
المثقف المغربي.. عندما يلد الجبل فأراً
قبل أن أبدأ يجب أن أشير أولا إلى أن كل ما سيرد في مقالي هنا يخص “المثقف العام” الذي تكون رؤاه منبعثة من منطلق اهتمامه بالمصلحة العامة للمجتمع البعيدة عن الخلفيات الإيديولوجية والسياسية والدينية… فمعلوم المثقف لا يقتصر دوره على إنتاج النصوص والمحاضرة في الجموع مناسباتيا، بل يمتد إلى ما هو أهم من ذلك وهو الانغماس داخل قضايا المجتمع بشموليتها وباختلاف طبيعتها.
آراء أخرى
وحينما نربط اسم المثقف بالمجتمع فلا يجب أن ننسى أن المثقف لطالما ارتبط اسمه أيضا بالنظام السياسي القائم، الذي غالبا ما تكون علاقته بالمثقف علاقة احتواء خاصة بدول المنطقة العربية. فالمثقف العربي إما أنه يقبل بعلاقة الاحتواء تلك أو أنه يختار الصمت ويكتفي بالتغريد خارج سرب ما يهم المجتمع.
وطبعا ليس المثقف المغربي بخارج عن هذا النسق، فجل مثقفينا اختاروا الصمت، وقلة قليلة منهم آمنت بقدرتها على التغيير وإنتاج الأفكار الإصلاحية من داخل النظام نفسه، وهي بذلك سقطت في علاقة الاحتواء رغم أنها ترفض هذا الواقع أو هذا الوصف. إلا أن بعض الذين اختاروا الصمت قرروا هذه الأيام أن يتكلموا أخيراً ويا ليتهم ما فعلوا. فقد قرر مؤخرا مئة مثقف مغربي إصدار عريضة تطالب بالمساواة في الإرث وإلغاء قاعدة ” التعصيب” في الإرث.
لست هنا لأعترض أو أوافق على قرار إصدار هذه العريضة فذاك ليس من أولوياتي كما هو ليس من أولويات أغلب المغاربة البسطاء، ولكنني هنا لأتساءل إن كان هذا هو دور المثقف داخل مجتمع تقليدي مُشبع بالمسلمات الدينية؟ هنا لأتساءل أيضا أين المثقف المغربي من الاختلالات السياسية؟ وأين هو من البؤس الاجتماعي الذي يعانيه المغاربة؟ وإذا كان إلغاء قاعدة التعصيب في الإرث ستحقق لنا التوازن الاجتماعي والرفاهية الاجتماعية… فأخبرونا.
إنني، وربما كأغلب المغاربة، أحسست بخيبة أمل كبيرة بمجرد ما علمت بأمر هذه العريضة لأنني انتظرت من مثقفينا أن يصدروا هكذا عرائض في قضايا أكثر أهمية، قضايا انخرط فيها المجتمع البسيط بكل شغف رغبة منه في إحداث تغيير حقيقي يرتبط بعمق وصلب واقعه، في حين اختار المثقف الصمت وكأن الأمر لا يهمه. فأين هو المثقف من حراك الريف، وأين هو من احتجاجات جرادة، وأين هو من قضية مقتل 15 امرأة تدافعا من أجل كيلوغرامات قليلة من الدقيق…؟ أين هو من قضايا البسطاء.
إن المفروض في المثقف أن يهتم بأولويات المجتمع الذي ينتمي إليه، لا أن يقفز على كل الاختلالات والنواقص ليفتي وليناضل من أجل قضايا ثانوية وهامشية ليس لها أن تغير من واقع المجتمع المزري شيئا.
كنا وللأمس القريب نحترم موقف المثقفين الذين اختاروا الصمت بداعي أن البيئة المغربية بيئة تقليدية وذات خلفية دينية لذلك لن تناسبها رؤى وأراء المثقف المزعجة.. ولكن أن يتم كسر هذا الصمت حول واحدة من أكثر القضايا حساسية عند المغاربة فهذا يجعلنا نرتاب حول حقيقة صمت المثقف المغربي.