
إِسْبَانْيَا وَالمَغْرِبُ..بَلَدَان مَحْكُومٌ عليْهِمَا بالتّفَاهم

على هامش المنتدى المغربي – الإسباني حول الهجرة والإندماج
آراء أخرى
انعقدت يوميْ 20 و21 مارس الجاري 2018 بالرباط الدورة الثانية للمنتدى المغربي- الإسباني حول موضوع “العيش المشترك”، ( إشكاليتا الهجرة والإندماج )، بمشاركة مسؤولين سامين مغاربة وإسبان ، ويأتي هذا الملتقى الثنائي المغربي – الإسباني بعد انعقاد الدورة الأولى التي تمّ تنظيمها بين الطرفيْن عام 2015 بمدريد .
يدعونا هذا المنتدى إلى معاودة إلقاء إطلالة على الماضي المشترك للبلدين الجارين وموروثاتهما الثقافية، والحضارية، والتاريخية الثريّة المتنوّعة فى مختلف مجالات الحياة التي تقاسَمَها شعباهما على جانبي الضفّتين الأوربية الجنوبية، والإفريقية الشمالية ، كنموذج فريد متميّز للتعاون والتفاهم، والتقارب والتداني بين البلدين، مقدّمين بذلك نموذجاً مثالياً فى المنطقة على حُسن التعايش، والمعايشة، واحترام الجوار والإندماج، بدل التناوش ،والتشاكس ، وإمتطاء حدبة التجنّي والجور، بل العمل على إستئثار الحوار، عوض التعنّت والبوار..!
وعلى هامش هذا المنتدى الهام الذي عالج المشاركون فيه العديد من المواضيع الحيوية ذات الإهتمام المشترك بين البلدين التي لها صلة بالجيرة والجوار، والتواصل والحوار،والهجرة والإستلاب، وأمل الإندماج بعد الإغتراب. تجدر الإشارة فى هذا الصدد إنّ إسبانيا والمغرب بحكم موقعهما المتميّز،كبلدين جاريْن يجمعهما”ماضٍ” حضاريّ تقاسماه ، و”ثقافةٍ” رفيعةٍ نَسَجَا خيوطها سويّاً، و”إشعاعٍ” متألق إنصهرا فى بوتقته، بحكم”الحاضر” الواعد الذي يعيشانه ، و”المستقبل” المشترك الذي يتطلّعان إليه ، كلّ ذلك يجعل منهما طرفيْن واعييْن كلّ الوعي بالدّور الحيوي الهامّ المنوط بهما لتحقيق المزيد من التقارب، والتعاون، والتفاهم، بينهما، ونَسْج عُرَى صداقة أوثق، وترسيخ أواصر مودّة أعمق.
إنّ غير قليل من العناصرالصالحة المشتركة، والمكتسبات الهامّة لمورثاتهما الحضارية منها والتاريخية، والثقافية، تحفزهما فى كل مناسبة لوضع قاطرة التعاون الثنائي بينهما على السكّة الصّحيحة ، لتقريب المسافات، وإستغلال كلّ العناصرالإيجابية بينهما، في عصرٍأصبحت فيه التكتّلات الإقتصاديّة، والسياسيّة، والبشريّة، والإجتماعية، والسياحية، والإنسانيّة بين الدّول والشعوب تتبلور بشكل لم يسبق له مثيل، وذلك لزيادة تقوية الأرضية الصّلبة لعلاقاتهما المتينة فى مختلف مرافق الحياة ، وتعزيزأوجه التعاون بينهما فى مختلف المجالات. كلّ ذلك ينبغي أن يواكبه تبادلٌ ثقافيٌّ خِصب متنوّع ، وتعاون علمي مكثّف يزيدهما تعارفاً وتقارباً،وتفاهماً وتناغماً.
