ شمال إفريقيا تتميز بلادهم بالمعالم، والخصوصيات السياسية، والأركيولوجية التي منها موقع تافوغالت التي اكتشف فيها  الباحثون هيكل أقدم إنسان يرجع وجوده في موقع هذا التجمع القبلي الأمازيغي  إلى 15000 سنة.

ونقول ثالثا، بأن تسمية “حراك جرادة” من طرف النخب الإعلامية والإدارية والحزبية والنقابية المخزنية، هو مكر سياسي لتقزيم الحراك، وحصره تحت اسم مدينة عمالية صغيرة، وفصله عن مجاله الإجتماعي الواسع، وعن الثروة المعدنية الكبرى التي توجد في كل مناطق البلاد. كما كانت  نفس النخب تركز على تسمية حراك الريف بـ”حراك الحسيمة” لهدف تقزيمه في ذهن بسطاء الناس، وإخراجه من سياقه الإجتماعي والتاريخي والعلمي…

 ونشير الى انه لا بد لنا في مناسبة الحديث عن منهجية دراسة هذا الحراك  الذي يوجد في ظروف جديرة بالكتابة والتحليل المواكب لها وهي ساخنة، من العودة الى سياسة التقسيم الاداري  الذي أسس على هدف عدم ذكر الاسم التاريخي للمنطقة في تقسيم الجهات بالمغرب، وأطلق عليها “جهة الشرق” لكي ينسى الناس وخاصة الشباب اسم”اث ايزناسن”، وهي عملية سياسية تهدف الى  تطبيق محو الذاكرة لأسباب سياسية تهدف الى تعريب المنطقة، وربط السياسة الحكومية بدين الدولة، وهي سياسة غير انسانية..

فأصبح إصلاح  الأخطاء من جذورها، وادراك أسبابها مهمة ثقافية ضرورية.

كما أنه لابد من الرجوع الى التقسيم الجغرافي بين المغرب والجزائر الذي كرسه الأتراك وأبدعوه، وتابعته وعززته فرنسا، بمساعدة خونة المنطقة، بوضع حدود بين المنطقتين تقسم التجمع السكاني المعروف ببني يزناسن بين مايسمى بدولتين، ونعطي المثال التطبيقي بذكر مدينتي وجدة، وتلمسان، اللتين تشكلان العاصمتين التاريخيتين للمنطقة، لتفهم الأجيال الجديدة ما جرى في القرون الأربعة الماضية بمنطقة شمال افريقيا.. وتتعرف على حضارة جبل أفوغال وهو اسم مذكر، وربما كان في القديم اسم رجل، وتافوغالت التي هي اسم مؤنث وربما هو أيضا اسم امرأة…

كما نشير الى أن سياسة إغلاق مناجم الفحم في جرادة تم تنفيذها ابتداء من سنة  2000  في ظل ما سمى بحكومة التناوب(1998-2002)، وتحت وصاية وزيرة الطاقة والمعادن أمينة بنخضرة التي طبخ مشروع الإغلاق في خبايا مكاتبها، وهي الآن صامتة لا تشرح شيئا مما وقع في تلك المكاتب، ومع ذلك فإن الإغلاق في ظل حكومة ائتلافية  في زمنها ستخضع للمحاسبة التاريخية عن سياستها التي جعلت النقابات العمالية وفلول ما يسمى باليسار المخزني تشرك ممثلي تلك النقابات في تواطؤ  للسكوت عن حقوق العمال التي ضاعت ونتج عنها ما نراه اليوم من محن وموت وعذاب صراع بين المدنيين والقوات العمومية، وإعتقالات ارتفع عددها  الى 22 حسب وسائل الإعلام.

ولابد أيضا من دراسة كيفية المعالجة السياسية لكل من حاول التدخل في الموضوع، واهم جوانب ذلك تلك المحاولات تتمثل في:

1- زيارات أعضاء من الحكومة للمنطقة، ومنهم رئيس الحكومة سعد الدين العثماني وآخرين، من الذين يعتقدون أن مجرد زيارتهم للمكان ستكون وسيلة سياسية لإطفاء الحراك، وهو تكرار لسياستهم حول حراك الريف الذي انسحبوا منه وتركوه للفرقة الوطنية وللشرطة القضائية وللمحاكم.

