إذا كانت الخيانة في المعاجم العربية القديمة تعني نقض العهد وعدم الوفاء به كما ذهب إلى ذلك ابن منظور في لسانه  : الخَوْن أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح، خانَه يخونه خونًا وخيانة، وخانَةً ومخانة“. ، فإن الخيانة في عهد المقاطعة قد اكتست معان أخرى لم يَسبق إليها لا أبن منظور ولا الفراهدي ولا الجرجاني ولا غيرهم من فطاحلة اللغة الذين تضاءلت أحجامهم أمام سياسيي عصرنا الذين رغم عدم تخصصهم في اللغة والدلالة إلا أنهم تميزوا بحنكتهم وقدرتهم على الابداع في إضفاء معان جديدة على كلمات فهمناها خطأ منذ نعومة أظافرنا جريا على ما قدمه لنا القدماء الذين لا يمتون لواقعنا بصلة ، وهكذا نجد أن عصرنا هذا قد تميز بطفرته النوعية التي همت بالخصوص تطور المعجم  ومن أمثلة ذلك هذه الكلمة العجيبة (خيانه) التي أصبحنا نسمعها تتردد على لسان ساستنا في الملتقيات والندوات وحتى في الفيسبوك وبعض الفيديوهات التي يتفنن فيها ولات أمورنا (غير المداويخ) بنعت فئة مجتمعية بها كلما دعت الضرورة  لذلك ولعل آخر مناسبة قرعت فيها هذه الكلمة آذاننا هي مناسبة مقاطعة منتوجات حليب سنطرال وماء سيدي علي ومحطات غزوال افريقيا بسبب حمى ظهرت في بلدنا السعيد وهي حمى ارتفاع الأسعار ، الشيء كان سببا في ظهور مفكرين وعلماء سياسيين واضعين معان جديدة للخيانة ، فعلى عكس ما ذهب إليه ابن منظور في تعريفه السابق للخيانة وهو تعرف متجاوز في عصرنا  نجد أن تعريفها المعاصر  يعني  حسب أحد علماء سنطرال هو  : ألا تشتري حليب سنطرال بسبع دراهم للتر الواحد ، وبمفهوم المخالفة عند الأصوليين  أن المرء كي يكون وفيا ومنزها عن علامات النفاق يجب أن يجاهد نفسه وتتجشم المشقة ويشتري الحليب ولو بسبعة دراهم ولا ينبغي اتباع شهوات النفس والأهواء لأن النفس أمارة بالسوء ، أما في معجم آخر وهو معجم افريقي نسيت اسم صاحبه فالخيانة تعني أن تهجر محطات وقود افريقيا وألا تشتري البنزين بما يفوق عشرة دراهم للتر الواحد ، وكل من فعل ذلك يكون قد خان وشان أمره وفيه خصلة من خصال النفاق والعياذ بالله ، أما في معجم الماء فإن الانسان يسقط في بحر الخيانة بمجرد أن يعلن البراء من سيدهم علي والولاء لغيره من الماء ، فهذه خيانة ما بعدها خيانة .

وهكذا معشر المداويخ (وهذه كلمة جديدة في المعاجم المعاصرة  أيضا لها دلالة قوية اتحفنا بها صاحب معجم الررراء الفاسية  وهي تطلق على كل من طالب بحقه وفضح الفساد وهي في الحقيقة مرادفة لكلمة خائنين هكذا بالجمع) يكون درسنا قد انتهى وكلنا أمل أن يكون المعنى الجديد للخيانة قد ترسب في عقولكم ، هذا ومما تجدر الإشارة إليه أن الخيانة بمعناها الجديد لا تكون إلا من جانب واحد وهو جانب الشعب المنهوك فهو الوحيد الذي يخون وهو من يتحمل جريرة خيانته كاملة وسيحاسب حسابا عسيرا إن في الدنيا أو الاخرة إن خان ، أما السياسي أو المسؤول فهو لا يخون بالفطرة حتى وإن راينا ذلك جهارا فهو الظاهر فقط أما الباطن فقلب المسؤول مطمئن بالإيمان .

بناء على هذا وحتى لو فرضنا أننا صادفنا مسؤولا( وهذا احتمال ناذر) يركب سيارة (BMW ) أو مرسيدس أو حتى جاغوار ويهمل (DACIA) فهذا لا يسمى خائنا وهذه لا تعتبر خيانة ، وحتى لو لبس هنداما إيطاليا أو فرنسيا غير آبه بمنتوج بلده فهذه أيضا لا تسمى خيانة ، وحتى لو تطبب خارج الوطن فهذا عربون وفاء وإخلاص وليس خيانة كما يُتوهم ، فهذه كلها وغيرها لا تدخل في مفهوم الخيانة بأي وجه من الوجوه لأن المسؤول بكل بساطة معصوم وقد عصم يوم أقسم .