
المقاطعة.. انتفاضة وعي المواطنة ضد الريع

موقف مقاطعة بعض منتجات اقتصاد الريع هو انتفاضة وعي جديد وفعل جديد للمواطنين وللمواطنات بما لهذه المقاطعة من بعد سياسي يعبر عن عودة الوعي ضد السياسة الاجتماعية السائدة وفضح رموز اقتصاد الريع في المغرب الذين يستفيدون من ثروات الشعب المغربي معاناته من غياب سياسة اجتماعية عدالة.
آراء أخرى
وسياسة اقتصاد الريع السائدة في المغرب لا تتوقف عن منح امتيازات للرأسمالي و حماية هذه الامتيازات والحظوة والفرص خارج منافسة نزيهة حقيقية في السوق. لذلك إذا حللنا الاقتصاد المغربي سنجد عدة مجالات اقتصادية موبوءة باقتصاد الريع : مأذونيات النقل العمومي ، رخص مقالع الحجر والمناجم والرمال والأعشاب الطبقة ، والصيد البحري… كما أن سياسة اقتصاد الريع تمنح لأعيان ولأشخاص من نخبة المخزن السياسية و الاقتصادية والاجتماعية التي تستفيد من أراضي فلاحية وأراضي بأبخس الأثمان لبناء عمارات والسكن الفاخر، و رخصة استيراد بعض المنتجات الغذائية يصبح المستفيدون منها محتكرون لها في السوق، إضافة إلى منح من المال العام قروض بلا فائدة.
واقتصاد الريع يعتمد على المنح المالية والإعفاءات الضريبية أو التقليص منها لعدد من المقاولين والمقاولات والفلاحين الكبار. وسياسة اقتصاد الريع مكنت ومَـتَّـعَـتْ كبار الموظفين والموظفات والبرلمانيين والبرلمانيات من أجور ضخمة وتعويضات وامتيازات كثيرة.
إن استمرار سياسة اقتصاد الريع، و هي أهم أسباب الأزمة الاقتصادية، مرتبط بطبيعة النظام المخزني بحيث أصبح الريع أسلوبا من أساليب الحكم وتوزيع الثروة على النخب العليا في هرم المجتمع لتوسيع قاعدته الاجتماعية الموالية.
ونتساءل كيف يمكن أن لـ”حزب التقدم والاشتراكية” التشبث بالتحالف مع “حزب العدالة و التنمية” في حكومة السابقة والحالية والاستفادة من ريعها ، لذلك كان من أشرس المدافعين عن سياستها التي ضربت المصالح الاجتماعية للطبقات الشعبية ، وفي في نفس الوقت يصدر هذا الحزب بلاغا يشدد فيه “على ضرورة التعاطي الإيجابي مع كل الأشكال المطلبية التي تتم في نطاق القانون… وتلبيتها والتواصل في شأنها مع الرأي العام، لا الاستهتار بها أو تجاهلها” !!!
إذا كانت قيادة “حزب التقدم و الاشتراكية” مع تلبية مطالب ومصالح المواطنين لماذا لا تغادر حكومة تدعم البرجوازية الريعية التي تجني أرباحا ضخمة ويتحدى وزيرها في الفلاحة والصيد البحري المواطنين؟
إنها انتهازية سياسية ومحاولة تغليط واستلاب الرأي العام باللعب على الحبلين: من جهة المشاركة في حكومة يترأسها “حزب العدالة والتنمية” والتي ضربت وتضرب المطالب والمصالح الاجتماعية للطبقات الشعبية من جهة، ومن جهة ثانية المطالبة بالاستجابة “لكل الأشكال المطلبية التي تتم في نطاق القانون”.
أما وزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش فإنه يستمر في تحدي المغاربة، إذ خلال ندوة نظمتها “شركة سنطرال دانون” في معرض الفلاحة بمكناس صرح “أن إنتاج الحليب لن يوقفه لا الأنترنيت ولا غيره… وفي الفلاحة نتعامل على الأرض والواقع” هكذا هي عقلية البرجوازية الريعية الرثة التي تتحدى الشعب، وتُسَخِّر الدولة والحكومة (التي هو وزير فيها) لخدمة مصالحها.