2- الدعاية التي تروج حول أسباب الحراك خاصة ما يقال على خلفية نسبته الى جماعة العدل والأحسان، وحزب النهج الديموقراطي،علما بأن الخلفية الدينية للعمال الذين يغامرون بحياتهم بالدخول إلى غيران البحث عن الفحم تجعلهم يمارسون قبل الدخول اليها طقوسا دينية بقراءة القرآن وعادات حضور الموت في أذهانهم، حتى منذ سنة 1927 عند فتح المناجم من طرف الشركة الفرنسية  التي كانت تسمى    Charbonnage du Maroc   قبل ظهور جماعة العدل والإحسان بعشرات السنين، وكون  جمهور الاستغلال الشعبي للمناجم غير معروف بالإنتماء لأي حزب سياسي، بدليل أن أي حزب منها لا يستطيع التحكم في الحراك بعد أن نشر الريفيون على نطاق واسع بالمغرب مصطلح  الدكاكين السياسية.

3- الإجتماعات المخزنية مع من يسمون ممثلي السكان، أو الأمة كما يتصورونها، علما بأن هؤلاء  لا يستطيعون تناول موضوع الثروة المعدنية الذي هو أكبر منهم، وكثر حديثهم عن معدن الفحم، لكنهم سكتوا عن معدن الرصاص الذي تذكر المصادر الإعلامية أنه موجود هناك، ولا تعرف كيفية استغلاله..

4- محاولات وزير الطاقة والمعادن عزيز الرباح الذي خطط سياسته التي تضمنتها تصريحاته لوسائل الإعلام، وهو يحاول أن يجعله حراكا نموذجيا يحبذه في بدايته عن حراك  الريف لأنه كما قال “يحمل الراية الوطنية”، وينفذ سياسة إغراء شباب الحراك بمنح رخص استغلال المناجم للبعض منهم، وإعطاء الوعود التي سبق أن أعطيت من السابقين من قبله ولم تنفذ..

5- مرور حراك جرادة من مرحلة الخروج الى الشوارع للإحتجاج على الموت داخل غيران المناجم بدأت في الأسبوع الأخير من موت الأخوين دعيوي، ثم تلتها مرحلة تقديم المطالب الجماعية للسكان، وهي في الغالب مطالب اقتصادية واجتماعية، ثم تلتها مرحلة تلقي بعض عروض الحلول من طرف السلطة بطريقة فوقية لم تكن عن طريق التفاوض المباشر مع قادة الحراك، بل كانت المقترحات تدور بين السلطات المركزية ومن تسميهم بالمنتخبين، وهم في الحقيقة لا يعوضون قادة الحراك الذين هن هم شباب يستعملون أساليب وشعارات حراك الريف، وكانت المراحل السابقة تمتع فيها الحراك بحقوق الاحتجاج السلمي، ثم جاءت المرحلة الأخيرة التي قررت فيها السلطات منع الحراك، وفض الوقفات بالقوة ليدخل الحراك في مرحلة الاعتقالات والمحاكمات.

6- لاشك أن الدكاكين السياسية والنقابية تركز سياستها على الفصل بين الريف وبني يزناسن الذين هم  جميعا من البطون الأصلية لفرع زناتة ، وتقترب لغويا وثقافيا وجغرافيا بمجاورة قبيلة ايت بوزكو لمواقع مدينة جرادة وكذلك قبيلة زكارا الريفيتان.

وختاما، فإن هذا النص لا يتسع لدراسة هذا الحراك الذي يحتاج  الى ما هو أوسع منه، لو حصلت المواكبة الجماعية للكتاب والباحثين والعلماء وهو ما ينقص مساعي إيجاد الحلول البديلة لاستعمال القوة والعنف.