ويشكّلّ الموروث التاريخي، والثقافي، والحضاري المشترك الزّاخر بين البلدين أرضية صلبة، وحقلًا خصباً ممّا جعلهما ينفردان بخصوصّيات،ومميّزات قلّما نجدها لدى سواهما من البلدان الأخرى ،الشئ الذي أفضي الى خلق نوع من الإستمرارية والتواصل الدائميْن في علاقات البلديْن منذ عدّة قرون ،إذ يرجع التبادل الدبلوماسي بينهما منذ القرن السّابع عشر حيث بدأ بشكلٍ إنفرد به المغرب، وكان له قصب السّبق فى ذلك ، حيث كانت البعثات الدبلوماسيّة المغربية هي البعثات الوحيدة الأولى التي زارت إسبانيا إنطلاقا من بعثة السفير ابن عبد الوهّاب الغسّاني خلال حكم العاهل الاسباني كارلوس الثاني (1691-1690)، ومروراً بالسّفراء الزيّاني(1758) وأحمد المهدي الغزال (1766) وابن عثمان المكناسي(1779) والكردودي (1885) إلخ.
دورالمثقّفين المغاربة والإسبان
المثقفون الإسبان والمغاربة ما فتئوا يؤكّدون على الدّور المحوري الذي تلعبه الثقافة على وجه الخصوص فى توثيق وتعميق العلاقات بين البلدين، حيث اضطلع هؤلاء المثقفون بالفعل فى العقود الأخيرة بدور طلائعي فى تطوير، وتفعيل العلاقات الثنائية بينهما، ففى عام 1978 تمّ تأسيس “مجموعة المثقفين الإسبان والمغاربة” التي ضمّت صفوةً من الكتّاب، والأدباء، والمفكّرين المغاربة والإسبان التي ضمّت 40 مثقفاً من المغرب ( كاتب هذه السّطور كان من بين الموقّعين على هذه الوثيقة) ، و46 مثقفاً من إسبانيا الذين طالبوا بضرورة تحريك العلاقات الإسبانية المغربية ، وإعطائها نفساً جديداً ، وإذكاء روح التفاهم والحوارالدائم بينهما. وقد أفضت هذه البادرة المبكّرة إلى تنظيم عدّة ندوات حول مختلف أوجه التعاون الثقافي، والأدبي، منها” وإرساء قواعد ثابتة ودائمة للحوار والتفاهم والتعايش بين الطرفين وسواها من المبادرات الأخرى التي كانت تهدف برمّتها إلى هذه الغايات، النبيلة التي تخدم المصالح المشتركة للبلدين
لقد أصبح الإهتمام فى الضفتين بثقافة البلدين يتنامى بشكلٍ مرضٍ بينهما، خصوصاً في أوساط النّخب الثقافية، وكذا عند فئات واسعة من الجمهور، إنّ الاقبال المنتظم والمتزايد للإسبان على زيارة المغرب وإقامة الكثير من المغاربة بإسبانيا من شأنه أن ينسج جسورَ الاهتمام لمعرفة واقع وثقافة وتاريخ البلد الآخر. وينبغي على البلدين التصدّي فى هذا السياق للأفكار الجاهزة،والأحكام المسبّقة التي لا تقدّم صّورتهما الحقيقية ، والتي تنتشر أساساً لدى الشرائح ذات الثقافة المحدودة ،وبالتالي فالوسيلة الوحيدة لمحو هذه التصوّرات الخاطئة هي العمل سوياً على واجهات التربية، والاعلام، والثقافة،والفنون. وهو مجال يتطلب، منّا بذل مَجهودٍ مُضنٍ من أجل تعبئة مختلف وسائل الاعلام قصد نقل الصّورة الحقيقية عن كلا البلدين، وتصقيلها،وتقديمها بالشكل الصّحيح غير المغلوط .