ومن جهتها شركة “سنترال دانون” للدفاع عن مصالحها تقدم اعتذارا لكل مواطن شعر بالإساءة نتيجة تصريحات عمومية لأحد مسؤولي شركتها بالمغرب الذي وصف المشاركين فيها، بـ”خيانة الوطن”. كما اعتذر مسئول شركة “سنترال دانون” الذي وصف المقاطعين بـ”خيانة الوطن”.
ماذا يساوي اعتذار “دانون سنطرال” ومسئولها أمام الضرر الكبير الذي أحدثه وصف مسئوليها المقاطعين لمنتجاتها بـ”خيانة الوطن”؟
هل اعتذار الشركة واعتذار مسئولها كون المواطنون والمواطنات البسطاء يسغير معاناتهم مع غلاء الحليب والمعيشة؟
والأمر البئيس هو أن الحكومة لا يهمها موقف المواطنين والمواطنات الذين يعبرون عن معاناتهم من غلاء المعيشة و تعمل بالأذن الصماء حين يتعلق الأمر بمصالح حيوية للطبقة بسطاء الشعب.
لحسن الداودي الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، توعد بالضرب بيد من حديد على يد كل مفسد أو غشاش يستغل شهر رمضان المبارك من أجل ممارسة سياسة الاحتكار حتى ترتفع أسعار المواد الغذائية…” الخ .. الخ .. من الكلام.
يقول لحسن الداودي هذا كأن المواطنين والمواطنات لا يعانون منذ سنوات وخارج شهر رمضان، في عهد وزارته وحكومته السابقة و الحالية، من ارتفاع الأسعار غلاء المعيشة!
فمنذ سنوات والطبقات الشعبية تـتـذمر من الغلاء الفاحش لأسعار المواد الغذائية من أسماك (ونحن نصدر السمك ومنتوجات البحر!!!) واللحوم والدجاج والخضروات والفواكه والمغرب الرسمي يفتخر بأنه بلد فلاحي ناجح.
ورغم أن المغرب بلد فلاحي ويصدر لأروبا الخضراوات والفواكه لكنه، وهذا تناقض يراه الأعمى ببصيرته، لا يستطيع تأمين جميع الحاجيات الغذائية المتزايدة للشعب المغربي وهذا تناقض لا تراه حكومة مغلوبة على أمرها.
ننظر إلى هذا التناقض.
خلال 2017 الذي اعتبرها وزير الفلاحة عزيز أخنوش سنة فلاحية جيدة ونموذجية اضطر المغرب إلى استيراد ما يعادل 42.5 مليار درهم (5 ملايير دولار) من مواد غذائية حسب مكتب الصرف.
المغرب يستورد المشروبات والتبغ والقمح.. و الغريب ان المغرب يستورد الخضر والفواكه التي ينتجها المغرب. وهكذا استورد المغرب سنة 2017 حوالي 32 ألف طن من الفواكه بقيمة وصلت إلى 846 مليون درهم، و 77 ألف طن من القطاني (الحمص والعدس والفاصوليا..) بقيمة إجمالية بلغت 740 مليون درهم..
ويستورد المغرب الطماطم المركزة المصبرة وهو منتج كبير للطماطم .. يستورد أكثر من 000 15 طن سنويا من هذه الطماطم من مصر وإيطاليا والصين.
ويستورد المغرب في السنة الماضية 47 ألف طن من البطاطس، ومن السكر يستورد 5 ملايير درهم من السكر لسد الخصاص من حاجيات المغاربة.
ولازال المغرب بعيدا عن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحليب الذي يبلغ انتاجه في المغرب حوالي 2.5 مليار لتر فقط ليضطر لاستيراد 702 مليون درهم من الحليب ومشتقاته. أما الزبدة فيستورد المغرب منها 288 20 طنا سنويا وأسعارها في المغرب مستمرة في الارتفاع.