إثراء الحوار الثقافي
يعتبر المغرب أقرب بلد من إسبانيا جغرافياً، وتاريخياً، وتقافياً، وإجتماعياً، وطبعاً، وتطبّعاً ! ، ولا شكّ أنّ التبادل الثقافي بين البلدين سيزداد زخماً ومتانة بين الأجيال الجديدة المقبلة في أفق بلورة فضاء مشترك يتقاسمه الشّعبان على مختلف الواجهات. ينبغي لنا والحالة هذه، البحث عن الوسائل الناجعة، والآليات العاجلة لزيادة إثراء الحوار الثقافي القائم بين البلدين لإقرارأرضية صلبة للتفاهم بينهما أيضاً فى مختلف المجالات،السياسية، والإقتصادية، والتجارية التي تتماشى وتتناغم مع المعطيات التاريخية،والموروثات الثقافية المشتركة بينهما، وإقتناعهما بالتأثير الإيجابي المتبادل بين ضفّتيْ البلدين على إمتداد القرون، ممّا جعل من منطقة حوض المتوسّط عبر التاريخ فضاءً ثقافياً خصباً، كان له تأثير بليغ على أوربّا، وشمال إفرقيا، ومختلف البلدان المجاورة ، كما جعلت “الأندلس” فى عزّ أوجها منهما بلدين متلاحمين،ومتقاربين،ومتشابهين،ومشتركين فى العديد من المظاهر الحضارية، والثقافية، واللغوية، والأدبية، والإبداعية، وفى مختلف الأشكال الفنيّة، والتصاميم المعمارية ، والهندسية ،ومرافق الحياة الأخرى، هذه التأثيرات، والبصمات المتشابهة طبعت البلدين إلى حدٍّ أصبح معه المغرب ينفرد بعلائق تاريخية وطيدة، وخصوصيّات ثقافية مميّزة مع جارته إسبانيا قد يعزّ نظيرها لدى جيرانها الآخرين .
سَيْرُ وَسَبْرُ العلاقات الثنائية
أصبحت ظروف تحسين وتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين جدّ مواتية فى الوقت الرّاهن أكثر من أيّ وقتٍ مضى، فالعلاقات الثنائية القائمة بينهما تعكس بشكل جليّ التوافق السياسي المتناغم السائد بين البلدين فى الوقت الراهن، ذلك أنّ الظرفية الحالية التي يجتازها العالم اليوم فى مختلف المجالات السياسية، والأمنية، والإقتصادية، ومحاربة الإرهاب، ومكافحة الجريمة المنظَّمة، والاتّجار في المخدرات، ومُعضلة الضغط المتزايد للهجرة غير الشرعية من إفريقيا جنوب الصّحراء ومكافحتها،والقضاء على آفة البطالة،والتقريب بين الفوارق الإجتماعية، وضمان الحريّات العامّة، والضرورة المُلحّة لصَوْن حقوق الإنسان بشكلٍ جدّي وشفّاف،والدفاع عن المصالح العليا للبلدين ،والحفاظ على أمنهما،وإستقرارهما ،كلّ ذلك يحتّم عليهما مزيداً من العمل المشترك فى هذا الإتجاه .
وقد شهدت العلاقات المغربية الإسبانية بالفعل تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة أملته حاجة البلدين لرفع التحديّات نظراً للإضطرابات والقلاقل الخطيرة التي عرفتها بعض البلدان العربية المجاورة، والأزمة الاقتصادية والعولمة. ولا يألو المغرب وُسْعاً لبذل جهوده الدؤوبة على هذه الجبهات ، كلّ ذلك وسواها من المعطيات التي تحتم على البلدين أن يعملا متلاحمين يداً فى يد من أجل التغلب على التحدّيات، وتجاوز الإكراهات التي تفرض نفسها عليهما على وجه الخصوص، وعلى المنطقة بشكل عام.
البلدان إذن مطالبان للعمل سويّاً من أجل إستشراف آفاق المستقبل،. أخذاً بعين الإعتبار الموقع الجيو- إستراتيجي الممتاز للمغرب كبوّابة لإفريقيا والعالم العربي ، وكذلك الموقع المتميّز لإسبانيا كبوّابة لأوربا، والعمل من أجل إعطاء دفعة قوية للعلاقات الثنائية بينهما في شتىّ المجالات، فالمكانة التي تحتلها إسبانيا لدى المغاربة كبلد تربطها بهم العديد من الأواصر التاريخية الوثقى، والثقافية، والإنسانية، والاقتصادية، والخصائص المشتركة بينهما تقدّم الدليل على أنّ عوائق المدّ والجزر،والأخذ والردّ، والفتق والرّتق التي قد تعرفهما العلاقات الثنائية في بعض الأحيان لا يمكن أن تؤثّر على الثوابت التي تقوم عليها روابط البلدين. ولا شكّ أنّ الرّغبة لدي الطرفين الإسباني والمغربي ملحّة وأكيدة لإضفاء دينامية جديدة على العلاقات الثنائية لما فيه مصلحة الشعبين الجارين.
فليس من باب الصّدفة أن يصبح المغرب شريكاً إقتصادياً إستراتيجياً مرموقاً لإسبانيا على المستوى الإفريقي ، كما أنه ليس إعتباطاً من جهةٍ أخرى، أن تصبح إسبانيا الشريك الأوّل للمغرب على المستوى الخارجي وواحدة من المستثمرين الرئيسييّن فيه،متقدمةً حتى على فرنسا فى هذا القبيل التي كانت حتى الأمس القريب “الوِجهة المأثورة” التي لا محيد للمغرب عنها بشكل مبالغ فيه ، ولقد حققت إسبانيا هذه الغاية بفضل الفرص الهائلة التي يوفّرها المغرب، البلد المنفتح على العالم لفائدة المقاولين، والصنّاع، والمستثمرين الإسبان وغير الإسبان.
هذا الزّخم في العلاقات القائمة فى الوقت الراهن بين البلدين يعكسه كذلك تطوّر ملموس، وهائل في تعاونهما الثنائي في المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والإنسانية، والدبلوماسية، وهما في إطار العولمة، يستشرفان آفاقاً جديدة للتعاون لرفع التحدّيات العديدة للقرن الذي يعيشان فى كنفه. وقد وقّع كلٌّ من المغرب وإسبانيا مؤخراً على عددٍ من إتفاقيات التعاون الثنائي في مجال التنمية، والتعاون الثقافي، والتعليمي، والرياضي ، وأخرى في المجالات الدبلوماسية، والسياحية،والطاقة،والكهرباء،والنقل، والإدارة الإلكترونية،وسواها من المجالات الحيوية الأخرى.وذلك نظراً لتقاسم البلدين لرؤىً سياسية متناغمة بشأن مختلف القضايا الإقليمية، والدولية،ومراعاةً منهما لمصالحما المشتركة .
قضايا شائكة وأمورٌ عالقة
ولكي نكونَ واقعييّن فى هذا الطّرح، تجدرالإشارة إلى أنّه على الرّغم من هذا الزّخم الهائل الذي يطبع العلاقات الثنائية بين البلدين، والبريق اللمّاع الذي يضيئها،ويوحي للعيان أنّها على خير ما يُرام فى مختلف المرافق، والقطاعات، والقضايا، والتي رصدنا بعضاً من جوانبها آنفاً ،فإنه ينبغي لنا ألاّ نغفل، أو ندير ظهورَنا لقضايا أخرى ثنائية هامّة عالقة وشائكة،وإكراهات مُؤرقة ما زالت تثقل كواهلنا ، وتقلق مضاجَعنا، وهي تواجهنا بإلحاح وعناد، ولا ينبغي لنا أن نتّبع حيالها سياسةَ النّعامة فى إخفاء رؤوسنا فى الرّمال، وعدم رؤية الواقع الحقيقي الذي نعيشه، ونلمسه،ويتجسّد نصب أعيننا، ويمكن حصربعض هذه القضايا كما يلي :
قضيّة سبتة ومليلية
عندما يثار الحديث عن سبتة ومليلية يقفز إلى الذهن على الفور بيت قرأناه ذات مرّة فى كتاب ” أزهار الريّاض فى أخبار القاضي عياض” فحفظناه رأساً وحيناً عن ظهر قلب ، يقول الشاعر فيه عند تحيته لمدينته سبتة : (سلامٌ على سبتة المَغربِ / أخيّة مكّةَ ويثربِ) !. المدينتان المغربيتان السليبتان سبتة ومليلية، والجزر الجعفرية ، وصخرة النكور ،والجزر الصغيرة المحاذية لرمال شاطئ “الصّفيحة” بأجدير (قرب مدينة الحسيمة) وجزيرة بادس، وجزيرة ليلى تورة كلها ما زالت تذكّرنا عند إنبلاج كل صباح بأنّه ما زالت هناك قضايا تاريخية جادّة شائكة عالقة ، ومواضيع ثنائية هامّة تمسّ السّيادة الوطنية فى الًّصّميم .