لنتساءل مع بسطاء الشعب ، ماذا يفيد ما يسمى “المخطط الأخضر” وماذا يستفيد منه الشعب المغربي الذي يتبجح به السيد وزير الفلاحة، بمناسبة و بدون مناسبة، إذا كانت سياسته الفلاحية في المغرب لا تحقق الأمن الغذائي للشعب المغربي وتصبح الدولة رهينة للاستيراد منتجات فلاحية من الخارج؟
إن هذه الأرقام توضح تضخم اقتصاد الريع (رخص استراد مواد غذائية أساسية) الذي تستفيد منه البرجوازية الريعية الرثة عقليتها ، كما توضح أسباب ارتفاع أسعار المنتجات الفلاحية المُسْتَوْرَدَة ومعاناة المواطنين والمواطنات معها ولتوفيرها، وهذا يعني بوضوح فشل السياسة الفلاحية وفشل ما يسمى “المخطط الأخضر” اللذين بلورها عزيز أخنوش وزير الفلاحة.
إنها العقلية الرثة للبرجوازية الريعية و لخدامها في التعامل مع فئات الشعب البسيطة.
إن سياسة اقتصاد الريع السائدة والموقف السائد في عقلية أغلب النخب والبرجوازية الريعية المغربية وخدامها في المجالات السياسة والاقتصاد وفي المجال الاجتماعي، سياسةتيوضح أن هذه النخب لا تتردد في الاصطفاف مع سياسة ضرب مصالح أغلبية الشعب للاستفادة السياسية والاقتصادية والمالية لفرض مصالحها حتى ولو كانت ضد مصالح الطبقات الشعبية.
لذلك جاءت مقاطعة منتجات شركة “إفريقيا غاز” وقارورات و قارورات ماء شركة “سيدي علي” ومنتجات شركة “مركز دانون”، كحدث سياسي اجتماعي لتوضيح ولمناهضة سياسة وسيادة اقتصاد الريع في المغرب الذي تستفيد منه برجوازية ريعية، عقليتها رثة، برجوازية ريعية لا تشكل سوى أقلية قليلة من المجتمع لا تتجاوز 8 % على أبعد تقدير، كما هي سياسة اقتصادية تستفيد منها الشركات الرأسمالية الفرنسية والإسبانية خصوصا وتجني منها أرباحا ضخمة لا يستفيد منها المجتمع والاقتصاد المغربي.
والمقاطعة حدث سياسي يوضح من جهة ثانية الوعي الجديد الذي تبلور لدى مواطنين ومواطنات وفئات شعبية. ولا نبالغ إذا قلنا أن نضالات “حركة 20 فبراير” 2011 و نضال “حراك الريف” و”جرادة” وما خلفه من قمع واعتقال ومحاكمات لا زالت مستمرة.
إن هذا الواقع المُرّ هو الذي شكل حافزا لإطلاق مبادرة “مقاطعة” منذ 20 أبريل.
لذلك يمكن اعتبار حملة مقاطعة منتجات استهلاكية لهذه الشركات ممارسة وانتفاضة جديدة، شكلا ومضمونا، في سياق نضال فئات اجتماعية من الشعب المغربي من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية والحرية والمساواة وبالتالي هي ممارسة لمواطنين ولمواطنات ضد اقتصاد الريع وضد استغلال السلطة السياسية لتحقيق الربح ومصالح اقتصادية ومالية خاصة.
وطبيعي، بعد استمرار ارتفاع أسعار مواد الاستهلاك الضرورية الذي استمر بسبب انقلاب عشوائي للحكومة السابقة (2011- 2016) على “صندوق المقاصة” وتحرير أسعار النفط من طرف تلك الحكومة، التي ترأسها عبد الإله بن كيران وحزب العدالة و التنمية، دون خطة سياسية اقتصادية واجتماعية للرفع من القدرة الشرائية للطبقات الشعبية وتنمية التشغيل وتحسين شروط عيش جماهيلر الشعب لتجاوز معضلات الفقر والبطالة.
والزيادة سعر الحليب وفي استهلاك الماء الصالح للشرب والكهرباء وهي زيادة بررتها الحكومة السابقة والحالية بإنقاذ التوازنات الماكرو-اقتصادية من الانهيار ومن أجل إنقاذ المكتب الوطني للماء والكهرباء الذي يعاني من العجز التام، كل ذلك على حساب قوت طبقة بسطاء الشعب.. في غياب تحديد المسئولين عن أزمة الاقتصاد المغربيوعن الأزمة الاجتماعية ودون محاسبتهم وهم تصرفوا في أموال المؤسسات الاقتصادية العمومية.