مداخل ومخارج مدينتيْ سبتة ومليلية خيرُ مثال على الوجه الآخر الخفيّ المؤلم لهذه العلاقات ،والشّعور بالحَسْرة والحَيْرة الذي يعتمل فى قرارة نفس كلِّ مواطنٍ عندما يَعْبُرُ هاذين المعبريْن ذهاباً أو إيّاباً،اللذين يفصلان ،ويشرخان ظلماً وعدواناً، وقهراً وقسراً بقعةً جغرافيةً واحدةً متماسكة، ويشطرانها شطرين تنشطر معها أهواءُ السكّان الآمنين، وتتضاعف معاناتُهم، ومشاعرُهم، وأحاسيسُهم، وتطلعاتُهم لعناق بعضهم البعض من الجانبين، وإحياء صلة الرّحم فيما بينهم، والإجتماع بإخوانهم فى الجانب الآخر من الأسلاك الشائكة، أوالأسوار العالية،أو الهوّات السّحيقة التي تُبَاعِد أو تفصل بينهما،فى زمنٍ تهاوت فيه كلّ الجُدران مهما كان علوّها وارتفاعها .
الغازات السامّة فى الرّيف
لقد أصبح موقف إسبانيا من إستعمالها للغازات السامّة، والأسلحة الكيمياية المحظورة فى حرب الرّيف يُثار بإلحاح وإمعان فى المدّة الأخيرة داخل المغرب وخارجة ،بل إنّه أمسى يُثار حتى فى إسبانيا نفسها، وقد تعرّض لهذا الموضوع وزير الخارجية الإسباني مؤخراً، فهل فى مقدور- جارتنا الأوربيّة وأقربها إلينا تاريخاً، وجغرافيةً ، وثقافةً،وإرثاً، وفكراً ،بل وجينيّاً – هل فى مقدورها اليوم الإقدام على إتّخاذ خطوة تاريخية جريئة للمصالحة النهائيّة مع ماضيها المعتم والمؤلم فى المغرب بتقديمها إعتذارٍ شجاع للشّعب المغربي،بشكلٍ عام،ولأهل الرّيف على وجه الخصوص، أيّ للمتضرّرين الفعلييّن، من السكّان الآمنين،وتعويضهم إنسانيًّا،وحضاريّاً – حسب ما تمليه القوانين اللدّولية فى هذا القبيل- هذه الجريمة النكراء البغيضة ،وقد أصبح هذا الموضوع الحيوي يستأثر بحدّة بإهتمام الرّأي العام المغربي والإسباني على حدّ سواء، والمتعلق بالتظّلم المُجحف،والأضرار الجسيمة التي حاقت، ولحقت بالعديد من الأسر والعائلات التي ما زالت تُعاني فى مختلف مناطق الرّيف ونواحيه من الآثار الوخيمة (لأوبئة السرطان اللعين) التي خلفتها جريمة إستعمال هذه الأسلحة الكيمياوية الفتّاكة من طرف إسبانيا بعد الهزائم المنكرة التي تكبّدتها فى حرب الرّيف التحرّرية الماجدة ؟ ولقد أجمع المشاركون في الدورة الثانية للقاءات “زنقة ابن خلدون”، التي يشرف عليها “مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم ” العتيد في مدينة مكناس، على ضرورة إيجاد تسوية حقوقية لملف الحرب الكيماوية ضد الريف واجبالة . حيث تميز هذا اللقاء بتقديم كتاب “التاريخ السرّي للحرب الكيماوية ضد منطقة الريف واجبالة” للدكتور مصطفي المرون .
الجالية المغربية المقيمة فى إسبانيا
تُعاني الجالية المغربية المقيمة فى إسبانيا التي أصبحت تقارب المليون نسمة من ضائقة خانقة فى خضمّ الأزمة العويصة التي تعيشها إسبانيا التي لن تعرف بوادر الإنفتاح والخروج منها – حسب الملاحظين- إلا بعد مرور بضع سنوات على الأقلّ على الرّغم من الكلام المعسول الذي يتبجّح به السياسيّون الإسبان بخصوص هذه الأزمة ، وينعكس ذلك سلباً على جاليتنا المقيمة فى هذه الديار ذلك أنّ معظم أبنائها كانوا يشتغلون في قطاع البناء الذي يعرف فى الوقت الراهن ركوداً قاتلاً، وأصبح عدد كبير منهم بالتالي عرضة للتسريح ،والإرتماء فى أحضان البطالة المقيتة. وحسب الخبراءالمتتبّعين لهذا الموضوع فإنّ الحلول أو بعضها لا تبدو فى الأفق القريب، نظراً لإنعدام تواصل جاليتنا مع النّخبة السياسية الإسبانية،وعدم توفّر وسائل الدفاع عنهم وعن حقوقهم، الشّيئ الذي يجعل الكثيرين منهم ممّن كانوا يتابعون دراساتهم مضطرين للإنقطاع عن الدراسة،هذه الأزمة دفعت الحكومة الإسبانة إلى المصادقة على قانون جديد للهجرة غيرِ منصفٍ بالنسبة للمغاربة، مقابل السياسة التفضلية التي يحظى بها مواطنو بلدان أمريكا اللاتينية فى هذا القبيل.والحالة هذه ينبغي على بلادنا أن تنظر بعين الاعتبار إلى وضعيتهم الصّعبة، ومضاعفة الجهود لتقديم مختلف وسائل الدّعم، والمساعدة لهم مغتنمةً جوّ الوئام السائد بين البلدين ، والمنتدى المغربي- الإسباني المنعقد ببلادنا يوميْ 20 و21 مارس الجاري حول موضوع “العيش المشترك” كان خير مناسبة لمعالجة مثل هذه القضايا لتحسين وتطوير ظروف جاليتنا المقيمة بالديار الإسبانية فى مختلف المجالات .
الهجرة السريّة أوغير الشرعيّة
على الرّغم من الجهود الحثيثة المبذولة فى هذا المجال لجعل حدّ للهجرة السريّة واللاّشرعية التي تفاقمت بشكل مهول يدعو للقلق فى المدّة الأخيرة، ما فتئت التساؤلات تترى وتطرح عن الإجراءات، والخطوات التي إتّخذها أو ينوي إتخاذها المغرب لإيجاد الحلول المناسبة العاجلة والناجعة لمواجهة هذه المعضلة الإنسانية العويصة التي جعلت من المغرب جسراً ،وممرّاً،ومقرّاً، ومستقرّاً لها من مختلف الجهات،والوِجهات ،ماذا تمّ حتى الآن فى هذا القبيل لمواجهة هذا الزّحف العرمرم نحو المغرب وإسبانيا الذي أمسىَ ينذر بعواقب قد لا تُحمد عقباها على المدى القريب فى مختلف الواجهات الأمنية ،والإرهابية،والإجتماعية، والإنسانية، والصحّية وسواها ..؟ خاصة بعد أن كشف مسؤولون حكوميون :”أنّ المغرب يتجه إلى تغيير راديكالي في سياسة الهجرة واللجوء بعد المبادرة التاريخية التي أطلقها الملك محمد السادس، إلى ملاءمة القوانين والتشريعات الوطنية حتى يتسنى للمهاجرين الذين اختاروا الاستقرار في المغرب أن يستفيدوا من جميع الخدمات مثلهم مثل أيّ مواطن مغربي”.