وبالتالي عندما يمارس المواطنون والمواطنات مقاطعة منتجات هذه الشركات التي تحتكر سوق استهلاك البنزين والغازوال والحليب ومشتقاته وقارورات “ماء سيدي علي” فإنهم يمارسون حقا طبيعيا مادامت الدولة تدعي أنها تمارس اقتصاد السوق الحر وحرية التعبير.
لكن السياسة الاقتصادية للدولة وللحكومة والممارسة المتخلفة للبرجوازية الريعية بعقليتها الرثة وشركاتها وتحدى بعض أربابها ومسئوليها للمواطنين ونعتهم بأقبح النعوت ليس جديدا لكون هذه البرجوازية الريعية تحتقر الطبقات الشعبية وتستهزئ بها..
ليست هي المرة الأولى كمغاربة ومغربيات نسمع ونقرأ بعض السياسيين والنقابيين يرددون عبارات تافهة، مبتذلة في حق بسطاء الشعب المغربي من مثل “هذا الشعب لا يستحق أن تضحي من أجله” ، “الأوباش” ، “شعب لا يفهم” ، “مُدَوَّخْ” ، “شعب مْكـَـلـَّـخ.. مْجَمَّكْ.. مْـدَمَّغْ.. ” ، “القطيع” ، “لحوالى” ، “العروبي” ، “شعب متخلف” ، “شعب مريض” ، “شعب سكيزوفرين” ، وصولا إلى التخوين والعمالة للخارج و”أن الشعب متخلف ومتأخر ولا يفهم …” الخ من الأوصاف.
والواقع فإن طبقة البرجوازية الريعية بعقليتها الرثة التي تلجأ لاستعمال كلمات السب والشتم وغيرها في حق الطبقات الشعبية المغربية يبين الحقد الطبقي للبرجوازية تجاه طبقات شعبية لا تريد سوى العيش بكرامة. إنها برجوازية عقليتها رثة لأنها تعتبر نفسها فوق الشعب والقانون والدستور.
رغم الأرباح الخيالية التي تجنيها هذه البرجوازية الرثة باستغلال عمل الطبقات الكادحة المنتجة لأرباحهم مقابل أجور هزيلة، فهذه البرجوازية لا تـفكر ولا تعمل سوى على رفع من أرباحها والاستثمار في قطاعات اقتصاد الريع والدفاع عن استفادتها من الامتيازات والهبات ومن تخفيض الضرائب ومن إعانات الدولة والحكومة من المال العام. ومع كل هذه الامتيازات والإعفاءات فهذه البرجوازية الريعية الرثة لا تساهم بالاستثمار في خلق صناعة وطنية منتجة متحررة من سيطرة شركات الرأسمالية الفرنسية والإسبانية والأروبية والصينية غيرها، بل توجه استثماراتها في قطاعات اقتصاد الريع ولا تعمل على وتخطط لتحرير الاقتصاد المغربي من سيطرة الشركات الرأسمالية الفرنسية والإسبانية والأمريكية بل تقدم لها في المغرب خدمات كبيرة.
لكل ذلك يمكن اعتبار مقاطعة المواطنين والمواطنات لمنتجات هذه الشركات استمرار للنضال الديمقراطي على كافة الواجهات.
وإشكالية هذا النضال الديمقراطي في المغرب تكمن في أنه نضال منقسم ومشتت بانقسام وتشتت الأحزاب والنقابات وإطارات المجتمع المدني اليسارية والديمقراطية. وهذا لا يساعد على بلورة قوة اجتماعية ديمقراطية موحدة الممارسة والأهداف لتحقيق الديمقراطية وبناء اقتصاد منتج وتوزيع عادل لثروات المغرب ومجتمع يتساوى مواطنوه ومواطناته في الحقوق والواجبات، و هي ديمقراطية منشودة
لن تتحقق إلا بنضال ديمقراطي يتجاوز الشعب المغربي من خلاله السلطوية المخزنية وسيطرة هذه البرجوازية الريعية وعقليتها الرثة وحكوماتها على الاقتصاد والمجتمع المغربي.