طرد وإبعاد الموريسكييّن
يتمثّل الموضوع الخامس فى إشكالية طرد “الموريسكيّين” الأندلسيّين المسلمين “المُهَجَّرين”و “المُبْعَدين ” قهراً وقسراً من مواطنهم، والذين إستقرّ معظمُهم فى المغرب، وفى الجزائر وتونس، و(معروف أنّ العاهل الإسباني السّابق خوان كارلوس الأوّل سبق له أن قدّم إعتذاراً اليهود ( السيفارديم) الذين أُبْعِدُوا من إسبانيا ،ولم يقم هو ولا خلفُه العاهل الإسباني فليبي السادس بنفس البادرة التاريخية حتى الآن مع المسلمين) ، بل لقد قدّمت اسبانيا لهم كلّ التسهيلات، والتيسيرات للحصول على الجنسية الإسبانية فى أقرب الآجال،.ينبغي لإسبانيا أن تتحمّل مسؤوليتها التاريخية حيال هذ الحيف، والتظلّم الذين لحقا بهذا الموضوع الشائك ، ويعتبر المؤتمرالدولي (عقب الموريسكيّين والسيفاراديم بين التشريع الإسباني والقانون الدّولي) الذي نظّم بالرباط مؤخراً بنجاح باهر من طرف “مؤسّسة ذاكرة الأندلسييّن” التي يرأسها الصّديق الدّكتور محمّد نجيب لوُبارِيسْ خطوة رائدة فى هذا القبيل، هذا المؤتمر (الذي كان لي شرف المشاركة فى فعالياته) أزاح الستائر، وبدّد الشكوك عن غير قليل من مظاهر التظلم ،والإجحاف،الذي طال أجدادَنا فى الأندلس الذين تعرّضوا لعمليات طرد جماعي، وإبعاد وإقصاء وتهجير قسري، وتعسفي من موطنهم وأراضيهم ودورهم ، وكلّ ما تلا ذلك من تظلم وحيف وتمييز حاق، ولحق بهؤلاء المُورسكييّن المُهجّرين رحمهم الله،وبارك الله فى عُمر أحفادهم،و أحفاد أحفادهم الذين يعيشون بين ظهرانينا فى العديد من المدن المغربية العريقة وأرباضها،ونواحيها، وفى سواحل الرّيف المتراميّة الأطراف حيث توجد بها مجموعات سكنية إثنية متعدّدة تنحدر من الأندلس منها فرقة تُسمّى : “إندروسن” أيّ فرقة “الأندلسيين” الذين هاجروا من الأندلس، واستقروا في منطقة بني ورياغل، وبالضبط في منطقة أجدير ، مثل سائر القرى والمداشر الأخرى فى شمال المغرب ما انفكّ المثقفون الإسبان والمغاربة يحرّكون ويثيرون هذا الموضوع بلا هوادة .
الطريق إذن ،على ما يبدو بين البلدين، ليس طريقاً مفروشاً بالورود والياسمين دائماً، بل تعلوه كذلك مطبّات ، وفجوات،وتُعيقُه منعطفات، ومنعرجات ينبغي تذليلها،وتجاوزها، والتغلّب عليها بإرادة سياسية قويّة، وحكمةٍ، ورزانةٍ وثبات ،من الطرفين. واالقضايا،والإشكاليات،والمواضيع أعلاه هي جميعاً بمثابة ( نواقيس) رنّانة صادحة، نقيس بها مدى ضرب “النّوىَ” والبِعَاد أو”التقارُب” والتداني بين البلدين ! وهي ما فتئت تذكّرنا عند إنبلاج كلّ صباح ، بأنّه ما زالت هناك قضايا جادّة عالقة ، وهي قضايا ومواضيع ذات أبعاد عميقة، وعويصة، ومستعصية ، فمهما كان وُسْع قطرالغِرْبَال فإنه ليس فى مقدوره أن يَحْجُبَ عنّا رؤية شمسَ النّهار.. !